أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 4















المزيد.....

القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 4


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6658 - 2020 / 8 / 26 - 23:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الوحي الرباني والدين

لا تخلو أفكار سروش من التناقض الحاد في التفاصيل التي يثبتها مرة ويعود لينفيها مرة أخرى وكأنه يريد أن يقول أن النقد الفكري من السهل التعاطي معه طالما أن القارئ معجب بالفكرة دون أمتحانها، فبين نكرانه للوحي مرة وإقراره به مرات عديدة يضيع على نفسه مهنية الباحث الملتزم بمنهج وقواعد تؤشر لجدية البحث واليقينية من نتائجه، بل يحاول أن ينفذ من خلال ادعاءه أن المهم في الموضوع الصورة التي يطرحها النبي عن الله أو ما يفهمه هو وليس ما في جعبة الوحي من افكار، لان صورة الوحي غير قادرة ان تخاطب البشر إلا من خلال ذات فيها سمو وعبقرية خاصة فيقول (إلا أن النبي خالق للوحي بشكل آخر، فالذي يحصل عليه من الله هو مضمون الوحي، ولكن هذا الوحي لا يمكن بيانه للناس بذلك المضمون، لأنه يفوق مستوى فهمهم، بل هو فوق مستوى الكلمات، فهذا الوحي فاقد للصورة، وعلى النبي أن يصوغه في إطار صوري؛ ليجعله في متناول فهم الجميع)، هنا يتحول النبي من مترجم لواقعه البيئي وإسقاطات ذلك الواقع في مقولة سابقة إلى مترجم للوحي لأن العقل الإنساني لا يفهم مراد الوحي ولا يمكنه ذلك، هذا التناقض بين الطرحين واحدة من إشكاليات نظرية سروش وعيب في تركيبتها المتناقضة.
يريد يقول سروش أن فكر الإسلام ليس عبقرية النبي الذاتية في إنشاء الأحكام وصياغة الفكرة عموما، بل العبقرية تتمثل في فهم رسالة الوحي ونقلها مترجمة بلسانه ومفاهيمه البشرية ومن ثم أعادة طرحها بترجمة عربية تتناسب مع ذوقية المجتمع وقدرته على استلهام ما فيها من أفكار لا يمكن للإنسان العادي ان يعقلها بكليتها، وهنا يظهر تناقض أيضا أخر ومرة أخرى يفصح عما في فكرته الأولى من كون أفكار الدين هي بمجملها العام مجرد تحسين لما في المجتمع والواقع العربي من ثقافة وفكر، ليعود وينكر أيضا كون التجربة الدينية تجربة بشرية بالكامل حتى مع إقراره بوجود الوحي، فلا ندري كيف يكون لمجتمع ان يستصعب فكرة قد صاغها وتعامل معها اجيالا ثم يجد صعوبة في بعض التحسينات البسيطة عليها، بل يجعلها سروش من المستحيلات الفكرية لكنها سهلة وميسرة للنبي لأنه تعامل معها بشكلها الصعب دون أن يبرر لماذا يحدث كل هذا لشخص دون غيره.
إن جزم عبد الكريم سروش بأن الإسلام لم يأت بجديد لا فكري ولا أخلاقي ولا حتى في العقائد مما هو موجود في حياة العرب، ينفي بشكل قاطع عن الدين الإسلامي أهميته التاريخية التي حافظت على تلك الديمومة والأثر الفاعل مع مرور اكثر من ألف وأربعمائة عام على وجوده، مع ما تعرض له من تخريب وهجمات فكرية وحروب طاحنة أستهدف أسسه وركائزه التكوينية فيقول (لا يوجد حكم جديد فيها، وإذا كانت هناك أحكام جديدة فهي قليلة ونادرة وربّما تصل نسبتها إلى 1 %، وهذا يعني أنّ 99 % من تلك الأحكام كانت معروفة وسائدة في فضاءات ذلك الزمان)، وأؤكد هنا أن الدين المحمدي ليس تطوريا غير عادي فقط، بل كان إنقلابيا قابلا للتجديد ومستجيب بالكلية لحركة الوجود وأحكام الزمن التاريخي، وانه نجح في كل مرة ان يتحرك في اطارية الوجود بقوة أكثر وبإصرار على أن يستجيب بدرجة أو بأخرى للتحديات الزمانية والمكانية، فلولا قوته وقدرته على التجديد لأضحى الإسلام مجرد ذكرى تاريخية تشهد لنبوغ مدعيه تنتهي بانتهاء فترة وجوده الفاعل، ليترك المجال لقوة فكرية أكثر قدرة على التجديد وطرح ما هو أقدر على التكييف والملائمة .
هذا التخبط بين الإثبات والنفي وبين الإقرار بإنقلابية الإسلام مرة، وبين عدم وجود أي تغيير نوعي قادة في حياة المجتمع الذي نشأ فيه، توضح عدم قدرة الباحث سروش في تأطير نظرية مترابطة ومتماسكة في نقده الذي سماه بتاريخية وبشرية الدين المحمدي، فهو كما قلنا يختصر مساحة الوحي في هذه النسبة الضئيلة التي حددها بالواحد في المئة، إنما تمثل كل العلاقة الإلهية برسالة النبي محمد وما كان يريده الله منه حتى لا تشكل تعارضا مع إرادته، وكأن مهمة الوحي العظيمة كانت في حدود هذا الواحد في المئة ولأجلها فقط حتى تستقيم الامور في نظره ويمكن تلطيف بشرية الدين بهذه النسبة.
إذن ما يريد أن يصل إليه هو إنكار لأصل الدين وما وصل منه إلينا ليس له علاقة بمراد الله تعالى بشكل ما، وأن من وضع التشريع وسن الأحكام عن طريق الوحي الأمين الذي ينقل إرادة الله هو محمد وقد يكون قد نجح أو ربما فشل أيضا بذلك، ولكون علاقة الوحي إن كنت حقيقية فهي محصورة في إفهام النبي ما يفعل فقط، وعلى الاخير الأستجابة له بشكل تلقائي ليعلن تطور وتضخم الدين وكبريته تبعا واستنادا إلى رغبة النبي المستجابة أصلا للوقع وللحاجة بعيدا عن وجود فكرة محدده لباعث الوحي عما يريد، سروش يصور إله محمد مجرد كائن أبله منقاد بالكلية إلى واقع يفرض عليه أن يبعث في كل مرة وحيا لينقل له كيفية التعامل مع هذا الواقع فيقول (وعلى فرض أن عمر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآلة) قد امتدّ لسنوات أكثر وحدثت وقائع تاريخية مهمة أكثر في حياته الشريفة، ألا يلزم من ذلك أن يكون حجم القرآن أكبر ممّا هو الموجود فعلاً ؟ ألم يتحرك القرآن في نزول الوحي تزامناً مع حوادث ذلك الزمان؟) ، إذن عنده الدين مجرد فعل توافقي بين الحاجة والأستجابة لها، وليس منهج مدروس ومقنن ومعلوم ومحدد من الخالق أو ما يعرف بقدم الفكرة وأصالتها بحدودها حتى لو تطاول الزمن على النبي لا يمكن أن يخترع أو يشرع أسس أخرى وقد حسمها قبل فترة طويلة من موته ، فواقعية الدين عنده ليس أكثر من تفاعلات يحكمها الزمن التأريخي خارج سياق فهمية الله لما يريد وبذلك هو من يخرج عن إرادة الله التي جعلها مناط الصدقية والمعيارية في صحة الإدعاء.
لا ندعي على مدع المقاربة التأريخية لفهم الدين ما هو برئ منها ولا نأت بمتقولات عنديه خاصة بل ننقل حرفيا ما يقوله، وخاصة فيما يتعلق بأصالة تكوين الدين وجوهريته التي لا تنطلق إلا من ديان عالم عاقل وعارف بما يريد، ولديه الوسيلة والمنهج وعنده الغاية معلومة ومحددة مسبقا، دون أن يكون مضطرا ومجبرا للاستجابة إلى إيقاع الحياة الوجودية، ومتنازلا عن الإحاطة الكاملة بما خلق (كلّ هذه الاُمور تشير إلى أنّ الدين عندما يدخل التاريخ البشري فإنّه يرتدي حلّة تاريخية وبشرية ويتعرض لتصرفات أذهان البشر وسلوكياتهم، وبالتالي ستغطي الحجب صفاء الحقائق القرآنية فينقص أو يزاد فيه. وما يتبقى من ذلك فهو الحدّ الأدنى من المعنوية والهداية المعروضة على الناس، وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم من المعنى الدقيق لتنزيل الكتاب) ، لسؤال المثير حقا هنا إذا كان إدخال الدين تأريخ البشر يخرجه من كونيته الحقيقية ويلبسه حلة أخرى قد تتناقض مع أصله وجوهره تبعا لتصرفات ونتائج واستحكامات الواقع الذي دخله جبرا، هذا يعني حجب الحقيقة عن أذهان البشر بهذا الكم الهائل من الفكر البشري وتناقضاته وما ينتج عنها وليس من خصيصة الدين ولا من جريرة كون النبي كان بشريا في وضع قواعد الدين، أليس في هذا القول السابق تناقض حقيقي مع مقولة أن الدين هو استجابة لواقعية التأريخ ذاته بما هو فيه، وأنه ليس إلا إنعكاس لذوقية وأستحقاق الواقع وقوانينه؟ أم أن الحقيقة التي تنتهي فيه المقاربة التأريخية لا توحي بذلك ولا تقر مذهبة ومنهجية بحث الناقد.
نعود إلى موضوع الوحي وعلاقته بالدين وهي من الإشكاليات المهمة والخطيرة لتي تناولها عبد الكريم سروش بشيء من الإفاضة البحثية ووضعها في مداريين مهمين هما:.
• بشرية الوحي واصطناعه.
• فرضية صحية الوحي.
النقطة الأولى _ والتي كثيرا ما ركز أبحاثه فيها هي حقيقة الوحي وكيفية التعرف عليه وما هي المعيارية التي ثبتت للنبي أن من يتحدث معه وينقل له إمضاء الله، وهو جبرائيل عليه السلام الذي يمثل كلية الوحي أو صوريته على الأقل، معتمدا على أن الجهل بالشيء دون التيقن الجازم بحقيقته يضع الجازم في محل شك مما بني عليه منه، أي أن النبي لم يصرح ولم يكشف لنا هذه العملية عملية التعرف اليقيني بحقيقة الوحي، وأنه تسلم أمر من مجهول نسبه بنفسه لله دونما دليل عملي وعلمي وربما يكون من سنخية شياطين الشعر المعروفة في واقع مكة والعرب في الجاهلية، وهنا يبني فكرته على أن الوحي له صورتان، أما هو حديث نفس النبي وخيالاته أو تأملاته التي أعطاها هذا الطابع القدسي بإدعاء الوحي، أو أن هناك قوة مجهولة أعترته فحدثته بما يصدع ويصرح.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 5
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 2
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 3
- القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا
- هل ينتهي إيماننا بالدين؟ ح2
- هل ينتهي إيماننا بالدين؟ ح1
- اصل الدين ح 2
- أصل الدين ح1
- ختام الرسل أم ختام الأنبياء؟
- جدوى الأطروحة
- النظرية المستحيلة
- دين بلا عذاب
- لماذا خلق الله آدم؟
- الإنسان بين الملائكة والشياطين
- السؤال الأول
- الأل والألية في النص الديني
- عقدة الزوجة في قصص الأنبياء
- السادية السلطوية والمجتمع البدائي
- كوميديا الديانات
- سيكولوجيا النبي


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 4