الدبلوماسية المائية -حلول مبتكرة-

رمضان حمزة محمد
باحث

الحوار المتمدن-العدد: 6596 - 2020 / 6 / 18 - 18:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ما هي دبلوماسية المياه ولماذا يجب أن نهتم بإنتهاج دبلوماسية المياه في العراق؟
في السنوات الأخيرة ، شهد مصطلح "دبلوماسية المياه" أو("الهيدرو ديبلوماسي") كمصطلح جديد ومثير للإعجاب وللدهشة - في معجم الصحفيين وواضعي السياسات ومستشاريهم ، حين تم إستخدام هذا المصطلح لمناقشة كيفية حل الصراعات المائية وتعزيز التعاون في مجال المياه من أجل السلام . العديد من المؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي ، ومنظمة التعاون الأمني في أوروبا (OSCE) ، تستخدم هذا المصطلح في مجال المياه سواء كان ذلك حول الصراع المائي أو الإدارة أو التعاون مما يشكل إلتباساً في تنفيذ مهام دبلوماسية المياه.؟
وتستخدم الحكومات الوطنية مصطلح "دبلوماسية المياه" عند الإشارة إلى القضايا المرتبطة بندرة المياه ، أو الصراع على المياه ، أو التعاون في مجال المياه (أو عدمه) . لذلك كثر الحديث حول دبلوماسية المياه وتم الإهتمام بها بشكل كبير لكل من إدارة المياه والتحديات والمخاطر المتعلقة بالمياه. ولكن الكثيرين من العاملين في الأوساط الأكاديمية وصانعي السياسات ، وكذلك وسائل الإعلام ، اتخذوا من مصطلح "دبلوماسية المياه" لتعني لهم كل شيء يتعلق بأعمال المياه في مجال المياه كمورد. ونتيجة هذا الخلط بين قطاع البحث العلمي والسياسة والإعلام، لم يتم الإستفادة من امكانيات الدبلوماسية المائية بشكل كبير في تطوير تعريف عملي لدبلوماسية المياه.؟
ما هي دبلوماسية المياه؟
يمكن تعريف دبلوماسية المياه على أنها استخدام أدوات دبلوماسية لحل الخلافات والصراعات القائمة أو الناشئة حول موارد المياه المشتركة بهدف حلها أو تخفيفها من أجل التعاون وإفشاء السلام والاستقرارالإقليمي والدولي.
أو تُعرف دبلوماسية المياه بأنها فن أو ممارسة استخدام المياه كأداة لإجراء لتحسين وتعزيز العلاقات الدولية. يمكن أن تكون دبلوماسية المياه ثنائية ، بين طرفين معنيين ، أو تشمل مشاركة طرف ثالث. باستخدام الأدوات مثل (وساطة المياه والتفاوض بشأن المياه) ، تدعم دبلوماسية المياه زيادة المشاركة والشفافية والتعاون بين البلدان.
ودبلوماسية المياه تتعلق بتطبيق الأدوات الدبلوماسية ، وليس التقنية. قد تشتمل الأدوات الدبلوماسية لدبلوماسية المياه على المفاوضات ، وآليات حل النزاعات ، وإنشاء منصات للتشاور ، وتنظيم بعثات مشتركة لتقصي الحقائق. أما الأدوات الفنية - مثل عمل خطط لإدارة المياه على مستوى الحوض أو شبكات مراقبة مشتركة – فانها ليست جزءًا من دبلوماسية المياه. في حين أن الأدوات الدبلوماسية والتقنية غالبًا ما تبني على بعضها البعض ويمكن ربطها بشكل مباشر ، لذلك فإن تعريف دبلوماسية المياه باستمرار يجب أن يضمن هذا التمايز.
لماذا يجب أن يهتم العراق بإستخدام أدوات ونهج دبلوماسية المياه.؟
الحضارات الأولى في العراق نشأت لوجود نهري دجلة والفرات، ولكن اليوم ملايين العراقيين قد أصبحوا معرضين للخطر نتيجة قطع جارتي العراق في الشمال والشرق - أي تركيا وإيران – مجرى مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما إلى العراق. وهم من يتحكمون في مياه العراق اليوم، لذلك حان الوقت أن يقوم العراق بتوظيف الأدوات الدبلوماسية الفعالة " دبلوماسية المياه" مع تركيا وإيران وحتى سوريا. وأن تكون هذه الدبلوماسية إستباقية (وقائية) معزّزة من خلال تشكيل لجان ثنائية متعددة الأطراف والتخصصات لمتابعة قضية المياه والسعي إلى إدارة الموارد المائية وتعزيزالشراكات الثنائية مع الدول المجاورة. وعلى المستوى الدولي، يمكن للعراق استخدام المؤسسات الدولية والإقليمية للضغط على أنقرة وطهران ودمشق من أجل تأمين حُصّصه المائية المشروعة، ومحاولة إشراك طرف ثالث في المفاوضات كما فعلت مصر والسودان باشراك الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضاتهم مع أثيوبيا حول مشاكل سد النهضة الأثيوبي كطرف ثالث.
ولأن دبلوماسية المياه تركزعلى الخلافات والصراعات، وإن هذه النزاعات حالات يكون فيها للأطراف سواء على (المستوى الوطني أو الدولي) استخدامات متنافسة على مورد نادر يمكن أن يؤدي إلى خلافات تزعزع استقرار المجتمعات أو البلدان أو المناطق التي تتشارك في مياه دولية. ويمكن أن تتعلق الصراعات بفهم مختلف إذا كان يجب أن يتم تطوير مجرى مائي لتحقيق مكاسب اقتصادية من جانب واحد كإنشاء السدود في دول المنبع دون أخذ موافقة دولة المصب مثلاً ، أو من أجل المنفعة المتبادلة ؛ قضية ذات أهمية خاصة في أحواض المياه المشتركة، مثل شراء دولة المصب الطاقة الكهرومائية المتولدة من السدود المشيدة على مجرى النهر الدولي المشترك من دولة المنبع على سبيل المثال. يتم تناول مثل هذه الخلافات قبل أن تتحول إلى صراعات ، مما يجعل الكثير من دبلوماسية المياه دبلوماسية وقائية.
ان دبلوماسية المياه لها الهدف النهائي المتمثل في ضمان التعاون الإقليمي والاستقرار والسلام. إنها أكثر بكثير من إدارة موارد المياه. تستخدم دبلوماسية المياه الموارد المائية كوسيلة للمساهمة في تحقيق الأهداف الأوسع والأشمل للسلام والاستقرار من خلال المشاركة والتعاون الدبلوماسيين.
مع فهم أفضل للدبلوماسية المائية، يبقى السؤال البالغ الأهمية بشكل خاص من حيث كيفية التمييز بين دبلوماسية المياه والمفاهيم الأخرى ذات الصلة ، وخاصة إدارة المياه المشتركة العابرة للحدود ، والتعاون في مجال المياه.
المفاهيم ذات الصله
 إدارة المياه المشتركة العابرة للحدود: نظرًا لأن موارد المياه غالبًا ما تكون عبر حدود الدول ، فإن إدارة موارد المياه غالبًا ما تحتاج إلى أن تكون عبر الحدود أيضًا. هذا لا يعني أن إدارة المياه العابرة للحدود هي دبلوماسية مائية. بدلاً من ذلك ، يمكن تعريف إدارة المياه العابرة للحدود على أنها تطبيق الأدوات التقنية للإجابة على أسئلة وتحديات محددة تتعلق بالمياه لتحسين النتائج الخاصة بالمياه في المجاري المائية العابرة للحدود بطبيعتها. على سبيل المثال، يمكن أن يعني هذا مراقبة معايير هيدرولوجية كالتصاريف المائية والمعطيات المناخية أو عناصر بيئية محددة كأساس لتنفيذ تدابير جودة المياه (مثل معالجة مياه الصرف الصحي على طول نهر مشترك) من أجل تحسين نتائج جودة المياه عبر السلطات القانونية كما يتم تنفيذها على طول نهر الراين منذ عدة عقود كمثال .
 التعاون في مجال المياه:. يعتمد التعاون في مجال المياه على حقيقة أن العديد من المجاري المائية العابرة للحدود ،تهيئ فرصًا للتخطيط المتكامل فيما يتعلق باستخدام الموارد المائية وتنميتها. وبالتالي فإن إستراتيجية تطوير حوض النهر سيضمن أن الفوائد التي يمكن جنيها من خلال إدارة هذه الموارد المائية بشكل تعاوني بدلاً من جانب واحد يتم توليدها لصالح المجتمعات والدول الواقعة على ضفاف النهرأو التي تمر منها الانهار المشتركة. على سبيل المثال ، يمكن أن توفر الإدارة المتكاملة والتعاونية لسلسلة السدود على نهر عابر للحدود فوائد أكبر لتوليد الطاقة الكهرومائية أو التحكم في الفيضانات ، معاهدة نهر كولومبيا بين الولايات المتحدة وكندا مثالاً.
إذن ما هو مفهوم دبلوماسية المياه؟
 دبلوماسية المياه : ومع ذلك ، في أي وقت يتم الطلب من إحدى الدول المتشاطئة (دولة المنبع) الى تقاسم الموارد، سينشأ الصراع بين المطالب والمصالح المتنافسة. مثال على ذلك الخلافات والنزاعات حول السدود السائدة في حوض نهري دجلة والفرات ضمن مشروع جنوب شرق الاناضول "””GAP” وتحويل إيران مياه الأنهار التي تدخل الحدود العراقية هي مثال آخر على نشأة الخلاف بين العراق وكل من تركيا وإيران وحتى سوريا، توفر دبلوماسية المياه الآليات، مثل الإخطار المسبق واجتماعات الحوكمة لإدارة المفاوضات حول هذه النزاعات وضمان أنها لا تقوض العلاقات بين الدول المشاطئة وبالتالي التعاون والاستقرار الإقليميين بشكل عام. يبرز هذا المثال أن الحدود بين هذه المفاهيم يمكن أن تكون مرنة ومترابطة مع تأكيد ما هي إختصاصات دبلوماسية المياه وما هي ليست من أختصاصها.
إن الفهم الأفضل لطبيعة ودور دبلوماسية المياه لن يساعد العلماء فقط في أبحاثهم حول الموارد المائية المشتركة ، ولكن يمكن أيضًا تحسين المشورة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، سيؤثر تعريف واضح لدبلوماسية المياه على كيفية قيام وسائل الإعلام بالإبلاغ عن التحديات المتعلقة بالمجاري المائية المشتركة العابرة للحدود، مما يؤثر على كيفية تفسير الجمهور لتحديات المياه والاستجابة لها معًا ، وليس الإعلام الموجة (التكثيف الإعلامي الممنهج على سد الموصل وإعتباره السد الأخطر في العالم) مثالاً على ذلك . وسيساعد توضيح ماهية دبلوماسية المياه، على ضمان الإدارة التعاونية والمستدامة طويلة الأجل للأنهار التي تتجاوز حدود الدولة الواحدة ، وأحيانا بين المناطق المختلفة ضمن سيادة الدولة الواحدة.؟
 الماء كمصدر للنزاع
على مر العصور، نادرًا ما تم الإبلاغ عن الماء على أنه السبب المباشر للنزاعات المسلحة ، ولا يوجد دليل يذكر على حروب المياه الرسمية. ومع ذلك ، غالبًا ما تقع أحواض المياه العابرة للحدود في مناطق تتميز بتوترات بين الدول أو نزاعات مسلحة. قد لا تنشأ الصراعات مباشرة نتيجة لقضايا المياه ، ولكن المواجهة المباشرة على المياه واستخدام موارد المياه كأسلوب للإبتزاز يمكن أن تدفع الأمور الى النزاعات على نطاق أوسع. وبالمثل ، يؤثر نقص المياه سلباٍ على السلم والأمن الوطني والإقليمي والدولي. يمكن أن يؤدي الجفاف في منطقة ما إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية "حرب سوريا "مثالاً ، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات وإثارة النزعات. يمكن أن تؤثر المياه، وتؤثر بشكل أساسي على شكل العلاقات الداخلية والإقليمية والدولية. خلافات السودان وإثيوبيا الحدودية بمنطقة الفشقة بسبب الأراضي الخصبة والمياه مثال آخر على ذلك.
 الماء كسلاح
يتم استهداف الموارد المائية بشكل متزايد للهجمات في النزاعات المعاصرة ، مع تدمير البنى التحتية المائية بصوره كارثيه في المناطق الحضرية أو الاستيلاء عليها أثناء الحرب مثالاً على ذلك ( داعش ) عندما سيطرت على سد الموصل وسدة الفلوجة ونواظم صدور ديالى. في بعض الأحيان حيث تم تخريب خطوط إمدادات المياه عمدا مع تسميم موارد المياه لترهيب المدنيين. وغالبا ما تستولي الجماعات المسلحة على السدود وتستخدمها إما لإغراق أو تجويع السكان في المصب أو حتى لإيواء السجناء ذوي القيمة العالية. وهذا له تأثير كبير على المدى الطويل على المجتمعات المحلية ، ويؤدي إلى تشريد المدنيين وتعطيل الأنشطة الزراعية ونشر الأمراض. وفي الصراعات التي طال أمدها يُرجح أن يموت الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا في المتوسط بحوالي ثلاث مرات بسبب أمراض الإسهال المرتبطة بالمياه غير المأمونة والصرف الصحي نتيجة للعنف المرتبط مباشرةً بالنزاع والحرب.
 الماء كأداة للسلام
الإجهاد المائي قد يكون مؤشر مهم للتوترات وقد يؤدي الى النزاع إذا لم يتم استخدام أدوات مختلفة لمنع النزاعات المبكرة على المياه. وتشمل هذه على سبيل المثال لا الحصر: التفاوض والوساطة والتحكيم والتقاضي والدبلوماسية والمحكمة الدولية والحرب المفتوحة. المثال على ذلك هو (( تحركات الجيش العراقي نحو الحدود السورية العام 1975)) عندما باشرت سوريا بقطع المياه عن نهر الفرات بإملاء خزان سد الطبقة السوري بالتزامن مع إملاء سد كيبان التركي ، ولولا وساطة المملكة العربية السعودية والإتحاد السوفياتي آنذاك لتطور النزاع الى حرب مفتوحة بين البلدين. وقد تحدث النزاعات العنيفة في ظروف استثنائية فقط.
ولكن يمكن أن يساعد الإجهاد المائي حتى في تعزيز التعاون عندما يكون لدى الأطراف المتعارضة حاجة مشتركة للمياه من الأنهار الدولية المشتركة والعابرة للحدود ، وهذه تدعم التعاون ضمن أطر اخرى كالتجارة والتبادل الإقتصادي وغيرها.
 مفاوضات المياه
توفر مفاوضات المياه فرصًا لطرفين (أو أكثر) للاجتماع معًا للتفاوض بشأن اتفاقيات المياه العابرة للحدود المشتركة ، بدعم خارجي أو بدونه. يمكن أن تتراوح هذه الاتفاقات بين الالتزامات لتوفير الوصول إلى المعلومات التقنية وصولاً إلى إنشاء منظمات أحواض الأنهار ، وتعزيز الإدارة المستدامة للمياه في جو من الثقة المتبادلة.
 وساطة المياه
تقدم وساطة الطرف الثالث فرصًا إضافية لدفع التفاهم المتبادل وقيادة الإجراءات الجماعية حول المياه المشتركة. مثل بيوت الخبرة ،اوالمراكز العالمية مثل المرصد العالمي للمياه والسلام (GOWP) الذي كان توصية من المستوى العالي العالمي للمياه والسلام في جنيف الذي يوفر مساحة آمنة حيث يمكن للدول التي تتعامل مع النزاعات أو التي تحتاج إلى المشورة التعرف على نماذج التعاون أو تلقي الدعم في عمليات المفاوضات الجارية بينهم. يمكن للمرصد أيضًا تسهيل تحديد أصحاب المصلحة المحتملين القادرين على تلبية احتياجات محددة أو المساعدة في تأمين التمويل لمشاريع المياه العابرة للحدود بالإضافة إلى تسهيل تقصي الحقائق والممارسات الجيدة. والتعامل مع الأشكال الأخرى المباشرة لتسوية المنازعات من خلال الآليات القائمة.

#رمضان_حمزة_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات