|
اعلان حب على الملأ
الزا نصره
الحوار المتمدن-العدد: 6644 - 2020 / 8 / 12 - 20:53
المحور:
الادب والفن
إنها ليلة تموزية صافية بدت اعتيادية في أغلب بيوتات اللاذقية باستثناء بيت وسيم عبد الله..كانت الساعة تشير الى الرابعة فجراً حيث كانت معظم البيوت غارقة في عتمتها، نائمة بعد سهرات صيفية لطيفة. وهذا ماكان عليه حال شارع - ت 39- الضيق الملتف صوب البحر، والذي كانت تتقابل وتتلاصق عماراته على طرفيه، وتتشارك بجدرانها، ونوافذها، وشرفاتها بحميمية أرخت سدالها على أناسها الذين يسكنونها... الوقت يمر ببطء في هذه الليلة المقمرة ..ها قد أصبحت الساعة الخامسة ..لازال ضوء فضي شاحب يسقط من أعمدة الانارة على اسفلت الطريق ..فراشة ساهرة على غير العادة تبدو بمنظر غرائبي و هي عالقة في فلك أحد تلك الأنوار تخفق بجناحيها بشكل حماسي وعبثي علها تصل الى جنتها المنشودة....لم تكن وحيدة تماماً ..إذ كان برفقتها وسيم الذي بقي ساهراً يرقبها بصمت من شرفة منزله في الطابق الخامس..بالأحرى كان يتطلع اليها عندما يملّ النظر الى الستارة المغلقة لغرفة "سحر" المقابلة له في الطابق الثالث، فيما كان ذهنه يعيد مراراً وتكراراً تفاصيل قراره الجريء الذي اتخذه هذا المساء. الدقائق تمضي ..ضوء الفجر ينبلج.. الهدوء المخيّم يولي الأدبار تحت وقع دعسات في الشارع بدت مستعجلة لأناس قلائل دبّ النشاط في أجسادهم مبكراً.. حدّق اليهم وسيم بعينيه المحمرتين الذابلتين وأدرك أنه يعرفهم حق المعرفة..إنه أبو جورج –الفرّان-..وأبو محمد -بائع الخضار- ..شعر برغبة صارخة كي يصيح ويلقي عليهم تحية الصباح ويخبرهم كيف أن الحبّ لم يترك للنعاس سبيلاً ليصل إلى عينيه وكيف أن صورة الحبيبة " سحر" تتربص به في كل لحظة و مع كل شهقة نفس لدرجة بات معها النوم والعيش المريح مستحيلين...لكنّ ما بدا عليهم من انشغال للسعي الى أرزاقهم جعله ينكفئ عن رغبته. الساعة الآن تشير الى الخامسة ونصف ..وأخيراً..أزيحت الستارة، وفتحت النافذة ..أطل ّ وجه سحر الناعس...نظرت الى أسفل الشارع وهي تتنفس الهواء المنعش من دون أن يرفّ لها جفن الى الشرفة العلوية للمبنى المقابل ولا مرة واحدة..غابت قليلاً وعادت وهي تحمل فنجان قهوتها كعادتها وبدأت ترشفه وهي تغدو في غرفتها جيئة وذهاباً ...أمسكت قلم الكحل وخطت جفنيها ببراعة ..ثم انتقت قلم الحمرة ذو اللون البني الضارب الى الأحمر وأغدقت بطراوته ولزوجته على شفتيها الرقيقتين ..كاد قلب وسيم يذوب حسرة مع قلم الحمرة ...سمع صوت عواء كلاب يضجّ في رأسه وحده..لم يلتفت إليه ..فاليوم قد اتخذ قراره ..لتعوي الكلاب كما تشاء فهو على موعد مع اعلان حبه لسحرعلى الملأ... هاهو جاره عبد العال - بائع السمك - يدير محرك سيارته البيك آب ويبتعد ...أراد وسيم مجدداً أن يصرخ بأعلى صوته ويخبره أن حبه لسحر أكبر من البحر الذي يقصده كل يوم...نعم لقد كبر واتسع منذ أن كان مراهقاً ووقع في حبها قبل عشرة أعوام في ذات اليوم الذي وقعت هي فيه في كراهيتها المطلقة له.. وعلى الرغم من نفورها منه لم ينقص حبه لها مقدار أنملة بل على العكس ازداد تشبثاً وولعاً بها ..كانت مجرد فتاة صغيرة تحلم بفتى يضحكها ويجعل قلبها يخفق بمجرد النظر اليه..وهو ما عجز وسيم بكل بساطة عن فعله ...آه كم كرهت الحاحه، وتربصه، وجنونه.!!..وزادت على ذلك بأن كرهت القدر الذي لم يجعل رجلاً واحداً آخر كما تحب وتشتهي يتعثر في دربها .... عاد صوت عواء الكلاب ليصمّ آذان وسيم ويقطع تخيلاته...شعر بالصداع ..واليأس .حاول جاهداً تجاهل الأصوات الا أنها أبت أن تفارقه .. رنّ في أذنيه صوت والده العاتب :" السعادة هي فن الاقتناع بالمتاح" ..لكن لسان حاله كان يردد تلقائياً:" روحي فرس جامحة لا يمكن ترويضها "... تذكر كلمات أمه الغاضبة:" انساها وعيش..الدنيا مليانة بنات"... تأوه وهو يردد لنفسه :" لا أريد أن أنسى..ولا يمكنني ذلك". إنها السادسة فجراً...لقد أنهت الحبيبة مكياجها ..وجهها جميل... لكنه يبدو بلا معاني... ولا تأويلات... حركة المرور في الشارع تزداد بينما عواء الكلاب في رأس وسيم ترتفع وتيرته ويفتك بقلبه ويمزق روحه ..في هذا اليوم المميز لم يعد يريد إخراسه.. لذلك تركه يضجّ بلا هوادة... عيناه لا تزالان عالقتين بين الفراشة التي تحوم تحت لمبة الإنارة وبين غرفة سحر.... أصوات أناس تتهادى الى مسامعه من الشارع في الأسفل ... الوقت يمر ببطء ثقيل وكأنه مقصود...لكنه لن يتوانى هذه المرة عن قراره....اليوم اتخذ قراره النهائي وسيضع النقاط على الحروف ..سيشهد هذا الصباح على حبه ولن يشبه صباحات أخرى ... عقارب الساعة الآن تشير الى السادسة ونصف...إنه موعد خروج الحبيبة الى العمل ...وهو بالظبط الموعد المأمول ... أخيراً تنفس الصعداء ...لقد أغلقت الستارة.... الآن فقط اكتفى من العواء، وتلاشت كل الأصوات البشرية من رأسه... نظر الى القمر الشاحب الذي لم يرغب بمفارقة السماء وبقي حاضراً مع ولادة الشمس فبدوا كحبيبين متآلفين ... بثقة وجرأة صعد ووقف بثبات على درابزون الشرفة غير آبه بأنين الخشب تحت قدميه..وحيداً وعارياً من أهواء الناس، مكتسياً وشاح براءة طفولة لم يغادرها قط..مدّ يده الى الفراشة الساهرة، وخطا خطوته الوحيدة الى الفراغ.
#الزا_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل يعيش حلمه
-
ما تبقى من جدتي - قصة قصيرة
-
ما تبقى من جدتي
-
شعارات بامتياز ولكن ...!؟
-
الحلم الأوبامي
المزيد.....
-
اللغة الأكادية في العراق القديم تكشف ارتباط السعادة -بالكبد-
...
-
مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
...
-
المصور الأميركي روجر بالين: النوع البشري مُدمَّر!
-
شعبية كبيرة لعرض -كسارة البندق- في دور السينما الروسية
-
عالم الآثار المصري الشهير زاهي حواس: حتشبسوت كانت ملكة بدينة
...
-
مسقط.. فيلم الخنجر يُعرض للجالية الروسية
-
-مَلِكي-.. منى زكي تشكر حلمي في تكريمها بمهرجان البحر الأحمر
...
-
المغرب: الممثل الأمريكي شون بن يثني على مهرجان مراكش السينما
...
-
عروض عالمية وقصص إنسانية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
-
هجرات وأوقاف ونضال مشترك.. تاريخ الجزائريين في بيت المقدس وف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|