أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير إسماعيل عبدالواحد - قراءة في رواية (تلك العتمة الباهرة)














المزيد.....

قراءة في رواية (تلك العتمة الباهرة)


زهير إسماعيل عبدالواحد

الحوار المتمدن-العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 02:13
المحور: الادب والفن
    


اُنشأ سجن تزمامارت السري في السبعينات الميلادية بعد محاولتين فاشلتين لاغتيال ملك المغرب الحسن الثاني، وبعد تصفية الرؤوس والمحاكمات جيء بعددٍ ممن تبقى منهم ليتذوقوا طعم الموت البطيء مهما امتدت سنون عذاباتهم، تزمامارت سجنُ من عنبرين في كل عنبر ما يقارب الثلاثون رجل. " المرزوقي" كان في أحدهم ، وصاحب هذه القصة في العنبر الآخر. وحينما وصف "المرزوقي" عنبره أثنى عليه وعلى سكْانه مقارنة بالآخر فقد خرج أكثرهم أحياء. بينما في هذا العنبر الآخر نجى فقط أربعة رجال من ثلاثين لقوا مصرعهم في السجن على كيفيات مخيفة.

في وحدات متينة من الهذيان والصمود كان نص الرواية يفيض في كل مرة، فكيف يحكي رجلٌ لنا معاناة 18 عاماً من الظلام والألم والتجرّع. كيف يصف لنا البقاء؟ والصراع؟ والوداع؟ والهواء؟ والغذاء؟ والضحك؟ والبكاء؟ والوقت؟ والصوت؟ والموت؟ والتجمد؟ والتمدد؟ والضعف؟ والخوف؟ والإيمان؟ وكم سيتغرقُ كل هذا من الصفحات؟ ومن الزمن؟ ، ولذا فقد كان أسلوب الرواية مبدعٌ للغاية. أن نَضيع في تلك الدوامة مع المشاعر والوقائع والأفكار والأحلام . أن نترك لأرواحنا أن تتخيل كل ما كان بكيف ما أرادت.

فنذهب مع تلك الحروف ليَصف لنا جيرانه من حوله من سكان الزنازين.وقد أطلق على كل واحدٍ منهم لقباً. فنستمعُ لأنفاسهم الخافتة داخل رؤوسنا ثم يضج أحدهم بصرخة صامة أو يرتل أحدهم القرآن. وربما سمعنا وقعِ أقدام أحد الحراس يدلج لدهليزالموت هذا. ثم في حين آخر يَصمت الكل إجلالاً لقدوم ملك الموت حتى يقبض روح أحدهم. وهنا يرحل صوت هذا الميت وتُحفر له حفرة ثم يُصبُ على ما تبقى من جثته الكلس الحارق ليختفي أكثر.

منذ مطلع الرواية لم تتوقف محاولات استدعاء طيف الأب. الأب مهرج الملك. الأب الهارب من أسوار الأسرة. وكيف حاوره كثيراً حتى أتاه في حُلمه. وكيف يكون أباه رفيق الملك وهو في سجنٍ لا يعلم عنه أحد؟ وكيف يرضى أباه بذلك؟ وهل يعلم به؟ وهل لا زال حريفاً في اضحاك الملك؟ كان هذا الهاجس يعاند الروح الصابرة كثيراً. وهو هاجس حقيق بالتعاطي معه. فلعل بين طياته يولد أمل. ويخرجه الملك لأنه ابن مهرجه.

وتوالى خيال الأم أيضاً، ولكنه لم يزحف نحو المقارنة. كان يناجي أمه. حبيبته في تلك العتمة. كان يتذكر شقاها مع والده.وعبء عملها. واهتمامها بأولادها وبه. يقول في إحدى السطور :
( كنتُ أتوغل في صمت الجسد وسُكونه، أتنفس عميقاً وأدعو النور الأسمى الكامن في قلب أمي، وفي قلوب الصالحين من الرجال والنساء، وفي أرواح الرُسل والقديسين والشهداء، في أرواح الذين قاموا وهزموا الشقاء بقوة الروح وحدها، والصلاة اللدنية، تلك التي لا غاية لها، تلك التي تحملك إلى مركز الثقل في وعيك الخاص ).

هذه المناجاة والخروج من علة الجسد إلى دوحةِ الروح لمعالجة الألم الذي يعتصر بها وبالجسد نفثت أياماً جديدة في عمره.بعد أن اصبح من تبقى منهم ينتظر الموت حقيقةً. كان يرتحل حالماً مرات ومرات حتى تصل روحه إلى الحجر الأسود ليقبلّه ، كانت روحه تلامس الحجر. وكان يُحس بسعادة اخرى.

في الرواية أشكال من الواقعية التي عاشوها. يُقبل الضَحك كما يُقبل الألم. وتُعفْر وردة الأمل حين تصعد روح أحدهم. استدعى من ذاكرته الخيال والواقع. ووصفَ لمستمعيه في السجن القصور ولياليه القديمة. كان أحد السجناء يعيش يومه على ذلك الخيال. وربما جُنّ لو لم يُسمعهٌ وجبة اليوم قصة ٌ جديدة.
ثم الأحلام التي تراوده. الأحلام الغريبة. كيف تشكلت وكيف استطاع أن يبقيها في ذاكرته حتى يحكيها لنا. إنها غريبة لتلك الدرجة لتحيى. الحُلم تلك الجنة من الخيال. إنه السَفر خارج أسوار السجن سراً. كيف كان يعيشه ويفسره ويحيكه لأصدقاءه. في صفحة 105

( رحت أردد مثل هذه العبارات في الحلم الغريب الذي رأيت فيه صورة الملك مقترباً مني وسمعته يقول : " إنهض! أعلم أنك لا تستطيع أن تقف على رجليك. إن فعلت تصدمُ رأسك بالسقف. إذاً، إبق مقعياً، واسمعني جيداً: لا تسأل مجدداً في سرك، إذا كنتُ أفكر فيكم، فلديّ أشياء أخرى أفعلها غير التفكير في لٌمامة من الخونة والعصاة. لقد رفعت يدك على مليكك- أعلم أنك لم تستخدم سلاحك- فعليك أن تندم على فعلتك ما حييت، أن تعلم ببساطة كيف تندم، في هذه الحفرة، حتى قيام الساعة. وهذا ما سيكون. لقد أساء والدك تربيتك، أما أنا فسوف أفعل. لذا إيّاك أن تستحضر صورتي مجدداً إلى هذه الحفرة النتنة. إني أمنعك من التفكير فيّ أو أن تجمل صورتي مع وجوه أخرى!" )

السؤال الأخير: كيف كانت النجاة.. وكيف تحرروا. وإني لأتذكر "أحمد المرزوقي" وهي يحكي إلتقاء ما تبقى من سجناء العنبرين بعد 18 عاماً من العزلة بينهم. قال عنهم أربعة رجال ما تبقى من الانسان غطتهم شعورهم يمشون على أربع وهم في حالة مزرية من فظاعات ما حلّ بهم



#زهير_إسماعيل_عبدالواحد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية (ناقة الله)
- قراءة في رواية ( أمريكا)
- قراءة في رواية (الديوان الإسبرطي)
- قراءة في رواية ( قصة حلم)
- جماليات القصة
- حساب الجمل في الروايات العربية
- التفكيكية من الفلسفة إلى النقد الأدبي
- قراءة في رواية الكافرة... على بدر
- كيف تختار ما تقرأ؟
- هل تقرأ النساء أكثر من رجال فعلا؟
- قراءة في رواية العطر قصة قاتل
- قراءة في رواية واحة الغروب
- قراءة في رواية بوغيز العجيب
- قراءة في رواية طائر القشلة
- قراءة في سبعة روايات
- قراءة في رواية اللجنة صنع الله إبراهيم
- قراءة في رواية فاتنة باريس
- قراءة في رواية الشاهدة و الزنجي
- قراءة في كتاب دقيقتان و دقيقة
- قراءة في كتاب... وجع الكتابة


المزيد.....




- مصر.. الفنانة هنا الزاهد تكشف عن سبب رفضها تقويم أسنانها (في ...
- شاعر سعودي يكشف تطورات الحالة الصحية للفنان محمد عبده
- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير إسماعيل عبدالواحد - قراءة في رواية (تلك العتمة الباهرة)