أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ














المزيد.....

مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 12:34
المحور: المجتمع المدني
    


Facebook: @NaootOfficial

في مذكّراته، "حواري مع نفسي"، قصَّ "نيلسون مانديلا"، الزعيم الثوري ورئيس جنوب أفريقيا السابق، هذه القصة الطريقة:
(بعدما أصبحتُ رئيسًا، خرجتُ مع أفراد حراستي للتجوّل داخل المدينة. دخلنا أحد المطاعم، فوقع بصري على شخص ينتظر طلبه. دعوته ليشاركنا الطعام على طاولتنا، وأجلسته بجانبي. كان العرقُ يتصبّبُ من جبينه ويده ترتجف ولا تقوى على إيصال الطّعام إلى فمه! وبعدما انتهينا ومضى الرجلُ، قال لي حارسي الشخصي: "ذاك الرّجلُ يبدو عليه المرض. كانت يداه ترتجفان ولم يأكل إلاّ القليل!” فأجبتُه: "كلا، إنما هو حارسُ السّجن الانفرادي الذي كنتُ فيه. بعد التّعذيب الذي كان يمارسه عليّ، صرختُ طالبًا شربة ماء. فجاء هذا الرجل وتبوّل على رأسي. ربما كان يرتعد خوفًا من أن أردَّ له صنيعه بتعذيبه أو بسجنه. لكنه أغفل أن تلك ليست أخلاقي. عقليةُ الثأر لا تبني الدول، في حين ثقافة التّسامح تبني الأمم.)
ذكّرتني الحكايةُ بمانديلا مصري عظيم تشرفتُ بمعرفته وشرّفني بتصدير أحد كتبي بقلمه الجميل. المناضل الكبير الراحل: “محمود أمين العالم"، رحمه الله وأثابه خيرًا عمّا قدّمه لمصر من نضال وفكر وتنوير.
كان يحكي لي عن ذكرياته في معتقلات 1959، وعن السجّان الغليظ الذي كان يصرخ في وجه مفكرنا العظيم قائلا: (يا مسجون... كسّر الصخرةَ بالفأس. للصخرةِ سبعةُ أبواب. حدِّدْ مكانَ الباب، واضربْ)، هكذا كان يزعقُ سجّانٌ خشنٌ في وجه فيلسوف، وهو يلوّحُ بالسَّوط الذي نالَ من جسد الفيلسوف في المعتقل السياسي. أثناء النهار كان السجّانُ يقسو على السجين ويجعله يُحطِّمُ الصخورَ بالمِعوَل تحت لهيب الشمس. وفي المساء، كان السجينُ يدعو السجّانَ الأُميَّ إلى زنزانته، لكي يُعلّمَه أبجديات القراءة والكتابة، وشيئًا مما فاته من المبادئ العليا وقانون الأخلاق! أهتفُ في عجبٍ: (يا أستاذ محمود! السجّان يجلدك بالسياط نهارًا، وأنتَ تمحو أُميّتَه ليلا؟!) فيقول، وابتسامتُه الرائقةُ الشهيرةُ تُشرِقُ على وجهه: (طبعا يا فاطمة يا حبيبتي. كلٌّ منّا يؤدي دورَه في الحياة بإخلاص وجدية. السجّانُ يظنُّ أنني مذنبٌ أستحقُّ العقاب؛ لأنهم أفهموه أنّ التنوير والمطالبة بالعدالة كفرٌ ومُروقٌ وزندقة وخيانة. ولذلك كان جلْدُه لي واجبًا وطنيًّا يؤديه بأمانة. وأما واجبي أنا، فكان حقَّه الذي في عنقي: وهو تعليمُه وتثقيفه هو وغيره من الأميين الذين فاتهم حظُّ التعليم.) أسألُه في حُبٍّ وإعجاب: (يعني حضرتك لم تكره سجّانَك يا أستاذنا؟) فيجيبُني بحسمٍ ورقّة: (مطلقًا! بالعكس! كنتُ أحبُّه وأشفقُ عليه وأشعرُ بالمسؤولية تجاهه. هو ضحيةُ التغييب والجهل. كما أنني كنتُ أتعلّم منه أسرارَ الصخور ومفاتيحَ أبوابها. أُصغي إليه وهو يتفحّصُ الصخرةَ الكبيرةَ، ثم يشيرُ بإصبعه على مكامن ضعفها السبعة، التي هي أبوابُها، ثم يأمرني أن أهبطَ بمِعولي فوق تلك الأبواب، فتتحطم الصخرة. ذاك كان عملي في عقوبة الأشغال الشاقة. لا تتفتتُ الصخرةُ إلا من نقاط ضعفها السبع، أو أبوابها السبعة. السجّانُ الماهرُ يُعلمني بالنهار كيف أفتِّتُ الصخرَ، وأعلمه أنا بالليل كيف يفتِّتُ أسوارَ العتمة من حوله.) وبعدما ينتهي الأستاذُ الجميلُ من تعليم سجّانه الأبجدية والأخلاق، يقضي بقية ليله الطويل بالزنزانة في كتابة القصائدِ على الحوائط. تلك القصائدُ لا تزالُ شاهدةً وحيّة، شاهدتُها بنفسي، على حوائط سجن القلعة، ترفضُ الحيطانُ أن تمحوَها!
ذلك هو المُفكّرُ والمناضلُ الوطنيُّ الذي كنتُ أسيرُ معه من المجلس الأعلى للثقافة، وحتى بيته في جاردن سيتي، فأراه يصافحُ البسطاءَ في الطرقات، ويمازحُ البوابَ والسائس والشحاذَ، يسألهم عن أولادهم ويسمع شكاواهم! هكذا يفعلُ الكبارُ والأنبياءُ الذين يدركون أن البسطاءَ هم "مِلحُ الأرض" وكنزُ الحياة الذي يجب الاستثمارُ فيهم حتى نعلو ونرتقي. الفيلسوفُ المصري صاحب الأطروحة الملهمة: "فلسفة المصادفة"، التي تُضفِّرُ الفيزياءَ بالرياضيات بقانون الاحتمالات مع الفلسفة والنقد السياسي والجدلية التاريخية، في جديلة فاتنة وخطيرة، تجعلك تعيد قراءةَ التاريخ بعينين جديدتين مُبصرتين بوعي مختلف.
في كتابي الصادر عام 2006: (الكتابة بالطباشير)، كتب محمود أمين العالم مقدمةً فاتنة بعنوان: (تحذير ومقاربة)، يدعو فيها القارئ إلى قراءة كتابي بحذر وتعمّق ودون استسهال. فنشرت جريدةُ "الأهرام" خبرًا عن الكتاب تحت مانشيت مخاتل يقول: (العالم يحذِّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد). يومها أيقظني رنينُ الهاتف في السادسة صباحًا، لأجد أمي تصرخ في الهاتف بهلع: (ليه بيحذّروا من كتابك الأخير؟! كتبتي إيه فيه؟! ) والحكاية أن الخبر لم يضع كسرةً تحت اللام في كلمة "العالِم"، فقرأتها أمي: "العالَم يُحذّر من كتاب ناعوت!"، وارتعبتْ أن يكون كلُّ العالَم كلّه ضدي! “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شريف منير …. وجدائلُ الجميلات
- درس شريف منير ... لكريماته
- عيدُ الأبِ …. الخجولُ
- اللّهُمَّ اشفِ مرضانا … ومرضى -العالمين-!!!
- الكمامة والقمامة ولغةٌ (قايلة) للسقوط
- احترام فيروس كورونا!
- البابا تواضروس … في شهر رمضان
- التكفيريون: بارتْ تجارتُهم
- منسي: اللي زيّنا عمرُه قُصَيّر
- الطبيعةُ تتنفَّس!
- لا تسخروا من السُّخرية… في السخرية حياةٌ
- -فرج فودة- الذي عاش أكثر من قاتليه
- أخيرًا… وصايا السَّلف الصالح في مناهجنا
- مسلسلات رمضان … في زمن الكورونا
- يُفطرون على دماءِ الصائمين… شكرًا للإرهاب!
- ما لون قبّعتُك … في زمن كورونا؟
- رِهانًا على وعي الأسرة المصرية
- مصرُ العظيمةُ … رمضانُ الكريم
- حين منحني -الأبنودي- منديله لأبكي
- صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان


المزيد.....




- اعتقال اثنين من أعضاء المعارضة الفنزويلية
- تل أبيب تدرس احتمال إصدار المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال بحق ...
- الآلاف يتظاهرون في جورجيا من أجل -أوروبا- وضد مشروع قانون -ا ...
- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - مانديلا … محمود أمين العالم … وثقافة السُّموّ