قول في محاكاة أسلوب النص القرآني

محمد المناعي
باحث
(Manai Mohamed)

الحوار المتمدن-العدد: 6556 - 2020 / 5 / 6 - 20:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تمثل أمام القضاء هذه الأيام فتاة تونسية بعد حملة واسعة من التحريض ضدها بلغت حد التهديد بقتلها ، على خلفية نشرها نصا طريفا فيه محاكاة لاسلوب النص القرآني ، هذه الحملات وهذه الغوغاء ليست بالجديدة في المشهد التونسي والعربي ،ربما الذنب في ذلك ذنب منظوماتنا التعليمية أو سياساتنا الثقافية أو تقصير مثقفينا ونخبنا في نشر الوعي والمعرفة ومصالحة الناس مع موروثهم وترويضهم على هضم فكرة الحرية ، فالناس لا تزال تستغرب أشياء قيلت أو كتبت منذ قرون لا لشيء إلا لأنها اكتشفتها لأول مرة .
أردت الابتعاد عن أسلوب المساندة أو الادانة التقليديين واغتنام فرصة الجدل لاطلاع بعض ممن أشاركهم هذا الفضاء الافتراضي شواهد بسيطة بعضهم يعلمها علم اليقين وبعضهم يعلمها ويتناساها وبعضهم لا علم له بها بتاتا ربما تحصل الفائدة و يقل الاستغراب :


محمود المسعدي أديب تونسي ومفكّر وسياسي أيضا أول وزير تربية في تونس وواضع التصور العام هو ومجموعة من المثقفين للمنظومة التعليمية بعد الاستقلال 1958 التي رافقتنا إلى بداية التسعينات حين تم تعديلها نسبيا ، محمود المسعدي هذا غاية في الابداع ، ومحمود المسعدي أيضا له حدّث أبو هريرة قال " و له " السد " وكلاهما يدرّس في الباكالوريا التونسية منذ الأزل ...
افتحوا مسرحية السد وسأنقل لكم بعض ما ورد فيها مما يناسب موضوعنا :
حيث ورد بإنجيل صاهبّاء :
- "أعوذ بصاهبّاء من الانسان الرجيم " هل تذكّركم بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟
- " لا حول ولا قوة إلا بالحقيقة الواقعة " هل تذكّركم بلا حول ولا قوة الا بالله ؟
- " وقلنا يا آدم أخرج من ضلع العاصفة الريح والصاعقة الرعد وكن فيها النور والنار والبرق " هل تذكّركم بقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا ...إلى أخر الاية القرآنية ؟
- " ستّة وسابعهم اناء ماء ..." هل تحيلكم على : ثلاثة ورابعهم كلبهم ؟
-" ستة وسابعهم طبل ، ستة وسابعهم نعيق البغل " هل تحيلكم على : ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم رجما بالغيب ...؟
- " قلنا للأرضي كوني " هل تحيلكم على الأية واذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون ؟
- " ذات الرواعد الربّة فادعوا ذات الرواعد وسبّح لصاهبّاء "
- " ثم إنا أثرنا في العالمين نقعا ، وصفعناها صفعا ،وهيجنا الأكوان تهييجا وهززناها هزا ..." هل تحيلكم إلى الأية إذا رجت الأرض رجا وبسّت الجبال بسّا ؟ أو الأية : كلا ‘ذا دكت الأرض دكا دكا ؟
وعلى لسان ميمونة هذه المرّة :
- " أفأنتما خلقتما العواصف أم صاهبّاء ؟" : هل تحيلكم على الأية : أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ؟
هل يوجد أروع من أسلوب كتابة السد ؟ هل المسعدي بمسرحيته وبانجيل صاهباء وضع انجيلا جديدا سيغضب المؤمن المسيحي أو بمحاكاته روائع العبارات القرآنية والعربية القديمة وضع قرآنا جديدا اتبعه الناس أو مس من ايمانهم ؟
محمود بيرم التونسي أيضا علم من أعلام تاريخنا المسرحي والأدبي في وقت عم فيه الجهل بل كان فيه التزمّت على أشده يتجاوز الأمية الحالية بأشواط، كتب : سورة الستّات لا يتسع المجال لنقلها كاملة ، وهذا مقطع منها :
“يا أيّها المحافظ إذا أبصرتم النّساء يقصّرن ملابسهنّ، ويبدين صدورهنّ، فأصدروا لهنّ منشورا، ألاّ يتخطّطن ويتحكّكن ويقوّرن الثّوب تقويرا. إنّما الأحمر والأبيض والكحل والأقلام زينة من عمل الشّيطان، وليست شيئا مشكورا. صنعة الله التي تعجب المتّقين من الرّجال، ولا يعجب الأحمر إلاّ رجلا غفيرا..."
وسورة أربعين سعد زغلول وهذا مقطع منها :
“يس، والدّستور العظيم ذكر ما أنزل على مصطفى وفريد، وما أوحي إلى الزّعماء من لدن عزيز عليم. قالوا ربّنا هب لنا قوّة، وامددنا بجرائد وأحزاب، وجنّبنا القوم الرّجعيّين. إذ خطب مصطفى قومه وكانوا غافلين، ألاّ تجعلوا في الوطن شركاء آخرين، يسعّرون قطنكم، ويعلّمون أبناءكم، إن هذا هو الخسف الكبير. ثمّ اصطفاه ربّه كما اصطفى عيسى بن مريم عن ثلاث وثلاثين. أمّا فريد فكان من أولي العزم إذ ابتلاه ربّه ببرلين. قال ربّ إنّي بلي الثّوب منّي، ولا أجد الخيط الأبيض ولا الخيط الأسود، وأنت على ذلك شهيد.."
ومحاكاة أبي تمام لسورة يوسف وهذا مقطع منها : ...
أيّهذا العزيز قد مسّنا الضّرّ وأهلـنا أشــــــتات
ولنا في الرّحال شيخ كبير ولدينا بضاعة مزجـــاة
قلّ طلاّبها فأضحت خسارا فتجاراتنا بــها ترّهــات
فاحتسب لنا الأجر وأوف لنا الكيل وصدّق فإنّنا أمـوات


هذه الأعمال وغيرها كثير متداولة منذ عشرات السنين بل منها ماهو مبرمج في المناهج التعليمية الروتينية لم تنقص من إيمان الناس شيئا بل تحتفي بأسلوب النص القرآني وبلاغته وتعتمد العبارات الجميلة و السجع الذي لم يكن حكرا على القرآن بل قبله الشعر ثم المقامات المشهورة والطريفة لبديع الزمان الهمذاني والكوميديا التي تصور الجنة تصويرا فيه الكثير من العمق والطرافة في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ... كلها انتاجات وجدت عقولا تتعامل معها تعامل الابداع والحرية قبل موسم القحط والجدب والغوغاء .
قد يقول البعض المسعدي والمعري وابي تمام والجاحظ و بيرم التونسي كلهم في نفس الخانة لا أهمية لما يقولون بل جميعهم على ضلال حينها نخرج من سردية المعرفة نهائيا إلى سردية أخرى لا أهمية فيها للحجة ولا للابداع ولا للفن ولا للأدب ولا للخيال ولا للحرية ولا حتى للنقاش.


المؤمن الحق يعتقد أن الاله هو من يحرسه لا هو من يحرس الاله ويجعل من حراسته مبررا للاعتداء على الناس ...والأهم من كل هذا هو أن يطلع الناس ويقرؤون ما يكتب وما كتب وهي الوسيلة الأنجع للقضاء على شعور الاستغراب مما يكتبه الأخر ومما يقوله الأخر وكذلك مما يعتقده الأخر ، فارفعوا أيديكم وقضائكم عن عقول الناس وخيالهم وضمائرهم.

#محمد_المناعي (هاشتاغ)       Manai_Mohamed#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل