أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح















المزيد.....

رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 15:17
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن دار التكوين في بيروت رواية "رحَّالة" للكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك ترجمة ايهاب عبد الحميد الذي أفلح في التقاط المعنى المجازي لعنوان الرواية بوصفه "عَتَبَة نصيّة" تُمهّد للقارئ الولوج الصحيح إلى الفضاء السردي البعيد عن المعاني الحقيقية لـ "الرحلات الجوية" التي لا تقصدها الروائية وإنما تذهب أبعد من ذلك لتناقش فلسفة التنقّل عبر ثنائية الحركة والسكون، والوعي واللاوعي، والحياة والموت.
لا يُعدّ هذا النص السردي رواية بالمعنى التلقيدي فهو لا يتوفر على الحبكة، ويفتقر إلى الشخصيات التي تُهيمن على المسارات السردية، ولا يعالج ثيمة محددة فهو خليط من أفكار وشطحات كثيرة تنتظم في 116 فصلاً يتألف بعضها من جملة طويلة واحدة فيما يمتدّ البعض الآخر إلى 31 صفحة، وهذه الفصول برمتها تُروى من قبل ساردة عليمة قد تتقنّع بقناع المؤلفة نفسها أو تحمل القسم الأكبر من رؤاها وقناعاتها الفكرية والثقافية. إذًا، نحن أمام رواية متشظيّة Fragmentary Novel تتألف من مقالات قصيرة أو مذكرات أو نصوص سردية أو وثائق تاريخية أو خيال مجنّح مُفعَم بالحيوية والجاذبية والسحر، ذلك لأن توكارتشوك قد بدأت حياتها الأدبية شاعرة قبل أن تنتقل لكتابة القصة والرواية وتتفرغ لهما كليًا.
يُفيدنا الفصل الاستهلالي بأنّ أول رحلة قامت بها الراوية في حياتها كانت عبر الحقول سيرًا على الأقدام الأمر الذي يكشف أهمية الحركة التي ورثتها عن أبويها اللذين كانا يتحركان من مكان إلى آخر ولا يحبذّان الاستقرار مطلقًا. ونتيجة لهذا التجوال المتواصل فقد اكتسبت الراوية مهارات الاستدلال المكاني خاصة وأنها تمتلك ذاكرة فوتوغرافية تنطبع فيها ملامح البنايات والأمكنة والأشخاص، كما أنها درست علم النفس، وتعلّمت الكتابة في القطارات والفنادق وقاعات الانتظار، ورغم قناعتها بأنّ الكتب الإرشادية تتقادم بسرعة ماعدا كتابيّ "غرب التنوير" لبندكت شميلوفسكي و "موبي ديك" لملفيل.
لا تعْلق جميع الحكايات في ذهن القارئ فمنها ما يمرّ مرور الكرام مثل حكاية السيدة ياسمين التي تشجع الناس في بلدها على الكتابة، ومنها ما يُنقش على شاشة الذاكرة مثل حكاية الطبيب الهولندي فيليب فيرهاين الذي قام بتشريح ساقه المبتوره، أو حكاية جوزفين سليمان التي تطلب من ملك النمسا أن تدفن أبيها المحنط بطريقة مسيحية تليق به، أو حكاية لودفيكا التي قامت بنقل قلب شقيقها المحنط سرًّا إلى وارسو، إضافة إلى قصص أخرى بعضها ممتع، وبعضها الآخر مستفز لكنّ القصص والحكايات برمتها لها وظيفة سردية تتجاوز حدود الإمتاع إلى الفائدة، كما أنها تهزّ المتلقي من الأعماق. فمن بين الالتماعات الطريفة هي الشذرات التي نقرأها على أغلفة الفُوَط الصحيّة من قبيل أقصر حرب في التاريخ هي بين زنجبار وإنكلترا عام 1896م التي استمرت 38 دقيقة أو أقوى عضلة في الجسم هي اللسان، معلومات على شكل ومضات تُدهشك قليلاً ثم تتوارى بسرعة البرق الخاطف، لكن هناك معلومات تستفز الذاكرة وتعلق بها من بينها إصلاحات أتاتورك في العشرينات، هذا الرجل الذي أراد أن يحوّل تركيا إلى بلد متحضر لكنه لم يلتفت إلى الجوانب الإنسانية إذ سمح لقواته الخاصة أن تقبض على آلاف الكلاب الضالة وتنقلها إلى جزيرة قاحلة وبعد عدة أيام بدأت الكلاب تفترس بعضها بعضًا ولم ينجُ منها الكلب الأخير الذي نفق من الجوع والعطش الشديدين.
تنطوي رسالة جوزفين سليمان الثاني التي وجهتها إلى فرانسيس الأول على حكاية مأساوية مفادها أنّ أباها المحنّط بأمر من جلالة الملك يُعرض أمام العيون الفضولية في "خِزانة الأعاجيب" الخاصة بالأمير، وتطالب بدفن أبيها بطريقة مسيحية لائقة لا أن يظل رُفاته المحنّط رفقة الأجنّة والعلاجيم التي تسبح في الكحول وهي تؤمن كامرأة كاثوليكية أنّ والدها الراحل لن يُبعث من دون جسده يوم الدينونة. ربما يكون تشريح المرأة الشابة هي الحكاية الصادمة التي تسبب فزعًا للمتلقي وهو يتخيّل مشرط الجرّاح يفتح جسدها المكتمل بضرية واحدة لكي يُرينا الطريقة التي صنعتنا بها يدُ الخالق. ثم يواصل الحكاية فنفهم أن هذا الجسد الذي كان راقدًا في ثلاجة الموتى عمره سنتان، وأن صاحبته قد شُنقت بدلالة الأثر الأفقي الذي يظهر على رقبتها، ثم انتقل من الجهاز الهضمي إلى القلب مُذكرًا بأن البشر لا يستأثرون بالخلود مثل الآلهة. وفي أثناء التشريح نسمعُ همسًا يدور بين الراوية وعمّها الذي يؤكد بأن الضحية قد قتلت طفلها الوحيد، وأنها كانت مومسًا.
لا يقتصر الانتحار على الإنسان حسب، بل يتعداه إلى بعض الحيوانات وربما تكون حكاية الحوت الذي جنح إلى الشاطئ الأسترالي هو خير مثال لما نذهب إليه، وهكذا تمضي الحكاية لنُدرك بأنّ الحوت يستغرق بضعة أيام لكي يموت، وأنّ مخ الإنسان لا يختلف كثيرًا عن مخ الحوت.
يشتمل النص السردي على أكثر من عائلة بعضها يظهر ويتلاشى ما إن تنتهي حكايته لكن البعض الآخر يعاود الظهور ثانية مثل عائلة كونيكي، وزوجته وابنه اللذين اختفيا في جزيرة "فيس" لـ 49 ساعة، وعندما بدأ الابن يعاني من اضطرابات في النوم أخذه إلى طبيبة نفسانية وطلب منها أن تنوّمه مغناطيسيًا وتعرف ماذا حصل له بالضبط في تلك الساعات.
لا يمكن الإحاطة بكل القصص والحكايات التي وردت في متن هذه الرواية المتشظية التي تَمثلتها لجنة تحكيم جائزة "نوبل" طويلاً وقالت"إن الخيال السردي الذي يصوّر بشغفٍ موسوعي عبور الحدود بوصفه شكلاً من أشكال الحياة"، أي أن أعضاء اللجنة أو بعضهم في الأقل قد انتبه إلى ثنائية الإقامة والرحيل، وهذا هو جوهر الرواية العميق وروحها النابضة، وقد أعلن القساوسة في الكنائس الدنماركية:"إنَ منْ يشاركون في الحملات الاستكشافية للقطب الشمالي سوف يضمنون عمليًا الخلاص لأرواحهم" وكأنّ النجاة أو النهاية السعيدة مقرونة بالحركة، ولهذا السبب فإن الطُغاة يكرهون الرّحالة سواء أكانوا غجرًا أم بدوًا متنقّلين ولذلك يريدون إبطال حركة الزمن. وبما أنّ الكاتبة تميل إلى المنحى الفلسفي كما أسلفنا فلاغرابة أن تضعنا في قلب العاصفة الفكرية فتصفنا جميعًا "مثل السلحْفاة في مفارقة زينو، لا نتجه إلى أي مكان وإنما نتسكع في داخل لحظة ما لا تنتهي".
تخلص الكاتبة إلى القول بأننا نكتب بعضنا بعضًا في أثناء تجوالنا المتواصل، وعندما "نتوقف عن الترحال نصبح أصنامًا" مسمّرين. و "منْ يتوقف يُصبح مثل حشرة مثبّتة بدبّوس، يخترق قلبه مسمار خشبي، تثقب أقدامه ويداه، ويتم ربطه بالسقف وعتبة البيت". وعلى وفق هذه الرؤية ينبغي التأمل في ثنائية الإقامة والاغتراب من دون أن ننسى علم نفس السفر الذي يدرس المعاني المجازية للأماكن التي يمرّ بها الكائن البشري الذي يترفّع عن الصغائر ويتوغل في أسئلة الكون الكبرى عسى أن يجد فيها بعض الإجابات المُقنعة أو التطمينات التي تخفّف عنه وطأة الحياة التي لا تخلو من المشقّة الفكرية والقلق الوجودي. جدير ذكره بأن توكارتشوك قد أصدرت حتى الآن 16 كتابًا أبرزها "منزل النهار، منزل الليل"، و "الخِزانة"، و"كتب يعقوب" و "سِرْ بمحراثك على عظام الموتى" وغيرها من الروايات التي تجاوزت حدودها المحلية لتصبح جزءًا حيويًا من الثقافة العالمية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة اللقطة السينمائية وتجلياتها منذ ولادة الفن السابع وحتى ...
- أرواح صغيرة. . رحلة من جحيم الحرب السورية إلى -جنّة- المخيما ...
- مْباركة فيلم يرصد المهمّشين ويغوص في قاع المدينة المغربية
- الفنان حميد شكر . . . فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيّلة الم ...
- طفلان ضائعان لسلام ابراهيم قصص ترصد وحشة المنفى وتستدعي الحن ...
- طيور الأحواز تحلّق جنوبًا.. رواية واقعية لم تنجُ من الخيال
- نوتة الظلام . . مَصفاة لتكرير النفوس الحائرة
- ربيع التنّومة: سيرة مدينة مُنتفضة، وشخصيات مُثقَلة بالعُقَد
- مراجيح الناثر بدر شاكر السيّاب. . دمامة اللغة بعيدًا عن وهج ...
- فيلم نباح يرصد تفكّك الأُسَر المهجّنة في بلدان الشَتات
- صمتُكَ كثيرٌ وظهيرتي لزجة: شطحات شعريّة تخرق المسكوت عنه
- البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها رواية تُراهن على قوّة الخيال
- وردة الأنموروك رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن
- إكس عدرا ترصد قصص الناجين من الموت الممنهج لنظام الأسد
- رواية الاغتيال. . دعوة لتنظيف البيت العربستاني
- أزاهير الخراب رواية تنسف التيمة وتراهن على اللعبة السردية
- أكثر من 100 عرض على مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط في موسمه ...
- أنبياء سومريون.. بحث رصين يدحض النظريات المُضللة
- أربعة فنانين يلجون متاهات المدن والأساطير الأذربيجانية القدي ...
- سيدات القمر رواية بريئة من الغزل المزعوم للقيم الأوروبية


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح