أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقاسم عمامي - بئر العاشقين














المزيد.....

بئر العاشقين


بلقاسم عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


**********

هناك نبتت كرمتان....واحدة حيث صًلِب ميْسار وسال دمه بين شقوق التربة في الجهة اليمنى من البئر....وكرمة ثانية حيث سقطت ماركُنْدا في دمها بعد أن خيّرت أن تسافر حيث سبقها ميسار....حبيبها السقّاء الذي من قِرْبته ارتوت ماءً وعشقا....وفقْدا.
وميْسار شابّ قاسي القوة ليّن القلب....وهب حياته لنصرة قضية شعبه في مواجهة ويلات الاجتياح.... ميْسار الرجل الحر من سلالة الأمازيغ "الرجال الأحرار"....تراءى له أن يختفيَ في هيئة سقّاء يجوب القرى المحيطة بمدينته "التبيروس" نذيرا بهول ما ينتظر شعبه وزارعا فيه بذور حب الوطن عبر حكايا ينقلها تروي ما تعرّضت له جهات أخرى من شؤم جرّاء الاجتياح الصحراوي الشرقي....

اختار ميْسار أن يكون سقاءً يدخل كل البيوت ويروي حكايات تصوّر ما تعرّض له الشباب من قتل ونخس وإخضاع....وتعرضت له بنات الملكة ديهيا الأمازيغية حيث كان الغزاة يتخيّرون من الصبايا أجملهنّ ليرسلنهن "هبات" إلى خليفة الله في دمشق...
كان ميْسار يسِرّ بحكاياته للبنات وللأمهات عمّا ينتظرهن وهو يأمل أن يتهيّأ الأهل للدفاع عن أرضهم وحياتهم ونسلهم....كان يصوّر مشاهد الرعب التي عاشتها جهات أخرى من بلاد الأمازيغ وما اجتهد الغزاة في فعله باسم الربّ ونشر الدين...كان يملأ قربته من ماء البئر تلك.... هذه البئر التي شاء الغدر أن يُصلب حذوها نتيجة وشاية حين ذاع خبرٌ بين البيوت....خبر لا أحد كان يصدّق تلك الشائعات عن ميْسار و ماركُنْدا.....

ومارْكُندا هي صبيّة من صبايا التبيروس....والدها مزارع شهير عيونه مبثوثة في كل أنحاء الجهة....عين من تلك العيون نقلت أن ميْسارا يُكثر من الاقتراب من قصر مارْكُندا...وأن ماركُنْدا أصبحت ترافق صبايا البلدة نحو البئر....هناك كان ميْسار يجيء ليملأ قربته....يلمح الوجه النضِر....فتتنقل النظرات الولهة وترتفع الضحكات الرقيقة في طقوس عشق الماء المقدّس....

كان ميْسار يحبك حكاياته بما يوائم بين سلاسة التبليغ ودقّة التوصيف لما عانته جهات الشرق للبلد نتيجة هجمة العربان الآتين من الربع الخالي....حكايات تشدّ السامع وتهزّ وجدانه....وكان ينوّع أساليب الحكي في غنّة غالبة القصد منها شدّ السامع بهدف التأثير فيه وحثّ الناس على التوقّي والحذر والاستعداد لأيام سود لو تواصلت الغفلة...
ما كان ميْسار يدري أن الناس تناسوْا ما ينتظرهم جميعا من محق وموت وأسر وتنكيل....وبدل نشر أخبار الغزو الأسود، راحوا يتهامسون ويهمسون في أذن والد ماركُنْدا عن جرم ميسار...انشغلت العامة بالتفصيل حتى صارت قصة ميسار و ماركُنْدا حيث الكبار والصغار....فكان ما كان....

ميْسار يُقيّد ويساق جرّا قرب موقع الخطيئة العظمى....العشق المقدّس....وهناك، يتم تنفيذ حكم الموت فيه....قُتِل الحب وقُتِلت الحياة وجرى دمه ليومين كما الجدول.....لم يصرُخْ ولم يرتبك ولا جفل أو استعطف....حدّثهم عن السيوف البتّارة...عن قلوب كالصّخر لا ترحم....حدّثهم عن بنات عمومتهم كيف سُقْنَ إلى أمير دمشق....حدّثهم عن التنكيل بالأطفال وإرسالهم غلمانا إلى القادة الزاحفين....حدّثهم عن مجازر الفتك وفصل رقاب الشباب الذين ارتوت بدمائهم أرض إفريقيا....سدّوا آذانهم....وامتلأت صدورهم حقدا عليه وثأرا "لشرفهم" الذي دنّسه ميْسار حين دنا من ماركُنْدا فنما بينهما عشق في لون الحياة.

ماركُنْدا تتزيّن....تراقص الحلم والفرح....تكاد الأرض لا تسعها....قرب وقت الذهاب إلى البئر....هي لا تجلب ماءً فما تعوّدت ذلك....كان هناك دائما من يقوم بهذه الأعمال....هي على موعد مع ميْسار....مع العشق الناشئ....منذ يومين وهي تنتظر اللحظة....ارتدت أحلى ما عندها....وضعت كحلا على جفنيها....وشدّت شعرها المتموّج بربطة تزيّنها الأزهار....هي ما علمت بما حدث لميْسار..كانت تمشي كما طيْرِ..تمشي وتراقص الفرحَ....ها قد اقتربت من البئر...بئر الحب والحياة....اعترضنها بالخبر الصّاعق....صبايا من صويحباتها....أخبرنها....هرعت....صرخت حين رأت حبيبها ينزف دما وقد فارق الحياة منذ يومين....هجمت على أحد الحرّاس من الذين يرابطون حول الجسد المصلوب....انتزعت خنجرا من حزامه....وفي لمحة نَفَسِ، غرزته في بطنها الذي طالما حلمت بحمل بذرة الحب....سقطت ماركُنْدا على ركبتيها وهي شاخصة في الحب الضائع وترسم علامات السخط على رجال أهملوا الوطن واجتمعوا على قتل الحب والحياة...هناك، على مسافة خطوتين على يسار البئر، تدفّق دم ماركُنْدا حتى ارتوت منه تربة الوطن...

ما كانت نبوءةً....ولا كانت دسيسةً....ما كان يرويه ميْسار أصبح واقعا حين حلّت جيوش الغزو ونفّذت وعدها بما فاق حكايات ميْسار بشاعة وفظاعة...حولان كاملان كانا كافييْن لتتبدّل الأرض التي عرفت أسيادا وملاكا جددا بعد أن استحال الأوّلون جثثا في مزارعها وقيدت صباياهم سبايا لقادة الغاصبين وأمرائهم....

وعلى جنبيْ البئر، نبتت كرمتا تين واحدة ارتوت بدم ميسار على يمينها.....والثانية ارتوت بدم ماركُنْدا على يسارها...فتمتدّ أغصان الكرمتين وتعاند....وتتلاقى في عناق أبديّ.....في سماء التبيروس/المْدَيْنة..

************

نص كّتب في مارس 2016

***********
المْدَيّنة / الدهماني / الكاف / الجمهورية التونسية



#بلقاسم_عمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكاليات التفقد البيداغوجي في تونس
- ليلة القبض على الحياة
- صدمة اختبار -الإيقاظ العلمي-...........ما هي الدروس؟
- -السبورة السوداء- مخطط الأغنياء لتحطيم التعليم العمومي
- -الشهيد منّا......والقاتل منّا-
- خواطر حول العملية الإرهابية بتونس العاصمة هذا المساء
- لنكسر السقف وننظر فيما وراء أزمة وزارة التربية مع المدرسين ف ...
- قراءة في كتاب المفكر -محمد عمامي-: تونس: الثورة في مواجهة عو ...
- في العلاقة بين الدّولة والتّعليم في تونس: رصد لسياقات التّحو ...


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقاسم عمامي - بئر العاشقين