أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مصعب قاسم عزاوي - استنهاض العقل العربي المستقيل















المزيد.....

استنهاض العقل العربي المستقيل


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 17:05
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


قد تكون الطامة الكبرى في ميدان التعليم العالي عربياً هي تحول الجامعات والمعاهد العليا من مراكز دورها الأول البحث العلمي والاجتهاد علمياً لاكتشاف كل ما هو ضروري لترقية مجتمعاتها ومستوى حيوات المواطنين فيها، لتكون عبارة عن مدارس ثانوية كبرى بحسب توصيف المفكر المعلم الراحل طيب تيزيني، هدفها الأساس تعليم تلقيني لغرض النجاح في الامتحان والحصول على شهادة للتعليق على الحائط والتباهي بها، ونسيان كل الجهود والمعارف التي تطلبتها عملية الحصول عن تلك الشهادة؛ وهو ما يتمظهر بشكل مؤلم في شيوع ممارسات لا يقوم بها أشخاص متنورون في الأحوال الاعتيادية بين الفئات التي يعتقد أن العلوم التي تحصلت عليها في الجامعات والمعاهد العليا العربية كفيلة برفعها للترفع عن تلك السلوكات النكوصية في سلم التطور الحضاري والتاريخي. وأكثر تلك السلوكات وضوحاً حالة التقاطب المرعبة بين الكثير من مكونات المجتمعات العربية لأسباب واهية مصطنعة وليس لها علاقة حقيقية بمستوى البؤس الاجتماعي والاقتصادي، و التصحر السياسي الذي يعاني منه جل الناطقين بلسان الضاد؛ وهو ما يعبر عن نفسه بشكل تراجيدي في حالة الاقتتال والاحتقان الأهلي بين مكونات الكثير من المجتمعات العربية، و هو الاحتقان الذي يتصدر دفه تأجيجه و قيادته إلى حدوده القصوى في الكثير من الأحيان ليس الجاهلون الذي لم تتح لهم ظروف الإفقار والتهميش فرصة الحظيان بمستوى عالٍ من التعليم، وإنما المتعلمون المؤهلون بشهادات عليا، الذين لما يستبطن الكثير منهم أياً من العلوم التي حظوا بفرصة الاطلاع عليها منهجاً وأسلوباً في مقاربة حيواتهم وعلائقها بشكل علمي منهجي سببي منطقي يتسق مع الفكر العلمي القائم على التمحيص والتدقيق والتفكر والاستناد على المعرفة المحكمة، وليس ما تمليه الأهواء والرؤى الشخصانية التي قد تكون تخيلات هرائية لا سند علمياً لها في كثير من الأحيان.

وهو الحال المزري الذي يغلي كالجمر تحت الرماد في غير موضع عربي، إن لم يكن قد أفصح عن وجهه القبيح سلفاً، بشكل مرعب يحول الكثير من الأجيال المتعلمة إلى وقود للغلواء، والتشنج والتمترس الفكري، والجمود العقائدي بكل أشكاله وتلاوينه اللاهوتية والإيدلوجية، التي تحول كل شخص إلى قابيل الذي ينتظر قتل أخيه هابيل مع وقف التنفيذ إلى حين الفرصة السانحة للانقضاض عليه وتهشيمه وأكل كبده وقلبه تشفياً وتشمتاً.

ولأن عصر الاستنارة وفكر التنوير لما يتأصل في العالم الغربي إلا من خلال اجتهاد العلماء والباحثين الذين قضى الكثير منهم نحبه بجرم الهرطقة أو الحرمان من الكتابة والتأليف والبحث العلمي كما كان الحال في سيرة المنورين الأوائل ككوبرنيكوس وغاليليو من بعده، ولأن اجتهاد المنورين العرب الأوائل من قبيل عبد الرحمن الكواكبي، شبلي الشميل، فرح أنطون، نجيب عازوري، بطرس البستاني، رفاعة الطهطاوي، وغيرهم الكثير من سلسلة المجتهدين في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم يتح لها التكامل بسبب التآمر الاستعماري للقوتين الإمبرياليتين الكبريتين آنذاك فرنسا و بريطانيا ، وخداعهما للعرب بعد وعد تلك الأخيرة لهم بكيان عربي كبير جامع لكل جغرافيا العالم العربي الذي كان رازحاً تحت الاستعمار الإقطاعي للسلطنة العثمانية وشركائها من البايات، والدايات، والولاة، والمتصرفين، والخديويات، لم يتح لأي من أفكار أولئك المنورين التأصل في المجتمعات العربية التي تُركت إبان مرحلة الاستعمار الإمبريالي المباشر والانتداب للنكوص إلى كل أشكال الاحتراب الداخلي بين مكونات المجتمعات العربية الفسيفسائية التي اعتادت وتآلفت على نهج من العيش المشترك خلال قرون طويلة بأشكال متعددة، و هو ما تركها مشرعة لخبث و كيد المستعمرين السياسي المتمركز أبداً حول إيقاظ مكونات التفارقات الداخلية فيما بينها، لضمان تفارق تلك المكونات وعدم احتمال توحدها لمواجهة السادة المستعمرين والمطالبة بحق شعوبها في تحقيق مصيرها، وفق نهج بربري اتبعه المستعمرون حيثما حلوا في بقاع الأرضين قائم على مبدأ «فرق تسد». وهو السم الذي استمرأه العرب مرغمين ولم يكن من خيار لهم لرفضه سوى الارتكان إلى أشكال مختلفة من المقاومة العسكرية، أدت إلى تسيد العسكر في مرحلة ما بعد الاستقلال، وهم الذين كان لابد من بقائهم في سدة الحكم عقب نكبة فلسطين علهم يستطيعون استعادة ما خسروه فيها، وهو الهدف الذي لم يستطيع أي من أولئك العسكر تحقيقه عبر تنمية مجتمعاتهم بشكل طبيعي يمكنها من الدفاع عن نفسها بقدرات أهلها البشرية والسياسية والاقتصادية والعلمية كما يفعل الأقوياء، إذ أنهم لم يفلحوا إلا بتخليق مجتمعات ليست سوى «دول أمنية» بامتياز لا صوت يعلو فيها فوق صوت «القائد الملهم» ومن لف لفه من المرتزقة والانتهازيين من العسس و البصاصين والجلادين، حتى لو كان صوت أنين المفقرين المعذبين، وأحلام البسطاء في تحسين مستوى حيواتهم البائسة عبر تعليم أبنائهم، وهو الحلم الذي لما يتحقق بعد على امتداد الخارطة العربية لتحول الجسم التعليمي العربي في أحسن الأحوال إلى استنساخ مسخي عن نموذج تعليم الكتاتيب التلقيني القائم على الحفظ والاستذكار والترديد الببغائي والذاكرة القصيرة المدى، والتعلم لأجل اجتياز الامتحان، ونسيان كل ما تم تعلمه التلميذ أو الطالب بعد انقضاء ذلك الاختبار.

وللأسف كان نتاج تلك الحالة المأساوية تنكس العملية التعليمية بمختلف مستوياتها عربياً، وخواء أي نتاج لها من أي قدرة على تلبية احتياجات المجتمعات العربية الملحة، والتي أصبح الكثير منها مجتمعات يعاني الكل فيها من اكتئاب جمعي مقنع أو ظاهر، وإحساس عميق بانغلاق الآفاق وعدمية الجد والاجتهاد بأي شكل كان، وهو ما تمظهر إحصائياً بالنسبة المهولة من أبناء العرب العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا، وبحقيقة أن عدد الساعات الأكبر الذي يقضيه أبناء مجتمع ما على وسائل التواصل الاجتماعي الشيطانية الخبيثة اللئيمة بكل ما تعني الكلمات من معان ومدلولات يتأتى من مجتمع عربي بعينه، و هو الواقع البائس الذي يتعزز باضطراد عبر استغلال نقاط ضعف البشر التي تقودهم للإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الأفعوانية بالاستناد إلى تقنيات الذكاء الصنعي البشر التي تستخدمها وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه سلوك البشر و أصبحت تفوق قدرات البشر نفسهم على فهم أنفسهم و ذواتهم ووعيهم لعلاقتهم بمحيطهم الاجتماعي. و ما يزيد طين التفجع ابتلالاً الخزي بسبق المجتمع العربي الآنف الذكر نفسه نكوصياً إذ يتفوق أبناؤه أيضاً في أنهم أحد أكثر المجتمعات تدخيناً في العالم وهو شكل آخر من الإدمان لا يختلف كثيراً عن ذلك القائم في حالة الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولذلك قد يبدو أن محاولة تلمس وتكشف، و إعادة الاعتبار لأصول البحث العلمي والتفكير المنهجي والمنطقي حاجة ملحة في عالمنا العربي المعاصر ليس فقط لاستعادة معنى البحث العلمي المتهالك في الجامعات العربية الذي تحول إلى محض جهد للقصقصة من شبكة الإنترنت، أو النقل الحرفي من هنا وهناك، أو حتى الترجمة عن لغة أخرى، دون التفكر والتحليل لمنطوق ما يتم إنتاجه؛ وإنما لأجل إعادة تسليح العقل بقدراته النقدية والمنطقية والعرفانية التي تناساها أو لم يعد يشعر بها لضمورها فيه جراء عدم استخدامها.

و الواقع المر يشي بضرورة استنهاض العقل المستقيل الناطق بلسان الضاد بشكل شامل عمقاً و سطحاً تكون فيه المعرفة والعلم حقين أساسيين من حقوق الإنسان بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى قد تعيق ذلك سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو لغوية، بما يمهد الطريق للإنسان العربي المقهور لاستعادة مناعته الفكرية وتكشف قدرات عقله الفائقة على إحكام المنطق والتحليل العلمي المنهجي ليس في ميدان التحصيل و البحث العلميين وحدهما وإنما في كل أحياز حياته؛ علّ العقل والتعقل يصبحان سيدي الأحكام في الوعي الجمعي العربي في أقرب الآجال إذ أن تأخر تلك المهمة الضاغطة يحتمل خطر تلاشي ذلك الوعي الجمعي وجودياً مع تبخر المجتمعات الحاملة له، وأفولها التاريخي مشغولة في الانتصار لقابيل على هابيل أو لداحس على الغبراء أو غيرها من الأشكال والتلاوين المأساوية.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل فيتامين D هو الترياق السحري للوقاية من فيروس كورونا؟
- نصائح طبية عملية للوقاية من فيروس كورونا
- آفاق الانعتاق من جلجلة فيروس كورونا
- تعاكظٌ الرعونة و أدمغة أطفال المسغبة
- خفايا و تلافيف غزوة مانشستر


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مصعب قاسم عزاوي - استنهاض العقل العربي المستقيل