أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الزا نصره - ما تبقى من جدتي - قصة قصيرة














المزيد.....

ما تبقى من جدتي - قصة قصيرة


الزا نصره

الحوار المتمدن-العدد: 6575 - 2020 / 5 / 27 - 01:13
المحور: الادب والفن
    


إنها الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم صيفي عادي من أيام شهر تموز الحار والدبق. هاهي الجدة بوجهها المتغضن الذي شهد مايزيد عن تسعين موسم زنبق بلدي تقف على باب بيتنا بكامل حضورها البهي ولياقتها الصحية . فاليوم نحن على موعد معها حسب برنامج زياراتها الشهري الحافل لبيوت أبنائها التسعة ...
أسرعت لأفتح الباب وأرمي نفسي في حضنها حتى قبل أن ينهي ذاك العصفور الكهربائي زقزقته. كانت رائحة زهر عطرة تفوح من منديل الحرير الأصفر المشغول يدوياً والذي غطى رأسها وتدلى بأطراف الكروشيه على عنقها و كتفيها كتاج ذهبي يليق بوجه ظلّ جميلاً على الرغم من أنف السنين .. طبعت قبلتين على وجنتي وألحقتهما بضمة من تلك الضمات التي لا تنسى.
بفرح غامرأمسكت بيدها، وشددتها للداخل وأنا أصيح مبتهجة: "تفضلي .ادخلي يا أحلى ست" ..
مبتسمة، مدت يدها الى جيبها وأخرجت كمشة زهر:" هذه الزنبقات البلديات، قطفة صباحية .انها لك يا حلوة"
تناولت الزهرات برفق وشممتهنّ بعمق لكأني كنت أغرف من يومي زاداً لعمري القادم ... آه .. لا تنفك الجدة عن منح الأحبة من جيبها العجيب حفنات زهر حسب المواسم.إذ تارة تلقى الياسمين وتارة أخرى الفل أو الحبق وهكذا دواليك....
..يا لروعتها كم هي امرأة رقيقة وروحها زاهية كجناحي فراشة!!.
عاد صوتها الحنون ليوقظني من شرودي :
-"هيا يا صبية ... إن كانت عجينة الكبة جاهزة أحضريها لأعلمك كيف تعدين أطيب الأقراص".
-"حاضر يا أغلى الستات. كل شيء جاهز"..
كانت أمي على الرغم من زواجها منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن قد حرصت على إنهاء طحن البرغل مع اللحم، وتنظيف المنزل قبل وصول الجدة خوفاً من العتب وطمعاً في نيل الرضى ...
ماهي الا دقائق معدودة حتى بدأت يداي ترقّان العجين فيما كنت أراقب يديّ الجدة بإمعان وأحاول مجاراتها كما تفعل بالظبط ... بين الفينة والأخرى كانت تلقي على مسامعي عبارات من قبيل: " رققي العجين من هذا الجانب ..كوري أكثر هنا .. قللي الحشوة قليلاً بعد .." كنت أنفذ بصبر وبدقة تعليماتها بينما كانت عيناها ترقبان بفخر ورضى يدي الحفيدة وهما تنجزان ببراعة معقولة هذا العمل المضني ..
لم أترك الصمت المخيّم يسود طويلاً إذ قطعته بصوت يضجّ حماسا ً وأنا أغمز الى منديلها: " هيا يا جدة لنغني أغنية منديل الحرير الأصفر:
يا ام المنديل الأصفر وين حبكتيه....
ريتو يوقع عن راسك حتى لاقيه....".
افترت شفاهها عن ابتسامة مشرقة وهي تغني بصوتها الحنون مواويل قديمة .. كانت في هذه الأثناء أقراص الكبة تصطف الى جوار بعضها البعض في صينية النحاس العريضة ..ألححت عليها وأنا أتابع العمل بهمة :"الآن أخبريني احدى قصصك القديمة ".. ردت بتكاسل:" أيّ قصة؟!. لقد أخبرتك سابقاً الكثير. لم يتبق شيء جديد".
-" إذاً أعيدي على مسامعي قصة كيف مشيتي حافية وجائعة مع أهلك في سفربرلك، أو كيف خبأت أمك ابنها المراهق في كهف أسفل الوادي كي لا يأخذه العثمالي الى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، أو حدثيني عن عرسك الذي ركبت فيه الخيل الأبيض بثوبك الزاهي واكليل الورد على شعرك و كيف طاف بك العريس والناس على دروب القرية مع دق الطبل وعزف المزمار والزغاريد ..
-"حسناً. حسناً ..سأقصّ عليك مجدداً".
طال الحديث... مرت ثلاث ساعات كلمح البصر. تحدثنا كثيراً، وضحكنا، وغنينا فيما غصّت الصينية حتى آخرها بأقراص الكبة التي استمتعنا بتناولها لاحقاً. كانت كبة شهية لن تشبه بمذاقها أيّ كبة أخرى...
مضى النهار الطويل سريعاً، خفيفاً كنسمة صباحية . كان وقتاً أشبه بركوب أرجوحة تعلو بك الى أعالي السماء لتغرف من نور الكون حفنة تدفىء بها قلبك لسنين العمر القادمة... عندما حلّ المساء غادرتنا الجدة العجوز مع وعد بأن تزورنا قريباً ..لكنها هذه المرة فقط لم تف بوعدها ..
كان رحيلها سريعاً ..قالوا :" إنها فقط نظرت من النافذة الى العصفور الذي يزقزق بين ثمار شجرة الخوخ، ومدت اليه يدها، ونامت".



#الزا_نصره (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما تبقى من جدتي
- شعارات بامتياز ولكن ...!؟
- الحلم الأوبامي


المزيد.....




- -أتذوق، أسمع، أرى- لـ عبد الصمد الكبّاص...
- مصطفى محمد غريب: خرافات صنع الوهم
- مخرج إيراني يفوز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان باكو السينمائي
- لسهرة عائلية ممتعة.. 4 أفلام تعيد تعريف الإلهام للأطفال
- محمود الريماوي.. قاصّ يمشي بين أريحا وعمّان
- مهرجان الناظور لسينما الذاكرة المشتركة في دورة جديدة تحت شعا ...
- جولات في الأنفاق المحيطة بالأقصى لدعم الرواية التوراتية
- الثقافة والتراث غير المادي ذاكرة مقاومة في زمن العولمة
- الروائي الفلسطيني صبحي فحماوي يحكى مأساة النكبة ويمزج الأسطو ...
- بعد تشوّهه الجسدي الكبير.. وحش -فرانكشتاين- يعود جذّابا في ا ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الزا نصره - ما تبقى من جدتي - قصة قصيرة