أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مولاي الشريف طاهيري - أردوغان في مسرح العقل العربي: بطل و كومبارس















المزيد.....

أردوغان في مسرح العقل العربي: بطل و كومبارس


مولاي الشريف طاهيري

الحوار المتمدن-العدد: 6565 - 2020 / 5 / 16 - 21:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يحرص المواطن العربي على تتبع مستجدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و مراقبة حركاته و سكناته و تسجيل كل كبيرة و صغيرة يقوم بها فخامته. فلا يكاد يمر نشاط للرئيس التركي إلا و صُنعت منه (عربيا) مادة إعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المواقع التي تتزين بروفيلات بعض مستخدميها بصور الرئيس التركي و علم بلاده.
قد يستساغ هذا الاهتمام المفرط عندما يتعلق الأمر بأحداث تخص الأنشطة الرئاسية للزعيم التركي. لكن، في أي إطار يمكننا إدراج الفيديو المتداول لرجب طيب أردوغان و هو يتلو آيات من القرآن؟!
ما الذي يجعل تصوير لحظة خلوة عبد تركي مع إله كوني مادة دسمة للتسويق الإعلامي العربي؟!
و لماذا يثير نشاط ديني فردي خاص لرئيس دولة إعجاب و تعاطف الملايين عبر ربوع الوطن العربي؟
هل خَبِر أردوغان بنية العقل العربي كما شخّصها محمد عابد الجابري، ليبني عليها خططا محبوكة تروم أسر عقول الملايين في هذه الأرجاء بما هي نوع من الرأسمال الرمزي و الشرعية السياسية لشخصه و لحزبه الإسلامي؟
لماذا ينظر بعض من مواطنينا (العرب) إلى رجب طيب أردوغان على أنه فعلا "زعيم للأمة الإسلامية" كما جاء في وصف صحفي الجزيرة جمال ريان؟

شرعية أردوغان من منظور فيبري/ عقلية العرب في تصور جابري:

نذكر بداية أن عالم الاجتماع الألماني ماكس ڤيبر ميّز بين ثلاثة أنواع من الشرعيات السياسية: الشرعية العقلانية و الشرعية التقليدية و الشرعية الكاريزمية...
فاذا كانت الشرعية العقلانية موسومة بالقانون و مرتبطة بصناديق الاقتراع و محتكمة لقواعد الديموقراطية، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية، فإن الشرعية التقليدية تُستمد من الدين و من الله و مما هو مقدس بشكل عام. حيث يُعتبر الحاكم بمثابة إمتداد لقدسية الإله بناء على الدين أو النسب، و هي الشرعية السائدة في أنظمة الحكم الوراثية كالملكيات و السلطانيات العربية و الإمبراطوريات الآسيوية.
الشرعية الكاريزمية تستند لمفهوم القائد الملهم الذي تنقاد إليه الجموع بفعل بطولاته و إنجازاته المشهودة بشكل يخول له شرعية سلطته، فيعمل الحاكم على استثمار صورته التي ترسّخت في القلوب للظفر بالشرعية الشعبية و كسب تأييد الجماهير. كمثال على القادة الذين اشتهروا بهذه الشرعية نذكر جمال عبد الناصر في مصر و أقطار عربية أخرى و محمد بن عبد الكريم الخطابي بمنطقة الريف المغربية في صراعه مع الاحتلال الإسباني.
و رغم استحالة الجمع بين الشرعيات الثلاث إلا أن رجب طيب أردوغان يصر على الظفر بنصيب من كل منها و يعمل على تغذية و تطعيم كل شرعية و بكل السبل الممكنة.
فإذا كانت دولة تركيا العلمانية و الديموقراطية لا تقبل لأردوغان بغير الشرعية العقلانية في الوصول إلى السلطة فهناك بلدان عربية إسلامية يسهل من خلالها الحصول على الشرعيتين الأخريين و بأقل التكاليف.
و هذا راجع بالأساس للأشواط التي قطعها العقل التركي ليصبح فاعلا على غرار العقل الغربي مقابل تقوقع المجتمعات العربية و انطوائها على العقل المنفعل.
و قد أشار ماكس فيبر إلى أن هناك تطابق لكل شرعية من الشرعيات الثلاث مع مستوى تطور المجتمع والمجال السياسي فيه. و ربما يلتقي هنا فيبر بالجابري لتفسير طبيعة المجتمع من خلال ربطها بالعقل السائد فيها (عقل فاعل/عقل منفعل).

أردوغان و إزدواجية الخطاب و الفعل:

منذ انتخاب أردوغان رئيسا لتركيا بدأ مسلسل البحث عن الشرعيتين؛ الكاريزمية و التقليدية.و قد وفق في ذلك الزعيم التركي إلى حد كبير.
فأردوغان يجيد إبرام الصفقات الرابحة لتركيا لكنه يجيد أكثر استغلال الكاميرات الموجهة صوبه لتسجيل نقاط سياسية لصالحه مع كل مناسبة؛ فلا يتوانى الرئيس التركي مثلا في دعم العلاقات الإقتصادية و المبادلات التجارية مع إسرائيل خدمة لمصالح بلده، و في المقابل يعمل على إرضاء الجماهير العربية بمشاداة كلامية على المباشر مع شمعون بيريز يتبعها أردوغان بانسحاب غاضب و "بطولي".
حدث مثل هذا قمين بنحت صورة السلطان القوي في تضاريس العقل العربي المنفعل الآنف ذكره. فالعقل العربي لا يكترث و لا يولي أهمية لحقائق و أرقام التبادلات التجارية التركية-الإسرائلية بقدر ما تطربه عنتريات و قافية هجاء أردوغان لرئيس الكيان الصهيوني.
و لنقل أن أردوغان اندهش و هو مغتبط بردود أفعال الجماهير العربية التي صنعت منه بطلا لقضية تخصهم وحدهم لم ينتصر لها السلطان العثماني سوى في شقها الإعلامي. و لربما هذا ما دفعه لمزيد من العبث مع الكيان الصهيوني في حادث الهجوم على سفينة "مافي مرمرة" حيث توعد إسرائيل بحرب لا تبقي و لا تذر انتقاما لأرواح النشطاء الإنسانيين الأتراك الذين لقوا حتفهم بنيران إسرائيلية.
العقل العربي المنفعل تحمّس للفكرة، فهناك أخيرا سلطان مسلم باستطاعته أن يُلجم و يُقزّم و يُؤدب هذا الكيان المتعالي و المتجبّر في المنطقة العربية...
مرّت الأيام، و لم يتحقق الوعد.
و بعد طول انتظار مناصريه و أتباعه، حوّل أدوغان بوصلته و إعلامه و سلاحه نحو الأكراد. فخاب ظن "العقل العربي المنفعل" في سلطانه المفترض، لكنه في الأخير وجد سبعين عذرا لأخيه المسلم!
قد يطول الحديث عن الاستغلال السياسي للقضية الفلسطينية و تعاطي أردوغان المزدوج مع هذا الملف منذ توليه رئاسة البلاد، و سنكتفي فقط بالإزدواجيات الأردوغانية المستجدة في زمن كورونا.
فقد صرح أردوغان مطلع شهر فبراير الماضي أمام اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية أن إسرائيل دولة إرهابية و أن القدس خط أحمر و أن اليد التي ستمتد للمسجد الأقصى سيتولى شخصيا تكسيرها!
طبعا هذه التصريحات لا تعدو أن تكون مجرد كلام رنان يجد صداه في سحايا العقل العربي المنفعل، ذلك العقل الذي لُدغ و يُلدغ و سيُلدغ من الجحر الأردوغاني مرات و مرات...
فبعد ثلاثة أشهر من هذه التصريحات المشبعة بالتهديد و الوعيد لإسرائيل، و التي عهد أردوغان تصديرها للشعوب العربية الإسلامية، تأتي محاولة جبر الخاطر الصهيوني و مغازلة الحكومة الإسرائلية و ذلك ببيع مستلزمات و واقيات طبية من وباء كورونا، لتصبح إسرائيل دولة صديقة بعدما أمست ارهابية ليصدق هنا قوله تعالى: {فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم}.
لكن و حتى لا يكثر القيل و القال حول العملية فقد اشترط المكتب الرئاسي لأردوغان أن تصل عينة صغيرة من هذه المعدات للفلسطينيين في محاولة لتبرير التطبيع و لترويج صورة انسانية خارجيا خصوصاً في المستعمرات العثمانية القديمة حيث يكثر المعجبون و تنشط أذرع التيار الإخواني..
و لقد قُدّر للعقل العربي المنفعل أن يجد تبريرات و أعذارا لسلطان السلاطين في حربه على سورية و محاولة غزو جزء من أراضيها، لدرجة أن هذا العقل كان يسهر على تنظيف أيادي السلطان من دماء السوريين و نفي و انكار أي متاجرة بالقضية السورية..
كما لا يمكن لرعايا السلطان في البلاد العربية أن يتسرب لعقولهم ريب، ولو للحظة، أن لأردوغان أطماع في العراق و في ليبيا وقد صوره الإعلام القطري زعيما مسلما صديقا ينتصر للقضايا العربية الإسلامية...
و من منظور هؤلاء الرعايا لا يمكن الحديث عن برگماتية تركية و وسم التدخل في الشؤون السورية و العراقية و الليبية بشيء آخر غير نصرة الحق. ونصرة الحق في مخيلة العقل الانفعالي مرادف لنصرة الإسلام و المسلمين.
إن العقل العربي المنفعل تأثر بالتصور الجمعي السائد في البلاد العربية و أصبح يبني مفاهيم الحق و الباطل و الخير و الشر استنادا على تمثلات سطحية عاطفية تحد من إعمال العقل الفاعل المفترض فيه أن يأخذ بزمام التفكير العقلاني المتحرر من العقل الجمعي..
لكن أردوغان ليس صاحب السبق في استغلال العاطفة الدينية لتحقيق مآرب اقتصادية و توسعية في البلاد العربية؛ فقد حرص نابوليون بونابرت منذ دخوله مصر إلى ترويج صورة الامبراطور الحامي لدين الإسلام و المحترم لشخص رسوله (ص)، فعمل على توثيق صلته بشيوخ الأزهر و كسب ودهم و أشاع إسلامه في البلاد و بين العباد، حتى أنه حاول تقديم نفسه في صورة "المهدي المنتظر"!
هذا المكر كان له دور كبير في بسط نفوذ بونابرت و باقتصاد كبير في العدة و الدماء. فيكفي أن يُظهر الغزاة شيئا من الإسلام و احترام لمقدساته و لرموزه حتى يتيسر لهم ما قصدوا من أجله الديار العربية الإسلامية..و الحرب خدعة!

أردوغان و أرلوكان: مجرد تشابه أسماء؟

قد يندر في مجال السياسة العثور على شخصية شبيهة بشخصية أردوغان. لكن، في عالم المسرح يمكن أن تكون شخصية أرلوكان إسقاطا فنيا محاكيا لتنوع وجوه أردوغان السياسية.
و أرلوكان هو شخصية مسرحية كوميدية بملابس ذات ألوان مزركشة تعكس تلونات شخصيته و صفاته المتعددة و التي تختلف بحسب ظروف المشهد و متطلباته الفرجوية.
فهو تارة خادم مطيع و ساذج و ضعيف و تارة أخرى رجل ذكي بدهاء نادر، كما قد يظهر متدثرا بعباءة الخضوع الخادع في أحايين كثيرة.
أردوغان لا تختلف كثيرا تلاوينه و تقمصاته في مسرح السياسة و العلاقات الدولية عن تعدد أقنعة أرلوكان و تنوع ألوان زيه المزركش.
فأردوغان يجيد الأكل مع الذئب و البكاء مع الراعي..
شخصية أردوغان قد تكون مادة ملهمة و ماتعة في عالم المسرح، و قد نجزم أن كاتبا مسرحيا بحجم كارلو غولدوني مؤلف مسرحية «أرلوكان، خادم السيدين» بإمكانه تأليف عمل مسرحي ناجح مستوحى من الواقع السياسي المعاصر، و بعنوان شبيه و مماثل: «أردوغان خادم الأمريكان».



#مولاي_الشريف_طاهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصدقاء لا يُختارون، بل يرسلهم الرب.
- جائحة كورونا: من المخاطرة إلى الكارثة
- فصل المقال فيما بين واجب التعزية و المسؤولية الحكومية من الا ...
- ميزانية مواصلة الإفساد!
- أيها المقاطعون: من يبتغ غير سنطرال حليبا فلن يقبل منه
- في الحاجة لمهرجانات و تكريمات بديلة
- الملكية البرلمانية، الراسينغ البيضاوي نموذجا!
- القدس و الروس: الهزيمة قدرنا في الجد كما في اللعب
- الرسول كان ثوريا و إبن رشد على قيد الحياة
- صراعات العرب من سراب إلى ترامب


المزيد.....




- احلى فزورة مع الأمورة.. استقبل الآن تردد طيور الجنة وسلي ولا ...
- البرلمان العربي: مخرجات القمة العربية الإسلامية خطوة مهمة لو ...
- على هامش قمة المناخ.. محمد بن زايد يلتقي شيخ الأزهر في باكو ...
- حماس: مقررات القمة العربية والاسلامية تستوجب المزيد من الجهو ...
- المقاومة الاسلامية في العراق تهاجم أهدافا عسكرية شمال وجنوب ...
- 3 منظمات عربية وإسلامية وإفريقية توقع في قمة الرياض على آلية ...
- البيبي وصل!.. تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث الان على النا ...
- -أين كل اليهود؟-.. إقبال ضعيف على فعالية داعمة لإسرائيل بواش ...
- طلاب يهود يتظاهرون في لندن دعما للمقررة الأممية ألبانيز
- ع الروضة الحلوة .. تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل وا ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مولاي الشريف طاهيري - أردوغان في مسرح العقل العربي: بطل و كومبارس