خيانة النص

محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

النص المقدس له الرهبة والمهابة العظيمة في قلوب المؤمنين بالنص , حتي شكله ورسمه وطريقة وأسلوب كتابته ’ لدرجة جعلت البعض يتطرف وبدلاً من التعبد بالنص أخذ يعبد النص , وهذه أقصي درجات الخطورة بالنسبة لمفهوم النص الذي يحدث معه مثل هذا الفعل المنحرف بمفهوم وإرادة النص ,وهذه المشكلة تمثل قمة الخيانة العظمي للنص الديني المراد وضعه في قالب إجتماعي’ وأخلاقي ليركن إليه المعتصم بالنص الديني , علي إعتباره القائم بأمرالطبيب المعالج والمداوي لأمراض المجتمعات التي أتي النص لمكافحتها والخروج بجسد المجتمع عفياً من العلل التي تمسك به ومن ثم تسمو الروح الإجتماعية في الوعي الجمعي لمجتمع النص, ومن هذا المنطلق ظهرت المذاهب والفرق , وأصبح لكل مذهب وفرقة وجماعة مفهومها في التعامل مع النص الديني , وتعددت الرؤي والتفسيرات المختلفة في تفسير النص وطرق وأساليب تأويله المختلفة , ومنهم من ذهب للأخذ بظاهر النص , ومنهم من ‘ إعتمد علي التأويل والتفسير الباطن , ومنهم من عمد إلي الإنحراف بالنص نطقاً وفهماً و تأويلاً , وكأن النص الديني طلسم من الطلاسم يحتاج إلي فك وحل رموزه إلي التهيئة النفسية والمكانية وإعداد لزوم مايلزم لفك هذا الطلسم , ولايخفي هذا الأمرعلي أحد من أنه من له المصلحة في جعل النص الديني عبارة عن طلسم حتي لايتم أي أمر من الأمور إلابعد أخذ الفتيا من صاحب المصلحة الطلسمية للنص , ليوظف ذلك في أغراض دنيوية أو سياسية تخدم علي مصالح ذاتية شخصية أوفئوية تخص الجماعة أو الهيئة الإجتماعية أو الدينية التي ينتسب إليها, وهذا مشاهد في أمور حياتية وسياسية متعددة وتبدو الصورة واضحة في تناول الجماعات الصوفية للنص الديني , فهو عندهم بمثابة رمز من الرموز ويحق لكل فرد أو جماعة إجراء الحوار الجدلي مع النص للخروج بمفهوم وتأويل للنص حسبما يمليه عليه فهمه للنص سواء كان متناول النص فرد أو جماعة , وتراها واضحة في تناول جماعات الإسلام السياسي ومحاولة خلق جو وبيئه ومناخ سياسي للنص بالرغم من أن النص لم ينبئ بهذا التأويل أوذاك التفسير , وذلك مبناه والغرض منه أهداف وأغراض سياسية تخدم علي أهداف جماعة أو منظمة من جماعات ومنظمات الإسلام السياسي , ويتم إلباس النص الديني ملابس وأغطية ورداءات يرفض النص رفضاً تاماً التزيي بها , أو التجمل بها وتشكل عبئاً عليه ’ وكذا جماعات العنف المسلح والتكفيريون لهم أدوات خاصة بهم يتعاملون بها مع النص ويستنطقوا النص بتأويلات وتفسيرات تبيح لهم إنتهاج منهج معين من العنف والقتل والترهيب حسب مفهومهم للنص ’ وحسب التأويل التفسيري أو التعليلي للنص , ومن هذا المنحي نجد أن المتعاملين مع النص يحيطونه بالرعاية والعناية كل حسب طريقته وأسلوبه وأدوات إجتهاده , وكأن النص قد ولد يتيما لا أب له يحفظه ولا أم ترعاه , ولاقريب يدافع عنه غائلة سؤ الفهم والتأويل وتوظيفه في غير موضعه , ومن هنا تتعدد الخيانات للنص بتعدد الأراء والتصورات , ومن يقول إن تعدد الأراء إثراء للنص , وحماية له وحفاظ علي إستمرارية وجوده فهم مخطؤن , لأن النص المقدس أتي بمنطوق ومفهوم واحد فقط ويؤخذ من ظاهره اللفظي بداءةَ , أما التأويلات الأخري التي تحيك أثواباً للنص ليست من مقاساته فهي تأويلات تخرج النص عن سياقه المفهوم !!
فإذا كان النص يمثل المطلق والبشر يمثلون المقيد فعلي المقيد أن يلتزم بمفهوم المطلق الوحيد الذي لايحتمل أي تأويلات أخري. وإذا كان النص يمثل الحقيقة المطلقة , والحقيقة ليس لها إلا وجه واحد فلماذا تعددت وجوه الحقيقة ؟ّّّ!!!!
وهل يجوز أن يكون للحقيقة أكثر من وجه ؟
أعتقد أنه بتعدد الحقائق تتعدد الخيانات للنص الديني المطلق !!! وبتعدد التفسيرات تتعدد الخيانات , وبتكاثر التأويلات تكثر الخيانات وتتعدد .
وهذا مايجري علي الأديان وينسحب أثره عليها بإعتبارها الوعاء الجامع لجميع النصوص المنسوبة للدين , أي دين !! , فالدين يمثل المطلق والحقيقة المنسوبة له هي الحقيقة المطلقة , ومادام الأمر كذلك فلماذا تعددت الفرق داخل الدين الواحد ؟!! ولماذا تعددت المذاهب داخل الفرقة الواحدة ؟! ولماذا تعددت الملل والنحل ؟!!
أعتقد كذلك : أن هذه التعددية في الفرق والمذاهب المتعددة والمتباينه تمثل كلها خيانات للنص وخيانات للدين !!!!!
فالجميع يزعم أنه علي الحق , والجميع يعتقد أنه معه الحق المطلق , وغيره باطل مطلق
ومن هنا لابد من وقفة أمام هذه الخيانات المتعددة التي إختلفت حتي في الأصول والعقائد , ولم تقف عند حدود الفرعيات المباح الإختلاف فيها , وتطور الأمر إلي حد الإقتتال بسبب مسألة من المسائل الفرعية التي هي من قبيل علم لاينفع وجهل لايضر!!
فماهو التفسير أو التأويل أو حتي المنطوق الصحيح للنص حتي نتبعه ونأخذ به , وماهي الفرقة أو المذهب الصحيح حتي يتوجب علينا إتباعها أو إتباعة دون قتل أو تكفير أو تجهيل حتي لانتهم بخيانة النص والدين ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!

#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل