أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - فلسفة الصين القديمة















المزيد.....

فلسفة الصين القديمة


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6653 - 2020 / 8 / 21 - 22:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



"لم تعرف الهند ولا الصين نظام الدوله/ المدينة الذي ساد في اليونان، والذي وفر فضاءً للنقاش السياسي بين مواطنين أحرار ومتساوين، فالمدينة الصينية مثلاً لم تكن مدينة (polis) بالمعنى اليوناني القديم، إذ لم تكن كياناً مستقلاً يمكنه أن يدخل في معاهدات مع دول أخرى، فقد كانت المدينة الصينية جزءاً من إدارة ذات حكم مركزي. وكانت الحضارة الصينية موجهة، وبشكل عام، وفاقاً لمعايير السلوك الإنساني، أي جانب كونها ثقافة كتابية ذات توجه تعليمي، ولم تكن ثقافة الخطابة العامة، وقلَّ الاهتمام بالفلسفة التأملية المنظمة كما كان في بلاد اليونان، أو بالتحرر والخلاص كما كان في الهند، ولكن الحضارة الصينية اتجهت نحو الشؤون العملية والبراغماتية، وإذا كانت الجملة الافتتاحية في كتاب القرآن تقول: "الحمد لله رب العالمين"، فإن الجملة الافتتاحية في كتيب التجويد الصيني تقول: "إن الطبيعة الأصلية للإنسان خيّـرة". أي أن الجملة الافتتاحية في التعليم الإسلامي تضع قارءها في لبّ الدين، أما الجملة الافتتاحية في التعليم الصيني فتضع قارؤها في لبّ الفلسفة"([1]).
إن الدور الذي لعبته الفلسفة في الثقافة الصينية، يعادل الدور الذي لعبه الدين في الثقافة الأوروبية والشرق أوسطية، ولعل هذا ما دفع البعض إلى اعتبار الكونفوشية ديناً وفق صياغة كونفوشيوس بين سنوات (551 – 479 ق.م)، ولكن الكونفوشية في واقع الحال ليست ديناً، شأنها في ذلك شأن فلسفة أفلاطون أو أرسطو.
فعلى الرغم من أن الكتب الكونفوشية الأربعة كانت بمثابة إنجيلٍ للصينيين، إلا أن أياً منها لم يبشـر بإلهٍ أعلى خالقٍ للسماء والأرض، ولم يحتوِ على قصةٍ للخلق والتكوين، أو على تصوراتٍ آخروية عن نهاية العالم ويوم الحساب، وعن الجنة والجحيم، وقد كانت أساطير الصينيين لا تتصل بالله، بل بالطبيعه فقط، وبالتالي لعبت الفلسفة (خاصة فلسفة الأخلاق الكونفوشيه) دوراً رئيسياً في الحضارة الصينية، فقد "اهتم فلاسفة الصين - كغيرهم من الفلاسفة - بموضوع (فهم الكون وتفسير العالم) وغيره من المسائل والموضوعات والميادين الأساسية في الفلسفة، ولكنهم اختلفوا عن كثير من فلاسفة الشعوب الأخرى، في أن فهم الوجود والشرح الفلسفي للعالم لم يكن في مقدمة أهدافهم الرئيسية الأولى، بل كان الهدف الرئيسي للفلسفة الصينية هو (الارتقاء بالإِنسان) قبل أي شيء آخر، والعمل وبذل الجهود لجعله عظيماً" ([2]).
فجاءت إجابة الفلسفة الطاوية، " بأن المصدر الأساسي لهذه العظمة يكمن - حسب الترجمة الحرفية من مصادر صينية - في التوحّد مع النهج الداخلي للكون.. وهذا معناه قدرة الإِنسان على الاندماج والانسجام مع كونه الذي يعيش فيه، أي أن يستقر ويبدع ويعمل وفق فهمه لمكانه وقيمته وإمكاناته ودوره في هذه الحياة.
أما الفلسفة الكونفوشية، فترى أن مصدر تلك العظمة الإِنسانية يوجد في فكرة (تطوير الإِنسانية) عبر الارتباط بالمشاعر الإِنسانية الجميلة المشتركة، والالتزام بالفضائل والقيم الاجتماعية النبيلة".
على أي حال، إن الفلسفة الصينية تؤكد - في صورتها العامة – "على أن العقل لا يعمل بمعزل عن أجزاء الجسد، فروح الإِنسان وعقله مرتبطان بمادته ارتباطاً وثيقاً، فالإِنسان روح ومادة في آن واحد.. والعالم في هذه الفلسفة ليس جوهراً في حد ذاته، بل شبكة من العلاقات المتصلة بين الكل والأجزاء، دون أن يعلو أحدها على الآخر، وإذا أدرنا دفة الحديث باتجاه الصعيد الاقتصادي في بلاد الصين القديمة تحديداً، فسنجد أن كثيراً من الباحثين اتفقوا على أن اللمحة العامة لنمط ذلك الاقتصاد ترتبط بنظامهم نظام اقتصادي إقطاعي إنتاجي"([3]).
ومن أبرز أسباب ظهور التوجّه الإقطاعي لديهم – كما يقول وائل القاسم- " أن مفهومهم للإمبراطور الموكّل من الإله، يجعل جميع الأراضي ملك الإمبراطورية فعلياً، باقتناع وتسليم شعبيين، فالفلاح الصيني مثلا - في بعض الأزمنة القديمة - يختار الأرض التي يريد زراعتها بصفته منتجاً للمحاصيل فقط، أي أنه لا يختار أرضه كمالك لها، أما على الصعيدين الفكري والثقافي: "كانت المذاهب الأساسية المنتشرة هي الكونفوشية والطاوية، مع وجود الديانة البوذية التي جاءت من الهند، والمانوية التي جاءت من الفرس، والتي تعتبر امتداداً للزرادشتية. ومن المهم أن نعرف أن العلوم –في الصين- "ارتبطت بالفلسفة والميثولوجيا ارتباطاً وثيقاً، فالطب مثلا اهتم كثيراً بالنظريات السائدة، التي كانت ترسم البناء الطبيعي من خلال مكونات خمسة هي النار والماء والخشب والمعادن والتراب، ومن هنا كان الطب الصيني يؤكد على ارتباط الإِنسان بالطبيعة، فهو جزء منها، ويؤدي انسجامه معها إلى الصحة والعكس صحيح، أي أن عدم تناغمه مع الطبيعة يسبب له الأمراض، وكذلك علم الفلك مثلا، فقد ارتبط بالأساطير والخرافات السائدة، خاصة حول الموضوعات الفلسفية البارزة، كقصة الخلق والوجود وغيرها"([4]).
كما أن فلاسفة الصين "لم يهتموا - فيما يظهر - بالمعرفة كنظرية أو كغاية لذاتها، بقدر اهتمامهم بتحليل علاقة هذه النظرية بالأفعال المعرفيّة، أي بالتطبيق. ويتجلّى اهتمامهم هذا في منحيين واضحين، أولهما الاهتمام السياسي بإدارة شؤون العالم وفق الرؤى الإِنسانية لا وفق أي عقل آخر خارج الكون والعالم.. وثانيهما الاهتمام بالإبداع الإِنساني، خصوصاً الفني، على المستويين الفردي والجماعي، والخلاصة هي أنه لا قيمة - عندهم - للخطاب المعرفي النظري إلا إذا كان ملامساً لواقع البشر، أي إذا كان مطبَّقاً ومؤثراً بشكل مباشر في الحياة بكل ما فيها، خصوصاً على الصعيدين السياسي والاجتماعي، التي يوليها الصينيون اهتماماً بالغاً" ([5]).
ولهذا فإن الرأي الشائع الذي يقول إن في الصين ثلاثة أديان هي: الكونفوشية والطاوية والبوذية، هو من قبيل تبسيط الأمور، فالكونفوشية –كما يقول فراس السواح- "ليست بالتأكيد ديناً، أما فيما يتعلق بالطاوية، فعلينا التمييز بين الطاوية الفلسفية، أي طاوية المعلم الأول "لاو تسو" ومن بعده المعلم الثاني "تشوانغ تسو"، والطاوية الطقسية التي تحمل ملامح الدين، والتي نشأت بعد "لاو تسو" بعدة قرون وادعت الانتساب إلى "لاو تسو" على الرغم من الفوارق الجذرية بينهما، "فالصينيون أقل الشعوب اهتماماً بالدين، وعبر تاريخهم كانت الفلسفات الأخلاقية هي أساس حياتهم الروحية، ومن خلال الفلسفة كانوا يُـرضون ذلك السعي الإنساني إلى السمو فوق مجريات العالم المادي"([6]).
ونحن إذا عدنا إلى ما قبل القرن السادس ق.م، الذي أخذت فيه المدارس الفلسفية المختلفة بالتوضح، نجد أن الديانة الصينية التقليدية لم تأخذ مفهوم الألوهة المفارقة للعالم بشكلٍ جدي، ولم يكن لديها تصورٌ واضح عن إلهٍ يتربع على عرش الكون ويتحكم فيه عن بُـعد، وعلى الرغم من أن الميثولوجيا الصينية حافلة بالآلهة من شتى الاختصاصات، إلا أن هؤلاء لم يكونوا في حقيقة الأمر إلا أسلافاً أسطوريين جرى رفعهم إلى مرتبة الآلهة، وتُـظهر السِـير المتداولة عن حياتهم كيف ابتدأ أمرهم كرجالٍ صالحين على الأرض قـدَّموا خدماتٍ جلـى لمجتمعهم، وكيف تم تأليههم وعبادتهم فيما بعد"([7]).
"وفي الفترة ما بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد، عصر ظهور مجتمع الرق وتطوره، شهدت الصين القديمة بروز اتجاهين فكريين متناقضين: محافظ وتقدمي، غيبي ومادي، وقد تبلورت، في غمرة الصراع الذي خاضه هذان الاتجاهان، أفكار عدة، كانت قد ظهرت منذ الالف الثاني قبل الميلاد كمحصلة لتعميم المعارف الأولى في ذلك العصر، منها –فكرة العناصر الخمسة الأولى (المعدن، الخشب، الماء، النار، التراب)، والمبدآن المتناقضان (ين، يان)، والقانون (الطريق) الطبيعي – تاو، وغيرها.
بيد أن التيارات الفلسفية الحقيقية لم تظهر الا في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وقد خاضت هذه التيارات صراعاً فيما بينها، دام حوالي ثلاثة قرون، كان انعكاساً للصراع الاجتماعي، الذي رافق الانعطاف الكبير في تاريخ المجتمع الصيني القديم"([8]).
أخيراً أشير إلى أن "الفلاسفة الصينيون غالباً كانوا يأتون من "النبلاء الفقراء" الذي اُضطروا إلى البحث عن وظيفة في السلك الإداري الذي نشأ في بلاط الإمبراطورية، وكثير من مفكري الصين الكبار جاؤوا من تلك الطبقة. وكانوا، من دون استثناء، موظفين متعلمين، وموظفين كباراً في الإمبراطورية الصينية القديمة، من ذلك الوسط الاجتماعي جاء الملك تشاي (Chi) المعروف في الغرب باسم كونفوشيوس (الملك فوزي (Fuzi)، "الملك السيد")"([9]).
في رحاب الفلسفة الصينية، "لا بدّ لمن يبحث في مضامينها، أن يتناول ثلاث عقائد أساسية، على الرغم من تمايزها التاريخي، فهي متداخلة مع بعضها البعض وإنْ انشغلت كل منها بحقل معين، وهذه العقائد هي: الكونفوشية، والبوذية، والطاويه"([10]).
 
 


([1]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره –  تاريخ الفكر الغربي -  ص 79
([2])  وائل القاسم – جولة في رحاب الفلسفة الصينية القديمة (1- 3 ) – موقع المعرفة – 29 أغسطس 2015.
([3]) المرجع نفسه.
([4]) المرجع نفسه.
([5])  المرجع نفسه.
([6]) فراس السواح – إطلالة على الفلسفة الصينية – موقع: ألف – 28/4/2018.
([7]) المرجع نفسه .
([8]) جماعة من الأساتذة السوفيات – مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة – ص 45
([9])  غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره-  تاريخ الفكر الغربي –ص 80
([10])  عبد الحسين شعبان – الفلسفة التاوية وصنوها الفلسفة الصوفية – الحوار المتمدن – 8/5/2015



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة البوذية
- الفلسفة الهندية
- مدخل إلى الفلسفة ( 3 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 2 / 3 )
- مدخل إلى الفلسفة ( 1 / 3 ) ما هي الفلسفة ؟
- مقالات ودراسات ومحاضرات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع ...
- قبسات ثقافية وسياسية فيسبوكية 2019 - الجزء الثامن
- اقتصاد قطاع غزة تحت الحصار والانقسام الحلقة العاشرة والأخيرة ...
- في ذكراه الثانية عشر ...الرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش ...
- المتغيرات الفلسطينية ما بعد أوسلو
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...
- التطور الفلسفي لمفهوم الأخلاق وراهنيته في المجتمع الفلسطيني ...


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - فلسفة الصين القديمة