|
كوبري قصر النيل في زمن كورونا
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 3 - 22:24
المحور:
السياحة والرحلات
اعتدت في كل زيارة لي للقاهرة أن أتمشى على رصيف كوبري قصر النيل - ذهاباً واياباً - من ميدان الدقي أو بالقرب منه في شارع التحرير إلى " ميدان التحرير " المؤدي إلى قلب القاهرة أو حيها التجاري العريق المعروف لدى الإخوة المصريين " وسط البلد " ، وهذه العادة إذ تولدت في وجداني ليس فقط لما تربطني بحي الدقي الشهير الذي كنت أقيم فيه خلال حياتي الدراسية الجامعية من ذكريات حميمة طوال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي ؛ بل ولما للسير على هذا الكوبري ، مشياً على الأقدام ، من متعة لا تقاوم لإمتاع ناظري بالتأمل في جمال منظر النيل " على رواقة " والذي يسحر الألباب وهو رابض بمياهيه بين أحضان ضفتيه العمرانية الحديثة ، ناهيك عن مشاهد المراكب التي تمخر مياهه غدوةً وأصيلا . وإن كانت متعة السير عليه في زماننا الطلابي لا تُضاهى بمتعة المشي عليه عليه في زماننا الحاضر ،وذلك من حيث الهدوء النسبي الذي يضفي جواً رومانساً حينما تمشي الهوينا عليه متأملاً ذات اليمين وذات الشمال وخاصة حالما تتوسطه حيث روعة المشهد ، ومع أن القاهرة اكتسبت عن جدارة نعت " المدينة التي لا تنام " لضجيجها واكتظاظها بالناس على مدار الساعة في كل شوارعها وأسواقها وأحيائها ، حتى في زماننا الطلابي الأثير ، إلا أنه لا يُقارن البتة بزماننا الراهن ، فحينذاك لم يكن العابرون عليه يتجاوزون بضع عشرات على كلا جانبيه في ساعات الذروة ، مقارنة بمئات أو حتى آلاف العابرين في وقتنا الحالي ، دع عنك درجة النظافة في ذلك الزمان السبعيني الجميل . ويُعد كوبري قصر النيل أجمل الكباري التي تتخلل العواصم العربية كافة ، وهو من أعرقها ، إن لم يكن الأعرق من حيث النشأة التاريخية الحديثة ، حيث بُني في عهد الخديوي إسماعيل باشا عام 1869 ، واُشتهر بتماثيل الأسود الأربعة ، أثنان منها شُيدا عند مدخله من ناحية ميدان التحرير ، وإثنان آخران نُصبا عند مدخله من ناحية الجزيرة ، ثم جُدد أو اُضيفت عليه تعديلات غير مرة . كما أرتبط أسمه تاريخياً بأحداث سياسية كبرى لعل آخرها ثورة يناير المجيدة عام 2011 ، ناهيك عن تخليد ذكره في التراث الثقافي المصري الحديث بمختلف ضروبه ، على نحو ما ورد في مشاهد وحكايات عدد من الأفلام السينمائية ، والروايات والقصص والأشعار والمسرحيات والفنون التشكيلية وفن التصوير وغير ذلك . وعادة ما أحرص في كل زيارة لي للمدينة ، كزيارتي الأخيرة خلال الأسبوع الأول من فبراير / شباط الماضي لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب ، على تجاذب أطراف الحديث مع بسطاء الناس الطيبين في هذه العاصمة العربية الزاخرة با لحياة ، كسوٌاق التاكسي ، والعاملين في المقاهي والمطاعم ، أو محلات بيع العصير وبائعي الصحف اليومية ، وغيرهم ممن تسنح لي الفرص العابرة الالتقاء بهم في أماكن مختلفة من المدينة ، ثم أتواصل مع بعضهم بعد عودتي لوطني . وليد وهو أحد الأخوة من سواق التاكسي الطيبين بعث لي قبل أيام فيديو يظهر فيه " كوبري قصر النيل " عن قُرب خالياً تماماً من المارة والسيارات ؛ لالتزام أغلب سكان المدينة بالاجراءات الاحترازية من تفشي وباء كورونا ، وقد صوّره صاحبي على علو شاهق من إحدى العمارات بما لا يقل عن ارتفاع عشرين طابقاً منها ، حينها توقفت محملقاً مشدوهاً فاغراً فاهي لما يشي به هذا المشهد ، وربما غير المسبوق طوال قرابة قرن ونصف من عمر الكوبري ، اللهم إلا في حالات نادرة جد طارئة ؛ فمن كان يتوقع أن يرى هذا الكوبري العريق الذي يتوسط نيل القاهرة ، والذي يُعد أيضاً بمثابة الشريان التاجي بين كل الكباري التي تربط بين شرق القاهرة الكبرى بغربها ، بل والذي يُعد أحد المعالم الشاهدة على ما يدب في المدينة ذات العشرين مليوناً وقد أضحى أشبه بالجثة الهامدة الساكنة التي لا حراك فيها جراء مقتضيات محاربة الفيروس اللعين القاتل ؟
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل - الناتو - بعد جائحة كورونا
-
- ووهان - تنهض وتفضح أنانية الرأسمالية
-
كورونا بين الصين والرأسمالية الأميركية
-
- كورونا - وأمريكا والأنظمة الاستبدادية
-
112 شركة تنمي الإستيطان .. فماذا أنتم فاعلون يا عرب ؟
-
الناصريون والمراجعة الغائبة
-
في ذكرى ميلاد عبد الناصر
-
في تطور الملحمة النضالية لعرب 48
-
هل بدأ العد العكسي لنهاية الإسلام السياسي ؟
-
العالم بعد ثلاثين عاماً من انهيار الجدار ( 2-2 )
-
العالم بعد ثلاثين عاماً من انهيار الجدار ( 1-2 )
-
تركيا بين مجازر الأرمن واضطهاد الأكراد
-
جيفارا .. القدوة والأيقونة
-
عن اُفول المرحلة الناصرية ووعينا السياسي المبكر
-
العرب بين الحروب التحررية والحروب العبثية
-
كربلاء المقدسة .. الحضارة والضريح
-
لماذا استهدفت إسرائيل العراق ؟ وكيف يواجه التحديات ؟
-
بين ثورات العسكر .. وثورات الشعب
-
- الواقعية الإشتراكية - في الأدب .. إلى أين ؟
-
قمة العشرين .. منتدى اقتصادي أم محفل للعلاقات العامة ؟
المزيد.....
-
فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا
...
-
احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت
...
-
-مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت
...
-
اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف
...
-
تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
-
اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
-
غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما
...
-
-إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت-
...
-
الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور
...
-
القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل
المزيد.....
-
قلعة الكهف
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|