|
هل ستسقط مع وباء كورونا فكرة -ليموت البشر وليحيا الاقتصاد-؟
بشير الحامدي
الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 26 - 22:33
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
هل ستسقط مع كورونا فكرة "ليموت البشر وليحيا الاقتصاد"؟ ـ 1 ـ هل ستسقط مع كورونا فكرة الرأسمالية العصية عن التصدع والانهيار؟ هل ستسقط مع كورونا فكرة الانتصار لنهاية التاريخ؟ هل ستسقط مع كورونا فكرة "اليد الخفية" للرأسمالية القادرة على كل شيء؟ هل ستسقط مع كورونا فكرة ليموت البشر وليحيا الاقتصاد؟ هل ستسقط مع كورونا فكرة المستقبل السعيد لكل البشرية الذي طالما وعدت به نظرية السوق؟ هل ستسقط مع كورونا فكرة التقدّم على النهج الرأسمالي برمتها ليعاد طرح سؤال كيف يمكن ترتيب كل الأوضاع على أنقاض الكارثة التي خلفتها فوضى وبربرية هذا النظام وأين يجب أن نتجه؟ هل ستسقط مع كورونا استراتيجيات ما يسمى بالأمن القومي وسباق التسلح واستراتيجيات الردع النووي والحروب من أجل الاستيلاء على مصادر الطاقة لصالح تصورات بديلة لأمن كوني جماعي ولصالح علاقات إنسانية مبنية على مساواة حقيقية وعدالة حقيقية وتضامن إنساني حقيقي؟ هل يمكن القول أن كارثة كورونا ستعيدنا إلى طرح السؤال الذي نعرف. السؤال الذي طرح منذ أكثر من قرن ونصف وهو أن لا نكتفي بتفسير ما يجري في العالم بل أن المطلوب هو تغيير هذا العالم والشروع في ذلك؟ هل ستسقط مع كورونا أطروحة الديمقراطية البرجوازية التي قادت العالم قرنين ونصف وستسقط معها الدساتير البرجوازية والقيم والثقافة البرجوازية وطبقة الأقلية وكل أنظمتها وأجهزتها من الدولة إلى الحزب إلى النقابة إلى منظومة المجتمع المدني وتسقط معها وعود العالم السعيد الذي طالما أوهمت بتحقيقه؟ كلها أسئلة لا شك ستكون مجال نقاش واسع بعد الكارثة وعبر الإجابة عليها سيتحدد مستقبل البشرية في السنوات والعقود القادمة. ستفرض علينا كورونا إعادة التفكير ليس في أسلوب حياتنا فقط بل فيما هو أبعد من ذلك بكثير في إعادة التفكير في أدوارنا وفي علاقتنا بالمكان وبالزمن وبالطبيعة ستفرض علينا إعادة مساءلة الحاضر والاختلالات التي تصاحب هذا الحاضر. ستفرض علينا كورونا النظر من جديد لمشروعية أن يحوز 1 ٪من سكان العالم على نسبة 43٪ من مجمل ثرواته فيما لا ينال الـ 80٪ من هؤلاء السكان سوى على نسبة 6٪ من هذه الثروات وأن يمتلك 300 من كبار اغنياء العالم ما يمتلكه 3 مليارات نسمة. ستفرض علينا كورونا الوقوف على حقيقة حقل الألغام الذي سيجته العولمة المتوحشة وسجنت فيه الأربعة أخماس من سكان كوكب الأرض. سنقف بعد كارثة كورونا على أسباب جوع الملايين في الهند وفي البرازيل وفي أفريقيا. سنقف على أسباب موت ملايين الأطفال في الحروب وعلى أسباب موت الملايين كل سنة بمرض السيدا وبمرض السرطان وبسبب الإدمان على المخدرات... سنقف أيضا على أسباب التدمير الشامل الذي طال أغلب سكان العالم جراء سياسات العقود الأخيرة المفروضة من مراكز القرار الاقتصادي (المديونيةـ التبعية الغذائيةـ تخريب القطاعات الاستراتيجية المحليةـ ..إلخ) ـ 2 ـ كل المسؤولين عن الشأن الصحي في حكومات العالم يتحدثون في بلدانهم بصدد مواجهة انتشار وباء كورونا على أنهم في أوضاع حرب ضد الفيروس في فرنسا في إيطاليا في اسبانيا في ايران في ألمانيا في روسيا في الصين في كل البلدان حتى في تونس ومصر وقطر والسعودية والمغرب والجزائر و الأردن كلهم يقولون أنهم يخوضون حربا ضد كورونا ويخططون لاستراتيجيات الدفاع ضد الوباء ويفرضون بموجبها ما يرونه ضروريا من إجراءات للحد انتشارها ويطلّون على شعوبهم بين الآونة و الأخرى عبر شاشات التلفزيون لطمأنتهم أن لا أولوية لهم غير هذه الحرب و أنهم يسخرون لكل إمكانيات دولهم للتغلب على هذا العدو الغاشم ... اعتبار مكافحة وباء كرونا بمثابة خوض حرب من قبل الحكومات المسؤولة بالدرجة الأولى عن السياسات الصحية في بلدانها ومحاولات إقناع ضحايا الفيروس من قبل السلطات السياسية بذلك يعرّي كثيرا من المغالطات وتحديدا مسؤولية هؤلاء الحكام عن النتائج الكارثية التي خلفتها إلى حدّ الآن وستخلفها هذه "الحرب". ليس ذلك فقط بل أيضا كل الجرائم التي أرتكبها هؤلاء الحكام في حق شعوبهم وفي حق البشرية جمعاء. من المسؤول عن الحروب التي دمرت العراق وليبيا وسوريا في العشرية الأخيرة ولازلت مستمرة. من المسؤول عن الجوع والمرض والتفقير الذي تعاني منه قارة أفريقيا ويقتل الملاين من سكانها. من يستفيد من الديون التي تذهب بنصف الناتج الداخلي للبلدان الفقيرة. لفائدة من تنهب ثروات البلدان الفقيرة وفي حسابات من تستقر؟ من يعمل على فرض الاتفاقيات الجائرة واتفاقيات التبادل اللامتكافئ بين الدول؟ من فرض التعديلات الهيكلية التي ذهب بالقطاع العام في كثير من البلدان؟ من يجني الأرباح من عولمة التعليم ومن احتكار تصنيع الأدوية ومن احتكار تصنيع التكنولوجيات الحديثة ومن احتكار إنتاج الغذاء؟ نعرف أن هذا الذي تقولون عنه حرب ضد الكورونا سيخلف كثيرا من الضحايا ليس من بينكم بل من بين ضحاياكم. نعرف أن حرصكم على فائض القيمة والأرباح أكثر من حرصكم على مكافحة الوباء. نعرف أن حرصكم على إبقاء ما يلزم لقوة العمل يتجاوز حرصكم على مواطنيكم. نعرف أن حرصكم على ألا تطول فترة الكساد أكثر من حرصكم على الحد من عدد موتى الكورونا. نعرف أن حرصكم على انقاذ مؤسساتكم وبنوكم من الإفلاس أكثر من حرصكم على إنقاذ البشرية من الوباء. نعرف أن حرصكم على البقاء في السلطة أكثر من حرصكم على بقائنا على قيد الحياة. ونعرف أن مفهومكم للصحة عموما وصحتنا تحديدا يبدأ وينتهي عند أطروحة " الحد الأدنى من الصحة الضامن لتجديد قوة العمل " لا أكثر. نحن لا نقاسمكم عالمكن ولا نقاسمكم أفكاركم ولا نقاسمكم تقدمكم ولا نقاسمكم حربكم هذه التي نعتبرها حربا علينا منكم ومن فيروسكم. نحن نعرف أن الحرب مواصلة للسياسة ووجه آخر من وجوهها وما حربكم هذه التي تحشدون لها وسنكون ضحايا الأولون والأخيرون إلا مواصلة لسياساتكم لفوضاكم لبربرية نظامكم لعطب أنظمتكم. لا يمكن أن نشارككم زعمكم خوض حرب لأجلنا لأننا نعرف نتائج حربكم هذه مسبقا: عالم آخر لا مكان فيه لمن لا يستهلك. لا مكان فيه لمن لا تحتاجه أنظمة إنتاجكم لا مكان فيه لغير الوحوش الضارية ذئاب التروستات والبورصات والبنوك لا مكان فيه للأنظمة الوسيطة والطبقات الوسيطة والسلطات الوسيطة عالم الاحتكارات العملاقة والإنسان المستباح عالم الموت الرحيم والروبوتات والتسيير عن بعد والتحكم عن بعد والهيمنة عن بعد وبأخف التكاليف. لا يمكن أن نشارككم مزاعمكم هذه ومحاولاتكم استعادة رمزياتكم المنهارة "سننسحب بعيدا نحو الأماكن، حيث توجد الإرادة الشعبية، و إن على شاكلة غير واضحة في الغالب ولكن بشكل واقعي." (ألان باديو من كتاب شرّنا يأتي مما هو أبعد) ــــــــــــــــــــــ 26 مارس 2020
#بشير_الحامدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا نشر ذئاب السوق corona virus وماذا يُعِدُّون لمستقبل ال
...
-
وباء coronavirus حاصل كذبة الرفاه الذي وعدوا به
-
أي دور قادم للاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بحركة النهض
...
-
تذرر السلطة
-
تونس: حكومة إلياس الفخفاخ الخطوة الحاسمة نحو الصراع المكشوف
...
-
من دروس 17 ديسمبر
-
وزارة الثقافة وكر فساد ومحسوبية وهناك من يعتبرها بقرته الحلو
...
-
تونس:بعض الاستنتاجات حتى نفهم لماذا صوتت الأغلبية بتلك النسب
...
-
عمّا كشفت انتخابات 6 أكتوبر 2019 البرلمانية في تونس
-
هل هو مخطط للحسم نهائيا في امكانية وصول نبيل القروي لكرسي قر
...
-
انتظروا إنهم سيتوحدون لقتل كل إمكانية لولادة ديسمبر جديد ولو
...
-
تونس:ما العمل لاستثمار الديناميكية التي أنتجتها انتخابات 201
...
-
الانتخابات الرئاسية في تونس: افلاس منظومة الحكم سياسات وأحزا
...
-
تونس: استنتاجات أولية بعد ترشح قيس سعيد ونبيل القروي للدور ا
...
-
ماذا يعني الغنوشي ب - سنكون في باردو والقصبة وقرطاج-
-
الدساتير والانتخابات أدوات الهيمنة الناعمة على الأغلبية التي
...
-
ملاحظات أولية بعد ترشيح حزب النهضة لعبد الفتاح مورو للانتخاب
...
-
هل تنجح حركة النهضة في السيطرة على مؤسسات السلطة الثلاث: بار
...
-
خلافات الجبهة الشعبية أو عودة يسار الانتقال الديمقراطي من جد
...
-
خلافات الجبهة الشعبية أو عودة يسار الانتقال الديمقراطي من جد
...
المزيد.....
-
شاهد عيان: نيران الغارة الإسرائيلية على غزة -التهمت الناس قب
...
-
قاآني ومن قبله.. سر الاختراقات الاستخباراتية -المزمنة- في إي
...
-
عقوبات أوروبية على إيران على خلفية تزويد روسيا بصواريخ بالست
...
-
برلين تطالب إسرائيل بتوضيح ملابسات قصف قوات يونيفيل بلبنان
-
غارة إسرائيلية جديدة تدمر منزلاً في شمال لبنان
-
الإعلام العبري يسلط الضوء على القوات الجوية المصرية
-
الأولى منذ 23 عاما.. الرئيس الجزائري يستقبل رئيسة الهند في ز
...
-
إسرائيل تعلن موعد نشر منظومة -ثاد- الأمريكية
-
وزير الدفاع الروسي: التعاون العسكري بين روسيا والصين عامل ها
...
-
بكين لن تتسامح أبدا مع محاولات تايوان عزل المضيق
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|