أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الأعداد النفسي لمرحلة البعث















المزيد.....

الأعداد النفسي لمرحلة البعث


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6669 - 2020 / 9 / 6 - 01:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المتغيرات والتحولات الكبرى في حياة الأمم والشعوب سنة كونية في حياة البشر وقانون مضطرد الحدوث لا تحد منه طبيعة المجتمع ولا قيمه، ولكنه يحتاج دوما إلى محرك ومفجر لصاعق التحول بعد نضج الظروف الموضوعية والذاتية له، فالبقاء على وتيرة واحدة عصية على التغير من الصعوبة بمكان، فضلا عن كونها غير ممكنة على الاطلاق لكون الزمن وأستحقاقات التطور لا بد لها أن تكون قانونا غير جدلي بالمرة، فالإنسان يتحرك إلى الأمام في السيرورة والصيرورة وقد يتأخر أو يتقدم مسرعا كلما نضج الوعي الجمعي والاجتماعي لديه وعلى الدوام لإحداث تغييرات جذرية في طريقة الحياة، الامر الذي يدفعه للتفكير الدائم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن الحياتية بطرق مختلفة، مما يمهد الطريق لإحداث تطورات وقفزات كبرى.
فان عملية التعامل مع تلك المتغيرات تختلف باختلاف نوعية الفكر وفهمه لطبيعة المجتمع وتوفر الفرص التي تساهم في ذلك على المستويين الفردي والجمعي، والقدرة على الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن من التوظيف الواقعي بعيدا عن الأفتراض والنظر المثالي الذي يغيب حقيقة هذا الفكر وخصوصيته، خصوصا وان الاستجابة مع المستجدات مرتبطة بطريقة التفكير وألياته العملية والمنهج الواقعي في تطبيقه وتجسيده وكذلك النظرة الاجتماعية السائدة.
الشيء المؤكد في عملية التغير وتقبل التحولات ترتبط اساسا بقدرة الإنسان اولا على فهم الفكر الجديد وفهم ضرورة التغيير ومن ثم كيفية بلورة هذا الأستعداد بعمل ذاتي يمكن أن يساهم في تسريع عملية التحول والتغيير دون عوائق كبيرة، خاصة إذا كانت إمكانية المجتمع كفرد ومجموعة لديها الأسباب والعلل لهذا التحول الكبير، الواقع الأجتماعي والسياسي والديني وفي كل المستويات في الجزيرة العربية كان مهيأ لمثل هذا التجول والتغيير لوجود الكثير من النواحي الضرورية والأرضية المناسبة لذلك، هذا ما أثبتته الأستجابة القوية وسرعة التحول التي شهدتها المنطقة تجاوبا مع دعوة النبوة، وأنخراط طيف واسع من طبقات المجتمع المكي أولا والعربي ثانيا في هذه الدعوة والتحول دون تحفظ او ممانعة.
هذه القدرة والتلقائية المبررة بأسبابها وعلاتها تفسر لنا الاستيعاب الكبير للمتغيرات المستقبلية التي عصفت بأسس وقوانين المنظومة الأجتماعية التقليدية السائدة حين ذاك، وبدون وجود تفكير قادر على اختراق النظرة السطحية التقليدية والولوج في العمق بطريقة احترافية أبهرت الكثير ممن كان على أمل التغيير أو وجد فيها تعبيرا عن الذات، خصوصا وان امتلاك النبي محمد قبل البعثة النظرة الغير الهامشية التي ظهرت من خلال تعامله الطويل مع المجتمع المحلي والذي أكسبه الموثوقية والصدق في دعوته قد أحدث الفرق لدى الافراد المعنيين أكثر بالتغيير، مما يفسر لنا حالة الاستفادة القصوى من التطورات.
فمقدار الاستفادة من عملية التحول والتغيير السلمي الذي بدأ بها محمد بعد البعثة وفي المراحل التبشيرية لها مرتبط بمستوى التفكير الجمعي أيضا، والقدرة الطبيعية على التقبل السريع والواعي لها والتفاعل معها بكل أخلاص لأنها الخيار الوحيد للخروج من مأزق التشرذم والفوضى، وبالتالي فان العملية تتطلب جهودا استثنائية أحيانا من الداعي والمدعو لها لمواصلة مشوار مواكبة المتغيرات القادمة، وعدم التوقف عند مرحلة زمنية محددة مرتبطة بظرفها وواقعها وواقعيتها ونظرا لاستمرارية الفكر البشري في استكشاف المزيد من التغير والتحول الإيجابي في الحياة، وإماطة اللثام عن الكثير من الإسرار ذات الأثر الإيجابي على المسيرة الاجتماعية لهم بشكل عام، فالعملية هنا تستدعي إيجاد القنوات اللازمة لإحداث الاستعداد النفسي والروحي الفردي والجمعي لمجتمع مكة نواة التحول والتغير، مما مكن لاستقبال التطورات بطريقة شبه سهلة وغير معقدة بتفاصيلها، نظرا لوجود الفكر القادر على القراءة السليمة والواقعية التي تفهم نفسية المجتمع وتساير عملية التحول وفق مناخ الإيجابية، وبعيدا عن الأصوات الرافضة او غير المستوعبة لسنة الحياة والتي أنزوت لاحقا بعد فشلها وعجزها عن التصدي لعملية التحويل برغم المقاومة التي أبدتها باكرا.
يعتقد بعض الباحثين من الجدد وبناء على ما نقلوه عن رؤية المؤرخين القدامى وأصحاب نظرية (أن المجتمع العربي كان في زمن ما قبل النبوة كان مجتمعا عصيا على التغيير والتطور كونه مجتمع وثني قبلي جاهل غير قادر على التكيف وفهم التحولات الضرورية له) فيرددون مقولة أن رسول الله (ص) جاء في مجتمع جاهلي ومتعصب لقيم اجتماعية معينة ورافض لفكرة أي تحول او تنازل عن منظومته الخلقية التي ورثها عن اسلافه (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا ما أَنزَلَ ألله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابآءنا)، متناسين أن هذا النص وإن نزل في المجتمع المكي لكنه مشترك عام تشاركت فيه كل دعوات النبوة والرسالات، لكنه في النهاية أنهزم أمام مد التغير والتحول، هذه أحدى السنن التأريخية والدينية التي رافقت وجود الإنسان عبر التأريخ ولليوم.
هذا على المستوى الجمعي والأجتماعي المستهدف من الدعوة للتغيير والتحول، أما على المستوى الشخصي كان النبي محمد وقبل نبوته قد أكتملت لديه الأستعدادات النفسية والروحية ذاتيا من خلال عملية طويلة من المحفزات والمقدمات التي هيأت لمواجهة الأستحقاق القادم، وخاصة في الجانبين الأخلاقي الأجتماعي والجانب الروحي الديني الذي تمسك بها سليل العائلة الحنفية التي بقيت على دين الأجداد إبراهيم وإسماعيل، فلقد كان الأساس التوحيدي في عقله متينا وثابتا ويقينيا أن كل الديانات التي عاصرها وشهدها في حياته أو من خلال سفراته وأطلاعه على الغالب منها، تؤكد له أن هناك خللا ما في طريقة تعاطيه مع إيمانه بالوحدانية وشروطها.
وبسبب قوة ونفوذ المعنى الديني في حياة الإنسان وخاصة الذي يملك إرثا صالحا للبناء القيمي المتجدد عليه، فمن الطبيعي إذن أن يكون الحراك الثقافي والمجتمعي مشروطا بعوامل ومعطيات ومقدمات، من أهمها حراك الوعي الديني نفسه لدى الفرد وبعمق روحي يساعد على التقبل والتكوين التجديدي، فهو يتحول أساسا إما بتجديد في المقولات والمفاهيم اليقينية التي تحتاج إلى بيان ووضوح أكثر، أو تغيير في مدلولاتها بفعل تجديد في منهج القراءة والتأويل أستنادا إلى قيم الفكر الجديد المحمول للتغيير، فالتحولات التاريخية الكبرى ومنها حركة النبي محمد في داخل الإطار الديني الذي رأى فيه الحاجة الضرورية للإكمال والبيان والتي ظهرت في المسار الثقافي البشري عنده، كانت متزامنة مع حدوث مراجعات على مستوى النسق الديني الاعتقادي السائد في مجتمعه.
فالقاعدة الدينية والتي جاءت مجملة ومفصلة لاحقة في النص الديني الإسلامي المحمدي والتي تقول (لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لم تكن هذه المقولة بالتأكيد بعيدة عن ذهنية النبي محمد وهو يمارس التغيير الذاتي تمهيدا للتغيير الجمعي المقترن بالفكر القادم على المجتمع المكي أولا، منه أنطلق ليكون قانون عام من قوانين التغير والتجديد الديني في مراحل أكثر حاجة للتغيير الذاتي، أما في التجربة المحمدية العربية فيلاحظ أن الدين كان عامل إنشاء لهذا التحول والمبرر الأساسي لظهور الفكر الجديد تمهيدا لإعادة التوازن في العلاقات الأجتماعية من خلال مفهوم العقيدة الدينية، إذ ارتبطت نشأة الكيان الحضاري العربي الجديد بدعوة دينية كانت تنتظر عوامل النضج والأستحقاق من خلال صاحب الدعوة ومن خلال قيم المجتمع التي أمست أكثر قدرة على تقبل التغيير بفرط عوامل الظلم والطبقية وغياب العدالة المجتمعية.
لقد لعبت العوامل النفسية التي مرت على محمد قبل البعثة الدور الرئيس في إعداد قائد للتغيير تميز أولا بتقديم القيمة الأخلاقية كنموذج عملي في مسألة تقبل المجتمع له، كما تميزت هذه الشخصية بقدرتها على قراءة الحدث قبل وقوعه ليس من باب التنبؤات والغيبيات ولكن من خلال الفراسة المعرفية التي تكمن في عقلية مثقف روحي تجاوز سيرورة مجتمعه وحتى سيرورة القيم التي عاش فيها كمجتمع، وعلى هذا الأساس ومع لحاظ التطور الأجتماعي والمعرفي المتزايد في مجتمع مكة نتيجة الأحتكاك والتلاقح الحضاري، وما أفرزت الأحداث الأجتماعية والسياسية فيها من شكل تنظيمي شبه مدني قابل للتطور والنضج أصبح محمدا على موعد مع القدر في أن يكون المطلق لرحلة التغيير بعيدا حتى عن فهم البعض من أن هناك عناية سماوية خاصة في هذا الموضوع وقد لا ننكرها، لكن من المؤكد أن العامل البشري هو المهم في دراستنا لأننا ولحد هذه اللحظة قبل البعثة لم نعرف خيارات السماء ولا نعلم بها حقيقة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأريخ الجزيرة العربية وما حولها قبل النبوة المحمدية
- محمد النبي الولادة والنشأة
- تأريخ مكة القريب قبل الإسلام
- التأريخ والإنسان عاقلا
- عبادة التاريخ
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 11
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 10
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 8
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 9
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 6
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 7
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 4
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 5
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 2
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 3
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا
- هل ينتهي إيماننا بالدين؟ ح2
- هل ينتهي إيماننا بالدين؟ ح1
- اصل الدين ح 2
- أصل الدين ح1


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الأعداد النفسي لمرحلة البعث