أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - عزيزي المسلم 6: هوس التقديس















المزيد.....

عزيزي المسلم 6: هوس التقديس


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 09:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا هو الفصل السادس من ملحق كتاب
عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك
لكاتب سعودي نشرت كتابًا له تحت اسم: مواطن مجهول

ويمكن الحصول على النص الكامل للكتاب ورقيا: https://bit.ly/2y5Z5Jm
كما يمكن تحميله ضمن كتبي العربية
https://www.sami-aldeeb.com/livres-books/

------------------
عزيزي المسلم،
تخيّل شخصا توفي قبل أكثر من أربعة عشر قرنا. مطلوبٌ منك أن تُصدّق بكل كلمة قالها وكل حرف نطق به وأن تؤمن بكل غيب أخبر به وأن تعتقد بكل الخيالات التي أتى بها والفانتازيا التي فكّر فيها وأن تضبط بوصلة أخلاقك بناءً على سلوكه وأن تربط تفاصيل حياتك بتفاصيل حياته، بغضّ النظر عن كون ما قال أو فعل منطقيا بالنسبة لك أو معقولا في تصورك أو مقبولا لديك. تفعل ما طلب وتتوقف عما نهى، تلبس ما فصّل لك، وتأكل ما سمح، تبيع وتشتري وفق ما حدّد، تنام وتستيقظ على الوضعية التي دعا لها، تدخل الحمام وتخرج منه بنفس ترتيب الرجل التي دخل وخرج بها. تعيش حياتك وتموت لا كما تريد أنت في القرن الواحد والعشرين بل كما أراد هو في القرن السابع. تتنفس هواء دنياك لا كما تهوى بل كما يهوى، تحبه أكثر من أمك وأبيك وزوجك وبنيك بل ونفسك التي بين جنبيك. تُخاصم غيرك بسببه وتطلق زوجتك من أجله وتكره الآخرين تقربا له وتتعارك معهم بل وقد تقتلهم من أجله. أيّ هوس هذا وجنون؟ ثم يأتي أحدهم اليوم من رجال الدين ليصب جام غضبه على مراهقين صبية بسبب تعلقهم بأحد المشاهير من أهل الفن أو الرياضة وتقليدهم له في شكله ولبسه!

أذكر ونحن صغارا علمونا قصة الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي قتل أباه في أرض المعركة لأنه ليس على دين نبيه. اُستخدم اسم هذا الصحابي كثيرا في برامج المسابقات وجلسات الألغاز وعُرف بالرجل الذي قتل أباه دليلا على قوة الإيمان والمعتقد! كان معلمنا يتحدث بفخر ورضا عن ذلك الصحابي الجليل الذي قتل أباه. تصور قتل أباه لأن رجلا آخر أوحى له بأن هذا هو الصواب ونحن نترضّى على ذلك الصحابي لإذعانه لأمر نبيه بدلا من أن نستقبح ذلك الفعل الذي لا تقبله الفطرة السليمة والعاطفة الإنسانية.

لم يستطع وقتها عقلي الصغير أن يستوعب إعجاب المعلم بإنسان يسفك دم غيره فضلا عن أبيه أو قريبه لأن جارا أو صديقا أو نبيا دعاه لذلك. ولمَ؟ لمجرد أن ما يعتنقه من أفكار غيبية تختلف عن أفكار هذا الصديق أو ذاك النبي ورؤيته للحياة تختلف عن رؤيته. ثم يأتي أحدهم يقرأ علينا من محكم التنزيل “ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما “! كبرتُ بعدها وتعرّفت على كمية الشحناء والقتل الذي وقع بين الصحابة أنفسهم وبين المسلمين بعضهم البعض على مدار تاريخهم "المجيد". قرأت عن رضي الله عنه الذي قتل رضي الله عنه وعن الاثنين الذين اقتتلا وكلاهما مُبشر بالجنة وعن استحلال مدينة النبي يوم الحرة ليقتل المسلمون فيها صحابة نبيه ويعيثون فيها فسادا. ثم يأتي أحدهم لينزّه أولئك القوم ممّا هم عليه ويحيطهم بهالة من القداسة لا يستحقون شيئا منها ويطلب الكفّ عن التساؤل والسؤال وعن تقصي الأحوال في تاريخ صدر الإسلام. كلما خطر ببالك أن تتساءل وتتعجب محاولا أن تفهم، تصرخ في وجهك الإجابة المعلبة الجاهزة أن الإسلام برئ من تصرف أهله وسلوك أتباعه ولا ينبغي أن تحكموا عليه من تصرف أصحابه. حسناً، هل تريدون منا أن نحكم عليه من تصرف الهندوس مثلا أو ربما الكاثوليك؟!

ذكرت سابقا أني مسلم بالوراثة كبقية المسلمين لكني اليوم أنا مسلم بحكم الثقافة التي أنتمي لها بعد أن انعتقت من حمل الورث الديني الثقيل الذي تلبست به جراء ولادتي في هذه البقعة، لكني مازلت أسير الثقافة التي نشئت بها وربيت عليها كوني أعيش في مجتمع يدين بالإسلام ولا يمكن أن أعبّر أو أسلك طريقا يخالف الرأي السائد في ظل قيود أقل ما فيها هي الجلد والقتل لمن يتجرأ على النطق بما يعتقد. ستجد الكثير من المسلمين اليوم مستعدين لأن يسامحوك ويغفروا لك زلتك إن كنت “عاصيا” في نظرهم ولو ارتكبت كل فعل ينافي مكارم الأخلاق لكنهم لن يرحموك لو صدرَ منك ما يوحي بعدم قبولك لثوابتهم التي ورثوها وسيصمونك بالتجديف. ما دمتَ مُقرا بخضوعك لدينهم فسيغفرون لك ارتكابك بعض المحرمات. أما لو انعتقت من غيبياتهم ومارستَ تفكيرك بحرية ورفضتَ ما يُقال لك ولوْ لم ترتكب أيّ من تلك “المعاصي” في نظرهم فأنت خارج عن الملة مرتد ولا يمكن غفران ذلك لك، والفتنة أشد من القتل.

نعم الخروج من الدين عندهم أشد من قتلك لإنسان برئ ففي نظرهم أن عدم قبولك بما يعتقدونه هم من غيبيات مع استقامتك وصلاحك هو شرك لا يغفره الله بينما سفك دم إنسان برئ مسألة فيها نظر حين يتعلق الأمر بمصيرك الأخروي. بإمكانك أن تعلن عصيانك المدني لكن لا يمكن أن تعلن عصيانك الديني. لو انتقدت حكومة بلدك لربما قضيت وقتا في سجونها لكن لو انتقدت الرسول أو شيئا من القرآن لربما فقدت حياتك على يد المجتمع المتعطش لهدر دمك. كل هذا التشدد مع من يثير الأسئلة إنما هو لحماية الفكرة الأولى التي زرعها الدين في عقول الناس وأحاطها بسور وهمي غرسه في عقولهم منذ صغرهم ليهوّل من أمر أي إنسان يتجرأ على التشكيك فيه، لاسيما من داخل أهله.

الدين مثل الحشيش. تاريخهما قديم وضارب في عمق التاريخ وآثارهما متقاربة وأعراضهما متشابهة والإدمان عليهما مضرّ وتعاطيهما باعتدال، لبعض الناس، مفيد. تمّ استخدام الإثنين للسيطرة على الشعوب والتحكم بهم منذ عصور غابرة ومثلما أن المتاجرة بالحشيش اليوم وترويجه ونقله عبر الحدود جريمة، كذلك الدين على أنّ بعض الدول تنبهت الى حاجة بعض الناس للإثنين فقنّنت تعاطي الحشيش على ألا يخرج عن إطار الاستخدام الشخصي ومنعت ترويجه سوى في أماكن مخصصة لبيعه. كذلك فعلت بالدين حين اخترعت مفهوم فصل الدين عن الدولة أو ما يسمى بالعلمانية وقنّنت تعاطيه داخل حدود الاستخدام الشخصي في بيوت اتخذوها لذلك مثل الكنائس أو المعابد على ألا تتعدى سلطة من بداخلها اسوار تلك البيوت.

العلمانية وتحييد الدين وفصله عن الدولة ومنع استغلاله أو التلويح والمتاجرة به هي ثاني الخطوات في طريق الإصلاح وهناك من مرويات الدين نفسه ما يشير الى ذلك لمن يريد اصلاحا من داخل البيت. خطورة الشعور الديني هي حينما ينتقل من كونه حالة فردية ذاتية تتعلق بالإنسان وحده يعيشها بنفسه الى هوس جماعي أشبه بالفيروس المعدي. حين تتغلغل التجربة الشخصية غير الموضوعية والغير قابلة للبرهنة والفحص الى نسيج المجتمع كافة فتشكّل أفكاره ومبادئه، حين يتحول اللامعقول الى معقول والخرافة الى حقيقة والمعجزة الى إعجاز ويتوقف العقل عن السؤال امتثالا ل “إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم.” حينها يصبح الدين والحشيش سيان.

لا تختلف الأفكار التي يزرعها الدين في روعك عزيزي المسلم عن الفيروسات المعدية فمنها ما هو مفيد مع قلّتها ومنها ما هو ضار بل وقاتل. ما يميّز هذه الفيروسات هو كونها ليست حية بالمعنى الحرفي للحياة إذ هي في منطقة رمادية بين الحياة وعدمها ولا تتكاثر الا من خلال إصابة كائن حي يُعرف بالمُضيف حيث تسيطر تلك الفيروسات على خلايا الجسم المضيف وتعيد برمجتها لصنع المزيد منها كما أن بإمكانها أن تتطور وتتحوّر لتأخذ أشكالا أخرى. كذلك الأفكار الدينية هي ليست حية الا بقدر ما تعشّش في خلايا مخ مُضيفها فهي ميتة لوحدها حين تكون معزولة ولا تبدأ في التنفس والتكاثر حتى تصيب تجاويف دماغ الضحية ثم تسيطر على وعيه قبل تفكيره وتعيد برمجته وهو في سن صغيرة لتكبر معه وتتكاثر ثم ما تلبث أن تعدي الآخرين من بني جنسه لاسيما من نشأ في نفس البيئة. تنتقل الفيروسات من الجسم المضيف لأجسام أخرى لتنتشر العدوى في المجتمعات والبلدان أو حتى العالم بأسره، كذلك تفعل الأفكار. لا يمكن مشاهدة الفيروسات بالمجهر الضوئي لصغرها كما أنها عصية على المضادات الحيوية فلا تقتلها، كذلك الأفكار التي ينشرها الدين لا يمكن رؤيتها رأي العين لكنّ أعراضها واضحة جلية مثل الفيروسات يمكن الشعور بها والإحساس بعواقبها وهي الأخرى عصيّة على الموت لكنها قابلة للاحتواء.

الدين هو كالفيروس الذي يصيب المضيف الا أنه أخطر تأثيرا وأشد وطئا وأطول إقامة وأصعب علاجا. يبدأ في عقل المضيف منذ ولادته حين يُؤذّن في أذنه وتُذبح له تميمته لينمو معه ويصعب الفكاك منه الا بشجاعة ومواجهة حقيقية مع النفس. تعامل البشر منذ القدم مع الأوبئة التي تسببها لهم تلك الفيروسات إذ تظهر الجائحات من وقت لآخر لتحصد الاف الأرواح أو ربما الملايين في فترة قصيرة، أسابيع أو أشهر ثم تختفي فجأة لكنّ فيروس الدين قابع في عقول البشر لم يتزحزح منذ أن بدأ الإنسان القديم في إثارة الأسئلة عن الكون والوجود من حوله ولم يجد لها جوابا. ليس كل فيروسات الدين شرٌّ محض بالطبع فكثيرٌ من أفكاره التي يدعو لها خير ومن مكارم الأخلاق التي يعيها الإنسان العاقل، لكنها حين تسيطر على عقل صاحبها يفقد القدرة على التمييز بين ما هو شر وخير تحت غطاء القداسة إذ لا يمكن أن تتوقع من إنسان طبيعي محب للخير لنفسه وللآخرين أن يقبل بقطع يد انسان من مفصل الكف أو تقييده ودفنه حتى يبرز رأسه ثم رجمه بالحجارة حتى الموت الا إذا كان مصابا بفيروس الدين.

مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل القرآنيون يلجؤون للتقية أم مهووسون؟
- عزيزي المسلم 5: مجتمع المسلمين
- الأشرار الأربعة: يوسف زيدان، يوسف الصدّيق، محمد عابد الجابري ...
- عزيزي المسلم 4: ثقافة القطيع
- نزلاء العصفورية
- هل هناك أخطاء لغوية في القرآن؟
- عزيزي المسلم 2: تجربة فكرية
- تحريف القرآن
- عزيزي المسلم 2: تبادل الخرافة
- عزيزي المسلم 1: جغرافيا المسلم
- ردي على مسلم غيور: اتمنى لك خروجًا سريعًا من سجن الإسلام
- من هو مؤلف القرآن؟
- لماذا لا ينشر المسلمون القرآن بالتسلسل التاريخي؟
- هل عاد احمد حرقان للإسلام؟ ولماذا؟
- لا سلام للأشرار (اشعياء 48: 22)
- كتب: فقدت الحياة معناها
- تبرير النسخ عند المفسرين المسلمين
- تشنج مسيحي أمام النسخ في اليهودية والمسيحية
- الناسخ والمنسوخ في الإنجيل
- الناسخ والمنسوخ في التوراة


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - عزيزي المسلم 6: هوس التقديس