أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - خليل عيسى - عن تفاهة العنف اللاثوري في الانتفاضة















المزيد.....

عن تفاهة العنف اللاثوري في الانتفاضة


خليل عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 14:19
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


فات هيغل معرفة أن التاريخ سيتكرّر أكثر من مرّة. اعتقد فيسلسوف "يِنا" أنّ التراجيديا تعود مرّة ثانية لتتكرّر بشكل هزلي، لكنّها في الحقيقة ستتكرّر الى ما لا نهاية كنكتة بلهاء سمجة اذا ما سنحت لها الظروف بذلك. يحدث هذا في صلب انتفاضة 17 تشرين مع ثلاثة هجمات بالقنابل على أفرع المصارف حدثت استعمل فيها قنابل المولوتوف. بعدها كانت المواجهات في طربلس بين المنتفضين والجيش. رمى أحدهم قنبلة يدوية. بعدها قنابل مولوتوف فاستشهد الشاب فواز فؤاد السمان وفي المقابل جُرح ضابط وعسكري وأصيب 13 آخرين. بعدها كرّت سبحة عمليات الهجوم على أفرع المصارف طرابلس وصيدا وغيرها مع حدوث مواجهات مباشرة مع الجيش احيانا. لقد تحوّل فرع البنك الى الهدف الفيزيائي للانتفاضة. إنّه العدو. فتح هذا الامر ثغرة لسلطة تريد ان تزيح الانتباه عن مأزقها بقمع الناشطين وما التقارير بالتعذيب التي وثقتها لجنة الا الدليل الدامغ على ذلك. وماذا كانت تبعات الامر على الجماهير فعليا؟ حرق أفرع المصارف في مدينة مثل طرابلس ثم اقفالها جعل حياة سكان المدينة أجمعين اصعب اكثر مما كانت. وهي كانت لاتطاق. عشرات الالوف من اللبنانيين عليهم ان يزحفوا كل يوم خارج المدينة الى الفروع الموجودة خارج المدينة. قليل من الذلّ على كثير منه موجود أصلا. سياسيا عنى هذا انفكاك جزء من الكتلة الساحقة من الناس التي كانت ترى في الانتفاضة ناطقا باسمها. عذر أقوى لمزيد من القمع السلطوي. ماذا ربحنا مما حصل؟

خلال خمسة أشهر من الانتفاضة نما مزاج معيّن في قسم من مثقفين منهم القادم من خلفية بورجوازية كبيرة ومنهم المبلتر (من بروليتاريا)، منهم من انتمى الى النشاط الثقافي الذي كانت تموّله البورجوازية الكبيرة ومنهم من انتمى الى جمعيات ’المناصرة‘ المموّلة من الخارج، وقسم أخير أتى من تطرّف يساري نبت وعاش خلال العقدين الاخيرين الى يسار الحزب الشيوعي اللبناني. تأرجح هذا المزاج في ترديد لمقولات عامة لليسار المتطرّف والأناركية مثل الاختزال الكاريكاتوري للصراع الطبقي في فضاء ردهة المصرف شُرِّع فيه الهجوم على الموظّفين بوصفهم ’أدوات الاوليغارشية‘. يعاضد المسارات المتنوّعة لهؤلاء في جزئياتها قسماً من ناشطين يشعرون بالخذلان من تصرّف الجماهير ’غير الثورية كفاية‘. التوجّه هنا هو نحو العنف. تقديس التكسير والحرق. شتائم وسخرية تكال بحقّ ’الشعب النائم‘. ’الثورة تحتاج الى سلاح والا لا تسمى ثورة‘. هذا المزاج، والكلمة هنا مقصودة لأنّ ما يقوله هؤلاء لا يرقى ليكون نظريّة حتى، يرى تبريرا في القنابل التي ترمى على البنوك.
لكن رمي القنابل ليس أقلّ من عملية إرهابيّة. أستعمل التوصيف هنا من دون الارتباطات التي تحيل الى الجماعات الجهادية الاسلامية. الاساليب الارهابية استعملتها الألوية الثورية الحمراء في ايطاليا فلماذا لا نسمّيها هكذا عندما تستعملها مجموعة تسمّي نفسها "محكمة الثورة المسلّحة"؟ هناك أوّلا محكمة، أي أن هناك من نصّب نفسه قاضيا. كان يمكن ان يودي الامر بأبرياء؟ ’لا تعتبروها تفجيرا، بل هي بروباغندا‘.لا يعدو الامر هنا كونه محاولة ساذجة لإسقاط مقولات اليسار المتطرّف على انتفاضة 17 تشرين. هناك أيضا كان لدينا مرحلة اولى من عمليات مبهرة من أجل نشر البروباغندا بين الجماهير يتبعها ’تعاظم في الصراع الطبقي‘ ينتهي بحرب اهلية تخرج منه الطبقات الكدحاء ’ظافرة‘.
لكنّ ثمّة تفصيل صغير موجود في الحالة الايطالية وهو أنّه هناك ثمّة دولة. بيروقراطية قوية، بورجوازية صناعية في الشمال، أجهزة امنية تسهر على احتكار العنف، أحزاب منظّمة جماهيرية. أين نحن من هذا كلّه؟ هناك كانت حربا مفتوحة أُعلنت على كل ’مراكز السلطة المترابطة مع الدولة المهيمنة‘. هنا الدولة المركزية الضعيفة مؤسساتيا واديولوجيا بعد الحرب الاهلية، فقدت ثقة موظفيها الكبار حتى بعد أن تحطمت بين حديد ونار زعماء حرب اهلية تحالفوا مع أصحاب المليارات. هنا أيضا مجتمع مرّ بستة حروب أهلية ويمكنه الانزلاق بسهولة نحو سابعة. ماذا نفعل اذا؟ سهلة. نستبدل الدولة، اللفياثان الواقعي، بحكم المصرف، اللفياثان المُتَخيَّل. هكذا يصبح زعماء التنظيمات السياسية المسماة طوائفا ’خدّاماً عند المصرفيين‘. وهنا يكاد يُنظر بتفّهم الى حسن نصرالله الذي عندما تنزل جماهيره بأمر منه لتهاجم المصارف فإنّما ذلك يخدم ’المسار التاريخي‘ لليسار المتطرّف الكاريكاتوري بصيغته اللبنانية.
تستقي الشللية اليسراوية الكاريكاتورية هذه شبه نظريتها من تعميمات لمقولات اقتصادية يرميها صحفيين اقتصاديين تنتمي لزمن آخر مثل التأميم (تأميم مصارف مفلسة؟) معطوفة على تبيسطات لنظريات اقتصادية معقّدة مثل ’تغيير النظام الريعي نحو الانتاج‘ (كيف سنفعل هذا اذا ما سيطر حزب الله على القطاع المالي؟) كلّ هذا مخلوط بافكار شعبية مغلوطة في أن حاكم مصرف لبنان والمصارف هم ’رأس الهرم‘ (ماذا عن الرؤوس الستة للزعماء؟ ’هؤلاء خدم عند المصارف‘). هذه المقولات المبسّطة وغيرها تحشر نفسها لتطلّ من خلف ثقوب الابواب على الصراعات التي تحدث بين النخبة الحاكمة فتبني لها أوهاماً طفولية لا تلبث أن تهدّد في تحققها البطولي العنفي المعاني الانسانية العميقة لما حدث في 17 تشرين والذي يجب ان نحافظ عليه. إنّه توحّد اللبنانيين من أجل تغيير ثوري كامل للانسان. تغيير كيف يفكّر اللبنانيون وكيف يشتغلون ولماذا يعيشون، أهدافهم، أحلامهم. ثورة من أجل كرامتهم. ثورة لكن من دون خراب.
خلال الحرب الاهلية عام 1975، كان اليسار حينذاك مع الفصائل الفلسطينية يعتقد أنّه يخوص ’حربا طبقية‘ ضد "الانعزالية المارونية". حينها كان ثمة صوت وحيد لماركسي-لينيني وقومي عربي اسمه ياسين الحافظ يحذّرهم من أن ما يفعلونه ليس اكثر من تخريب البلاد من خلال الدخول في حرب اهلية. اليوم الوضع أكثر تعقيدا بما لا يقاس. اليساريون اليوم أقل بكثير حتى من المستوى الذي كانه اليساريون عام 1975 على مستوى الشجاعة الفكرية والمعنوية. من ’اليساريين‘ اليوم حتى من ارتضى ألا يكون اكثر من أداة بيد حزب الله. لهذا نسأل لماذا التوجّه نحو المصارف حصراً وليس الى بيوت الزعماء؟ غضب الناس على المصارف محق لكن من الاجرام بحق غضب الناس نفسه حصره بالمصارف لان هذا سيجعل حزب الله وايران والنظام السوري يقوّون من مواقعهم اكثر في أحسن الاحوال وفي اسوء الاحوال سيزيد من حظوظ الاحتراب الاهلي الذي مرّ به آباؤنا مرة وقمنا بالانتفاضة لكي لا نمرّ به نحن أو أولادنا في يوم من الايام. لهذا يجب أن تبقى كلّن يعني كلّن هي القاعدة الاساسية. وربّما على لقطاء "محكمة الثورة المسلّحة" أو من يتعاطف معهم، الذين يعتقدون أنّهم ماركسيين اذا ما سمّوا اللاعنف بانها ’سمة بوجوازية صغيرة‘ أن يتابعوا أكثر السودانيون كيف واجهوا السلاح بصدورهم وكيف ينزل العراقيون الشباب عزّل من دون سلاح بلا كلل بينما الميليشيات الطائفية تقتلهم علنا ليصل عدد الشهداء الى الآلاف. فليسمعوا الاغنية التي يقول فيها المتظاهر للشهيد "أنت ميت لكن عايش بينا ولاجلك منتصرين، انت اللي وحدت هذا الشعب من بعد سنين". (النهار)



#خليل_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة ليست مجرّد ثأر
- ملاحظات على انتقاد المصارف مقابل تبرئة السلطة السياسية من مس ...
- أمّ الفقير تصيح: فلتسقط السلطة الوبائيّة
- مجيء العقاب وسُبُل الخلاص في زمن الوباء
- لا ما نُحبَط، لا ما نُحبَط: استعادة المبادرة الثوريّة
- أين اختفى شعار «كلّن يعني كلّن»؟
- رحلة الوعي المزدوج
- الخارج والداخل في ثورة تشرين
- طرابلس أو الوطنية اللبنانية الجديدة
- إنقلاب خميني وفكر ياسين الحافظ بعد أربعين عاماً
- في دعوة رياض الترك إلى انطلاقة ثورية جديدة
- حول تبرير الخطف عند نخبة الإسلام السياسي الحاكم
- إيران والوصفة السلفادورية في العراق
- بورجوازية حزب الله و-السلسلة-
- سقوط القمّة العربيّة الإيراني
- السياسة اللبنانية والعَبَث المتعدد بالمرأة
- نسبيّة-حزب الله-وطريق التحول العراقي
- في نقد نقّاد الترامبية
- نحو إمبرياليّة أميركيّة بجناحين نوويين
- الكسل الفكري السوري بين الضلالة والهدى


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - خليل عيسى - عن تفاهة العنف اللاثوري في الانتفاضة