أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!














المزيد.....

التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6619 - 2020 / 7 / 15 - 00:27
المحور: حقوق الانسان
    


أجرت إحدى القنوات الفضائية تجربة طريفة، مريرة. ارتدى شابٌّ ملابسَ نسائية فضفاضة وطويلة، وباروكة شعر، وسار في شوارع القاهرة في وضح النهار. ورصدت الكاميراتُ كمَّ المعاكسات والسخافات والتحرّش اللفظي والجسدي الذي تعرَّض له الشابُّ من “ذكور” في ثياب رجال. ولم يتغيّر الحالُ حين غطّى الشابُّ شعرَه بإيشارب ليغدو: “ فتاةً محجّبة”. في الأستوديو خلع الشابُّ ملابسَه التنكرية وتكلّم عن تجربته في "جسد امرأة": (يااااه! مكنتش أعرف قد ايه البنت بتتعذب عشان تمشي في الشارع! عمري ما فكّرت كرجل إن المشي في الشارع مشكلة. لكن في ثياب امرأة اكتشفتُ أن مشوارًا صغيرًا هو "رحلة عذاب حقيقية”.) انتبهوا أيها الأعزاء إلى أن هذا الشاب قد وصف لنا: (المعاناة العملية) التي تخبرها النساءُ في التحرك من مكان إلى آخر في مجتمع لا يحترم المرأة. بينما من المستحيل أن يصف: (العذاب النفسي) الذي لا تعرفه إلا الفتاةُ ذاتُها. خليطٌ مرير من الشعور بالمهانة والرِّخص والخوف والإذلال والرغبة في صفع المتطاول والرعب من ردّة فعله، والخوف من الشكوى للأم والأب والأخ والشرطة، لأن الإجاباتِ الحتمية ستكون: (خلاص اقعدي في البيت ومتخرجيش تاني. مش قلنا متخرجيش؟! مفيش خروج تاني. البنت مكانها البيت. أنتِ اللي غلطانة بتخرجي وحدك ليه؟! بعد كده مفيش خروج إلا مع أخوكي……) من النادر أن تتوقع الفتاةُ كلامًا من الأهل من قبيل: (امشي بثقة رافعةَ الرأس ولا تهتمي، فالكلاب تعوي وتسيرُ الأميراتُ!). فهي مُدانةٌ من أبيها وأمّها وشقيقها والمجمتع، مثلما هي مُدانةٌ من الذئاب الذين تحرّشوا بها، مثلما هي مُدانةٌ من أدعياء الدين الذين يملأون عقولَ الشباب بترّهات رخيصة من قبيل: (البنت بتستفز ذكورتي بملابسها!) وكيف تستفزُّ المحجبةُ والمنتقبة والطفلةُ "ذكورتَك أيها ا"لذكر" الذي لا كابح لغزائزه إلا الإخصاءُ والمصحاتُ العقلية والسجون؟! ومتى تتعلّم أن تكون "رجلا" نبيلا، لا "ذكرًا" هائجًا؟! وكيف تزعمُ "القوامةَ" على المرأة؛ بينما لا قوامةَ لكَ على غرائزك؟!
نشر لاعبُ الكرة "عمرو السولية" صورة له مع طفلته "ليلى" (3 سنوات). وانهالت التعليقاتُ المسعورة تنهش في جسد الصغيرة التي في خُطى تعرُّفها الأولى على الحياة. شتائمُ وبذاءاتٌ تنال من شرف الرجل والطفلة لأن كتفها النحيلَ ظاهرٌ! وتحرشاتٌ رخيصة تشتهي الجسدَ الذي بعدُ لم يكتمل! وتوعّد الأبُ أولئك المسعورين بالملاحقة القانونية. ولستُ أدري كيف قرأتِ الصغيرةُ ذاك المشهد العجائبيّ، وكيف يمكن أن ينالَ من وعيها بعالم مريض مازالت تتحسّسُ الطريقَ لكي تطرق أبوابَه بعدما تنضجُ مع الأيام وتغدو صبيّة، ثم فتاة ثم شابّة؟!
تلك الظاهرةُ الخطيرة في مجتمعنا، لا يقفُ وراءها غيابُ القيم وتشوّشُ مفهوم الأخلاق في عقول أبنائها، وحسب، بل نشيرُ بإصبع الاتهام الغاضب إلى عيون "مشايخ ضلاليين" أوهموا النشء بأن الفتاة "ترغبُ في إغراء الرجل"، وأنها "مركزُ غواية متحرّك.”، وأن "الرجل مسكينٌ، ماذا يفعل أمام غواية المرأة اللعوب؟!” وغيرها من قاذورات القول التي يدسّها متطفلون على المنابر في رؤوس شباب شاغرة رؤوسهم من العلم والدين، فيخرجون إلى الساحات يلاحقون الصبايا ويخرّبون المجتمع.
التحرشُ قضية "أمن قومي"، لابد أن تتضافر قوى المجتمع المدني بأكمله لكي تواجهها بحسم. التعليمُ والإعلامُ والسينما والتليفزيون والأسرةُ والقضاء والشرطة والشارع المصري، الذي نحلم بأن يعود إلى سابق عهده نظيفًا أنيقًا طيّبًا وآمننًا، مثلما كان قبل سموم الغزو الوهابي الذي اختصر التدين في "ملابس المرأة"؛ ليخلق ثقاقة شكلية منافقة أغفلت "جوهر" النظافة والتُقى والتحضّر وقيم التهذّب السلوكي واللفظي التي تحثُّ عليها جميع الأديان حين يأمرنا كتابُنا : “قلْ للمؤمنين يَغُضّوا من أَبصارِهم"، وحين يؤكد الإنجيلُ أن سقوط المرء يبدأ وينتهي من عينيه، وليس من الآخر: “ فإن كانت عينُك اليمنى تعثُرك، فاقعلها عنك.” الفضيلةُ تكمن في "الفاضل"، وليس في "ملابس النساء"، والأخلاقُ الرفيعة تسكن "ذا الأخلاق"، وليست رهنًا بما تلبسُ الصبايا.
علينا أن نخجل من آبائنا وأجدادنا الذين عرفوا الفضيلةَ واحترموا النساء مهما كانت ملابسُهن. في ذلك الزمن النظيف، كانت أمي تخرج بالكعب العالي والملابس الأوروبية الأنيقة، وتضع الفُرير حول كتفيها، دون أن تتفرّس في جسدها العيونُ الجائعةُ، ودون أن ترميها الألسنُ البذيئة بخادش القول، ودون أن تخشى من تحرّش أو اغتصاب أو بذاءة. كانت الأرواحُ لا تتصدعُ ولا العيونُ تشمئز، ولا الآذانُ تنفرُ، ولا النساء يخفن، لأن المجتمعَ كان نظيف الروح والعقل والبدن. وللحديث بقية. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترم الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما تصيرُ المرأةُ: سيارةً ب قِفل!!!
- رجاء الجدّاوي … الجميلةُ التي غادرت
- كيف أشرق نورُ 30 يونيو؟
- مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان
- التكفيريون: بارتْ تجارتُهم
- منسي: اللي زيّنا عمرُه قُصَيّر
- الطبيعةُ تتنفَّس!
- لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ
- -فرج فودة- الذي عاش أكثر من قاتليه
- أخيرًا… وصايا السَّلف الصالح في مناهجنا
- مسلسلات رمضان … في زمن الكورونا
- يُفطرون على دماءِ الصائمين… شكرًا للإرهاب!
- ما لون قبّعتُك … في زمن كورونا؟


المزيد.....




- اقتحامات واعتقالات بالضفة وأهالي بيتا يتصدَّون للمستوطنين
- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تبرر عدم حسمها الدعاوى بخصوص ...
- أكسيوس: أعضاء بالكونغرس يبحثون مع الجنائية الدولية مذكرات اع ...
- في يومها العالمي.. السياسة والحروب تقلص حرية الصحافة حول الع ...
- جائزة حرية الصحافة للفلسطينيين وتراجع استقلال الإعلام عالميا ...
- الخارجية الروسية: الغرب الجماعي ينتهك حرية التعبير
- استشهاد دكتور فلسطيني و-الاحتلال- يرفض كشف معلومات عن بقية ا ...
- في اليوم العالمي لحرية الصحافة - مخاطر تحيط بصحفيي السودان
- كوريا الشمالية تسلط الضوء على سياساتها التعليمية لذوي الاحتي ...
- مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حمل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - التحرُّش… وصعوبةُ أن تسكنَ جسدَ امرأة!