أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - اغتراب الغربة 1/15















المزيد.....

اغتراب الغربة 1/15


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


اغتراب الغربة 1/15
1
وبسرعة انزلق من الحافلة كما يتزحلق المصير من يدي صاحبه، اتجه لا يلوي على شيء، كان تائها في ذلك الزمان رغم معرفته العميقة بتضاريسه وطقوسه، لم يكن الزحام مستغربا فهذا فصل الصيف الذي يهرب فيه الناس من فضاء الجدران لهذا المكان الفسيح المشهور جهويا ووطنيا.
وكالعادة انتظم داخل الطريق المؤدية للشاطىء.مرت أمامه فتاتان أثارتا انتباهه، فكر مليا ثم تذكر.لقد رآهما من قبل في مدينته الأصلية، ورغم عدم معرفته باسمهما فقد حدد مكان سكناهما، إنهما يقطنان جوار صديقه الحميم خالد.
استغرب من لباسهما لكن بعد قليل تذكر.إن الأمر عادي ففي بلدته الكل يعرف الكل ،وشبه الحياء مازال مخيما على المسلكيات ،والعيون المختلفة تترصد الجميع ،أم هنا في أكادير فقد تحررا نسبيا فحتى المراقبون الفضلاء قليلون وهما مجهولتان وسط هذا الجيش العرمرم الذي يبحث عن متعة الشمس ،وذوق الشاطئ النظيف الفارغ نسبيا من المطاردين والقناصين المزعجين،أما متعة الجسد فأينما وليت وجهك فثم..إنه فضاء كل شيء ومن كل الأصناف والجميع معروض في السوق كالسمك في الميناء.
توقف فجأة.كانت الساعة الحادية عشرة صباحا، إنها ساعات الذروة، ففي هذا الوقت تبدأ طقوس اليوم الصيفي المعتادة في تغازوت البعيدة عن أكادير بعشرين كيلومترا، حملق جيدا،لا أحد يعرفه هنا أحس بالإرتياح، لقد فر فرارا ليركن لذاته في مكان لا يعرفه أحد ليستغرق في تأملاته وليخطط ويفكر في مستقبله على إيقاع الأمواج الزرقاء المتلاطمة من بعيد، بعيدا عن روتين الحوارات والمجاملات المنمقة الفارغة مع الأصدقاء والرفاق التي تخصص فيها طيلة الأربع سنوات الماضية مع الطلبة والطالبات هنا وهناك.
نزع نعليه، فالرمال تحرم بروتوكوليا أن يلبس الإنسان حذاءه حتى لا يشعر بانزعاج تسرب الحبيبات الصغيرة إلى مفترق أصابعه،وينضاف ألم جديد للائحة الآلام التي ترفض الوصول لخط النهاية.
ومضى يجوب المكان جيئة وذهابا يستكشف عوالمه جيدا.
بين الفينة والأخرى يلتفت وراءه لكي يركز جيدا في آثار رجليه على الرمال، لقد تشكلت لوحة تشكيلية طويلة موازية، وانتبه
كيف لم أنتبه لإبداع الأرجل الفطري رغم مصاحبة البحر أكثر من ثلاث سنوات مضت ؟
بعد لحظات توقف، عاد إلى الرصيف حيث المقاهي تختنق بز بنائها وأدخنتها ناهيك عن أصوات الموسيقى ودخان سجائر الزبناء.
اختار إحداها، جلس في الطاولة الأمامية المقابلة للبحر مباشرة، جلس يتأمل الفضاء من جديد، الأمواج مازالت تواصل زحفها على الرمال الشاطئية والسفن العابرة تبدو من بعيد كنقطة مدينة ثانوية في خريطة وطن مترامي الأطراف، القوارب تقترب محملة بالأسماك الطرية التي يعاد بيعها، الأجساد المترهلة تبدو واضحة كما خلقها الإله شبه عارية.
ارتسمت على فمه ابتسامة فاترة لكنها متدحرجة من الأعماق
هل هذا هو التصريح بالممتلكات الفردية كما كانت تطالب به الفرق البرلمانية وكما نص عليها أحد القوانين الموقوف التنفيذ ؟

2
طلب من النادل قهوة سوداء، وكرر طلبه مشفوعا بطلب غريب وهو خلوها من السكر، وحين تفاجأ النادل سأله:هل أنت مريض بالسكر ؟
رد عليه بعنف:بل السكر هو المريض بي.
غض النادل الطرف عنه وسط صياح زبناء آخرين امتلأ بهم المكان.
رن الهاتف وحين حاول الإجابة انقطعت المكالمة، بحث عن الاسم في ذاكرة هاتفه المحمول فوجد الإسم في الشاشة فاطي كما كان يحب أن يسميها، إنها رفيقته.
تذكر الليالي الطوال معها والذكريات الخفيفة واللحظات السعيدة.
كانت صديقته المفضلة قبل أن تفتر العلاقة بينهما قبل عشرة أيام لدرجة أن جل الصور التذكارية حاول تمزيقها تفاديا لأي تراجع عن خطته لقطع صداقتهما احتياطا لكل ما لا يخطر على البال، خاصة أن زملاءه نصحوه أن نهايته الجامعية يجب أن تكون مشرفة وأن لا يعود بشهادتين للمنزل:شهادة الإجازة وشهادة الزواج، مما قد يثير سخط والده المحافظ ووالدته التي كثيرا ما لمحت له بالزواج من ابنة عمه الثري والبرجوازي.
تساءل مع نفسه:هل رنت فاتي لتزعجني أم لتذكرني أن موقعي في قلبها لا زال مضمونا؟
شرد بذهنه قبل أن يقطع عليه بائع السجائر بالتقسيط تفكيره وتأملاته، اشترى سيجارة كازا تبغه المفضل في وقت الأزمات النفسية، حط النادل أمامه القهوة السوداء مع ابتسامة رقيقة وإن أتى بالسكر معها ظنا منه انه يمزح في رفض السكر.
أخذ السكر ورمى به في الرمال، غطست القطعة البيضاء وصاح إحساس داخلي بصوته:هل سأغطس أنا بدوري مع فاتي حتى تغطيني الرمال فأختنق، بل ويأتي السباحون ويمرون علي واقفين كما قد يطأ مصطاف على القطعة الأخرى من السكر ؟
انساح ببصره بعيدا، هاهو يرى الفتاتين بنتا بلده تلعبان التنس مع آخرين لا يعرفهما، بدا له شعر رقية منبسطا شديد السواد، خاصرتاها منسابتان وسط التبان الأزرق بهذه الألوان الأسود/الأزرق /الأحمر إضافة لبشرتها الشديدة البياض، بينما اختارت زميلتها عائشة طربوشا أخضر وتبانا رماديا وجاكيطة بيضاء.
استغرب كثيرا للإنفصام وتساءل:كيف لهاتان الفتاتان اللتان لا ترديا سوى اللباس التقليدي في البلد وزي الحجاب في الجامعة أن تخفيا هذه الرغبة الجامحة لمعانقة الحياة، بل أحس بالندم لأنه كان يثق في المظهر الخارجي الذي لن يعكس بالضرورة القناعات الداخلية للإنسان، وأن الغرائز لا موطن لها ولا بلد لها بل وأن الإحساس أمر يصعب اكتشافه من بعيد.
بل وتساءل باستغراب كيف لهاتان الفتاتان اللتان لا يتحمل آباؤهما أن تفوتهما صلاة في المسجدأنهما يجيدان لعب التنس في تغازوت ؟بل ومنح جسديهما للإستمتاع به من طرف الآخر ؟هل هما محرومتان هناك ظلما أن الشباك لا يزورها احد أو لعله لم يحاول ؟ من يدري ؟
أخذ نفسا عميقا من سيجارته التي أوشكت على النفاذ ثم وقف وصاح:آي.استغرب زبناء المقهى لكنه تراجع إلى الكرسي وسط ذهول الحاضرين، رمى بسيجارته التي كادت تحرقه.لقد وطىء احدهم على الرمل التي اخفت قطعة السكر وتساءل هل سيكون مصيره هكذا مع فاتي ؟ ترى ما لعمل ؟وكيف ينقذ نفسه حتى لا تبتلعه الرمال ويطأ عليها كل من هب ودب.
ها هو الهاتف يرن من جديد، قدر أنها هي لكن كان المتكلم صديقه المبجل
-أينك؟؟؟؟؟؟؟؟الناس يسألون عنك؟
-من؟
-فاتي وقلنا لها انك غير موجود.
-طبعا أنا غير موجود إلى اللقاء
أغلق الهاتف، انتبه من جديد للفتاتين، انتهيتا من التنس وراحتا تتبادلان الحديث مع صديقيهما ، كل اختلى بواحدة، انزعج لهذا المنظر.لقد عاش نفس المسار والتجربة، خمن أن الحوار لن يكون سوى مجاملات رقيقة قد تنتهي بلقاء فاتر عند الطرف القوي.لكن عند رقية وصديقتها قدر أنه سيكون لقاء تاريخيا كما وصفت أحد الرفيقات يوما أحد لقاءاته بها.
رن الهاتف من جديد لم ينقطع الإتصال هذه المرة كالمعتاد، انتبه إنها فاتي على الخط.لقد وقع في حرج، لم يرد الجواب لكن ماذا يمكن أن يقول لها، بل أدرك أن الإتصال استفزازي من جهة، ومحاولة لربط الخيوط المقطوعة والجسور المهدمة منذ مدة غير يسيرة لا سيما منذ أن ضبطها منذ شهر رفقة شخص غريب تتحدث معه حول أمور خاصة كما بررت ذلك.لقد كانت طعنة قاتلة له هزت كيانه جيدا، لكن من ناحية أخرى اعتبر المناسبة فرصة لا تعوض.
حكى لصديقه الأمر، فنبهه الأخير أن تلك هي الفرصة المناسبة للتخلص منها خاصة بعد عشرتهما الطويلة التي جمعتهما لدرجة أصبح كلاهما ظل الآخر، كما أن عمر ولحظات الزهور داخل الجامعة ليس هو خارجها، كما أن أحلام تسعة عشر سنة ليس هو راهن ثلاثة وعشرين سنة.
الكل كان ينظر بمنظاره الخاص للأفق القادم، ويتقن حساباته الخاصة ويعدد خطواته، فالخروج من الجامعة بأقل الخسائر تتويج خاص وليس التتويج للانتى تتويجا للذكر خاصة مع اختلاف الطبائع وتنوع التربية والعائلات والتقاليد و..و..
بعد رنين طويل تعمد فيه عدم الرد انقطع الإتصال، لكن صاحبنا فكر في طريقة بديعة يقطع فيها الإتصال نهائيا، احتسى ما تبقى من قهوته السوداء، تقدم للرمال باحثا عن قطعة السكر، انتشلها ونظفها جيدا وقبلها وأعادها للطاولة وسط دهشة الحاضرين وصاح:
ها أنذا أبعث من جديد لا لن أغرق لن أغرق.
كانت الساعة تشير للواحدة زوالا، أحس بالجوع يلتهم أحشاءه ،لكنه رغم ذلك فقد شهية الأكل مع الهموم الملازمة له، إنه يعتبر نفسه في معركة يجب أن ينتصر فيها كما اعتاد، لقد أحس أن الموت المعنوي يقترب منه كحيوان مفترس يلتهم فريسته الضعيفة.



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب
- نخبة النخبة بالمغرب
- العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب ...
- الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب ...
- البدون التائه
- قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
- تساؤلات حزينة
- التقرير العام للملتقى الأول للمرأة
- رسالة إلى مثقف
- ملاحظات حزينة في ذكرى ثامن مارس
- كيف أصبح يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ؟؟؟؟
- الإرهاب الآخر
- مالك الحزن
- التقرير العام للمنتدى الأول للشباب
- شارون والعرب ومعضلة النسيان
- مارسيل خليفة :التراث الخالد
- أنا أو الطوفان
- ملاحظات حول الحركات الإسلامية بالمغرب
- المثقف في زمن اللامعنى
- كل عام ..............ونحن...........


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - اغتراب الغربة 1/15