أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الكلمة والصورة














المزيد.....

بين الكلمة والصورة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6681 - 2020 / 9 / 19 - 15:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الكلمات "تدل" على أشياء وكائنات حقيقية مادية أو غير مادية، مثل الكرسي والطاولة والسرير والقلم والكمبيوتر.. هي أشياء نستعملها في حياتنا اليومية للجلوس والكتابة والنوم. ولكن هناك أيضا كلمات تدل على العواطف والأحاسيس كالحب والكراهية والصداقة إلخ والتي نستعملها لتوضيح موقف الإنسان تجاه الآخر. الدلالة signification هي العلاقة التي نتجاوز فيها أحد الحدين - الدال - إلى ما يدل عليه. فكلمة كلب مثلا، توجه إنتباهنا إلى الكلب الحقيقي الذي ينبح ويعض ويحرك ذيله فرحا ويتبع سيده، وتجعلنا نتجاوز هذه الحروف أو الأصوات المكونة للكلمة إلى الكائن الحقيقي. وهذه الحروف والأصوات ما هي إلا عملية إتفاقية وعرضية بين أعضاء مجموعات إجتماعية وثقافية محددة. فاللغة الإنجليزية تستعمل كلمة Dog والفرنسية كلمة Chien واليونانية كلمة σκύλος والأمازيغية ayeddi أو ayerzul للدلالة على هذا الكائن. فكل هذه العلامات المختلفة تشير إلى نفس الحيوان الأليف صديق الإنسان كما يقال. فالدلالة إذا هي علاقة متفق عليها تجعل شيئا ما حاضرا يحل محل شيء آخرغائبا كان أم حاضرا. فاللغة إذا هي مملكة الدلالات بلا منازع، حيث تعلم الإنسان منذ العصور البدائية أن يشير إلى الأشياء التي تملأ العالم بواسطة علامات صوتية في البداية ثم بواسطة حروف منقوشة تمثل هذه الأصوات. غير أن الإنسان لا يكتفي بتسمية الأشياء والإشارة إليها بواسطة اللغة، وإنما يبحث عن معنى هذه الأشياء، والمعنى Sens يختلف إختلافا جوهريا عن الدلالة. فهذه الأشياء المحيطة بنا تنضح وتزخر بالمعنى، وهذا المعنى رغم غموضه وصعوبته على الإستقراء فإنه يرجع بالدرجة الأولى إلى الإنسان، المصدر الوحيد لمعنى العالم والأشياء والظواهر. فليس هناك معنى قبلي يسكن نواة الأشياء قبل أن تلتقي بالإنسان، وليس هناك عمليات جيولوجية يقوم بها الإنسان ليكتشف أعماق هذه النواة وليس هناك عملية تقشير أو تعرية أو غوص في أعماق الأشياء كما يدعي الشعراء والمتصوفة. فمعنى الشيء ليس ملتصقا به ولا مدسوسا أو مخبأ في أعماقه خارج الإرادة الواعية للإنسان، فهذه الشجرة أو هذا الكرسي أو هذا الجزء من الشاطيء أو هذا الشارع له معنى بالنسبة إلي إنسان محدد، فهو الذي يزود هذه الأشياء بالمعنى الذي سيكون كينونتها. وربما إتخاذ مثال يتعلق بالأعمال الفنية سيجعل الأمر أكثر وضوحا. ففيما يتعلق بالفنون التشكيلية أو بالذات الموسيقى، والتي في صميمها عمل غير دلالي، عادة ما يتسائل المشاهد أو المستمع عن "معنى" هذه اللوحة أو هذه الصورة أو معنى هذه القطعة الموسيقية، ونتسائل نادرا عن دلالة اللوحة أو السيمفونية، غير أن الفنان أو الناقد أو المشاهد عادة وفي الغالب ما يخلط بين المعنى والدلالة - هذا العمل يعبر عن .. وهذه اللوحة تقول كذا وكذا. فالمعنى هو أن الشيء أو الظاهرة أو الواقعة الحاضرة تشارك بكينونتها كينونة شيء أو ظاهرة أخرى، حاضرة أو غائبة، مرئية أو غير مرئية، أي أنها تمثل وتجسد حقيقة تتجاوزها، ولكننا لا نستطيع الإحاطة بها خارجها أو بمعزل عنها، ولا نستطيع، ولا يمكن التعبير عن هذه الحقيقة بأي نظام لغوي مهما كانت درجة دقته. إن معنى الشيء هو حقيقته التي تتجاوزه لتشمل العالم أو العصر بأكمله، فأي لوحة فنية أو قطعة موسيقية على سبيل المثال، فإنها شيء كلي متكامل لا يمكن فصل معناه عن القطعة ذاتها، ولا " تدل" ولا تعني أي شيء آخر غير ذاتها كقطعة موسيقية. معنى الصورة أو المنظر الطبيعي أو اللوحة أو القطعة الموسيقية هو كينونتها في هذا الزمان والمكان وأمام هذه الأعين التي تشاهدها في هذا الموقف المحدد، ولا تشير إلى أي شيء خارجها. وهذا لا يعني عدم وجود دلالة لبعض الأعمال الفنية، وبالذات الرمزية منها. فعندما نتمعن في لوحة غيرنيكا Guernica لبيكاسو، فإن دلالتها واضحة ومعروفة بسبب الظروف التي رسمت فيها هذه اللوحة وهدف بيكاسو الواضح للتعبير عن موقفه ضد الحرب والعنف والهجوم النازي والفاشي الذي قام بقصف هذه المدينة الصغيرة في بلاد الباسك بالطائرات في ٢٦ أبريل سنة ١٩٣٧ أثناء الثورة الإسبانية. ولنا الإختيار أثناء مشاهدة اللوحة أمام موقفين لا ثالث لهما: إما الدخول في عالم اللوحة بواسطة الخيال، وبالتالي نضع العالم وقوانينه وأحداثه بين قوسين، ليترك المجال لتأمل الخطوط والألوان والأشكال الجمالية والمحاولة بإحاطة كينونة العمل الفني ومعناه العام خارج حدود الإدراك المادي للأشياء. والموقف الآخر هو أن ننظر للوحة كمنشور أو كرسالة مكتوبة بلغة التشكيل اللوني والتي يجب ترجمتها إلى اللغة المتعارف عليها، وفي هذه الحالة تتحول اللوحة إلى رمز أو إشارة "للدلالة" على شيء آخر غير اللوحة ذاتها، مثل الوقوف ضد الحرب ومناهضة العنف أو مساندة الثورة أو الإنسانية إلخ، وتفقد بطريقة ما جزءا من هويتها الفنية والجمالية، ولذلك فإن الأعمال الفنية الكبرى لاتحتمل إمكانية اللجوء إلى الموقف الثاني، ومن هنا جاءت الأعمال الكبيرة للفنون التشكيلية التجريدية إبتداء من مربع ماليفتش.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتبعثرت قشور الليل
- الجسد المكهرب
- الرنين
- كوجيتو
- قلق الزوايا
- الجريمة الأولى
- قابيل وهابيل - الإخوة الأعداء
- لقاء آدم وحواء على الأرض
- السيدة حواء
- أبجدية الخيال والعلاقة بين الدين والفن
- محكوم علينا بالحرية
- ثورة ليليث
- دفاعا عن المثلية
- الله يزور نيوتن
- داغرمان - الفنان والموت
- ستيج داجرمان .. أو الحياة المضعوطة
- بخصوص ذكرى أول مايو
- الهروب للأمس البعيد
- زمن الإختناق
- السيدة ليليث


المزيد.....




- مصر.. ماذا نعلم عن إبراهيم العرجاني بعد تعيينه رئيسا لاتحاد ...
- واشنطن وطوكيو تخصصان 3 مليارات دولار لتطوير صاروخ جديد يعترض ...
- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- سيناتور أمريكي ينتقد تصرفات إسرائيل في غزة ويحذرها من تقويض ...
- خطأ شائع في تنظيف الأسنان يؤدي إلى اصفرارها
- دراسة: ميكروبات أمعاء الأب تؤثر على نسله مستقبلا
- بعد 50 عاما من الغموض.. حل لغز ظهور ثقوب بحجم سويسرا في جليد ...
- خبراء: هناك ما يكفي من الماء في فوهات القمر القطبية لدعم الر ...
- الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات
- السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بين الكلمة والصورة