أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - احمد مجيد الحسن - من وثائق متحف نقابة المحامين - انتفاضة الفلاحين سنة 1954















المزيد.....

من وثائق متحف نقابة المحامين - انتفاضة الفلاحين سنة 1954


احمد مجيد الحسن
كاتب

(Ahmed Majeed Alhasan)


الحوار المتمدن-العدد: 6723 - 2020 / 11 / 4 - 17:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من وثائق متحف نقابة المحامين العراقيين { انتفاضة الفلاحين سنة 1954 }
تعالت في الوقت الحاضر أصواتٌ تعيد قراءة تاريخ العهد الملكي بصورة مبتسرة، جاء ذلك نظراً للأحوال المأساوية التي يشهدها العراق الان - والتي أعقبت الاحتلال الأمريكي الغاشم سنة 2003 - من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفقدان الحكومة لهيبتها وسيطرتها، وفقدان الامل بتحسنها على الرغم من مرور السنوات العجاف السبعة العشرة التي مرت على ذلك الاحتلال.
كل ذلك جعل اليأس يتسرب الى نفوس العراقيين وفقدانهم لأي رجاء بتغير الأوضاع نحو الاحسن.
أقول كل ذلك جعل العراقيين يقارنون بين الامس والحاضر وجعلهم يحنون الى الماضي برغم مساوئه.
وقد تصاعدت تلك الأصوات مؤخراً تحن الى العهد الملكي وتزكيه وتتمنى العودة اليه وتستهجن الثورة الى قامت بالقضاء عليه، وتشتم قادتها وتعيب عليهم ذلك العمل.
ان معظم الأصوات التي تتعالى بالحنين وبالسب والشتم، لم تكن قد عاشت ذلك الزمان ولم تقرأ عنه ما يجعلها على بصيرة من أمره.
أنا لا أقول ان العهد الملكي شر كله ولم يكن خيراً كله، ولكنه نظام كان قد تداعى وفقد مبررات وجوده بحكم ان القائمين عليه قد فقدوا النظرة البعيدة للمتغيرات التي حدثت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية والتي تمثلت باغتصاب فلسطين وقيام ثورة 23 تموز (يوليو) في مصر، اللتين أحدثتا هزة عنيفة في وجدان وآمال العرب في اقطارهم كلها.
ولرب سائل يقارن بين النظام الملكي في العراق والنظام الملكي في الأردن، وكيف ان العراق كان يمكن ان يكون كالاردن مستقراً وهادئاً طيلة السنوات الي أعقبت سقوط النظام الملكي في العراق.
هنا اعود الى ماقلته آنفاً انه لم تتوفر للعراق الملكي قيادة كالملك حسين الذي عرف ببعد نظره وحكمته وذكائه، بحيث أوصل الأردن الى ضفاف الاستقرار والازدهار والامن الى مشارف القرن الواحد والعشرين بالرغم من ضعف إمكانيات الأردن الاقتصادية وتربص الكيان الصهيوني الغاصب على بعد امتار من بلده.
كان الملك حسين يجيد قراءة الاحداث والوقائع، لذا كان يسستبق الأمور ويتصرف عامة بما تمليه عليه مصلحة بلده، بالرغم مما شاب بعض قرارته احياناً بما ينافي ذلك.
أصبح النظام الملكي مترنحاً في أواخر أيامه ولم يعد يصلح نظاماً للعراق بالقياس الى تطور الشعب العراقي السياسي والثقافي والاجتماعي، وكان على رجال النظام ان يحسبوا حسابه، الذي سبق (للجاحظ) قبل مئات السنين ان لاحظه في العراقيين من انهم " اهل نظر وذو فطنة ثاقبة، ومع الفطن والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الامراء".
ففي منتصف الخمسينات قام النظام الملكي بالغاء جميع الصحف والأحزاب والجمعيات والنقابات، وحتى حل البرلمان لمجرد صعود (11) نائباً محسوبين على المعارضة من بين (140) نائباً هو مجموع مجلس النواب، بعد انعقاد جلسة واحدة فقط، مما جعل الشعب يفقد أمله في ان يتم اصلاح الحكم من داخله، وبذا تبلورت فكرة الثورة عليه اسوة وتشجيعاً مما حدث في مصر.
وقد زاد اليأس والإحباط بعد انضمامه الى حلف بغداد بمباركة من دول الاستعمار (بريطانية وامريكا).
وكان من ابرز مساوئ العهد الملكي تسلط اشخاص بل عوائل محدودة على الحكم همهم الحفاظ على مصالحهم دون النظر الى الطبقة الواسعة من أبناء الشعب لاسيما العمال والفلاحين، وقد عاصرتُ العامل يشتغل منذ الصباح الى المساء دون راحة، حتى جاءت ثورة 14 تموز وحددتها من السابعة الى الرابعة مساءً، أما الفلاحون فقد كانوا تحت رحمة الاقطاع، وقد اخبرني احدهم قبل ما يقارب (40) سنة ان حصته من الملابس كانت دشداشة (بَحري – وهو نوع من القماش الرخيص) واحدة لسنة كاملة شتاءً وصيفاً، وكان حين يحين موعد تبديلها عند قسمة الحاصل الزراعي تكون قد تمزق (ذيالها) واصبحت خيوطاً لاتستر جسمه.
ودلالة انتهاء صلاحية الحكم الملكي كثرة الانتفاضات في سنواته العشرة الأخيرة بدأً من وثبة كانون 1948 ثم انتفاضة 1952 وانتفاضة 1956، وكذلك (انتفاضة الفلاحين) في الشامية في لواء الديوانية (محافظة القادسية) سنة 1954، وهي موضوع مقالنا هذا.
عانى الفلاحون في العهد الملكي بشكل عام من وضع اجتماعي واقتصادي متردً، وكان لاصحاب الأرض ورجال الحكم الدور الرئيس في ذلك، وقد أُلفت كتب عديدة حينها تدرس وتؤشر ذلك البؤس والفقر الذي يضرب اطنابه في العراق عامةً ولكنه كان في الريف العراقي أوسع وأَمَرّ، لان القوانين السائدة آنذاك تفرض عليهم الكثير من الواجبات وتحرمهم من الجزء الأكبر من ثمرة جهودهم في الحاصلات الزراعية التي افنوا صحتهم وراحتهم في انتاجها، ولكنها تذهب لقمة سائغة لجيوب الاقطاعيين وملاك الأرض بشتى التوصيفات والإجراءات القسرية الظالمة.
نتيجة لذلك حدثت انتفاضة فلاحية في مدينة (الشامية) التي تشتهر بزراعة اجود أنواع الشلب (الرز) لاسيما (العنبر) الى يومنا هذا، الذي تتطلب زراعته جهوداً استثنائية من الفلاحين، لاسيما مع انعدام الوسائل الحديثة (المكننة) في انتاجه، مقابل ممارسة ملاكي الأرض السلطة المطلقة التي تحرمهم من أي معاملة إنسانية، فضلاً عن حصولهم على نسبة متدنية من الإنتاج.
ولم يكن باستطاعة الفلاحين الاستعانة بالسلطة الإدارية او القضائية لانصافهم، التي تصطف في معظم الأحيان مع أملاك والاقطاع لتقارب المصالح بينهم، بالإضافة القوانين والأعراف العشائرية السائدة التي تمنعهم من ذلك.
ان هذا الحال حدَّ بل منع من قدرة الفلاحين على القيام بالمطالبة بحقوقهم حتى في اضيق نطاق.
لكن التطورات السياسية المتسارعة في العراق في خمسينات القرن الماضي التي ذكرت سابقاً وازدياد نشاط الأحزاب ونمو الوعي الوطني والثقافي، أدت الى ازدياد مشاعر الغضب لدى فلاحي المنطقة بعد ان رفض الملاك قسمة الحاصل الزراعي مناصفةً معهم، في الوقت الذي بادر احد الملاك من أهل المنطقة بدوافع وطنية وانسانية الى قسمة الحاصل مع فلاحيه، الا وهو المحامي (هديب الحاج حمود) السياسي المعروف ووزير الزراعة بعد ثورة 14 تموز.
اندلعت المظاهرات يوم (6) شباط 1954 في ريف الشامية وبمساندة اهل المدينة، تطالب بانصاف الفلاح ورفع حصته من الحاصل الى النصف وإلغاء نظام (دعاوى العشائر)1 ، الامر الذي عدته الحكومة والملاكون عملاً تحريضياً من الأحزاب السياسية (كالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي) ومن المحامي (هديب الحاج حمود) مالك قطعة من الأرض في المنطقة، لمبادرته بقسمة الحاصل دون بقية الملاك.
وتعد هذه الانتفاضة امتداد لانتفاضة سنة (1952) التي هزت النظام السياسي وادت الى ان يتولى رئيس اركان الجيش (نور الدين محمود) رئاسة الوزراء لأول مرة في تاريخ النظام الملكي، كما هي مقدمة لانتفاضة سنة (1956) لمساندة (مصر ضد العدوان الثلاثي على مصر، ثم تصاعد الامر الى قيام ثورة (14) تموز التي أطاحت بالنظام الملكي.
حاولت الحكومة لعدة أيام قمع المظاهرات بالقوة الا انها لم تستطع، لذا قامت بتوقيف عدد من المحامين هم (هديب الحاج حمود – حسن الحاج وادي – يوسف الشريفي – محمد عبد المصحب – موجد الحاج حمود)، وكذلك اعتقال عدد من المعلمين والطلاب، الا انها لم تستطع اعتقال الفلاحين بسبب تعاطف الأهالي معهم وحمايتهم باستضافتهم المستمرة من دار الى أخرى مما حال دون تسليمهم الى الشرطة.
كان اهتمام الرأي العام في بغداد والعراق كله بهذه الانتفاضة كبيراً لا بين الفلاحين فقط، وانما بين أوساط المثقفين والسياسيين والطلاب، بحيث عُدَّت حدثاً سياسياً وتاريخياً كبيراً، لذا أرسلت نقابة المحامين في بغداد - في عهد رئيسها المحامي (حسين جميل) - وفداً كبيراً من المحامين بصفة (هيئة الدفاع عن العدالة) للدفاع عن المعتقلين ضاقت بهم قاعة المحكمة يتقدمهم نائب رئيس النقابة (توفيق منير) وعضوية عدد كبير من كبار المحامين بينهم عضو الهيئة الإدارية (عبد الغني مطر) وعبد الوهاب حسك وكاظم جعفر.
وقررت النقابة في 20/2/1954 كتابة مذكرة الى وزارة الداخلية معترضةً على تطبيق المادة (43) من نظام (دعاوى العشائر)على المحامين.
كل ذلك أدى الى إحراج ممثلي الحكومة والى إطلاق سراح الموقوفين بعد محاكمة شكلية، وإصدار الحكومة مرسوم (قسمة الحاصلات الزراعية بين الفلاح والملاك مناصفة).
الهوامش:
1. نظام دعاوى العشائر: هو نظام أصدره القائد البريطاني للحملة العسكرية لاحتلال العراق سنة 1918 تم بموجبه تحويل الأعراف والعادات العشائرية المتعلقة بالمنازعات إلى قواعد قانونية، وخوّل وزير الداخلية آنذاك تطبيقه، واكتسبت نصوصه صفة القانون بموجب المادة 114 من القانون الأساسي العراقي الصادرسنة 1925، وطالما استغلته الحكومة لتكميم افواه المثقفين والسياسين من اهل المدن، وقد الغته ثورة 14 تموز سنة 1958.
المصادر:
• د. محمد الحاج حمود، هديب الحاج حمود، شيخ السياسة البيضاء، دار المدى، بغداد، ط1، 2019.
• سجلات نقابة المحامين لسنة 1954 {انتفاضة الفلاحين سنة 1954}
تعالت في الوقت الحاضر أصواتٌ تعيد قراءة تاريخ العهد الملكي بصورة مبتسرة، جاء ذلك نظراً للأحوال المأساوية التي يشهدها العراق الان - والتي أعقبت الاحتلال الأمريكي الغاشم سنة 2003 - من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفقدان الحكومة لهيبتها وسيطرتها، وفقدان الامل بتحسنها على الرغم من مرور السنوات العجاف السبعة العشرة التي مرت على ذلك الاحتلال.
كل ذلك جعل اليأس يتسرب الى نفوس العراقيين وفقدانهم لأي رجاء بتغير الأوضاع نحو الاحسن.
أقول كل ذلك جعل العراقيين يقارنون بين الامس والحاضر وجعلهم يحنون الى الماضي برغم مساوئه.
وقد تصاعدت تلك الأصوات مؤخراً تحن الى العهد الملكي وتزكيه وتتمنى العودة اليه وتستهجن الثورة الى قامت بالقضاء عليه، وتشتم قادتها وتعيب عليهم ذلك العمل.
ان معظم الأصوات التي تتعالى بالحنين وبالسب والشتم، لم تكن قد عاشت ذلك الزمان ولم تقرأ عنه ما يجعلها على بصيرة من أمره.
أنا لا أقول ان العهد الملكي شر كله ولم يكن خيراً كله، ولكنه نظام كان قد تداعى وفقد مبررات وجوده بحكم ان القائمين عليه قد فقدوا النظرة البعيدة للمتغيرات التي حدثت في الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية والتي تمثلت باغتصاب فلسطين وقيام ثورة 23 تموز (يوليو) في مصر، اللتين أحدثتا هزة عنيفة في وجدان وآمال العرب في اقطارهم كلها.
ولرب سائل يقارن بين النظام الملكي في العراق والنظام الملكي في الأردن، وكيف ان العراق كان يمكن ان يكون كالاردن مستقراً وهادئاً طيلة السنوات الي أعقبت سقوط النظام الملكي في العراق.
هنا اعود الى ماقلته آنفاً انه لم تتوفر للعراق الملكي قيادة كالملك حسين الذي عرف ببعد نظره وحكمته وذكائه، بحيث أوصل الأردن الى ضفاف الاستقرار والازدهار والامن الى مشارف القرن الواحد والعشرين بالرغم من ضعف إمكانيات الأردن الاقتصادية وتربص الكيان الصهيوني الغاصب على بعد امتار من بلده.
كان الملك حسين يجيد قراءة الاحداث والوقائع، لذا كان يسستبق الأمور ويتصرف عامة بما تمليه عليه مصلحة بلده، بالرغم مما شاب بعض قرارته احياناً بما ينافي ذلك.
أصبح النظام الملكي مترنحاً في أواخر أيامه ولم يعد يصلح نظاماً للعراق بالقياس الى تطور الشعب العراقي السياسي والثقافي والاجتماعي، وكان على رجال النظام ان يحسبوا حسابه، الذي سبق (للجاحظ) قبل مئات السنين ان لاحظه في العراقيين من انهم " اهل نظر وذو فطنة ثاقبة، ومع الفطن والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الامراء".
ففي منتصف الخمسينات قام النظام الملكي بالغاء جميع الصحف والأحزاب والجمعيات والنقابات، وحتى حل البرلمان لمجرد صعود (11) نائباً محسوبين على المعارضة من بين (140) نائباً هو مجموع مجلس النواب، بعد انعقاد جلسة واحدة فقط، مما جعل الشعب يفقد أمله في ان يتم اصلاح الحكم من داخله، وبذا تبلورت فكرة الثورة عليه اسوة وتشجيعاً مما حدث في مصر.
وقد زاد اليأس والإحباط بعد انضمامه الى حلف بغداد بمباركة من دول الاستعمار (بريطانية وامريكا).
وكان من ابرز مساوئ العهد الملكي تسلط اشخاص بل عوائل محدودة على الحكم همهم الحفاظ على مصالحهم دون النظر الى الطبقة الواسعة من أبناء الشعب لاسيما العمال والفلاحين، وقد عاصرتُ العامل يشتغل منذ الصباح الى المساء دون راحة، حتى جاءت ثورة 14 تموز وحددتها من السابعة الى الرابعة مساءً، أما الفلاحون فقد كانوا تحت رحمة الاقطاع، وقد اخبرني احدهم قبل ما يقارب (40) سنة ان حصته من الملابس كانت دشداشة (بَحري – وهو نوع من القماش الرخيص) واحدة لسنة كاملة شتاءً وصيفاً، وكان حين يحين موعد تبديلها عند قسمة الحاصل الزراعي تكون قد تمزق (ذيالها) واصبحت خيوطاً لاتستر جسمه.
ودلالة انتهاء صلاحية الحكم الملكي كثرة الانتفاضات في سنواته العشرة الأخيرة بدأً من وثبة كانون 1948 ثم انتفاضة 1952 وانتفاضة 1956، وكذلك (انتفاضة الفلاحين) في الشامية في لواء الديوانية (محافظة القادسية) سنة 1954، وهي موضوع مقالنا هذا.
عانى الفلاحون في العهد الملكي بشكل عام من وضع اجتماعي واقتصادي متردً، وكان لاصحاب الأرض ورجال الحكم الدور الرئيس في ذلك، وقد أُلفت كتب عديدة حينها تدرس وتؤشر ذلك البؤس والفقر الذي يضرب اطنابه في العراق عامةً ولكنه كان في الريف العراقي أوسع وأَمَرّ، لان القوانين السائدة آنذاك تفرض عليهم الكثير من الواجبات وتحرمهم من الجزء الأكبر من ثمرة جهودهم في الحاصلات الزراعية التي افنوا صحتهم وراحتهم في انتاجها، ولكنها تذهب لقمة سائغة لجيوب الاقطاعيين وملاك الأرض بشتى التوصيفات والإجراءات القسرية الظالمة.
نتيجة لذلك حدثت انتفاضة فلاحية في مدينة (الشامية) التي تشتهر بزراعة اجود أنواع الشلب (الرز) لاسيما (العنبر) الى يومنا هذا، الذي تتطلب زراعته جهوداً استثنائية من الفلاحين، لاسيما مع انعدام الوسائل الحديثة (المكننة) في انتاجه، مقابل ممارسة ملاكي الأرض السلطة المطلقة التي تحرمهم من أي معاملة إنسانية، فضلاً عن حصولهم على نسبة متدنية من الإنتاج.
ولم يكن باستطاعة الفلاحين الاستعانة بالسلطة الإدارية او القضائية لانصافهم، التي تصطف في معظم الأحيان مع أملاك والاقطاع لتقارب المصالح بينهم، بالإضافة القوانين والأعراف العشائرية السائدة التي تمنعهم من ذلك.
ان هذا الحال حدَّ بل منع من قدرة الفلاحين على القيام بالمطالبة بحقوقهم حتى في اضيق نطاق.
لكن التطورات السياسية المتسارعة في العراق في خمسينات القرن الماضي التي ذكرت سابقاً وازدياد نشاط الأحزاب ونمو الوعي الوطني والثقافي، أدت الى ازدياد مشاعر الغضب لدى فلاحي المنطقة بعد ان رفض الملاك قسمة الحاصل الزراعي مناصفةً معهم، في الوقت الذي بادر احد الملاك من أهل المنطقة بدوافع وطنية وانسانية الى قسمة الحاصل مع فلاحيه، الا وهو المحامي (هديب الحاج حمود) السياسي المعروف ووزير الزراعة بعد ثورة 14 تموز.
اندلعت المظاهرات يوم (6) شباط 1954 في ريف الشامية وبمساندة اهل المدينة، تطالب بانصاف الفلاح ورفع حصته من الحاصل الى النصف وإلغاء نظام (دعاوى العشائر)1 ، الامر الذي عدته الحكومة والملاكون عملاً تحريضياً من الأحزاب السياسية (كالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي) ومن المحامي (هديب الحاج حمود) مالك قطعة من الأرض في المنطقة، لمبادرته بقسمة الحاصل دون بقية الملاك.
وتعد هذه الانتفاضة امتداد لانتفاضة سنة (1952) التي هزت النظام السياسي وادت الى ان يتولى رئيس اركان الجيش (نور الدين محمود) رئاسة الوزراء لأول مرة في تاريخ النظام الملكي، كما هي مقدمة لانتفاضة سنة (1956) لمساندة (مصر ضد العدوان الثلاثي على مصر، ثم تصاعد الامر الى قيام ثورة (14) تموز التي أطاحت بالنظام الملكي.
حاولت الحكومة لعدة أيام قمع المظاهرات بالقوة الا انها لم تستطع، لذا قامت بتوقيف عدد من المحامين هم (هديب الحاج حمود – حسن الحاج وادي – يوسف الشريفي – محمد عبد المصحب – موجد الحاج حمود)، وكذلك اعتقال عدد من المعلمين والطلاب، الا انها لم تستطع اعتقال الفلاحين بسبب تعاطف الأهالي معهم وحمايتهم باستضافتهم المستمرة من دار الى أخرى مما حال دون تسليمهم الى الشرطة.
كان اهتمام الرأي العام في بغداد والعراق كله بهذه الانتفاضة كبيراً لا بين الفلاحين فقط، وانما بين أوساط المثقفين والسياسيين والطلاب، بحيث عُدَّت حدثاً سياسياً وتاريخياً كبيراً، لذا أرسلت نقابة المحامين في بغداد - في عهد رئيسها المحامي (حسين جميل) - وفداً كبيراً من المحامين بصفة (هيئة الدفاع عن العدالة) للدفاع عن المعتقلين ضاقت بهم قاعة المحكمة يتقدمهم نائب رئيس النقابة (توفيق منير) وعضوية عدد كبير من كبار المحامين بينهم عضو الهيئة الإدارية (عبد الغني مطر) وعبد الوهاب حسك وكاظم جعفر.
وقررت النقابة في 20/2/1954 كتابة مذكرة الى وزارة الداخلية معترضةً على تطبيق المادة (43) من نظام (دعاوى العشائر)على المحامين.
كل ذلك أدى الى إحراج ممثلي الحكومة والى إطلاق سراح الموقوفين بعد محاكمة شكلية، وإصدار الحكومة مرسوم (قسمة الحاصلات الزراعية بين الفلاح والملاك مناصفة).
الهوامش:
1. نظام دعاوى العشائر: هو نظام أصدره القائد البريطاني للحملة العسكرية لاحتلال العراق سنة 1918 تم بموجبه تحويل الأعراف والعادات العشائرية المتعلقة بالمنازعات إلى قواعد قانونية، وخوّل وزير الداخلية آنذاك تطبيقه، واكتسبت نصوصه صفة القانون بموجب المادة 114 من القانون الأساسي العراقي الصادرسنة 1925، وطالما استغلته الحكومة لتكميم افواه المثقفين والسياسيين من اهل المدن، وقد الغته ثورة 14 تموز سنة 1958.
المصادر:
• د. محمد الحاج حمود، هديب الحاج حمود، شيخ السياسة البيضاء، دار المدى، بغداد، ط1، 2019.
• سجلات نقابة المحامين العراقيين لسنة 1954.



#احمد_مجيد_الحسن (هاشتاغ)       Ahmed_Majeed_Alhasan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحات من تاريخ نقابة المحامين العراقيين - تأسيس نقابة المحام ...
- صفحات من تاريخ نقابة المحامين العراقيين - دور نقابة المحامين ...
- المحاماة في العراق أيام الاحتلال البريطاني
- ممذكرات محمود صبحي الدفتري عن تأسيس مدرسة حقوق بغداد سنة 190 ...
- من مساهمات نقابة المحامين - مكافحة غسل الأموال في العراق
- صفحات من تاريخ نقابة المحامين العراقيين - عندما لم تجرَ انتخ ...
- صفحات من تاريخ نقابة المحامين العراقيين - الاتفاقيات التي عق ...
- صفحات من تاريخ نقابة المحامين العراقيين - صندوق تقاعد المحام ...
- من وثائق متحف نقابة المحامين - المعونة القضائية
- من وثائق متحف نقابة المحامين - المحاماة في العراق في العهد ا ...
- اتعاب المحاماة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - احمد مجيد الحسن - من وثائق متحف نقابة المحامين - انتفاضة الفلاحين سنة 1954