مغامرات رجال الكهنوت مع نظرية التطور

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 30 - 17:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كل الجعجعة و الطحن الذي يدور في الأوساط الدينية حول نظرية التطور إنما سببه أنها تُوهِم قارِئَها بأنها تهدم أساسيات الأديان الإبراهيمية و تقوّض وجود الله الخالق ...

و لولا ذلك الوهم لما اعترض عليها و لا خطرت على بال أحد من المشايخ ، و لما سمعنا بها إلا في كتب العلوم و المجلات العلمية المتخصصة شأنها شأن نظرية الجاذبية أو قوانين كبلر أو ثابت بلانك مثلاً ....

ففي حين نجد مئات الكتب و المواقع الإلكترونية التي أسستها الهيئات و المراكز الدينية و التي تهدف إلى التشكيك برصانة نظرية التطور و هدم أدلتها ، لا نجد ولا موقع إلكتروني واحد تم إنشاؤه من قِبَل المشايخ و الهيئات الدينية للتشكيك بنظرية الجاذبية أو بحسابات التفاضل و التكامل أو قوانين التيرموديناميك ... !

لماذا ؟

ببساطة ، لأنهم يتوهمون بأن نظرية التطور تهدم دينهم بينما لا يتوهمون ذلك في حالات النظريات الأخرى ... و إلا لوجدناهم يشكّكون بكل نظريات العلم التجريبي الحديث.

و في حين نجد مئات الكهنة و رجال الدين الذين يحشرون أنوفهم في تفاصيل أدلة نظرية التطور _ حتى تلك الأشد تعقيداً و المتعلقة بالجينات و الوراثة و المستحاثات و التي يصعب على أهل الاختصاص أنفسهم شرحها للناس العوام _ ، نتفاجأ بأننا لا نجد ولا حتى شيخاً واحداً يحاول حشر أنفه و التدخل ثم التشكيك بأدلة نظرية الجاذبية مثلاً ... !

لو تمعن الإنسان الموضوعي في الحقيقة السابقة لكان في غِنَىً عن متابعة هذه المناظرات و المهاترات الجوفاء التي يطلقها أصحاب اللحى من غير المختصين في العلوم ، و لأدرك بسهولة أن جميع الهرتلات المشائخية حول نظرية التطور إنما منطلقة من مغالطة منطقية تسمى مغالطة التحيز التأكيدي ... حيث يتحيز فيها المغالِط إلى موروثه الديني ... مما يدفعه إلى تزييف الحقائق و اللجوء إلى الكذب المريح للانتصار للديانة الموروثة.

و أقول لهؤلاء المشايخ و الكهنة ، لا وجود لما يدعو لكل هذا التشنج إزاء هذه النظرية ... حيث أنكم تستطيعون بسهولة شديدة التوفيق بينها و بين موروثكم الديني من خلال ممارسة وظيفتكم المفضلة لديكم ، ألا و هي تأويل معاني نصوصكم الدينية الزئبقية المطاطة ، ثم إعادة تفسير هذه النصوص بحيث توهمون المتلقي أنها لا تتعارض مع ثوابت العلم و نظرياته الحديثة .

فبهذه الطريقة الكهنوتية من الكذب المريح ، تلعبون ضمن نطاق ضِفّتكم الكهنوتية التي تخصصتم بها و حفظتم دخاليجها ، دون الاعتداء على الضفة الأخرى المتمثلة بمسرح النظريات العلمية و تدنيسها باجتهاداتكم الحمقاء ، فتحفظون بذلك ماء وجوهكم ....

أمّا أن تحشروا أنوفكم في مواضيع علمية معقدة فهذا من شأنه أن يُظهركم مظهر الأقزام بين كبار علماء الأحياء الحقيقيين الذين يتحدثون انطلاقاً من سيرهم الذاتية الاحترافية المرعبة ، و منصاتهم المختبرية الممتلئة.

فمن أنت أيها الكاهن الفلاني أو الشيخ البهبهاني لتُقيّم رأي جيمس واطسن حامل جائزة نوبل في العلوم مثلاً ؟

و من أنت يا من قضيت عمرك بين الكتب الدينية الصفراء لتنقض رأي تشارلز دارون الذي عاش عمره كله متنقلاً بين القارات و الجزر راصداً لمستحاثات الأحياء مشرِّحاً لجُثَثِها ثم متابعاً للتشابهات و الاختلافات التشريحية فيما بينها ، ساكناً في المختبرات بين الأحافير و المتحجِّرات ؟

فكفاكم إضحاكاً للناس المثقفين عليكم ....

#الحق_الحق_أقول_لك عزيزي الكاهن ، إذا أردت أن تنقد نظرية التطور نقداً موضوعياً فعليك الحصول أولاً على درجة دكتوراة حول النظرية من جامعة محترمة ، ثم تدعيم موقفك البحثي و مكانتك العلمية بنشر أبحاث حقيقية تلفت أنظار الوسط العلمي إليك و ترشحك لجائزة نوبل في العلوم ....

ثم فلتبدأ عندها و لتنقد نظرية التطور .... لكن صدقني لن يكون نقدك لها عندئذ بدافع طفولي تحيزي للموروث.

أما أن تنقد نظرية التطور من على منبر خشبي في مسجد انطلاقاً من خلفيتك المعرفية المبنية على رسالتك في ( الدكتوراة !) ، و التي تتحدث عن عدد الملائكة الذين حاربوا في غزوة بدر أو عمر عائشة عندما تم الدخول بها ....

فهذه قمة المهزلة !

#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل