أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفن في حوار الأديان الأزلي. . بحث نقدي رصين تعوزه المصادر















المزيد.....

الفن في حوار الأديان الأزلي. . بحث نقدي رصين تعوزه المصادر


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 24 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


صدر عن "المركز الديمقراطي العربي" في برلين كتاب "الفن في حوار الأديان الأزلي" للناقد عبدالرحمن جعفر الكناني الذي يصطحب قارئه إلى النبع الأول الذي تشكّل فيه "الرمز" ثم تجسّدت "الأيقونة"، وأخذت المُنمنمة" طريقها إلى المَشهد البصري. يأخذنا الكناني في رحلة تأملية عميقة يتابع فيها حوار الأديان الذي يلتقي في نقاط كثيرة، ويفترق في بعض المساحات الغامضة، الحسّاسة التي تحتاج لمن يفرك عنها الصدأ ليكتشف، ببساطة شديدة، أن هذه الجداول الفضيّة الهابطة من السماء تصبُّ كلها في بحر الحياة المتلاطمة أمواجه، ولكن كل موجة مهما كانت كبيرة أو صغيرة سوف تتكسّر على الساحل وتتلاشى ثم تعقبها موجات أخر في متوالية لا نهائية على المدى المنظور.
يتقصّى الكناني هذه الموضوعات الجوهرية الثلاثة ثم ينتقل إلى شذرات فنية وفكرية هنا وهناك تُعزّز رؤيته النقدية في البحث الفنيّ الذي يتابع فيه الرموز في الديانات السماوية المتعددة، ثم ينتقل إلى "الأيقونة" المسيحية، و "المنمنمة" الإسلامية.
يتوصل الكناني إلى أنّ "الرمز هو تجسيد اللامرئي واختزاله في شكل مرئي تُدركه الحواس حد الإيمان به". ثم يستعين برأي ماكس فيبر الذي يؤكد بأنّ "الإيحاءات الدينية والإلهية تمّ تفسيرها عن طريق الرموز"، فمُصمِّم هذه الرموز لم يأتِ بشيء جديد من عنده وإنما هو يجسّد ما يراه من إيحاء حسّي يخاطب عقل المتلقّي الذي يستجيب له ويقتنع بأطاريحة الفكرية. فالنجمة السداسية قبل أن تكون رمزًا دينيًا يهوديًا مرجعه النبي سليمان ووالده النبي داوود الذي حمل درعًا على شكل نجمة سداسية تعبِّر في مضمونها عن الأيام الستة التي خلق اللهُ فيها الكونَ بينما ترى مرجعيات يهودية أخرى أنّ النجمة السداسيّة تُعبِّر عن العالمَين العلوي والسلفي وهو تفسير معقول إذا ما تأمّل الناظر حركة رأسيّ المثلثين حيث يتجه أحدهما للسماء بينما يغوص الثاني في أعماق الأرض.
يتابع الكناني أصول رموز متعددة سنتوقف عند أبرزها وهي الصليب والهلال والمفتاح، فرمز الصليب انتقل من السمكة والراعي قبل أن يصبح صليبًا لأن السمكة كانت رمزًا في الديانة المسيحية أيام الإغريق وقد تمسّكوا به لأنّ الصليب في حينه كان رمزًا للحياة الأفقية على الأرض. أما الهلال فقد استعمله البيزنطينيون رمزًا لعَلَمهم وعُملتهم ثم أضاف إليه الإمبراطور الروماني قسطنطين النجمة البيضاء التي ترمز إلى السيدة مريم العذراء. وفيما يتعلق برمز المفتاح في المعتقدات الفرعونية فإنّ الرأس البيضوي يمثل دلتا النيل، والجزء العمودي يمثل مسار النهر. أما الجزء الأفقي فهو يمثل شرق البلاد وغربها وهو موجود في المقابر المصرية والمتاحف والقصور والجداريات التي تمثّل بعث الحياة بعد الموت. كما تنسحب هذه التفسيرات المنطقية على بقية الرموز التي أشار إليها الكناني مثل رمز راية يوحنا المعمدان، ورموز جسم الإنسان في الإنجيل وما إلى ذلك.
يتوقف الكناني عند معنى الأيقونة ودلالتها فهي تعني "صورة أو شبه أو مثال" وتخدم أغرض العبادة وترتقي بالناظر إليها من الشأن الأرضي إلى الفضاء الروحي. فالأيقونة من وجة نظر الناقد ليست فنًا فرديًا مستقلاً يضجُّ بالمؤثرات العاطفية وإنما هي فن كنسي لاهوتي. فالفنان العادي يعبِّر عن ذاته ومشاعره الداخلية المحتدمة، أمّا رسّام الأيقونات فهو يشبه الكاهن الذي يقف أمام المَذبح الكَنَسي ويتوجب عليه أن يقدّم كل كيانه في خدمة الله، لا أن يفرض هواجسه ونوازعه الشخصية. انتقل مركز فن الأيقونات الشرقية بعد حصار القسطنطينية إلى روسيا التي تُعدّ الأيقونة كتابة مقدّسة "وتعبيرًا حيويًا عن مقدرة الإنسان الروحية في خلاص الخليقة عن طريق الفن والجمال". كما يتوقف الباحث عند الفنان الروسي أندريه روبليف الذي يُوصف بالرسّام القديس ويحتفل الروس بذكراه السنوية في 4 يوليو / تموز من كل عام. ويشير إلى أيقونة "الثالوث المقدّس" التي جسّد فيها زيارة الملائكة للنبي ابراهيم كما جاء في "سفر التكوين".
وفي السياق ذاته يتناول الباحث فن "المُنمنمة" التي لها وظائف دنيوية، فالمُنمنمة الإسلامية لم تكن ترفيهية أبدًا على الرغم من جماليتها لأن مهمتها الأساسية هي توضيح مضامين الكتب، والكشف عن فحوى القصص كما هو الحال في منمنمات "مقامات الحريري" التي نفّذها الفنان يحيى الواسطي عام 1237م.
إذا كانت الديانتان اليهودية والمسيحية تحرّمان تصوير الذات الإلهية فإن الدين الإسلامي، كما يرى الكناني، لا يُدين الفن البصري، بل يحذِّر من خطر التباس المُطلق بالنسبي، ويعتقد أن تحريم الصور والتماثيل هو الذي أشعل حروب الأديان ويورد بعض الأمثلة على تحطيم داعش لآثار الحضارة الآشورية عام 2015 باعتبارها "أوثانًا محرّمة" أو تدمير حركة طالبات المتطرفة لتمثال "بوذا" في مدينة "باميان" عام 2001 بينما مرّت الجيوش الإسلامية على هذه الشواهد ولم تفكّر في تدميرها أبدًا. ويُحيلنا إلى حرب الأيقونات التي استمرت لأكثر من قرن وانتهت بانتصار الأرثوذكسية في تعظيم قدسية الأيقونة "الممتلئة نعمة إلهية وقوىً عجائبية".
ألزم الفاتيكان عددًا من الفنانين الكبار أمثال دافنشي ومايكل أنجلو ورفائليو بمحاكاة قصص الكتاب المقدس وتحويلها إلى مَشاهد بصرية تمثيلية تغري العقل البشري بمتابعتها وفهمها على أكمل وجه. وقد ساهمت هذه المَشاهد التمثيلية التي تميزت بوضوح الشكل، وسهولة التكوين، واعتماد النهج الإفلاطوني في تجسيد عظمة الإنسان في إطلاق حركة الحواس بحيث دفعت العديد من الفنانين العلمانيين لاستيحاء لوحاتهم من الكتاب المقدس أمثال شاغال، وماتيس، ومانيه وغيرهم من الفنانين المُحدثين.
يقارن الكناني بين اللاهوت المسيحي والميثولوجيا الإسلامية في عملين خالدين حيث يستحضر "قصة الخلق" للفنان الإيطالي مايكل أنجلو الذي التزم بتسلسلها الزمني، وتتبّع وقائعها من اليمين إلى اليسار في تسعة مَشاهد بصرية بدأت من جهة المَذبح وانتهت عند مدخل الكنيسة، وأحاط المَشاهد بصور الأنبياء والعرّافات اللواتي تنبأن بظهور السيد المسيح. تبدو هذه الرسومات وكأنها أعمال نحتية تنطوي على تشريح جسدي وتمنحه أبعادًا حركية. لم يضع أنجلو نهاية لهذه القصة لأنها أزلية ينتظر فيها الإنسان ساعة الخلاص المتمثلة بعودة السيد المسيح.
وفي مقابل هذا العمل الأيقوني الكبير يتوقف الباحث عند منمنمة "تاريخ الإسلام" التي أنجزها الفنان محمد راسم الجزائري (1896- 1975م) من دون أن يتلاعب بوقائع الأحداث، ولم يُثر صراعات مفتعلة مبتدئًا بنزول الوحي، وبناء الكعبة المُشرّفة، وازدهار الحضارة العربية والإسلامية.
يستعرض الكناني نظريات فلسفة الجمال في الفكر الديني حيث يرى أفلاطون "أنّ اللذة الجمالية تأتي من تذوّق جمال الشكل المُعبِّر عن المُثل العليا"، بينما يقف أرسطو عند حدود عالَم الحواس، فهو "مؤمن بأن الجمال ليس له عالَم فوق الحواس"، ويعارضه في ذلك أفلوطين الذي يعتقد أنّ الحواس "لا تُدرِك سوى إيماءات الجمال وظلاله".
يتضمّن الكتاب موضوعات أخرى مهمة تتعلق الخط العربي والألوان وتأثيرهما على الفن الإسلامي ونقتبس هنا ما قاله ياقوت المستعصمي عن الخط العربي بأنه "هندسة روحانية بآلة جسمانية ويكون للعين ما للأذن من وَلَهٍ بها، وتماثل في الإبداع المتبادل بينهما". إن ما ينقص هذا الكتاب هو ثبت بالمصادر والمراجع التي اقتبس منها آراء العلماء والفلاسفة والمفكرين وضمّنها بين طيّات هذا الكتاب النقدي الجميل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتظار. . فيلم تجريبي مشذّب مثل ومضة شعرية
- رفعة الجادرجي يغادر متاهته الإبداعية
- الديوان الإسبرطي يستذكر الاحتلالين العثماني والفرنسي
- شاعر المليون: قصائد نبطيّة تحتفي بالحُب وتمجِّد الأوطان
- سفر برلك. . رحلة التيه في الفلوات المُوحشة
- سلالم ترولار. . رواية الواقع الموازي الذي يتجاوز الخيال
- فردقان رواية وثائقية لا تتسع لشطحات الخيال
- ترجمة سلسة ورشيقة لحكايات أسطورية من شبه جزيرة القرم
- تلّ الورد . . . رواية تستنطق الألم السوري المعاصر
- نساء الهلباوي: سيرة روائية لجلاّد دنشواي بعيون نسائية
- تقرير عن السرقة. . شخصية منشطرة وأنداد لا مرئيون
- أب سينمائي. . . ثنائية البوح والكتمان
- أم البلابل. . نص سيري يُمجد المكان المُستلَب
- الشهداء يرقبون من المطعم التركي ما يحدث في المنطقة الخضراء
- رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح
- سيرة اللقطة السينمائية وتجلياتها منذ ولادة الفن السابع وحتى ...
- أرواح صغيرة. . رحلة من جحيم الحرب السورية إلى -جنّة- المخيما ...
- مْباركة فيلم يرصد المهمّشين ويغوص في قاع المدينة المغربية
- الفنان حميد شكر . . . فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيّلة الم ...
- طفلان ضائعان لسلام ابراهيم قصص ترصد وحشة المنفى وتستدعي الحن ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفن في حوار الأديان الأزلي. . بحث نقدي رصين تعوزه المصادر