أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الرحالي - نظرة تاريخية موجزة عن الترجمة















المزيد.....

نظرة تاريخية موجزة عن الترجمة


محمد الرحالي
باحث في الترجمة والأدب والسينما

(Mohammed Rahali)


الحوار المتمدن-العدد: 6615 - 2020 / 7 / 11 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


تفرض الترجمة باعتبارها نمطا من التفكير وعلما يقتضي التطبيق والممارسة الوقوف عند المسار التاريخي الذي قطعته، وإن كان هذا ليس الغرض من البحث باعتباره موجها للتعرف على التأثيرات التي تمس اللسانيات، لكن الوقوف عند هذا الأمر سيمكننا قطعا من تلمس الطريق نحو معرفة أفكار مهمة تتصل بالترجمة وييسر فهم بعض إشكاليات البحث. فالترجمة فن عريق وقديم ارتبط بالحضارات الإنسانية عندما دعت الضرورة الإنسانية إلى قيام تواصل بين الأمم لفهم بعضها البعض، والتوجه نحو بناء مفهوم كوني للتواصل، وحضارة إنسانية قوامها التفاهم والتعايش، والترجمة علم عريق متجذر في التاريخ، وهي جسر بين الثقافات "فقد كان النقل والترجمة هما الجسر المحدود بين البشر، يؤكدان تفاعلهم في مسيرة حياتهم الاجتماعية، لذلك نقول بأن الترجمة ليست وليدة العصر الحديث، وإنما تمتد جذورها إلى أقدم العصور، حيث حاولت كل الشعوب المساهمة بنصيبها في تطور المعرفة البشرية، وما حصلت نهضة علمية أو فنية لدى حضارة من الحضارات إلا وكانت الترجمة الحاملة لبذراتها الأولى، وكان المترجمون هم الزارعون لتلك البذور، فلقد نهضت الترجمة في تاريخ المعرفة بدور جوهري واضح لدى كل الشعوب".1
فقد كانت أمة العرب من الأمم السباقة في هذا الباب حيث أدلت بدلوها وجعلت للترجمة مكانة راقية تسمو بها بين الأمم الأخرى، وتبني بها صرح نهضتها "فالدور الذي لعبته الترجمة في الإعداد لعصر النهضة العربية الإسلامية، ليس بعيدا عن أذهاننا وأعيننا -فلقد حمل العرب ومن تثقف بثقافتهم –وتكلم لغتهم – خلال عصر النهضة العربية – مشاعل المعرفة، وألوية العلم".2 هكذا وعبر تاريخ العرب نجد أن الترجمة كانت حاضرة وبقوة، ويشير الباحث إلى لمحات من حياة العرب في علاقتهم بهذا العلم الأصيل، يقول :"بدأت حركة الترجمة في عصر بني أمية بفضل خالد بن يزيد، ونشطت في عهد الدولة العباسية أيام الخليفة المنصور الذي أنشأ ديوانا لها، وقد وسع الخليفة الرشيد هذا الديوان وأنشأ الخليفة المأمون بيت الحكمة، الذي كان بمثابة مجمع علمي ومرصد فلكي، ودار للترجمة، ومكتب عامة،وأقام فيه جماعة من المترجمين أجريت عليهم الأرزاق"3، فلئن كانت الترجمة انطلقت في عصر الأمويين، فإنها بلغت شأوا مرموقا مع دولة بني العباس، الذين اعتنوا بها لنقل العلوم للعربية، وإيصال تراثها، ومسايرة نهضة الأمم، ومتطلبات العلاقات الخارجية للأمم، فكان بيت الحكمة من دلالات نبوغ العرب وعناية خلفائهم بالعلوم، كما تزامنت الترجمة مع تصاعد حملة التعريب، فحينما وجد التعريب كانت الترجمة ناشطة والعمل اللغوي قائما"4، وما بيت الحكمة إلا علامة من العلامات الدالة على نبوغ العرب وإسهامهم في إذكاء روح الترجمة، وقد ذكر صاحبا موسوعة الترجمة إلى مجموعة من الأعلام والمراكز الحضارية، التي ارتبطت بحركة الترجمة وتاريخها العربي، ومن بين تلك المراكز ، التي ساهمت في حفظ فكر كبار مفكري اليونان، وفي كل المجالات نجد دمشق وبغداد، "وقد قوي تأثير الترجمة انطلاقا من اليونانية وظهر ذلك جليا في أعمال ابن سينا مؤسس النظام السكولاستي، وكذا على أعمال ابن رشد. لعبت أعمال هذين الفيلسوفين المترجمة من العربية دورا ذا بال في فكر أوربا الوسيطة".5
كما يبين صاحبا الموسوعة أن بغداد وبيت الحكمة لعبا دورا بارزا في توسيع حركة الترجمة، في القرن التاسع (الثالث للهجرة) أصبحت مدرسة بغداد أكبر مركز للترجمة لمدة قرنين تقريبا، في سنة 820 أعطى الخليفة المأمون دفعا جديدا لبيت الحكمة. وبتوجيه من أسرة هارون الرشيد، ترجمت كتب علمية وفلسفية يونانية بفضل فريق هام من المترجمين الذين كانوا أعضاء أسرة واحدة مثل بني المنجم".6
هكذا اهتم العرب بترجمة أمهات الكتب عن أهم الحضارات، للاستفادة منها في تخصصات عديدة، وترجمت أعمال أعلام علماء المسلمين، الذين كان لهم دور بارز في تخصصات متعددة وها هي ذي بغداد تشهد على ذلك، وبيت الحكمة يصدح بترجمة أعمال كثيرة، ولم يقف الدور عند بيت الحكمة، بل تألقت مراكز كثيرة في الشرق الأوسط مثل "آدس التي تدعا عرفة بتركيا، مركز إشعاع للغة والثقافة السوريانيتين بفضل النستوريين ......ترجم بعض العلماء السريانية فظلت مزدهرة في سوريا وبلاد ما بين النهرين إلى غاية نهاية القرن السادس"7، وننتقل إلى مصر حتى نلقي نظرة على بعض ما شهدته حركة الترجمة هناك" حيث إن ما أقدم عليه محمد علي الكبير، عند توليه حكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، من خلال إرسال البعثات إلى أوربا لا للدراسة فقط، وإنما لنقل العلوم الأوربية إلى العربية"8، ليتبين أن العالم العربي والإسلامي كان له دور بارز في تزكية حركة الترجمة العالمية حتى ندحض النظرية المُسَلِّمة بأن اليونان كانوا محتكري الترجمة والتنظير للعلوم، بل كان دورهم فيها صغيرا، "لما كان اليونانيون يعتبرون أنفسهم الشعب الأكثر تحضرا والذي يحمل ثقافته للشعوب الأخرى فإنهم لم يترجموا إلا النزر القليل، لأن لغتهم كانت منتشر في البحر الأبيض المتوسط "9 ، وهذه النظرة التاريخية الموجز لا تكفي بأسبقية قوم في الترجمة، بل هي محض محاولة للكشف عن صفحات مشرقة تبرز دور الحضارات المختلفة في إغناء الحركة الفكرية والترجمة، وهو ما يفرض الإشارة إلى بعض الأعلام التي ساهمت في هذا التيار النهضوي بالترجمة وما يخدمها، وكان لزاما أن نشير إلى بعض الأعلام التي برز تأثيرها في مسار تاريخ الترجمة ففي الغرب أعلام صدحت وفي الترجمة أبدعت وعرفت، غير أن المترجم الأكثر شهرة فيما يتعلق باللاتينية هو القديس جيروم بفضل ترجمته للإنجيل في 384" 10 ،ومن العرب إسحاق بن حنينن "وترجم ابن المقفع الأدب الفارسي بهدف تليين النثر العربي"11، هذا "ويعد إسحاق بن حنين من أشهر وأكبر مترجمي هذه المدرسة"12، وقد لعب المترجمون في الأندلس دورا مهما في الترجمة، وإثراء مكتسباتها التاريخية، ف"في صقلية وإيطاليا الجنوبية"12، "وفي قرطبة تمت ترجمة التراث اليوناني المنقول بفضل العرب"13، "وكان لمدرسة طليطلة في القرنين الثاني والثالث عشر ميلادي، من الإشعاع ما جعلها تجتذب علماء من أنحاء أوربا قاطبة"14، كما أن الأوربيين أسهموا في هذا التاريخ فـ "في بداية القرن الرابع عشر، عزف العلماء الأوربيون الذين كان لهم قساوسة عن ترجمة الآثار العلمية التي سمحت من القرن الحادي عشر إلى حدود القرن الثالث عشر بازدهار الطب والفلك والرياضيات انطلاقا من اللغة العربية". 15
إن تاريخ الترجمة طويل وعريق، يعكس هامشا مهما من تاريخ الإنسانية جمعاء، كما أن تفاعل الأمم هو الذي يسر نهضة هذا العلم، من باب المثاقفة والتعاون الحضاري، ومن باب التنافس العلمي الرصين، وقد انتقلت الترجمة من فعل فردي إلى علم تناقلت عن طريقه الأمم المعارف والعلوم، وبنى الإنسان فكره، واستطاع فهم بعض الجوانب التي كان يجهلها عن الآخر. وكان العرب أحد البناة في كل المجالات وأدلوا بدلوهم في ترجمة التراث والعلم والفكر، وكانوا منفتحين على الأمم المجاورة، فترجموا من تراثها، ونقلوا فكرهم إليها عن طريق الفعل الترجمي، ولا شك في أن مراكز الترجمة في العالم العربي والإسلامي تنحصر في المراكز التي تم ذكرها فتلكم أمثلة تلخص المجهود الذي بدله العرب في باب الترجمة التي كانت عمادا بنى عليه العرب صرح نهضتهم، واقتبس به الغربيون وغيرهم المعجبون بالعرب وثقافتهم، ما طاب لهم من العلوم والنظريات، فكان الشرق والغرب على مر زمن طويل مسايرا لركب التقدم الإنساني، واستمر الإشعاع في الشرق والغرب، في المغرب والأندلس، وهو ما يسر للترجمة القيام بدور فعال في حوار الأمم وبناء فكر منفتح يتجاوز أغلال الحقد والعصبية، ليكون الفكر الإنساني هو المستفيد الأكبر، ويحتك هذا العلم القائم بذاته بكل العلوم والنظريات التي أسهم في تطورها واستفاد منها في تطوير آلياته ومنهجه.
خاتمة:
إن الترجمة وتقنياتها وتاريخها ما هو إلا مدخل نحو دراسة وتمحيص علاقتها باللسانيات والمعارف اللسانية للأنساق اللغوية خاصة النسق اللساني العربي، من خلال عرض المقتضيات اللسانية التي تضبط مسار أي ترجمة للغة العربية ومختلف الأنساق اللغوية، وملامسة بعض المقتضيات والجوانب التي تتأثر بالترجمة الآلية، واستخلاص التأثيرات التي تحصدها اللسانيات والمعارف اللسانية، وهو مفيد للترجمة ونظرياتها في اتصالها باللسانيات وباقي العلوم.
الإحالات والهوامش:
1.نجم الدين مختار هلال، الترجمة قديما وحديثا، الناشر العربي، العدد 16، سنة 1991، ص 83.
2.المصدر نفسه.
3.شحاذة خوري، الترجمة قديما وحديثا، مجلة الناشر العربي ، ص 24.
4.المصدر نفسه ص 56.
5. جوئيل رضوان، موسوعة الترجمة، ترجمة محمد يحياتن، مختبر المماراسات اللغوية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، ص 11 .
6. المصدر نفسه ص 10 .
7.المصدر نفسه ص 9 .
8.بشير الهاشمي، خول الكتاب المترجم إلى اللغة العربية، مجلة الناشر العربي، العدد 17، صيف 1990 .
9. جوئيل رضوان، موسوعة الترجمة، ترجمة محمد يحياتن، مختبر المماراسات اللغوية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، ص 11 .
10.المصدر نفسه ص 8.
11. المصدر نفسه ص 12 .
12.المصدر نفسه ص 12/13 .
13. المصدر نفس ص 13 .
14. المصدر نفسه ص 13 .
15. المصدر نفسه ص 14 .
16.المصدر نفسه.



#محمد_الرحالي (هاشتاغ)       Mohammed_Rahali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما المغربية وتوظيف التراث الشعبيّ: نحو تجديد الخطاب الس ...
- المسرح الشعبي المغربي الإرهاصات والتأسيس: الحلقة والأشكال ما ...
- الترجمة تقنياتها ودورها في المثاقفة.
- المدينة في الشعر المغربي المعاصر.


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الرحالي - نظرة تاريخية موجزة عن الترجمة