أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (2-3)















المزيد.....


نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (2-3)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 14:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حالما ننتقل من عالم التأمل الفلسفي والتاريخي للماضي إلى واقع الأحداث وتأثيرها المناسب فيما يتعلق باستثارة أو ترسيخ وتعميق وتوسيع نفسية المؤامرة والمغامرة في العراق، فإنها تبدو من حيث المقدمات والنتائج واحدة بغض النظر عما إذا كانت فردية أو جماعية، حزبية أو غير حزبية. إلا أن نتوؤها البارز في التاريخ الحديث قد ارتبط دون شك بظاهرة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، التي استطاعت أن تجعل من المؤامرة والمغامرة «منظومة» متكاملة ومتغلغلة في كافة جوانب الحياة. بحيث أصبحت «منطق» الوجود الطبيعي للأشياء. بمعنى أنها جعلت من نفسية المؤامرة والمغامرة أسلوب وجود الدولة والسلطة، والمجتمع والفرد، والأحزاب والنقابات، والظاهر والباطن. ومن ثم أسلوب وجود كل شيء، وبالأخص ما هو في متناول يدها. وبما أنها أرادت أن تجعل كل الأشياء تحت يدها، من هنا مساعيها الدائمة لتخريب كل ما تصل إليه، بوصفه الأسلوب الطبيعي لوجودها هي. أما النتيجة «التاريخية» لهذا الأسلوب فهو فقدان التاريخ بوصفه تراكما لوعي الذات الفردي والاجتماعي والوطني والقومي، مع ما ترتب عليه من انهيار في أسس ومقدمات الالتزام الاجتماعي للقوى جميعا، بما في ذلك القوى السياسية المعارضة.
فالمعارضة هي الوجه الآخر للسلطة. بمعنى أن السلطة القوية هي النتيجة الملازمة للمعارضة القوية. والعكس صحيح. وليس المقصود بالقوة هنا سوى قدرتها على تقديم وإرساء وبناء أسس المبادئ العقلانية والمستقبلية والإنسانية للفرد والمجتمع والثقافة والدولة. من هنا كمون الخراب الدفين في الحركات والأحزاب السياسية العراقية المعارضة. فقد تمثلت هي تحت ضغط الثقل الهائل للدكتاتورية الصدامية أساليبها الخربة. أنها لم تكن قادرة على تنفس الهواء الطلق للحرية السياسية وفكرة القانون والشرعية. من هنا «تعلبها» في نوادي المعارضة الخارجية والأجنبية. وهو الشر الأكبر الذي خلفته الصدامية في العراق بالنسبة لمفهوم وواقع النخبة بشكل عام والسياسية بشكل خاص. غير أن ذلك لا يبرر ولا يزيل مسئولية الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية عما تقترفه من خطيئة في مجال استعادتها أو إعادة إنتاجها أو استمرارها بتقاليد نفسية المؤامرة والمغامرة.
إن أكثر مظاهر المؤامرة والمغامرة وأقساها وأشدها رذيلة بالنسبة لواقع النخب السياسية، تقوم في أن الأحزاب العراقية جميعا تعاني من ضعف شبه متساوي فيما يتعلق باستعدادها للتلون بنفسية المؤامرة. ويشير هذا الواقع إلى ضعفها الذاتي وخلل قاعدتها الاجتماعية وغياب تقاليد الديمقراطية الاجتماعية والشرعية. وطبع هذا الواقع سلوكها الحالي بست صفات كبرى وهي أولا، تغليب المصلحة السياسية والفائدة السياسية والمهمات السياسية الخاصة على المصالح والمهمات الاجتماعية والوطنية. ثانيا، انتشار المغالطات السياسية في المواقف والأقوال والأعمال مع اضمحلال شبه تام للرؤية الاجتماعية والدفاع عن القانون ومصلحة الدولة والمستقبل. ثالثا، انحسار الرؤية العقلانية والاستعاضة عنها بالتأويل الحزبي الضيق، وبالتالي ضعف أو اضمحلال التفسير السياسي الاجتماعي لمجريات الأحداث. رابعا، خلوها من إي اجتهاد جدي فيما يتعلق بالبدائل المستقبلية مع ما يترتب عليه من فقدان للرؤية المنظومية تجاه الحاضر والمستقبل. خامسا، تحول فكرة الرؤية الإستراتيجية إلى مجرد أساليب متنوعة من المؤامرة والمغامرة في كيفية الحصول على مقاعد في الحكم أو الاقتراب من «مراكز القرار». سادسا، تراجع موقع المجتمع في ممارساتها السياسية إلى آخر موقع في «مراكز القرار».
وهي صفات يمكن التدليل عليها من خلال تحليل مئات المواقف الكبرى ذات العلاقة «المصيرية» بالدولة والمجتمع في غضون الفترة التي تلت سقوط الدكتاتورية. ولعل الموقف من الانتخابات ونتائجها هو احد الأمثلة النموذجية بهذا الصدد. فمن المعلوم أن الأمم عادة ما تقف متحيرة أمام الانعطافات الكبرى. وتصبح هذه الحيرة الطبيعية جزء من الاجتهاد الفكري والسياسي من اجل إيجاد الحلول الفعلية القادرة على نقلها إلى «شاطئ الأمان». ولكي لا تتحول هذه الحيرة إلى جزء من نفسية الجبن والخوف التي «لا مبرر لها»، فان تذليلها السريع يستلزم بالضرورة تربية الإرادة. وبما أن العراق كان يعاني من ضعف الإرادة التي سلبها منه مسخ الدكتاتورية والاستبداد، لهذا كان إعادة الاعتبار إلها من خلال وضع المجتمع أمام «حرية الاختيار» فيما يرتئيه مناسبا، الخطوة الضرورية الأولى لتربية الإرادة. وشأن كل إرادة لا يمكن صنعها بين ليلة وضحاها. كما انه لا عاصم من وقوعها في أخطاء صغيرة وكبيرة. وهي حالة طبيعية أيضا، بل أنها ضرورية من اجل تكامل الشخصية الاجتماعية والوطنية. وبقدر ما ينطبق ذلك على الأفراد والجماعات والأمة ينطبق على الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والشخصيات المبدعة.
فقد شكل انتقال العراق من حالة التوتاليتارية والإرهاب المنظم والشامل للسلطة إلى حالة الحكم الديمقراطي وحرية الاختيار السياسي للمرة الأولى في تاريخه المعاصر، خطوة هائلة في مسار الحرية والحق. وقد ظلت هذه الخطوة وما تزال تعاني من تعقيدات وصعوبات جمة، بوصفها النتاج المتبقي من خراب الماضي القريب. وأكثر ما تبرز ملامح هذا الخراب في سحق حرية الإرادة وحقوق الإنسان وحق المواطنة ومسئولية الفرد والمجتمع في إدارة شئونه الذاتية حسب قواعد القانون والشرعية. ولا يمكن فصل هذه الحقوق والواجبات عن حق المجتمع في انتخاب حكومته. بل يمكن القول، بان حق المواطن في انتخاب الحكومة هو الشرط الضروري لكل الحقوق الأخرى. وفيه فقط يمكن اختبار النفس الفردية والاجتماعية ووضعها في نفس الوقت أمام مسئولية تاريخية. فقد جرى تجريد الإنسان العراقي من هذه المسئولية طيلة عقود طويلة. وجرى استعادتها الجزئية والمؤقتة بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية. ومنذ ذلك الوقت حدثت للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث محاولة البحث عن «مساومة» سياسية ترتقي إلى مصاف المساومة التاريخية بين القوى السياسية الكبرى من اجل إدارة شئون الدولة. وهي إدارة فوقية ومعزولة نسبيا عن طبيعة المجريات الفعلية في المجتمع، لكنها كانت مساومة معقولة وضرورية في ظل «إدارة الاحتلال» من اجل ترتيب «البيت العراقي» الخرب. وكان من الطبيعي ألا تكون النوايا موحدة بسبب اختلاف وتباين الغايات والرؤى السياسية للقوى المشتركة في إدارة العراق. فقد كانت هذه الإدارة تعاني من ضعف تاريخي واجتماعي وسياسي هائل بسبب ضعف المجتمع العراقي وقواه السياسية. من هنا كان تشكيل «مجلس الحكم الانتقالي» و«المجلس الوطني المؤقت» و«الحكومة المؤقتة» حلقات في إدارة الدولة المحكومة بصراع اجتماعي وسياسي خفي يقترن في الكثير من جوانبه بنفسية المؤامرة والمقامرة. وهو أيضا أمر طبيعي وذلك لطبيعة المرحلة ومستوى الرخوية الفظيعة المميزة لمرحلة الانتقال ونفسية المؤقت فيها.
فقد كانت اغلب القوى السياسية المشتركة في إدارة شئون الدولة، هي نفسها التي «اشتركت» في تقديم «قانون إدارة الدولة» (أو الدستور المؤقت). ومن ثم كانت هي جميعها محكومة أيضا بنفسية المؤقت. وجرى «تهذيب وتشذيب» هذه النفسية في الوسائل والأساليب الآخذة في التمرس في مجرى ثلاثة أعوام من «الإدارة» المؤقتة لشئون الدولة والمجتمع. مما أدى بالضرورة إلى استفحال نفسية المغامرة والمؤامرة التي وجدت انعكاسها النموذجي في استفحال ظاهرة الفساد المالي والإداري والسياسي. ويمكن فهم هذه الحالة بمعايير النفسية المؤقتة لأغلب الأحزاب والشخصيات، غير انه لا يمكن قبولها بمعايير المصلحة الوطنية العليا والقانون. وبما أنها جزء من معترك السياسة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والقومية والطائفية المتداخلة، من هنا كان المقياس الوحيد لتقييم طابعها الايجابي هو مقدار ونوعية حسمها للصراع بالشكل الذي يجعل نتائجها جزء من تاريخ بناء الدولة لا من زمن السرقة الدائمة لحقوق المجتمع ومصالحه الكبرى. ومن ثم فلا بديل لهذه الحالة، ولا أسلوب واقعي وعقلاني لإنهائها غير الانتخابات الشرعية. فهي الوحيدة القادرة على وضع قواعد ثابتة للحكم والعمل والعيش. إذ لا يعني الحكم المؤقت والإدارة المؤقتة والقانون المؤقت سوى الإمداد الدائم لنفسية المؤامرة والمغامرة من جانب السلطة و«المعارضة». كما لا يعني الإبقاء على هذه الحالة من خلال المطالبة أو الدعوى لتأجيل الانتخابات سوى الدعوة الصريحة والمبطنة للإبقاء على حالة المؤقت في كل شيء، أي على إبقاء حالة الفساد والخراب والسرقة والعنف المنظم والإرهاب وانعدام القانون والمحاسبة المسئولة للحكومة أمام المجتمع.
وإذا كانت غرابة الدعوة لتأجيل الانتخابات التي جرى الموافقة عليها حسب «قانون» مجمع عليه قد انطلقت ممن كان اشد الدعاة لها والمساهمة في كتابته والمتبجح بممارسته إياها والمطالبة بالالتزام بها والزاميتها للجميع، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن هشاشة هذه القوى «الديمقراطية» وجبنها السياسي. وهي صفات اقرب ما تكون إلى نتيجة طبيعية لما ادعوه بنفسية المؤامرة والمغامرة السائدة في هذه الأحزاب والحركات. إذ ليس هناك من معيار فعلي على مستوى الديمقراطية والرؤية الحقوقية والوطنية الصادقة في ظروف العراق ما بعد الصدامية أكثر واكبر من الدفاع الشرعي عن حق إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ومن ثم اعتبار كل دعوة للتأجيل والمقاطعة فعلا يصب في اتجاه تغييب إرادة الفرد والمجتمع، ومن ثم المساهمة في إحياء تقاليد الدكتاتورية والاستبداد. إذ لم يكن معنى المطالبة بتأجيل الانتخابات مهما كانت الحجة والذريعة سوى المطالبة بالإبقاء على حالة وجود الأشياء كما هي. بمعنى الإبقاء على حالة المؤقت والاحتلال والعنف. مع ما يترتب عليه من استمرار للفساد المالي والإداري والعنف والجريمة وغياب الحقوق وسحق الديمقراطية وحق المجتمع في بناء أسسه المدنية ودولته الشرعية. وهي دعوات مميزة للقوى السياسية التي ترعرعت فيها نفسية المؤامرة والمغامرة. في حين كان إجراء الانتخابات بموعدها هو المحك الواقعي والمعيار النهائي لحقيقة توجه الأحزاب السياسة والقوى الاجتماعية في موقفها من فكرة النظام الديمقراطي والمجتمع المدني والدولة الشرعية. وذلك لأنها تضع الجميع، رغم كل ملابساتها، أمام الامتحان التاريخي لتربية الإرادة السياسية عند العراقيين، كما أنها تمتحن الجميع أمام الأسئلة الكبرى المتعلقة بأولوية المصلحة الوطنية العليا على المصالح الجزئية والعابرة، أي على مصالح الفئات والقوى المؤقتة.
وضمن هذا السياق كانت الدعوات لتأجيل الانتخابات الصيغة المغلفة لنفسية المؤامرة والمغامرة التي طبعت المغالطات السياسية في المواقف والأقوال والأعمال، إي الممارسة التي كانت تغلّب المصلحة السياسية والفائدة السياسية والمهمات السياسية الخاصة على كل فائدة ومصلحة اجتماعية ووطنية كبرى. من هنا انحسار الرؤية العقلانية في تأويلاتها والاستعاضة عنها بالتأويل الحزبي الضيق، وذلك لان مضمون الرؤية «الإستراتيجية» عند أغلبية الأحزاب السياسية كانت محصورة في كيفية تشذيب وتهذيب مختلف الأساليب المتنوعة لحبك خيوط المؤامرة والمغامرة في كيفية الحصول على مقاعد في الحكم أو الاقتراب من «مراكز القرار». فقد افتقدت هذه الأساليب إلى إي اجتهاد جدي فيما يتعلق بالبدائل المستقبلية الايجابية.
لقد كان العراق وما يزال بحاجة إلى انتقال حقيقي من التوتاليتارية إلى الديمقراطية ينهي زمن الاستبداد والدكتاتورية. وهي مهمة كانت ممكنة التحقيق فقط من خلال الرجوع إلى المجتمع وحقه في اختيار مشروع البديل الشامل لشكل النظام السياسي وبنية الدولة والمجتمع. ذلك يعني انه اختيار تاريخي هائل لأنه يستتبع تغيرا جوهريا في بنية الدولة والمجتمع والثقافة. وهو تغيير لا يعني رهنه «بالمصلحة السياسية» سوى الخروج على حقيقة المصلحة السياسية، التي كانت (وما تزال) تفترض، وضع المسار الطبيعي لتطور الدولة والمجتمع والسلطة على قواعد الحق والقانون. وهي مهمة ممكنة التنفيذ فقط من خلال التمسك المطلق بحق المجتمع في انتخاب واختيار من يراه مناسبا. وبالتالي لم يعن «تأجيل» هذه المهمة سوى «تأجيل» حق المجتمع في انتخاب واختيار من يراه مناسبا. مع ما يترتب على ذلك من وقوف ضد التيار الطبيعي للتقدم وضد متطلبات بناء الشرعية ومؤسساتها.
أما محاولات «البرهنة» على ضرورة تأجيل الانتخابات من خلال رفع ذلك إلى مصاف الدفاع عن «الحقوق»، فلم تكن في الواقع سوى الصيغة النموذجية لغرس تقاليد الرذيلة السياسية. وقد تكون بعض هذه المحاولات جزءا من الاجتهاد السياسي، إلا أن التجارب التاريخية للعالم اجمع تبرهن على أن النوايا السيئة للسياسيين عادة ما تؤدي إلى نتائج وخيمة يدفع المجتمع والدولة ثمنها الباهظ. كما أنها لا تجنب رجال السياسة أنفسهم من خاتمة شنيعة. ولم يكن بالإمكان حسم هذه الحقيقة في ظروف العراق الحالية إلا من خلال حسم الموقف الواضح من الانتخابات. وذلك لان حقيقة النوايا السياسية ليست جزء من خبايا الروح الأخلاقي، بل من متطلبات الموقف السياسي والمصلحة السياسية. ولم يكن في ذاك الوقت أسلوب قادر على كشف حقيقة هذه النوايا سوى الانتخابات وإجراءها في موعدها المحدد. وذلك لما فيها من أثر حاسم بالنسبة للحاضر والمستقبل. فهي العملية التي يمكنها أن تكشف عن سبع قضايا جوهرية بالنسبة للعراق المعاصر وقواه السياسة وهي:
أولا، العمل من اجل تحرير القوى السياسية جميعا من طبيعة الضعف الذي تعاني منه. فمما لا شك فيه واقع الضعف الاجتماعي للقوى السياسية العراقية جميعا. وهي بقية واثر من بقايا الاستبداد والدكتاتورية. ومن ثم فإن المشاركة الفعالة في الانتخاب كانت تعني المشاركة الفعالة في كشف الهوية السياسية وإجلاء عناصرها الفعلية أمام المجتمع. ومن ثم العمل على تقوية الحزب السياسي والمجتمع على السواء.
ثانيا، ضرورتها بالنسبة لإرساء أسس الشرعية والقانون والحق. فالعراق بحاجة إلى حكومة تحكم بالقانون وليس إلى سلطة تحكم بمعايير المصلحة السياسية. ولا يمكن تأسيس شروط وجود هذه الحكومة وإعادة إنتاجها بمعزل عن الانتخاب وحق الانتخاب والالتزام بمواعيده.
ثالثا، إرساء مقدمة الأسس الاجتماعية لارتقاء وقوة الأحزاب السياسية. وذلك لأنها تضع الجميع أمام امتحان فعلي وصعب. لاسيما وأنه الامتحان الوحيد القادر على كشف محتوى شعارات الأحزاب السياسية وخطابها وبرامجها العامة ورؤيتها العملية للأولويات ومدى تأثيرها الفعلي في الوعي الاجتماعي والسياسي العام.
رابعا، إنها تعيد للمجتمع فاعليته السياسية ومن ثم دوره الحاسم في تحديد شعارات ورؤية ومسار الأحزاب السياسية.
خامسا، إنها تكشف المضمون الفعلي للنوايا السياسية للأحزاب والقوى الاجتماعية والأفراد وحقيقة ما كانت ترمي إليه وتسعى من اجله‎. مع ما يترتب على ذلك من إلغاء تدريجي للخلاف بين الباطن والظاهر في الأحزاب السياسية. بمعنى عرض حقيقتها على ساحة الصراع الاجتماعي المباشر.
سادسا، أنها تعمق بالضرورة قيمة الأبعاد والمواقف الاجتماعية في النشاط السياسي، بوصفه المضمون الضروري للحزب السياسي.
سابعا، أنها تكشف الحدود الوطنية الفعلية للحزب السياسي وتضعه عند حدوده كما هي. فالانتخابات العامة تظهر سعة الامتداد الوطني للحزب وتجبره على العمل بمعايير الرؤية الوطنية وليس العرقية أو الطائفية أو المذهبية أو الجهوية أو أيما صفة جزئية. مما يساهم في الإثراء الفعلي لبرامجه العامة والخاصة.
إن هذا الفهم لحقيقة المصلحة السياسية للحزب، يحرره دون شك من نفسية المؤامرة والمغامرة. وبالتالي يساهم في رفع الوعي الاجتماعي إلى مصاف الإدراك الحقيقي للمصلحة السياسية بوصفها جزءا من رؤية الأبعاد الإستراتيجية في بناء الدولة الشرعية والنظام السياسي الديمقراطي والمجتمع المدني. ويشكل هذا الففهم بحد ذاته الخطوة الأولى. أما الخطوة الثانية، وهي الأكثر أهمية، فإنها تقوم في وضع القوى الفائزة والخاسرة على محك الرهان الفعلي المتعلق بتنفيذ الإعلانات والمشاريع. فهي المرحلة الجدية التي يمكن أن يجرى فيها اختبار الحركات والأحزاب السياسية، كما أنه الأسلوب الذي سوف يذلل تدريجيا نفسية المؤامرة والمغامرة. من هنا القيمة التاريخية لسلسلة الانتخابات التي جرت بعد سقوط الدكتاتورية. بمعنى أنها وضعت الأحزاب السياسية جميعا على محك الصراع الاجتماعي والسياسي الفعلي وكشفت عن حقيقة نواياها وشخصياتها. وليس مصادفة أن نرى من جديد الصراع الخفي المتعلق بكيفية الحصول على مغانم حزبية ومساومات محكومة بالمصالح الضيقة وليس بادراك حجم المشاكل والإشكاليات التي يواجهها العراق على مستوى الدولة والنظام السياسي والمجتمع. فقد كشفت انتخابات بداية عام 2005 ونتائجها عن الكيفية التي تحولت بها «استحقاقات الانتخابات» السياسية إلى مساومات من اجل تقسيم الحصص في السلطة. بمعنى كشفها عن العادة المتأصلة لنفسية المؤامرة والمغامرة، في الحركات والأحزاب السياسية التي «قارعت» السلطة البائدة في دعواتها للديمقراطية والحق والعدالة.
وهي نفسية وذهنية تعمقت وترسخت وأخذت امداء واسعة في مجرى ثلاث سنوات بعد سقوط الدكتاتورية. فهي سنوات كشفت أيضا عن عمق الخلل البنيوي في المجتمع عموما وفي قواه السياسية خصوصا. وفيها ظهرت بجلاء لا يقبل الشك تجذر تقاليد ونفسية المؤامرة والمغامرة فيها. وكشف عن هذه الظاهرة التناقض المثير في انتخابات بداية عام 2005 ونتائجها السياسية. فقد كانت الانتخابات خطوة تاريخية هائلة إلى الأمام في مسار الحرية، وخطوة إلى الوراء في مجال المسار السياسي. بمعنى أنها أشركت الجماهير للمرة الأولى في تقرير شئون الدولة، إلا أن «انتخابها» كان محكوما بمستوى الخراب الشامل. مما أدى بالضرورة إلى ارتقاء قوى عاجزة من حيث إمكانياتها وأيديولوجياتها على تحقيق مشروع الانتقال العقلاني إلى الديمقراطية. وسوف يطبع هذا التناقض مجمل العملية السياسية اللاحقة. وبالقدر الذي يثير هذا التناقض حساسية بالنسبة للضمير والوجدان العراقي المعذب في انتظار تحقيق آماله الفعلية في البديل الديمقراطي، إلا انه كان اقرب إلى وهم الآمال الشعبية المتربية بنفسية التأمل العاطفي «للأمام المنتظر». وهو تأمل يشكل الخطوة العملية الأولى لتذليل نفسية الوهم والتأمل الخادع. والقضية هنا ليست فقط في أن العراقيين سوف يدركون خلال فترة قريبة أن «الإمام المنتظر» ليس أكثر من قوى سياسية محترفة في إتقان صناعة الوهم، بل ومتمرسة أيضا في لعبة الرذيلة السياسية المغلفة بلباس التدين والورع الكاذبين. وهي ظاهرة تجسدت بصورة نموذجية في شكل ومضمون «المساومات» السياسية التي عملت من اجلها القوى «الفائزة» في الانتخابات. بمعنى أنها عوضا عن أن تتوجه إلى الناخب الفعلي، فإنها اختبأت وراء تاريخها «المقدس» الشيعي منه والكردي، أي الطائفي والعرقي لتحيك منهما نموذجا جديدا لنفسية المؤامرة والمغامرة. مع ما فيها من بذور لإعادة إنتاج قيم الصدامية بلباس جديد.(يتبع...)



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (1-3)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (4-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (3-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (2-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (1-4)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (3-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (2-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية(1-3)
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال الطائفية
- الاحزب القومية الكردية: تحزب العرقية الضيق
- صعود الأحزاب العرقية (الكردية) واندثار الأبعاد العراقية
- اندثار الأحزاب التقليدية وموت الراديكالية الدنيوية
- شخصيات الخوارج الكبرى(3)
- شخصيات الخوارج الكبرى(2)
- شخصيات الخوارج الكبرى(1)
- حقيقة الخوارج وإرادة التحدي الإنساني(3)
- حقيقة الخوارج وإرادة التحدي الإنساني(2)


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (2-3)