أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - الهجرة إلى............... 2* هوامش من دفاتر الأحزان















المزيد.....

الهجرة إلى............... 2* هوامش من دفاتر الأحزان


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1585 - 2006 / 6 / 18 - 06:15
المحور: الادب والفن
    


في المقعد الخلفي للحديقة يتمدد صابر ،عيناه مازالت تدمعان بحرارة بعدما تلقى صفعة قوية هذا الصباح .
لقد اعتقلوا أخته عائشة التي طالما احتضنت وتحملت مصاريف عائلة بأكملها لمدة تجاوزت السنة،وبتهمة اهتزت لها العائلة والحي الذي تقطنه رغم أن الأمر كان متوقعا،لكن الأمر كان فظيعا أن يعرفه الرقيب والقريب والبعيد .
هاهو مازال يكفكف دموعه قبل مطلع الشمس، لقد فضل الخروج من المنزل الذي تم فيه الاعتقال كي لا تلتقي عينا عائلة بأكملها على ألم طالما تأجل إلى وقت لاحق.
وطوال ساعة من الزمن قبل شروق الشمس، مازال منهك القوى الداخلية ، يصدر صوتا اقرب إلى حفيف الأشجار داخليا وهديل الحمام الحزين خارجيا.حاول السكوت والتفكير في الآتي فيما وقع، ولكن كيف ؟إنه يشعر أن الكل يواجهه ويوجه له تهمة التواطؤ على ماوقع ...بل والمسؤولية ....
في لحظة اقترب فيها منه حارس الحديقة الذي التحق بعمله هذا الصباح، صمتت حشرجاته ،وجعل يسترجع شريط حياة أليمة منذ سنتين .
مازال لم ينسى حين كان يحمل كيسا قبل سنتين احتوى كل شيء من أثاث عائلة قادمة من ضواحي مدينة ابن أحمد .
لقد توفي الأب فجأة،وكانت فرصة انتظرها بشوق صاحب المزرعة التي تحملت فيها العائلة "الخماسة " كل شيء لتصبح المحاصيل الزراعية مداخيل فعلا ،لقد طردهم الحاج كما ألفوا مناداته ودفع لهم مبلغا لا يتجاوز 1500درهم "إحسانا منه "كما ادعى ليصلوا للبيضاء ،حينها طمأنهم أنهم سيجدون حين وصولهم شخصا سيقودهم إلى منزل أحسن من الكوخ الذين قطنوه مند عشرين سنة وقاسوا برودته شتاء وحرارته ولسعات عقاربه صيفا .وكما قال لهم أن الأرض ستستريح هذه السنة لحالة الجفاف التي تعم المنطقة .
عندما لفظهم الطاكسي الأبيض لم يجدوا أحدا ، عز عليهم الرجوع للكوخ،لقد انتبهوا للحيلة إذن ،فهموا الأمر أنه طرد مقصود بشكل ذكي ،لذلك سارعوا بالبحث عن شقة تأويهم هربا من التشرد الذي يحيق بهم ولسذاجتهم اكتروها بضعف مبلغها الحقيقي .
كانوا أربعة، الأم والبنتان الكبيرتان وصابر الذي مازال لم يتجاوز ربيعه السادس عشر ،ومع مرور الزمن الهائل لم يكم لهم من خيار للقوت اليومي غير امتهان كل المهن الشريفة والمهينة ،اشتغلت الأم خادمة عند أصحاب الفيلات ،وبعد شهر غادرت "العمل " لأن رب العمل طمع في اغتصابها ،رفضت فطردها وحرمها من أجرة 100درهم الأسبوعية بعد أن أشبعها شتما رديئا على مرأى من ابنتها.
تحولت الأم البائسة إلى بائعة للبيض والخضر... ويا لطالما تعرضت للمنع من طرف أعوان السلطة أحيانا وفرض عليها دفع الإتاوات الإجبارية لممثل السلطة ليوصلها للقائد كعربون وفاء من *الرعايا *الذين هم تحت نفوذه ،وصولا إلى احتجاز العربة البئيسة التي مازالت لم تسدد ثمنها من ديون أقرضها الجيران إياها .
كان القوت اليومي هو الخبز الحافي الممزوج بمرق بئيس إضافة لزبدة وأرز وعدس ..مر زمن استهلاكه ..
البنتان كانتا تتعلمان الخياطة عند أحد الخياطات، لكن ثقافة البادية كانت شاسعة مقارنة مع ثقافة المدينة التي تعتمد خفة الحركة والمرح...غيرتا المكان مرارا .....
ومع مرور الزمن كانت الأم تقاسي وتتحمل تهان كرامتها ،وفي سبيل الخبز كان الصبر قوتها اليومي وأنينها الذاتي ،كما أن احتكاكها بالآخرين أقنعها بتغيير مقر سكناها إلى براكة اكترتها بربع المبلغ الذي كانت تكتري به المنزل مما خفف نسبيا موازنتها المالية الهزيلة.
كانت تدرك صعوبة الوضع من ناحية أخرى ،لذلك كانت توصي الأبناء بالحذر الشديد من الذئاب اللاحقة والمترصدة لهم دوما ،وكانت تلح على البنات كثيرا ،لكن المراهقة داهمت الجميع واجتاحتهما كتسونامي الليل القادم بعد طول نهار ممل ،لذلك كانت النصائح تمر سريعا بملل دون أن تأخذ مكانها الخاص داخل ذواتهم .
لقد أصبح الابن يجتمع بزملائه البئيسين فيدخن الورق ويشم السليسيون..كما انخرط قبل مدة في عصابة لسرقة الدكاكين قصد توفير مستلزمات المخدرات...نبهته الأم ووبخته لكن دون جدوى وبطريقة فجائية فقدت سلطتها عليه فلم تعد تستطيع ردعه عن غيه اللامتناهي ،بل حين تؤنبه يبتدع طريقة للضغط عليها ،يختفي أياما وعوض البحث عن لقمة عيش تسارع للبحث عنه وحين تجده لا يعود إلا بشروط أهمها توفير 20درها كمصروف يومي ...
ومع مرور الأيام أصبحت الأسرة البدوية مشهورة في أزقة الحي، تغيرت اللكنة البدوية لأفرادها إلى عبارات توحي بتفاعل خالص مع المعجم اليومي الذي يضيف ألفاظا جديدة يخدش جلها الحياء العام.
مريم الكبيرة أصبحت تحس أنها فتاة فعلا، يجب أن تقتنص الزوج قبل أن تقتنصها عنوسة الزمن الرهيب ،لا تتردد وسط دهشة أمها من شراء المساحيق المختلفة التي تضفي عليها *جمالا* و*بهاء *،تثير كل من يمر أمامها في الشارع ..بل تخلت حتى عن غطاء رأسها بإيعاز من صديقتها الجديدة التي أصبحت ترافقها في المساء للتجول في الشارع قصد التصريح بممتلكاتها الجلية للعيان.
مرت أيام ،جرت مياه كثيرة تحت الجسور، لم يدري احد ماذا حدث.؟.بل وكيف وقع ؟هل بدأت الأسماك تسقط في شباكها ؟ أم أنها هي التي سقطت في شباك عالم آخر ذاقت حلاوته في أول مضاجعة جنسية..
كان الكلام الأولي قد وجد في نفسها شيئا لم تألفه من قبل وبعد تمنع حقيقي كانت تتجه بأرجلها دون قلبها إلى غرفة بناء مهاجر من تارودانت ..وطوال ساعتين..عرفت نفسية الرجال الذي طالما حذرتها أمها منهم..
.نزعت ثيابها بتلقائية استغربت لها هي نفسها ..وحاولت استدراج الضحية لوعد بالزواج صرح لها به قبل أن تعانقه..وبعد لحظات كانت تنقي آثار الدم من الأغطية الرثة التي احتضنت عناقهما وعلى خلاف المنطق فزع الرجل قبل أن تفزع هي من ألم أحست به في قلبها قبل .....قبل الوداع وضع في أيديها 100درهم على أساس اللقاء غدا لبدء الإجراءات القانونية بعد أن أمطرها بعبارات الإطراء والمدح و....طمأنها على الزواج وسط البيت الذي زين بصور المغني الستاتي و*فنانة الجماهير* الشيخة نجاة اعتابو ..
حين عادت غدا لنفس المكان وجدت البابا موصدا سألت الجيران ، أخبروها أن المعني غادر المكان نهائيا صباح اليوم بل حين اتصلت بالهاتف الذي زودها به كان رده انه غير الشخص المطلوب......
بكت بكاء حارا في قلبها من جرح أحست باختراقه وسط استرجاعها لنصائح أمها لكن من لا ينتبه في الوقت المحدد لن تقبل منه شكاية بل حين تقبل تقديمها لمن ؟ وضد من ؟
إنها أول خطوات مريم في عالم الدعارة التي أصبحت محترفة لها بشكل قوي، بل يإيعاز من صديقتها انخرطت في شبكة خاصة ...نبهتها الأم مرارا ..لكن الأمر تجاوزها فاشترت صمتها بما تدسه في يدها من أوراق خضراء...وحمراء... وزرقاء.....لمساعدتها على تدبير أمور البيت المختلفة..لقد أصبحت المبالغ نقابل صمت الأم التي أصبحت تشعر بأزمات نفسية متوالية وهي ترى أسرة تتشرد وتتوزع على محظور طالما منعت نفسها منه للمحافظة على شرف تاه مع منعرجات الحياة البئيسة في الدار البيضاء /السوداء كما تسميها....،ومن حسن حظها أن البنت الأخرى لم تسلك نفس الطريق الموغلة في ...
أصبحت مريم لاتدخل للمنزل إلا في الصباح ..لا أحد يزعجها حين تكون نائمة ..فهي معيلة الأسرة .........
في أحد الأيام شاركت كالمعتاد في أحد السهرات رفقة عمال البحر المياومون ..الجنس ....الخمر.... المخدرات ..أطباق فاترة موجودة كالمعتاد في هذه اللحظات ..فجأة لم يدري احد كيف تحول الجو إلى صراع انتهى بطعن احدهم لآخر بسكين فخر صريعا يتلوى في دمائه وسط دهشة من حضر وهم يتجاوزون 14نفرا
مالعمل ؟فرت بجلدها ،ودخلت المنزل قبل منتصف الليل دون أن تخبر أحدا بما وقع..لكن من حسن حظها أنها سرقت لأحدهم 2000درهم غفلة عنه حين كان يقوم بمحاولة لإنقاذ الجريح ...والاتصال برجال الإطفاء
في الخامسة صباحا كانت الشرطة تقتحم البيت لاعتقالها بتهمة المشاركة في عصابة إجرامية للقتل والدعارة .
كان منظرا رهيبا ،تقتاد مريم للعدالة ،...لم تتردد في تسليم نفسها بعد أن تركت أسوارها الذهبية لأمها التي دلتها على بعض دائنيها الذين أقرضتهم بعض المال يوما ما .....
لم تقاوم استسلمت للأمر رغم أنها لم تكن تعتقد أن الأمر قد يصل لهذه الدرجة..حين كانت تودع الأم كانت تطرح السؤال:وكيف عرفوا المنزل ومن اقتادهم إليه ؟
جلست الأم تبكي بحرارة مع ابنتها الوحيدة في وقت غادر فيه صابر المكان، لم يجد الشجاعة للرجوع إلى البيت وهو يرى الشرطة تعتقل أخته ففر هاربا لإتمام نومه بالحديقة..........
هاهي الشمس تطلق أشعتها على مدينة شهدت اعتقال أخته بتهمة يدرك أبعادها جيدا، عزم على العودة إلى المنزل لكن لم يقدر فرفاق الحي سينظرون إليه أنه أخ...
في لحظة انتفض من تأملاته فجعل يطرح السؤال على نفسه:ألست السبب ؟أليس تقاعسك هو الذي جعل أختك تخرج للخارج إحضارا الخبز ولو بطرق غير شريفة ؟..
لم يدم تفكيره طويلا فقد عزم على مغادرة المدينة نهائيا ،فأصحابه لن يكون قادرا على مواجهتهم لأنهم سيحتقرونه ...تحسس ملابسه ،مازالت البطاقة الوطنية في مكانها المعتاد ـوله ما يمكنه من مغادرة المدينة لذلك كان القرار جاهزا ، الهجرة عن البيضاء كمرحلة أولى للهجرة النهائية ولم لا الهجرة عن وطن موقوف التنفيذ حتى إشعار آخر ..
كانت الحافلة تستعد للإقلاع، لم ينسى طمأنة أمه، اتصل بها ليخبرها أنه مسافر كي لا تبحث عنه من جديد
لكن وجد إجابة غير متوقعة: نحن كذلك غيرنا مكان البيت .....
وبدموع حزينة وضع السماعة وصعد ليعد الكيلومترات نحو الشمال إلى طنجة ليتصيد أول فرصة ليهاجر نحو آفاق أخرى
لكن إلى أين ؟؟؟؟؟؟؟



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب الغربة 7/15
- هوامش من دفاتر الأحزان
- حوار مع المبدع المغربي أحمد الكبيري
- اغتراب الغربة 6/15
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-2/2
- تيهان
- قراءة في رواية المبدع المصري -بورتريه لجسد محترق-1/2
- 4/15اغتراب الغربة
- اغتراب الغربة
- في ذكرى النكبة
- اغتراب الغربة 2/15
- اغتراب الغربة 1/15
- الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب
- نخبة النخبة بالمغرب
- العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب ...
- الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب ...
- البدون التائه
- قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
- تساؤلات حزينة
- التقرير العام للملتقى الأول للمرأة


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - الهجرة إلى............... 2* هوامش من دفاتر الأحزان