أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حمار وحلاوة .. الشارع والثقافة














المزيد.....

حمار وحلاوة .. الشارع والثقافة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6609 - 2020 / 7 / 3 - 13:38
المحور: الادب والفن
    


خلال ثلاث سنوات ما بين 1958 و1961 غيرنا السكن ثلاث مرات، في المرة الرابعة كان التعب قد نال منا فأقمنا في شارع نوبار، ولم نغادره. كانت شقتنا في الطابق الثاني، وتصادف أن الشاعر صلاح جاهين كان يسكن في الطابق الرابع، وفي الخامس سكن الشاعر صلاح عبد الصبور. ومع أنني كنت صغير السن إلا أنني كنت أداوم على قراءة ملحق الأهرام، وأول ما حفظت من شعر كان لصلاح جاهين، بل إنه الذي جعلني أحب الشعر. ولم أكن أعرف أننا جيران حتى صادفته ذات يوم يهبط على سلم العمارة ليخرج، وكانت صورته تنشر كثيرا، فوقفت أمامه مدهوشا، ولما وجدني بهذه الحالة، توقف بدوره ناظرا إلي. سألته مبهورا:" أنت صلاح جاهين؟". تأملني لحظة لكن بعمق مستفسر، وأجاب على مهل:" أيوه .. أنا صلاح جاهين". رفعت رقبتي لأعلى وقلت بتعجب:" ياه..". فضحك بقوة وقال لي : " هو إيه اللي ياه؟". قلت له:" أنت شاعر بجد". لم يقهقه لكن عينيه ابتسمتا وقال:"والله ؟. ده رأيك فعلا؟" ثم بدا كأنه يحاول أن يتذكر شيئا وسألني:" أنت من أي شقة ؟ اسمك إيه؟ ". قلت له: أحمد عبد الرحمن الخميسي. قال:" آه! قول لي كده بقى! أنا كمان بأقول اللماضة دي مش صدفة. طيب يا سيدي عن إذنك بقى". وهبط السلالم وأنا اشيعه ببصري وأتذكر باعجاب رباعياته التي حفظتها مبكرا جدا. حينذاك كان ابنه الشاعر بهاء جاهين وكان صغيرا مثلنا يمشي في ممرات العمارة رافعا رأسه عاقدا ذراعيه خلف ظهره لا يتحدث إلينا، نقول له ونحن عيال: تعالى العب معنا. فينظر إلينا بكبرياء لطيفة ويهز رأسه بالنفي ويواصل سيره متأملا شيئا ما. فنذهب نحن لنلعب في الشارع بالكرة، وكانت المنطقة هادئة تماما، وفيما بعد اعتبرت أنا لسبب ما أنني وصلاح جاهين أصدقاء، فكنت إذا لم ألحق بشراء أهرام يوم الجمعة أصعد إلى شقته وأدق الجرس، فيخرج لي : عاوز إيه ؟. أجيبه بعشم وبدرجة من الخجل: " عاوز الأهرام ياعم صلاح". يهتف نصف ضاحك نصف جاد : " يا ابني عيب.. أبوك صحفي.. اشتروا الجرايد"، ثم يختفي ويرجع حاملا الجريدة. فيما بعد ترك جاهين العمارة ومن بعده صلاح عبد الصبور، وظللنا نحن وحدنا، واخذت المنطقة التي كانت هادئة تصبح محلا لضجيج لا يحتمل وضوضاء باعة لا تنقطع. سافرت مدة إلى الخارج لأنهي دراستي وحين رجعت وجدت أن المكان لم يعد محتملا، فقد أصبح مصنعا للمشروع القومي للضوضاء. وعثرت لنفسي على شقة في مدينة نصر في منطقة هادئة، لكن أمي عرضت علي أن تذهب هي الى مدينة نصر وأبقى أنا في شقتنا وسط البلد على أساس أن عملي يستلزم وجودي في المركز. رفضت ذلك، لأنني كنت أعلم أنها لن تستطيع أن تفارق شارع نوبار، وهي التي يعرفها كل بائع فيه، وكل كناس، وكل شحاذ، هي أشهر شخصية في الشارع، تخرج كل صباح إلى الشرفة وتقف تنظم حركة مرور عربات الخضروات والفاكهة وتصيح :" روح هناك انت ياعلي..وأنت يا بتاع الجوافة.. تعالى هنا". ولم أشأ أن أحرمها من ذلك المركز القيادي ولا من المنطقة التي ألفتها فذهبت وسكنت في مدينة نصر بحثا عن الهدوء. وكما هي العادة كان الحي في البداية هادئا، ثم أخذت تغزوه الضوضاء شيئا فشيئا، ومن بين كل أنواع الضجيج، أجدني أميز في نحو الواحدة ظهر كل يوم قنبلة صوتية تنفجر: "بطيخ حمار وحلاوة"! مواطن صعيدي مع ترسيكل، بني آدم،لكن إذا رأيت كتفيه خيل إليك أن الصعيد كله محتشد فيهما، وإذا سمعت زعيقه زلزل الرعب قلبك، صحيح أنه ينادي على البطيخ" حمار وحلاوة"، لكن نبرته تشي بمعنى آخر: " اشتر البطيخ وإلا أصبحت وقعتك سودة"، وحاول، واجتهد، إذا واتتك الشجاعة أن تقول للصعيدي:" هذا لا حمار ولا حلاوة". في معظم الأحيان ألوح للبائع من النافذة بمنديل أبيض مستسلما وأشتري تحت تهديد صوته البطيخة القرعة، ثم أجلس وأستعيد ذكريات شارع نوبار، وفترة الهدوء، وصعوبة الضوضاء، فأهبط إلى الصيدلية وأطلب " سدادة أذن"، وأتمنى وأنا أمام الصيدلي لو أن لديهم بالمرة سدادة عقل، تمنع عني بالمرة ضوضاء بعض الأنشطة الثقافية.



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الأدب والسياسة الآن
- عنف الديكتاتورية
- بياضة - قصة قصيرة
- ترامب لايحمي الأمريكيين .. لكن السوريين ممكن !
- أيام ضاحكة مع أحمد فؤاد نجم
- - حجر - يخص المرء وحده
- توماس راسل .. مذكرات حكمدار القاهرة
- حكايات لا تحدث إلا في الصحف
- وداعا سيبوفيلدا .. كاتب المقاومة والكبرياء
- القراءة مثل الحب .. تأتي مبكرا
- البطولة حرفة المصريين اليومية
- مـحـبــوب الــشــمــس .. يـحـيــي الــطــاهــر عــبــد الــل ...
- قطاع طرق الكمأدات الطبية
- بطة - قصة قصيرة
- أنطون تشيخوف .. بطولة الأطباء
- لا شيء يهزم الانسان ..
- قروش أمي الخمسة
- المصريون .. الضحك في وجه الخطر
- يوميات التلصص .. حسن مدن
- العألم في الجيوب والحقائب


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حمار وحلاوة .. الشارع والثقافة