|
ذاكرةٌ للموتى «قصة قصيرة»(3) والأخير
مصطفى حمدان
كاتب وشاعر
(Mustafa Hamdan)
الحوار المتمدن-العدد: 6703 - 2020 / 10 / 14 - 07:23
المحور:
الادب والفن
أيُ عالمٍ هذا الذي يحيط بي ، وما هذا المكان الذي لا زلت أجهله ، وإلى أين نذهب بعد هذا المكان لكنه يبدوا أن للأموات مجتمع وأماكن كالأحياء ، ولهم طقوسهم وعلاقاتهم كما الأحياء ، أمواتٌ يواسون بعضهم ، وكلما جائهم ميت جديد ، هبوا لمواساته وليضموه إلى جموعهم . نعم أنا رجلٌ ميت كهؤلاء ، وهذه الحقيقة التي آراها الآن ، ولا أستطيع أن أغير هذا الواقع أبداً ، وأفضل شيء أفعله هو الإنضمام اليهم . هذه التساؤلات التي تدور وتعبث بأفكار رأسه ، أكدت له حقيقة موته ، وإبتعاده عن الأحياء والحياة . ومِن جديد أخذ الجميع يُرَبت على كتفيه ومعانقته محاولين تخفيف صدمة إكتشافه بحقيقة أنه مجرد إنسان قد غادر الحياة ومات ، وما يحدث في هذا الوقت ألا هو نوع من طقوس الموت وتفاصيل ما بعد الموت . يتقدم الكهل قائلاً ! لا تحزن يا صديقي ولا تُثقِل رأسك بمزيد من التساؤلات والاستفسار ، لأنها لن تجدي شيء ولن تعيدك الى الحياة أبداً ، وهذا هو واقعك ، ونحن معك جميعاً يواجه نفس المصير . لمْ نلتقي أثناء الحياة ولكننا التقينا ونحن أموات ، فانضم الينا لنكمل هذه الطقوس كما يفعل كل الأموات ، نموت بسلام وسكينة بعيداً عن ضجيج الأحياء وزحمتهم وتفاصيل حياتهم المعقدة ، وصدقني يا صديقي أن الأحياء سينسونا قريباً ، أو ربما نسونا بأي حال . ينضم الرجل لجموع الناس التي ما زالت تتكلم جميعها دون توقف ، ويبدوا أنهم يسردون قصص موتهم وتفاصيلها لبعضهم البعض ، يمشون ببطئ نحو تلك الكتلة الضبابية التي خرجوا منها . واثناء المشي وكالجميع بدأ يتحدث مع من حوله ، يشاركهم الحديث ويسأل ؟ - كيف مُتَ أنت ؟ - كنت عائداً إلى بيتي قادماً من العمل - ماذا حدث ؟ - قتلتني السرعة والمركبة - لماذا ؟ - كنت على عجلٍ لأصل البيت - ثم ماذا حدث ؟ - لم أصِل للبيت ، مُتُ بعيداً عنه - وأنت كيف مُتَ ؟ - كنت أسبح في البحر - لماذا ؟ - هربت من الحرب والموت في بلدي - وماذا حدث ؟ - قتلتني الأمواج وغرقت ، لم أصِل الجهة المقابلة - وأنتِ يا صبية كيف مُتي ؟ - أحببت شخصاً بالحي والتقينا - ماذا حدث ؟ - قتلني أبي وأخوتي - لماذا ؟ - لا أعلم - وأنتَ كيف مُت ؟ - توقف قلبي عن العمل - لماذا ؟ - كنت أكتب قصيدة عن الفقراء - ماذا حدث ؟ - لَمْ أكمل القصيدة ومُت - وأنتَ يا صغير كيف مُت ؟ - لا أدري ولكني كنت بحضن أمي ومت - لماذا ؟ - أصابني المرض - وماذا حدث ؟ - لا تملك أمي ثمن الدواء فمُت - وأنت يا صديقي كيف مُت ؟ - كنت جندياً في معركة - وماذا حدث ؟ - سقطتُ في المعركة - هل انتصر جيشكم ؟ - لا أعلم - وأنتم يبدوا أنكم متم مع بعض ؟ - نعم فنحن أخوة - ماذا حدث ؟ - كنا نائمين فاخترقت قذيفة سقف بيتنا ومُتنا - ولماذا أنتم ؟ - لا ندري ، هم يطلقون القذائف من طائراتهم في كل مكان ودون سبب - وأنتَ كيف مُت ؟ - أطلق أحدهم الرصاص علي فقتلني - لماذا ؟ - كنت أحاول أن أسرق شيئاً من بيته لأسدَ جوعي - ولماذا ؟ - لأني لا أملك شيء ولا أستطيع أن أجد عمل - وأنتِ كيف مُتِ ؟ - خرجت في مظاهرة أطالب بحريتي - ماذا حدث ؟ - أطلقوا الرصاص علينا - من هم ؟ - رجال الأمن - وماذا حدث ؟ - سقطت اليافتة من يدي ، قتلتني رصاصة - وأنتَ كيف مُت ؟ - قلت شيئاً عن الحاكم ، فاعتقلوني - وماذا حدث ؟ - مُتُ تحت التعذيب في الزنزانة يسأك المزيد ويتحدث مع كل من حوله ، ويسمع الكثير من القصص والحكايات عن الموت وأسبابه ، ويبدأ من جديد يتمتم وتشرد أفكاره إلى ابعد عن هذا المكان ، تأخذه الى ذاكرة الحياة نفسها لم أكن أعلم بأن للموت تفاصيل أزخم من تفاصيل الحياة ، وأن للموت حكاية لا يسمعها الأحياء ولا يعرفها ، فالأحياء هناك مشغولين بتفاصيل حياتهم وأحداثها ، يتقاتلون ويكرهون ويقتلون ويتصالحون ويحبون ويتفائلون الجوع يقتلهم ، والعطش يقتلهم ، والإفرط بالحب أو الحزن يقتلهم ، يتشاجرون ويقتتلون على أتفه الأسباب ، ومن ثم يستمرون بالحياة ، بضجيجها ، وصخبها وتفاصيلها المملة ، يبدوا أن الموت أكثر سلاماً وسكينة من الحياة ، ويبدوا أن الأحياء هم مجرد أموات يتحركون ، ينظرون الى المقابر بأن من يسكنها أموات بدون حركة أو شعور ، إلى أن تهوي بهم تلك الجاذبية البطيئة ويسقطون على أرض ذلك السهل الواسع الكبير ذو الأعشاب الخضراء القصيرة ، ومن ثم سيكتشفون بأنهم كانوا هناك أمواتاً مختلفين عن بعضهم البعض ، وهنا خلف تلك الكتلة الضبابية سيكونوا سواء انتهت
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذاكرةٌ للموتى «قصة قصيرة»(2)
-
ذاكرةٌ للموتى «قصة قصيرة»(1)
-
أرضُ الفقراء
-
بعدَ المُخيّم..وعن هذه الأرض ! أين نذهب ؟
-
فلسطين .. من مشروع تسوية الى مشروع تصفية
-
من ذاكرة النكبة
-
سايكس بيكو ! ولعنة المئة عام
-
نشيدُ الأرض للمطر والشهداء
-
خبز الفقراء
-
معاً نُغني رفيقتي
-
إلى امرأة في بلادي
-
إلى صديقي الشهيد
-
موْتُ غريب
-
مدينة الغرباء
-
الفاصِل بين الدقيقتين .. الفاصِل بين السنتين
-
حالة احتضار
-
بعيداً عنكِ .. قريباً منكِ !
-
(عشوائيات)عن الحُب الحرب والوطن
-
مَن يُرثي موْتُنا وسقوط مدننا ؟!!
-
في القلب حزنٌ
المزيد.....
-
ملف عمر الراضي.. السلطات المغربية تكذب مغالطات منظمات غير حك
...
-
وفاة الفنان السوري كمال بلان في موسكو
-
قصر أحمد باي يوثق حياة آخر حكام الشرق في -إيالة الجزائر-
-
عرض مسرحية جبرا في بيت لحم
-
فيما تؤكد الحكومة أن العلاقة مع المغرب وثيقة..خطط ستة وزراء
...
-
القضاء المكسيكي يأمر منصة -نتفليكس- بإزالة مشهد يخرق قانون ا
...
-
القضاء المكسيكي يأمر منصة -نتفليكس- بإزالة مشهد يخرق قانون ا
...
-
-وحياة جزمة أبويا مش هنسكت-.. ابنة فنان شهير تتوعد رامز جلال
...
-
الكشف عن تطورات الحالة الصحية للفنان خالد النبوي
-
لوحة رسامة روسية طليعية تباع في مزاد -كريستي- بـ680 ألف يورو
...
المزيد.....
-
القصة المايكرو
/ محمد نجيب السعد
-
رجل من الشمال وقصص أخرى
/ مراد سليمان علو
-
مدونة الصمت
/ أحمد الشطري
-
رواية القاهرة تولوز
/ محمد الفقي
-
كما رواه شاهد عيان: الباب السابع
/ دلور ميقري
-
الأعمال الشعرية
/ محمد رشو
-
ديوان شعر 22 ( صلاة العاشق )
/ منصور الريكان
-
هل يسأم النهب من نفسه؟
/ محمد الحنفي
-
في رثاء عامودا
/ عبداللطيف الحسيني
-
ظلال الاسم الجريح
/ عبداللطيف الحسيني
المزيد.....
|