أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - السفسطائيون















المزيد.....

السفسطائيون


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6664 - 2020 / 9 / 1 - 12:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




برزت "السوفسطائية" كظاهرة فلسفية لعصر ديمقراطية العبيد في أثينا، ففي القرن الخامس قبل الميلاد، كان نظام الحكم الديمقراطي العبودي قد حل محل السلطة الارستقراطية القديمة في كثير من المدن اليونانية، وصاحَبَ هذا، ظهور عدد من الهيئات المنتخبة – المحاكم، والمجالس الشعبية، التي لعبت دوراً هاماً للغاية في صراع الطبقات والأحزاب بين السكان الاحرار، فشاع الجدل السياسي والقضائي، وظهرت الحاجة إلى معلمين يلقنون فنون الخطابة، وأساليب المَحَاجَّة واستمالة الجمهور، وأصبح معلمو البيان والجدل القضائي وغيره اساتذة يلقنون المعارف السياسية والخطابة.

وبما أن المعرفة لم تكن قد انقسمت بعد إلى فلسفية وعلمية خاصة، ونظراً للمكانة التي أصبحت الفلسفة تتمتع بها في أعين الأوساط المثقفة، كان هؤلاء المعلمون الجدد لا يكتفون، عادة، بتلقين المعارف السياسية والحقوقية، بل ويربطونها بالمعتقدات والقضايا الفلسفية الشاملة، دُعِيَ هؤلاء بالسفسطائيين Sophists أي الحكماء، أساتذة الحكمة، ثم جاء الكُتَّاب، المعادون للنظام الديمقراطي ومؤسساته، ليسحبوا عداءهم على المعلمين، الذين يُعِدُّونَ الشباب للنشاط السياسي والقضائي، وصاروا يطلقون اسم السفسطائيين عليهم"([1]).

أشير هنا إلى أن السفسطائية لم تكن تياراً فلسفياً متجانساً، لكن ممثليها، باختلاف اتجاهاتهم انضموا تحت لواء المبدأ القائل بنسبية كافة المفاهيم الانسانية، بما فيها المعايير والقيم الاخلاقية، وقد تجلى هذا المبدأ في القول المأثور عن بروتاغوراس([2]) "الانسان مقياس الاشياء جميعاً : هو مقياس وجود ما يوجد منها، ومقياس لوجود ما لا يوجد"([3])، وكان يقصد بذلك أن الصح والخطأ، الخير والشر، كلها يجب أن تْحدد حسب حاجات الكائن البشري.

في هذا السياق يقول إميل برهييه " ان السفسطة، التي وَسَمَتْ بميسمها العقود الخمسة الأخيرة من القرن الخامس (ق.م)، لا تشير إلى مذهب، وانما إلى طريقة في التعليم، فالسفسطائيون معلمون يرتحلون من مدينة إلى أخرى بحثاً عن جمهور في السامعين، ويُعَلِّمون تلامذتهم، لقاء أجر مقرر، وفي خُطَب علنية أو في دروس خاصة، مستخدمين الطرق القمينة بتغليب قضية على أخرى كائنة ما كانت، فعِوضاً عن طلب الحقيقة ونشرها نَشَدَ السفسطائيون النجاح المبني على فن الاقتناع والإفحام والإغراء، وفي هذه الشروط تكون القيم الفكرية الرئيسية هي التبحر، الذي يضع في حوزة الإنسان جميع المعارف النافعة لموضوعه، والأرابة التي تتيح له أن يختار موضوعاته بحسب مناسبتها، وأن يقدمها في صورة أخاذة، ومن هنا "كانت السمتان البارزتان اللتان تميز بهما السفسطائيون: فَهُمْ من جهة أولى تِقَنيون يتباهون بمعرفة جميع الفنون والصنائع النافعة للإنسان وبقدرتهم على تعليمها، وهم من الجهة الثانية طوال الباع في علم البيان وفن الخطابة، ويعلمون الدارسين عليهم كيف يستحوذون على مسامع السامع ويفوزون بعطفه"([4]).

نستخلص مما تقدم أن المناقشات كانت في أثينا عاملا في إشعار الناس بالحاجة إلى شيء لم يكن معروفاً فيها من قبل، ونعنى بذلك –حسب ديورانت- "الدراسة العليا المنظمة للآداب، والخطابة، والعلوم والفلسفة، وأساليب الحكم، والسياسة، ولم تقابل هذه الحاجة في بادئ الأمر بتنظيم الجامعات، بل قوبلت بوجود طائفة العلماء الجوالين يستأجرون قاعات المحاضرات، ويدرسون فيها ما يضعونه للتعليم من مناهج، ثم ينتقلون إلى مدن اخرى ليعيدوا فيها هذه الدراسة.

وكان بعض هؤلاء المعلمين، ومنهم بروتاغوراس يطلقون على أنفسهم لقب سوفسطاى، أي معلم الحكمة، وكان الناس يفهمون من هذا اللفظ ما نفهمه نحن من لفظ "أستاذ جامعي"، ولم يكن له معنى مُحِط بالكرامة، حتى قام النزاع بين الدين والفلسفة، فأدى إلى هجوم المحافظين على السوفسطائيين، ولعل الجمهور كان يشعر نحو هؤلاء بشيء من الكره الخفي من بدء ظهورهم، لأن ما كانوا يتقاضونه من باهظ الأجر نظير تدريس المنطق والبلاغة لم يكن يطيقة إلا الأغنياء الذين أفادوا من علمهم هذا في دور القضاء"([5]).

أما المفكر السوري الراحل د. حامد خليل فيقول عن السفسطائيين: " لم يحدث في تاريخ الفكر الفلسفي أن طُمِسَتْ معالم حركة فلسفية، وشُوِّهتْ أفكارها، مثلما حدث للحركة السفسطائية، لكن ذلك لم يكن بالأمر الذي يدعو إلى الاستغراب، فالسفسطائية لم تكن مجرد حركة فلسفية يقتصر هدفها على تفسير العالم فحسب، وإنما كانت قبل كل شيء حركة صاحبة قضية، ومناضلة، وداعية إلى تغيير أسس القهر الإنساني، وما يترتب على ذلك من تغيير في قيم الناس وتقاليدهم وعقائدهم التي تَحُوْل دون ارتقائهم العقلي والبدني على السواء، وحقيقة الأمر ان السفسطائية كانت أول وأعنف حركة تَحَدِّ لأشرس تشكيلة اجتماعية إمعاناً في تكريس عبودية الإنسان وسلبه قوى تفتحه وإبداعه التي يكون بها وحدها انساناً بحق، أعني التشكيلة العبودية التي كانت تشكل طابع الحياة الاجتماعية اليونانية في القرن السادس ومطلع القرن الخامس ق.م"([6]).

لكن خصوم السفسطائيين، من القوى المستفيدة من تكريس تلك العبودية –كما يضيف د. حامد خليل- "لم يلقوا أسلحتهم حين كانت الأفكار السفسطائية تلقي رواجاً كبيراً، وإنما كانوا يتحينون الفرص للإجهاز على السفسطائيين، واقتلاع جذورهم من أعماق الحياة اليونانية، وقد تحقق لهم ذلك في أواخر القرن الخامس (ق.م)، فأفل نجم الحركة السفسطائية منذ ذلك التاريخ وإلى الأبد، وأصبحت الاجيال فيما بعد، لا تعرف عن مفكريها أي شيء سوى ما كان خصومهم يلفقونه عليهم من تهم وتجديف، وأخص بالذكر "أفلاطون" كواحد من أخطر أولئك الخصوم، فقد وظف كامل عبقريته ليس لطمس معالم تلك الحركة وحسب، وإنما لتشويه أفكارها، وجعلها موضع احتقار الناس وتندرهم. وقد أفلح في تحقيق تلك المهمة بنجاح منقطع النظير. إذ أن لفظ "سفسطائية" أصبح فيما بعد، سُبَّة، وعاراً، ومصدراً للتهكم والسخرية في نظر البشرية حتى عهدنا هذا، اللهم إلا في حالات نادرة"([7]).

على أي حال، إن الديمقراطية الاثينيه لم تكن إبداعاً جديداً وحسب، بل كانت، أيضاً، برهاناً على أن نوعاً محدوداً من الديمقراطية المباشرة ممكن في ظل شروط معينة، فهي تتطلب مثلاً، مستوى عالياً من التعليم العام، فإذا أراد الكل أن يشترك في إدارة المجتمع، فيجب أن يكون النظام التعليمي العام صالحاً.

لقد قاد السفسطائيون ذلك "التنوير الشعبي"، فهم "علَّموا المواطنين الضروريين للمشاركة في الحياة السياسية: فنون المناقشة، والخطاب والتربية المدنية، والمعرفة بطبيعة الإنسان...إلخ، وكانوا في الوقت ذاته، معلمين وإعلاميين ومفكِّرين: فهم نقلوا المعرفة والثقافة إلى الشعب، وبخاصة إلى النشطاء في السياسة والقادرين على دفع الثمن لمعلميهم، قبل غيرهم، وقد زَعَمَ العديد من السفسطائيين أن ما يدعى حقاً وعدلاً كان تعبيراً عما فرضه التقليد الاعتباطي أو الحاكم الاعتباطي على الشعب ليقبله، فلا وجود لما هو حق، وما ندعوه حقاً هو ما يخدم القوي، والقوة تصنع الحق، أو يمكننا القول إن الحق لا يتعدى أن يكون ما نجحت أكثرية الضعفاء في جعله معترفاً به، لذا يمكن تعريف الأخلاق بطرق مختلفة. أما بالمعنى الكلي الصحيح، فإن الأخلاق عدم، ولا وجود إلا لعواطف محبة وكراهية أنانية"([8]).

بسبب مثل تلك النسبية، بدأ السفسطائيون بشكل تدريجي يخسرون القبول الشعبي، ولما كان للزبائن المختلفين مصالح مختلفة في أمور عديدة، اضطر السفسطائيون، مثل المحامين في المحاكم، أن يجادلوا لصالح قضايا مختلفة أو ضدها، ولم يكن يهم الزبون سوى تحقيق هدفه ألا وهو ربح القضية، وليس الحصول على الإجابة الصحيحة، "وكان لابد للمهارات التي كان السفسطائيون يعلمونها أن تتكيف مع ذلك الهدف. وكانت النتيجة أن عَلَّمَ السفسطائيون، في معظم الاحيان، حيل النقاش وأشكال الخداع فيه، وليس فن المناقشة العقلية، لذلك، صاروا في خطر الانحطاط إلى مراوغين مرائين، نعني "سفسطائيين"، بما تعنيه الكلمة عند البعض من أن السفسطة هي نوع من المراوغه، لكن الحقيقة انهم كانوا على العكس من ذلك، فقد طرح السفسطائيون مسائل كثيرة، تتعلق بالأخلاق وبالعلوم الاجتماعية، والإبستيمولوجيا– مسائل رافقتنا، منذئذ، مثل المسائل المعقدة عن النسبية والمطلقية (Absolutism)، والحق والقوة، والأنانية والغيرية أو المحبة للغير، والفرد والمجتمع، والعقل والمشاعر، وهي بعض المصطلحات الأساسية، وسوف نرى أن سقراط وأفلاطون شاركا في ذلك الجدل الذي أحاط بالسفسطائيين، ويمكن النظر إلى نظرية المُثُل عند أفلاطون بوصفهما محاولة لصياغة جواب إيجابي عن السؤال المتعلق بما إذا كان هناك نظام سياسي – أخلاقي، نعني: أن نظرية المُثُل، هي بهذا المعنى حجة مضادة للشك السياسي – الأخلاقي السفسطائي.

أما في السياسة فقد انقسم السفسطائيين إلى مدرستين، قالت احداهما مثل روسو فيما بعد، "ان الطبيعة خير والمدنية شر، وان جميع الناس متساوون بالطبيعة، وان النظم الطبقية المصطنعة هي التي قضت على هذه المساواة بينهم، وفَرَّقتهم إلى طبقات، وأن القانون هو من اختراع الاقوياء من الرجال، ليقيدوا ويحكموا الضعفاء منهم".

وادعت المدرسة الاخرى مثل نيتشه، "ان الطبيعة وراء الخير والشر، وان الناس بالطبيعة غير متساوين، وان الاخلاق من اختراع الضعفاء لتقييد وكبح الاقوياء، وأن القوة هي الفضيلة العليا، والرغبة العليا التي يرغب بها الانسان، وأن الدولة الارستقراطية هي الأفضل والأَحكم، والأكثر تناسباً طبيعياً من جميع انواع الحكومات".

في هذا الجانب، يبدو أن هذا الهجوم على الديمقراطية، يعكس ظهور الاقلية الموسرة في اثينا التي اطلقت على نفسها اسم حزب الاوليجاركية (حزب الخاصة أو القلة) والتي وصَفَتْ الديمقراطية بكونها ضعيفة وعاجزة وكاذبة ومصطنعة.

ومع ذلك فإن "هذه الديمقراطية التي كانت لديهم، كانت ديمقراطية تامة ومُتْقَنة ولا مثيل لها، لقد كانت "الاكسليزيا" أو الجمعية العامة في أثينا، المصدر الأعلى للسلطة، والجهاز الرسمي الأعلى في الدولة، وكانت "الديكاستيريا" أو المحكمة العليا، تتألف من أكثر من الألف من الاعضاء (لجعل الرشوة متعذرة وباهظة التكاليف)، وكانت المحكمة تُخْتار حسب الحروف الابجدية من سجل جميع المواطنين، لذلك لا نجد نظاماً أكثر ديمقراطية من هذا النظام الذي عرفته اثينا، ولا أكثر سخافة وبطلاناً كما كان يقول معارضو هذا النظام عنه"([9]).

أخيراً، "يرى المؤرخ الأمريكي "ول ديورانت" أن "السوفسطائيين في مجموعهم يُعَدُّونَ من العوامل التي كان لها أعظم الأثر في تاريخ اليونان؛ فهم الذين اخترعوا لأوربا النحو والمنطق، وهم الذين رَقّوا فن الجدل، وحللوا أشكال الحوار، وَعَلَّموا الناس كيف يكشفون وكيف يمارسون؛ وبفضل ما بعثوه في اليونان من حافز قوى وما ضربوه بأشخاصهم من أمثله شغف مواطنوهم بالمناظرة والاستدلال؛ فهم الذين استخدموا المنطق في اللغة، فزادوا الأفكار وضوحاً ودقة، ويَسَّروا انتقال المعرفة إنتقالا صحيحاً دقيقاً، وهم أيضاً الذين جعلوا النثر صورة من صور الأدب والشعر ووسيلة للتعبير عن الفلسفة؛ وطبقوا التحليل على كل شيء؛ وأبوا أن يُعَظِّموا التقاليد المتواترة التي لا تؤديها شواهد الحس أو منطق العقل؛ وكان لهم شان كبير في الحركة العقلية التي حطمت آخر الأمر دين اليونان القديم، فكان نصيبهم في تدهور الأخلاق أنهم اشتركوا في التدهور الذي أصاب أثينا مع غيرهم، ولم يكونوا العامل الأساسي فيه، فقد كان تعريفهم للأخلاق أو لقيمة الإنسان تعريفاً قائماً على أساس المعرفة، كما فعل بروتاغوراس قبل سقراط بجيل من الزمان، كان هذا التعريف باعثاً قويا على التفكير، ولكنه كان ضربة زلزلت قواعد الاخلاق نفسها؛ كذلك كان توكيد المعرفة وتعظيم شأنها من الأسباب التي رفعت مستوى اليونان العلمى والثقافي؛ ولكنه لم يُقَوِّ من ذكائهم بنفس السرعة التي حرر بها عقولهم"([10]).

قال السوفسطائيين، "إن المعرفة شيء نسبي، لكن هذا القول لم يكن سببا في حمل الناس على التواضع كما يجب أن يكون، بل إنه أغرى كل إنسان بأن يتخذ من نفسه معياراً يقدر به جميع الأشياء، فأصبح كل شاب نابه يُحس بأنه خليق بأن يحكم على القانون الأخلاقي الذي يسير عليه بنو وطنه، وأن يرفضه إذا لم يفهمه أو يعجبه، ثم يصبح بعدئذ حراً في أن يبرر رغباته حسب ما يراه هو بعقله، ويقول إنها فضائل النفس التي تحررت من رق القانون.

كانت التفرقة بين "الطبيعة" والعرف، وميل صغار السوفسطائيين إلى القول بأن ما تبيحه "الطبيعة" خير في ذاته على الرغم من حكم العادة أو القانون، كان هذا الميل وتلك التفرقة عاملا في تقويض الدعائم القديمة للأخلاق اليونانية، ومشجعاً للناس على القيام بكثير من التجارب في أساليب العيش، وأخذ الشيوخ يأسفون لانقضاء ما كان يسود المنزل من بساطة وإخلاص، ولانهماك الناس في السعى وراء اللذة وجمع المال متحللين في ذلك من قيود الدين، وعلى أثر ذلك، بدأ سقراط حياته بخطبة ضد السوفسطائيين، وواصل أرسطو هجومه عليهم وعَرَّفَ السوفسطائي بأنه الرجل "الذي لا يحرص إلا على أن يُثْري من وراء التظاهر بالحكمة"، واتهم بروتاغوراس بأنه "يعد الناس بجعل أسوأ الأسباب يبدو كأنه أحسنها"، ولكن -يقول ديورانت- "إذا ما انتقد السوفسطائيون التقاليد والأخلاق السائدة في عصرهم، فلم يكن ذلك بطبيعة الحال عن سوء قصد فقد كانوا يظنون أنهم بعملهم هذا يحررون الناس من رق العقول، وكانوا بهذا الوصف وهم الطبقة الراجحة العقل في زمانهم يتصفون بما يتصف به أهل ذلك الجيل من شغف بالحرية العقلية، وقد فعلوا ما فعله علماء الموسوعات في عصر الاستناره في فرنسا إذا انقضوا على الماضي الميت انقضاضا جديرا بالإعجاب فاكتسحوه أمامهم دفعة واحدة، فقد كانوا "أداة البحث الجديد، ولكنهم عجزوا عن ان يضعوا السياسة المؤدية إلى هذا التكيف وكفاهم فخراً أنهم كانوا حافزاً لطلب المعرفة، وأنهم جعلوا التفكير سنة العصر، وأنهم جاءوا من كافة أركان العالم اليوناني إلى أثينة بأفكار جديدة وأسباب للتفكير جديدة، وأيقظوا فيها الوعى الفلسفي والنضوج الذهبي. ولولاهم لما وجد سقراط أو أفلاطون أو أرسطو"([11]).




([1]) موجز تاريخ الفلسفة – جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم – دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) – ص 82

([2]) كان بروتاغوارس، أشهر السوفسطائيين جميعهم وفي وسعنا أن نستدل على ما كان له من شهرة واسعة بما أحدثته زياراته لأثينة من حماسة بالغة واهتياج فيها كبير؛ وحتى أفلاطون نفسه – وهو الذي لم يقل كلمة طيبة في السوفسطائيين عن قصد – كان يجله ويصفه بانه على خلق عظيم. وكان من أفضاله الكثيرة أنه وضع أساس النحو وفقه اللغة الأوربيين، ويقول عنه أفلاطون إنه بحث في الطريقة الصحيحة لاستعمال الألفاظ، وإنه كان أول من قسم الأسماء إلى مذكرة ولا مؤنثة، وأول من ذكر أزمان الأفعال وحالاتها (إخبارية أو شرطية الخ). كان –بروتاغوارس يرى أن الإحساس هو السبيل الوحيدة إلى المعرفة، ويأبى أن يعترف بوجود أية حقيقة تعلو على العقل ولا تدركها الحواس،وتلك هي رؤية جون لوك فيما بعد. ومن أقوال بروتاغوارس " أن الحقيقة المطلقة لا وجود لها، وأن كل ما يوجد هو الحقائق التي يعتنقها بعض الناس في ظروف خاصة.

والحقيقة كلها والخير والجمال، أمور نسبية وشخصية؛ "والإنسان هو المقياس الذي تقاس به جميع الأشياء فهو الذي يقرر أن الأشياء الكائنة، وأن الأشياء غير الكائنة غير كائنة. أما من حيث الآلهة فلست أدرى –يقول بروتا غوراس- أهى موجودة أم غير موجودة كما لا أعلم لها شبهاً. وثمة أشياء كثيرة تقف في سبيل هذه المعرفة: فالموضوع غامض، وحياتنا الفانية قصيرة الأجل... وارتاعت الجمعية الأثينية من هذه الكلمة فقررت نفي بروتاغوراس، وأُمِرَ الأثينيون على بكرة أبيهم أن يسلموا كل ما عساه أن يكون لديهم من كتاباته، وأحرقت كتبه في السوق العامة. وفر بروتاغوارس إلى صقلية ولكنه، على ما ترويه القصة، غرق في الطريق". (ول ديورانت – قصة الحضارة – المجلد الرابع – ص212 + 213).

([3]) جماعة من الأساتذة السوفيات – مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة –ص 83

([4]) اميل برهييه – تاريخ الفلسفة – الجزء الأول: الفلسفة اليونانية– ترجمة: جورج طرابيشي– دار الطليعة – بيروت- الطبعة الأولى، 1982 – الطبعة الثانية 1987- ص 106

([5]) ول ديورانت – ترجمة: محمد بدران – قصة الحضارة "حياة اليونان" - المجلد (7/ 8) الكتاب الثالث- العصر الذهبي – ص 212

([6]) د. حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990 م – ص 11

([7]) المرجع نفسه – ص 12

([8]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى ، بيروت، نيسان (ابريل) 2012- ص 90

([9]) المرجع نفسه - ص 103

([10]) ول ديورانت – ترجمة: محمد بدران – قصة الحضار "حياة اليونان" – المجلد الرابع (7/ 8 ) – الكتاب الثالث "العصر الذهبي – ص 218

([11]) المرجع نفسه – ص 220



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة اليونانية
- بدايات الفكر الفلسفي في بابل ومصر القديمة
- الفلسفة الطاويه في الصين
- الكونفوشيه
- فلسفة الصين القديمة
- الفلسفة البوذية
- الفلسفة الهندية
- مدخل إلى الفلسفة ( 3 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 2 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 1 / 3 ) ما هي الفلسفة ؟
- مقالات ودراسات ومحاضرات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع ...
- قبسات ثقافية وسياسية فيسبوكية 2019 - الجزء الثامن
- اقتصاد قطاع غزة تحت الحصار والانقسام الحلقة العاشرة والأخيرة ...
- في ذكراه الثانية عشر ...الرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش ...
- المتغيرات الفلسطينية ما بعد أوسلو
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - السفسطائيون