أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - اغتراب الغربة 13/15















المزيد.....

اغتراب الغربة 13/15


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 03:20
المحور: الادب والفن
    


wاغتراب الغربة 13/15
في المساء ذهبوا إلى قاديس و لأول مرة يركب رشيد سيارة فاخرة على نغمات موسيقى اسبانية،وهناك اشترى الباطرون للطيب سيارة وأمتعة و......و.... و
في لحظة انشغل فيها فيليبي بإجراء مكالمة هاتفية همس الطيب لرشيد : لا تستغرب فكل شيء من أموالي الخاصة ،فلم أتقاضى مرتبي منذ سنتين ،وكان يدفع لي ما اقتات به ،وألبسة بل أكاد أشك أن هذا متجر ابنه الذي حدثني عنه من قبل ، من يدري؟
انتبه للصديقين يتكلمان باللغة العربية ففهم أن ذلك يعنيه وأن الحوار يدور حوله لكنه حين رجع للطاولة التي جلسوا فيها بالمقهى استبق الطيب الحوار قائلا لفليبي :قال رشيد انه يريد شراء سيارة فقلت له انتظر ثلاث سنوات بدورك مثلي وضحك.
فهم كل واحد من الثلاثة التمويه
حين هموا بالإنصراف أتى شخص من المتجر المقصود وتكلم مع فيليبي حينها همس الطيب في أذن رشيد:ألم أقل لك إنه متجره .
ركب الثلاثة السيارة الجديدة ومعها الأثات وعرجوا على أحد الفنادق وهناك تناولوا عشاء فاخرا .
حينها أخرج فيليبي دفترا وبدأ يقدم فيه للطيب تقريرا ماليا عن اشهر العمل التي اشتغل فيها ،
أحس رشيد بالإحراج من وجوده حاول الابتعاد لكن الطيب طلب منه البقاء رغم أن فيليبي لم يعجبه ذلك وواصل :
عملت أكثر من 35 شهرا بأجر شهري يوازي 3000بسيطة في السنة الأولى وأجر شهري يوازي 4000بسيطة في الستة أشهر الموالية و 5000بسيطة في الأشهر الموالية و6000بسيطة في الأشهر الأخيرة
سأل فيليبي عن المجموع فأجاب رشيد بسرعة أثارت انتباههما :156000 بسيطة
قال فيليبي oui دلالة على صحة الرقم
وواصل :السيارة ب 56000 بسيطة والأثاث هو هدية مني لأسرتك المتواضعة وتسلمت مني 60000 بسيطة كمصاريف طوال السنتين الماضيتين وسيبقى لك 60000 بسيطة وسأضيف لك 1000 بسيطة كمساهمة مني لقضاء عطلتك .
لم يشأ الطيب مناقشة الأمور لدواع عدة بينما واصل فيليبي :سأخصم لك منها 10000 بسيطة كمصاريف للوثائق التي توصلت بها السنة الماضية و50000 بسيطة لأنك كنت مريضا مدة شهر كامل و1000 بسيطة مصاريف للكهرباء
كان رشيد ينظر لفيليبي نظرة خاصة لكنه تذكر نصائح الطيب له حول الظاهر والباطن وفي لحظة ما بدا منشرحا .
خرج الثلاثة من الفندق بعد أن تسلم الطيب مبلغ سبعة آلاف بسيطة المتبقي وأدى منه مصاريف العشاء .
في لحظة الوداع أسر الطيب لرشيد قائلا :لا تنسى فالآخرون حانقون من خروجك معنا لكن حرصت على ذلك لترى بنفسك من هم الإسبان ،ولا تنسى أن الثمن الحقيقي للسيارة هو أربعة آلاف بسيطة لكن ما باليد حيلة ،ولذلك أخبرتك أنني لا انوي الرجوع مرة أخرى ،فها أنت هنا وإذا وجدت عملا آخر عند الرجوع سأستدعيك ،وإذا لم أجده فليس لي خيار غير هنا ولذلك لم أحتج ولم لأنني عند الرجوع سأشترط مقاضاة أجري في نهاية الشهر فورقة التسوية التي كان يلوح بها فيليبي سقطت من يديه .
***************
افتتح رشيد عمله بشتم أحد العمال الكونغوليين التابعين له أمام فيليبي مما أثلج صدر الأخير حيث ضمن استمرار نفس النهج السابق في قمع العمال ،لكن رشيد كان يتغنى تحقيقي هدفين :
الأول: إرضاء صاحب المزرعة لضمان موقعه الجديد .
الثاني:ضبط العمال وإعطاء عبرة لمن تسول له نفسه التهاون .
والانتقام لإحدى الإهانات التي تعرض لها من الشاف السابق الكونغولي الجنسية .
مع مرور الزمن سطع نجم رشيد فنصب عميد المغاربة هناك ،ولقد ضمن له هذا الموقع الجديد استراحة نفسية على الأقل ،وإعفاء من بعض التكاليف والأعمال الشاقة ،وحرية التحرك والتجول في المزرعة ،وليلا بالمدينة مما أهله أن يشتري راديو يتعرف به على جديد الأخبار العالمية ،ومن حين لآخر لم ينسى فاطمة فقد كان يزورها بانتظام أثناء بعض المهام الخاصة التي يكلف بها في المزرعة الأخرى في إطار تعاون تقني بين المزرعتين ،كان يستغل الفرصة لقضاء حاجياته الجنسية ،أما هي فكانت تنتظره بشغف وتفتخر به أمام زميلاتها .
وحين يستريح للتأمل كانت صورة الطيب لا تفارق مخيلته ويجد نفسه يعيد شريط النصائح ،وطريقة المحاسبة التي انتهجها معه فيليبي بعد ثلاث سنوات من العمل الشاق ،لم ينس أن يتصل به في المغرب ليخبره بكل جديد داخل المزرعة ،كما زار الطيب أهله وطمأنهم عليه ولإثلاج صدرهم دفع لهم مبلغ ثلاثة آلاف درهم كأمانة مبعوثة من عنده .
ومع مرور الأيام بدأ رشيد بخبرته التي اكتسبها يدرك أن أيام تواجده قد تبدو معدودة رغم كل التضحيات ،فطريقة التعامل مع العمال من طرف فيليبي مهينة وإن تحملها تجاوزا فقد يأتي يوم لن يصبر وسيصب جام غضبه عليه ،ويثور ضده ويغادر المزرعة والشابولات التي ألف جوها وانسجم مع البعوض الذي يزورها من حين لآخر ،لذلك بدأ يفكر في طريقة يتمكن بها من أخذ مستحقاته المالية بعد انتهاء كل شهر ،لذلك فكر في خطة أخبر بها الطيب وبدأ في تنفيذها .
طلب لقاء خاصا مع فيليبي ،وحين جلسا للحديث استجمع رشيد قواه في فن الإقناع والجدل ،وقدم له اقتراحات لتطوير عمل المزرعة بشكل أثار إعجاب الباطرون حيث بدأ ينظر لرشيد كخبير اقتصادي ،لقد حمل له خططا لتطوير الإنتاج 100% وحين ارتاح لها وأمره بالبدء في تنفيذها عاجله رشيد بالقول :سيدي فيليبي لي طلبان .
الأول أن تبقى الخطة سرية، ولكون دور العمال جوهري وأساسي في العملية ولتشجيعهم وضمان انطلاقة قوية للمشروع اقترح تسوية وضعية المجدين منهم الذين قضوا سنوات طويلة هنا
استغرب فيليبي لجرأة رشيد وطلب مهلة للتفكير
غاب رب المزرعة مدة ثلاثة أيام ،وسط استغراب العمال ،وعندما رجع استدعى رشيد على عجل ،وقال له :خططك جيدة لقد سالت عنها احد الخبراء فشجعني على المضي قدما فيها سأقدمها لوزارة الفلاحة في تقرير مستعجل .
قال له سعيد :أنا سأكتب التقرير بالفرنسية وتكلف أنت بترجمته للإسبانية
• هل تعرف الفرنسية ؟
• نعم فأنا خريج جامعة مغربية .
• ولماذا لم تخبرني بهذا من قبل ؟
• تواضعا مني ولم يطلب مني احد مستواي الدراسي لكن لا بأس
• ستتطلب منا الترجمة بعض الوقت لكن سأصرف لك مقدار 4000 بسيطة كهدية مني .
• سيدي غير كافية فأسرتي مهددة بالطرد من منزلها بسبب عدم تأديتها الضرائب .
• ولكنك لم تعمل مدة أطول ،ورغم ذلك سأضيف لك مبلغ 2000 بسيطة .
• كما تريد سيدي .
• لجدية عملك موافق والخطط سنبدأ فيها بعد موافقة الوزارة عليها
• *والأوراق القانونية
• +ماذا ؟
• *طبعا ليس لصالحي بل للآخرين الذين قضوا مدة طويلة وسنعتمد عليهم في خطوات المشروع .
• ولمن ؟
• *لعبد الله قال لي انه قضى أربع سنوات وله ستة أطفال يأمل زيارتهم ،ولحمودة منذ تزوج قبل ثلاث سنوات لم ير زوجته نأرجوك قدر ظروفهم.
• كفى ،لا أريد مزيدا من الأسماء سأتدبر أمر هذين فقط بشرط عدم إخبارهما إلا ليلة السفر كي لا يثير فتنة بين العمال بسبب الغيرة
• *لا عليك يا سيدي في يوم اختفائهما للسفر سنبرمج حفلة للهو ينسى فيها العمال كل المتاعب ويبدؤوا بنفس جديد ،وأنا سأتكلف بذلك .
عندما أخبر رشيد الطيب بهذه التطورات فرح الأخير كثيرا، فقد أخذ أجره بذكاء وساعد في تسوية وضعية شخصين وإنقاذهما من النسيان فخاطبه قائلا:إنك مناضل فعلا
بعد شهر كامل كان رشيد يطلب من عبد الله وحمودة الاستعداد للسفر ،لم يصدقا نفسيهما فانخرطا في البكاء من شدة التأثر .
**********
لكن فيليبي وموازاة مع دخول الخطط لساحة العمليات أصبح يحدق في رشيد شرا متربصا به وقابلا للتطور،لذلك بدأ يتعمد تهميشه ،وموازاة مع ذلك ارتفع ضغط رشيد وضبطه للعمال وإعطائهم الراحة الكاملة للعمل بحرية مما أثار حفيظة وغيرة بعض العمال الآخرين في الأجنحة الأخرى ،مما جعل الكل يتوقع حدوث أزمة بين الطرفين وطرد رشيد في أي لحظة ،حاول بعض الفضوليين تقصي الأخبار لكن لم يعثروا على جواب شافي .
لكن فيليبي وموازاة مع دخول الخطط لساحة العمليات أصبح يحدق في رشيد شرا متربصا به وقابلا للتطور في كل لحظة ، لذلك بدأ يتعمد تهميشه ،وموازاة مع ذلك ارتفع ضغط رشيد وضبطه للعمال بطريقة مغايرة ،بل وتمتيعهم بالراحة الكاملة للعمل بحرية مما أثار حفيظة وغيرة بعض العمال الآخرين في الأجنحة الأخرى ،مما جعل الكل يتوقع حدوث أزمة بين الطرفين وطرد رشيد في أي لحظة ،حاول بعض الفضوليين تقصي الأخبار لكن لم يعثروا على جواب شافي .
ضاق به فيليبي ذرعا، لم يستحمل شروطه ،ولم ترقه طريقته الجديدة في العمل ،لكن الحل في نظره كان جاهزا رغم غياب بديل لرشيد يضبط العمل والعمال بهذه الطريقة لذلك بلغ عنه أحد أصدقائه من البوليس وأعد له فخا لم يتوقعه رشيد رغم سوء التفاهم الحاصل بينهما .
ذات يوم بعثه فيليبي في مهمة عند صاحب مزرعة يتعاملون معها بسيارته ،وبعد ابتعاده ب سبعة كيلومترات عن البلدة اتصل بأصحابه الذين أوقفوه لأول مرة أ،أنكروا معرفتهم بفيليبي ،سألوه عن الوثائق و عن بطاقة الهوية,دهش رشيد للمفاجأة غير السارة ، تلعثم من شدة الخوف فلم يجد جوابا,فلا اللغة يتقن التحدث بها و لا هو متوفر على أوراق تثبت هويته و وضعيته القانونية.حجزوا عليه و أخذوه إلى قسم الشرطة في جناح المهاجرين السريين .
طلب الرجوع من حيث أتى لكي يسوي بعض أموره الخاصة كنقوذه وملابسه لكنهم رفضوا ذلك.
في المساء رجعت السيارة للمزرعة ولم يرجع سائقها هذا الصباح ،فهمت اللعبة وسط حزن شديد للعمال وخلاصة أن الكل مهدد بالتصفية بهذه الطريقة .
وفي الصباح اختفى اسم رشيد بعدما كلف شخص جزائري بقيادة المجموعة ليرجع لها حيويتها.
******************
في سجنه الجديد يبدو الفضاء مفتوحا أنيقا وجميلا، ارتدى فيه أثواب جديدة بعد مدة طويلة لم يصاحب فيها سوى الملابس البالية حفاظا وتوفيرا للنقود،أعاد اكتشاف التلفاز وقنواته المتعددة بعد فراق طويل كأنه داخل كهف واسع فوق سطح الأرض ،تذوق المأكولات اللذيذة التي افتقدها منذ مغادرته للمنزل، لكن رغم ذلك ورغم صخب الجو الخاص الذي قد يحس فيه أنه قد يجد ذاته فيه, فقد كانت متعة المكان مفقودة بدرجة كبيرة, إنه يحس بنفسه داخل قشرة جوز مغلقة يكاد يقبر فيها من شدة ضيقها . إنه سجن من نوع آخر سمي دار اللاجئين السريين أو الخيرية بالتعبير المغربي القح.
إنه سجين الآن ولو في فضاء غير ما اعتاد القراءة عنه في روايات منيف أو في مذكرات المعتقلين هنا قبل ترحيله للمغرب وهناك تنتظره مصاعب قانونية إضافة للمتاعب النفسية.
لقد مرت عليه الآن أربعة أيام قضاها كمن قضى أربع سنوات داخل كهف سحيق, لم يكن يسمح لهم بالخروج ، فقد كانت الحراسة مشددة والأوامر صارمة باليقظة خشية فرار 80مهاجر سري يحتجزون هنا وقد أصبح البكاء قوتهم اليومي.
في أحد الأيام قاده الحراس في سيارة ،استمرت الرحلة ساعة واحدة قبل أن يجد نفسه في طائرة .
في تلك اللحظة تيقن أنه سيرجع من حيث أتى إلى وطنه المغرب ،فكر في البكاء ،لكن صراخا داخليا كان يصيح فيه أن البكاء أصوات النساء والعجزة.
و هو في الأجواء,جلس شارد الذهن منهك القوى,لم يستطع تحمل الصدمة,فعندما قطع أشواطا عدوا من خداعه لأبيه إلى المساهمة في خرق حقوق الإنسان و كرامته إلى وصوله لاسبانيا و التعرف على فاطمة التي أرسلته إلى الطيب و عمله الذي بدأ من مجرد عامل مزارع بسيط إلى عميد المغاربة المهاجرين بالمزرعة نفسها.
كل هذه الأحداث المتوالية و في ظروف قاسية من جوع و برد و غربة و حميم للعائلة و تهميش لمدة تقارب السنتين,تحملها ترقبا لمستقبل أفضل, وغد جديد ، أملا في تسوية وضعيته القانونية تخول له العيش مكرما ..و منزها ..و تضمن له استقرارا..ولو إلى حين.حينها سيزور عائلته أنى شاء,ثم يرجع إلى عمله الرسمي كصديق طفولته مصطفى,لكن يبدو أنه سراب من الأحلام سيبقى كذلك إلى الأبد.
ها هو ذا الآن يرحل إلى وطنه..-وهل يعترف بأنه وطن له أم انه ملحق به فقط - خاوي الوفاض ,مثل ما جاء لأول مرة أو ربما أكثر انهزاما و عدما,لا يتوفر على سيارة يبرهن بها على نجاحه في عمله و لا هدايا ليثلج بها صدر أمه و أبيه اللذين تركهما ينتظران بضاعة الشمال ليرد الأب ثلث ما استلف من أجل مساعدة ابنه في إنشاء مشروع يجد فيه ذاته.
لم يستطع تكوين ذاته في بلده,جميع الأبواب أغلقت في وجهه,و لم يبتسم له الحظ منذ أن حصل على تلك الورقة التي لا تغني و لا تسمن من جوع,لكنه كذلك لم يستطع تكوين تلك الذات البئيسة و المنهزمة في المهجر,فقد جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنه الشراعية ,و أصبحت الأحلام أوهاما و الآمال آلاما.إنه يفكر كيف سيواجه والديه بعد علمهما بهجرته لاسبانيا و هما يترقبان عودته بعد أيام قليلة يكون فيها الصيف قد أشرق و هلل بالبشرى.انه يهرب من نفسه..يفر من مواجهة الحقيقة... كان يراقب الأجواء ويتمنى أن لاتصل الطائرة تأجيلا لآلام منتظرة ...في التيهان وهو الذي لا يملك حتى ثمن شراء كسرة خبز ...تشفي غليل بطن جائع ..
أخيرا هاهو البحر المتوسط, الأجواء الآن مغربية إذن أي وجهة سيأخذ ..في أي مسار سيسير؟ ..الأفكار مشتتة حينئذ يطرح السؤال : وماذا بعد النزول من الطائرة ؟هل سيعتقل ؟كيف سيشعر ولا أحد سيهب لاستقباله ..على خلاف الآخرين ؟وهل سيستقبل من طرف رجال الحال الذين قد يتابعونه بجريمة الهجرة السرية .
لقد أحس باحتقار الذات وخيبة أمل كبيرة, الإحباط يحاصره من كل مكان..اليأس يخترق لواعجه المتكسرة
لكن هل سيستسلم ؟كيف يقاوم يأسا ويبدأ حياة جديدة إنها تساؤلات كسرت جوانحه قبل الهجرة لأوربا فبالأحرى الآن ....
ونزل من الطائرة مطأطأ الرأس ..فمع ذلك لن يرضى أن يشعر أو يعرف أحد وضعيته ...
*************************
من المطار خرج كثور خائر القوى من مبارزة قوية مع الزمن المتهالك، ـلم يفهم كيف أنه لم يحتجز ليقدم للمحاكمة بتهمة الهجرة السرية ـ فهل أطلقوا سراحه قانونيا ؟أم أنه لن ينضاف إلا كرقم جديد يثقل ميزانية السجن بلباسه وكيلوغرامات محددة من الخبز واللوبيا والعدس الرديء ـ كما أنه لن ينضاف للذين يقفون في الطابورات المختلفة طلبا لقضاء حوائجهم الخاصة .
لقد حدثه أحد أصدقائه سبق له أن عاش تجربة السجن مع الحق العام يوما ما، أنه من أصل 300سجين يوجد مرحاضان ،ويجب على الإنسان أن يطلب الذهاب قبل ساعة من إفراغ محتويات معدته الفارغة أصلا بفعل الوجبات الرديئة التي تقدم هناك والتي يظهر فيها الديدان أحيانا ونسبة الزيت قليلة، أما الماء لغسل الأيدي والاستحمام فذاك شيء آخر مؤجل إلى مابعد الخروج من الغرفة الضيقة التي لا تتجاوز مساحتها 30متر مربع وتستضيف 20نفرا من مختلف الأعمار ومن مختلف التهم .
لم يدري كيف انبجست ابتسامة جميلة على محياه حين اعتقد أنه هرب من لواعج أخرى تضيف له أحزان جديدة على ماتراكم عليه من مضايقات ،قارن بين السجن في اسبانيا ولو للأجانب فبالأحرى أبناء البلد ـوبين مكان في بلده للتخريب لا لإعادة التربية كما يقولون .تيقن أنه "محظوظ".
إنها ترددات حزينة اقتحمت لواعجه وهو يخرج من المطار الذي لم يدخل له يوما بل خرج منه فقط.
المطار بعيد عن المدينة بكيلومترات عديدة ـلا نقوذ لديه ...لا هوية ..لا ..لا ....إذن من هو ؟من حسن حظه أنه مازال يحتفظ برقم بطاقته الوطنية 6147pr مالعمل إذن ؟
كان منهكا ،ابتعد قليلا بأمر من الأمن الخاص للمطار ،لم يجد سوى شجرة اتكأ عليها ،عكف يتأمل هذا الوسط الخاص ،يبكي بالداخل ويضحك بالخارج ،إنها مفارقاته الخاصة ...ومن الهم ما أضحك .
الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، الحرارة مفرطة هذا الصيف،و من حسن حظه مازال يحتفظ بملابس جيدة تصدق عليه بها الاسبان في المعتقل الخاص بالمهاجرين السريين الذي نسج فيه علاقات عديدة مع الأفارقة بمختلف الأجناس ومع البلغار والرومانيات...... ،كما كانت فرصة لممارسة الجنس مع خادمة اسبانية هناك ،حينها أحس بانتقامه من فيليبي والاسبان عموما ،وكما قدر فإنه وإن خرج من اسبانيا فإنه ترك بذرته هناك ،بعد سنوات هناك ابن سيوجد وبالضرورة سينتسب إليه ،لقد قدم معلوماته الصحيحة إلى فلانيتينا على خلاف لحظة الاعتقال حين سألوا عن اسمه فتظاهر لحظة بالبكم قبل تقديم اسم وهمي هو من دخل به الطائرة ،المهم أن –الابن المقبل - ممثل العائلة هناك بالخارج ،لم يحس كيف انسكبت دموعه اغروراقا حين تأمل وفكر أن الابن سيكبر ولن يعرف أباه ،وسيفكر- الابن- في نشر إعلان يطلب منه أن يظهر ،وسينشر إعلانا في برامج المختفين والجرائد المختلفة ،حينها سيتشجع ويبعث نداء لجمع العائلة من المغرب وسيعود إلى اسبانيا مظفرا غانما مرفوع الرأس في إطار لم الشمل الأسري ،ومن يدري فقد يكون الابن موظفا ساميا ولو كان غير شرعي ،فالأمر عادي بأوربا ،فهل شرعي هو غربة في كل مكان .
أين هي الشرعية المفقودة في كل مكان فبالأحرى مع ابني الذي فقدته هناك ...في لحظة نشوة عابرة.؟
فجأة خرج من أحلامه الوردية لينتفض شخصا آخر داخله وليخاطبه :ومن قال لك أن فلانيتينا أحبتك بالفعل أم كانت طريقا لتوصل لك السيدا ؟ من يدري ؟فالصراع الحضاري بين الأمم والشعوب توظف فيه كل الأساليب الحضارية منها والدنيئة، ومعروف تاريخيا أن نقطة ضعف الإنسان هي الجنس والمرأة و المال.
كانت هذه تأملاته الخاصة التي مسحت أو أعادت جزءا من أحزانه، ورسمت ابتسامة عابرة على محياه انمحت بغفوة نوم أخذته إلى عالم اسبانيا من جديد .



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب الغربة 12/15
- ساعات في السجن
- اغتراب الغربة 11/15
- اغتراب الغربة 10/15
- اغتراب الغربة 9/15
- حوار صحفي مع الفاعل الجمعوي محمد بلمو
- اغتراب الغربة 8/15
- الهجرة إلى............... 2* هوامش من دفاتر الأحزان
- اغتراب الغربة 7/15
- هوامش من دفاتر الأحزان
- حوار مع المبدع المغربي أحمد الكبيري
- اغتراب الغربة 6/15
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-2/2
- تيهان
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-1/2
- 4/15اغتراب الغربة
- اغتراب الغربة
- في ذكرى النكبة
- اغتراب الغربة 2/15
- اغتراب الغربة 1/15


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - اغتراب الغربة 13/15