أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أب سينمائي. . . ثنائية البوح والكتمان















المزيد.....

أب سينمائي. . . ثنائية البوح والكتمان


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 05:49
المحور: الادب والفن
    


انغمس الروائي التشيلي أنتونيو سكارميتا سنواتٍ طوالا بالكتابة عن السياسة والنزعة الدكتاتورية لأنظمة الحكم في أميركا اللاتينية ويمكن أن نشير بسهولة إلى ثلاث روايات صنعت شهرة الكاتب وأذاعَتْهُ بين القرّاء في مختلف أرجاء العالم وهي: "ساعي بريد نيرودا"، "حلمتُ بأنّ الثلج يحترق"و "فتاة الترمبون" لكنه يعرِّج بين آونة وأخرى على موضوعات اجتماعية، وعاطفية، ونفسية كما في نوفيلا "أب سينمائي" الصادرة عن دار "ممدوح عدوان" في دمشق التي ترجمها عن الأسبانية عمّار الأتاسي بلغة متدفقة جميلة.
يعترف سكارميتا بأنه تعلّم الكثير من أساطين الواقعية السحرية التي يمثّلها بورخيس وماركيز وأستورياس وخوان رولفو وإيلينا غارو لكنه ينتمي إلى الجيل الثاني الذي تألق فيه إدواردو غاليانو وريكاردو بيغليا وإيزابيل الليندي وسواهم من الروائيين الذين قارعوا الاستبداد، وتصدّوا للدكتاتورية، واختاروا أن يقفوا إلى جانب شعوبهم المقهورة، ويجاهروا بانتمائهم إلى اليسار الذي كلّفهم الشتات والغربة اللغوية في أضعف الأحوال.
وعلى الرغم من نأي سكارميتا عن السياسة في هذه النوفيلا إلاّ أنه يلامس ارتداداتها التي تتمثل بالفقر، والشعور باليأس، والتأرجح على عتبة الانتحار. ولكي نقف على الثيمة الرئيسة والأفكار الفرعية المختزلة التي توارت خلف لغة مجازية مطعّمة بلمسات ساخرة لابد من الإشارة أولاً إلى ثيمة هذه النوفيلا التي ترد على لسان الطحّان كريستيان وهو يحذِّر صديقه المعلم جاك قائلاً:"ثمة هنا في قريتنا برميل ديناميتٍ متفجِّر يا جاك فإذا ما أشعلَ أحدهم عود ثُقاب بالخطأ سيطير كل شيء متفجّرًا في الهواء" لكننا لم نعرف ما طبيعة هذا البرميل الممتلئ بالديناميت؟ هل هو سرّ، أم مفاجأة مؤجلة، أم خطأ فاحش اقترفه أحد الشخصيات؟ أما الأفكار الفرعية فهي كثيرة لكن أبرزها فكرة الفقد، والغياب، والحُب، والحَيرة، والخيانة، والكتمان، والبلوغ الجنسي، والمغفرة، والاستنارة بمعانيها المتعددة ثقافيًا واجتماعيًا وروحيًا.
يشكّل عنوان النوفيلا "أب سينمائي" عتبة نصيّة نلج بواسطتها فضاء النص السردي ونفهم أنّ هذه التسمية حقيقية وليست مجازًا أو تورية، فعائلة بيير الصغيرة تحب السينما وترتادها مذ كانت في العاصمة سانتياغو قبل أن ينتقلوا إلى قرية كونتولمو، كما ترد في النص أسماء خمسة أفلام معروفة من بينها "قفص الغيوم" و "والنهر الهائج"و "ثائرون من دون قضية" وكان بيير يشبّه زوجته في شبابها بممثلاث جميلات مثل ميلين دومونجو وبيير أنجيلي وغريتا غاربو لكن هذا الأب الغامض سيختفي في اليوم الذي يصل فيه ابنه جاك بعد أن تخرّج في معهد إعداد المعلّمين. وفي اللحظة التي يترجّل فيها جاك من القطار يأخذ والده القطار نفسه مُدعيًا أن سفينة تنتظره في مدينة فالباراسيو كي يسافر إلى باريس.
يقدّم لنا سكارميتا في الفصلين الأول والثاني ست شخصيات دفعة واحدة وهي الأب بيير، وزوجته التي تغسل الشراشف، والابن جاك الذي أصبح معلّمًا، وكريستيان صاحب الطاحونة، وسائق الشاحنة الذي ينقل الشراشف إلى فندق أنغول ويأخذ معه القصائد التي يترجمها جاك عن الفرنسية إلى محرر صحيفة محليّة كي ينشرها في ملحق يوم الأحد.
وفي المدرسة نتعرّف على أوغوستو، الطالب الكسول الذي بلغ عمره 15 سنة ومايزال في الابتدائية، ومن خلاله نُطلّ على شقيقتيه تيريسا 16عامًا، وإيلينا 19 عامًا بينما بلغ جاك نفسه الحادية والعشرين. تبدأ حبكة النص السردي بغياب الأب الذي ادعّى بأنه سافر إلى باريس ثم تتصاعد هذه الحبكة حينما نعرف بأن إيلينا قد غابت هي الأخرى لمدة تسعة أشهر لكنّ جوهر القصة ظل غامضًا ومُلتبسًا على القارئ رغم أنّ أوغوستو الحالم بالبلوغ لا يجد حرجًا في تقديم أخته تيريسا إلى المعلم جاك، ونقل رسائلها العاطفية إليه مقابل أن يأخذه هذا الأخير إلى الماخور في بلدة أنغول ليثبت تحوله الجنسي إلى رجل بالغ. وعلى الرغم من توسلات تلميذه يذهب جاك مع صديقه كريستيان إلى أنغول وبينما هو يسير صوب السينما شاهده الوالد وسأله عمّا يفعله في أنغول؟ فتذرع بأنه يشتري هديه لتلميذه لكن اللقاء يتكشّف عن مفاجأة الطفل الرضيع الذي وضعه الأب في العربة وأشار إليه:"إنه أخوك إميليو!" يرفض الأب تهمة الخيانة لكنه يعترف بأنه قضى عمره في التخفّي وأعلن عن موته رسميًا، وقد بلغت به الحيرة ذروتها، وهو يخشى على ابنه الرضيع من الساعات الطويلة التي يقضيها معه في قمرة العرض السينمائي الرطبة التي سبّبت له التهابًا في القَصَبات الهوائية. ولكي نقترب أكثر من دلالة العنوان لابد لنا أن نتوقف عند مهنة الأب بيير الذي يعمل الآن عارضًا للأفلام التي تستدعي في العادة أماكن مفتوحة من الطبيعة أو المدن المأهولة بالسُكان حتى تصل إلى "اللوكيشن" الواحد الذي قد يتضاءل إلى غرفة أو مصعد مغلق أو زاوية مُهمَلة غير أن هذا الأب السينمائي يعيش الآن في مكان مظلم ومعزول لكنه مناسب تمامًا للاختباء بعيدًا عن أعين الرقباء.
لا شك أن هدف جاك، في الأقل، هو الذهاب إلى الماخور ولقائه بـبائعة الهوى"رايين" التي ينادونها "لونا" لأنّ وجهها يُشبه القمر، وهي تمتلك ملامح السكّان الأصليين. وبعد أن يأخذ وطره منها تطلب منه أن يقرأ لها شعرًا فيُسمعها قصيدة ترجمها بنفسه لرينيه غي كادو يقول فيها:"آه يا أبتاه المسكين، لو أنك تخمّن يومًا أي حُب زرعته فيّ . . . وكيف أعشق من خلالك كل ما هو موجود في الأرض" ثم يغادرها ليلتقي بصديقه كريستيان ويقفلا راجعين إلى كونتولمو .
يعاود أوغوستو نقل رسائل شقيقته تيريسا إلى جاك التي تخاطبه قائلة:"أن وجودك يجعل الهواء مختلفًا" أو "أنك مميز ولك نظرات ساحرة" وما إلى ذلك من مشاعر جيّاشة لا يُخطئها حتى صاحب الحسّ البليد، كما يطلب منه أن يأخذه في السبت المقبل إلى أنغول حتى لو أمطرت السماء حجرًا وسجّيلا لأنه لا يستطيع دخول الماخور من دون صحبة رجل بالغ.
بينما كان الحضور يستمع إلى أغانٍ عديدة ويرقص في حفلة عيد الميلاد التي نظّمتها العائلة لأوغوستو أخبرته إيلينا بالمفاجأة التي لم يكن يتوقعها قائلة:"أنا وأنت لدينا شي مشترك. سرّ!" ولكنها طلبت منه أن يعِدها بالكتمان فوافق بعد أن عَلِم بأن الطحّان هو الشخص الوحيد الذي يعرف هذا السرّ، وأنه اصطحبه إلى الماخور لكي يُنسيه تيريسا. وكان السرّ هو إميليو وأنّ إيلينا هي الأم الحقيقية له، وأنها السبب في غياب الوالد وتواريه عن الأنظار. ولعل الجملة المفصلية التي ترد على لسان إيلينا في هذا الحوار هي:"لا أريد لشقيقتي أن تعاني ما عانيته مع أبيك". وحينما يسألها عن سبب تخلّيها عن الطفل وعدم الاهتمام به تردّ قائلة:"أود أن أكون ملكة لحياتي، وليس عبدة لطفل أحدهم". يعطي جاك تذاكر السينما لأمه وينصحها بالذهاب إلى أنغول لأن شقيقه الرضيع بحاجة إلى أم ترعاه، كما يزوّد تلميذه أوغوستو بورقة فيها كل التعليمات التي تُرشده إلى "لونا"، صانعة البهجة والمسرات الحميمة التي تنطوي عندها الصفحة الأخيرة من الرواية لكن صداها يظل يتردد في ذاكرة القرّاء وكأنه فيلم سينمائي شديد الاستغراق في الرومانسية والخيال الجامح.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم البلابل. . نص سيري يُمجد المكان المُستلَب
- الشهداء يرقبون من المطعم التركي ما يحدث في المنطقة الخضراء
- رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح
- سيرة اللقطة السينمائية وتجلياتها منذ ولادة الفن السابع وحتى ...
- أرواح صغيرة. . رحلة من جحيم الحرب السورية إلى -جنّة- المخيما ...
- مْباركة فيلم يرصد المهمّشين ويغوص في قاع المدينة المغربية
- الفنان حميد شكر . . . فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيّلة الم ...
- طفلان ضائعان لسلام ابراهيم قصص ترصد وحشة المنفى وتستدعي الحن ...
- طيور الأحواز تحلّق جنوبًا.. رواية واقعية لم تنجُ من الخيال
- نوتة الظلام . . مَصفاة لتكرير النفوس الحائرة
- ربيع التنّومة: سيرة مدينة مُنتفضة، وشخصيات مُثقَلة بالعُقَد
- مراجيح الناثر بدر شاكر السيّاب. . دمامة اللغة بعيدًا عن وهج ...
- فيلم نباح يرصد تفكّك الأُسَر المهجّنة في بلدان الشَتات
- صمتُكَ كثيرٌ وظهيرتي لزجة: شطحات شعريّة تخرق المسكوت عنه
- البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها رواية تُراهن على قوّة الخيال
- وردة الأنموروك رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن
- إكس عدرا ترصد قصص الناجين من الموت الممنهج لنظام الأسد
- رواية الاغتيال. . دعوة لتنظيف البيت العربستاني
- أزاهير الخراب رواية تنسف التيمة وتراهن على اللعبة السردية
- أكثر من 100 عرض على مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط في موسمه ...


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أب سينمائي. . . ثنائية البوح والكتمان