أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - رسالةٌ إلى الخطيئة المنزّهة.














المزيد.....

رسالةٌ إلى الخطيئة المنزّهة.


زيدان الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 21 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


"على وسادة القبر
طفل".
- ندئ عادل.

هل كان من حقّكِ أن تكوني أُمًّا؟
ينفخون الامتنان في سقفِ السماوات، وينقشون الحنّاء سوارًا على أقدام الأُمّهات، هُنا وهُناك يستيقظون لمُعاقرة شِعر الامتنان لأعين الأمّهات، يَعدون خيولاً مُرتجفةً مع الرّياح، يشقّون العواصف مهرولين حتى يقولون بكُل الدماء المُضرَّجة على أكتافهم :
" مُمتنٌ لك يا أمي، مُمتنٌ يا عزيزتي على تسعة أشهر جُهدتِ فيها لتقذفيني إلى عفن هذا الوجود".
أمّا أنا فلم أذهبُ تمامًا إلى ما ذهبوا إليه من خديعة الامتنان، وحدي من يلمحُ على قلبي آثار الدّماء، فلم يعد من الأهمية في أن أُصدّق أنّكِ قمرًا وأغنِّي الوهم على ليلي، صدّقتُ ذلك قبلاً، وماعدتُ أصدّقُ إلّا أنكِ أوّل وآخر ما يدّل ُ على الدماء تحت زيف قميصي الأبيض.

في كل يومٍ من هذه السنة أصوم عن اغتصاب البسمة، ويطوف في أركاني ذُعرًا مروّع، تجتاحني غمامة شاحبة وتئنّ روحي بالشتائم. وحدهم يحتفلون بكِ، و وحدي أمكث ُ كذئبٍ مهذَّب في الزاوية أعوي بنحيب محاجر الليل، يحتفلون بالكارثةِ وأصمت ُ بنحيبي، هذا اليوم يتوّجونكِ فيه على إثمكِ الطويل يا أُمي وأصمت ُ بنحيبي، خطيئتكِ الأنانية التي مشيتي بأخمصيكِ فيها إلى حتفي وحتفكِ يتوّجونكِ عليها، خطيئتكِ التي جعلتْ منكِ مُجرمةً لذيذة وجعلتْ منِّي قدمان تركُضان في حقلِ المُرّ والحنظل لدفع ثمن هذه الجريمة، هل كان عليكِ لزامًا ارتكاب الغواية و تحبلي بجُثّةً مستقبلية تبكين عليها ومنها؟

غنّيت ُ بين كفّي فيروز وأصابع سعيد عقل "أمي يا ملاكي"، و ترنّمت ُ كالفرنسيين في قصيدة "الشُرفة" لبودلير عن الأم سيّدة السيدات، قرأت ُ خلسةً "خمس رسائل إلى أمي" من جيب قبّاني وهو يغتسلُ في الغُربة، أكلت ُ مع محمود درويش لمامًا خبز أمه وقهوتها من وراء القضبان، قرأت ُ "الأم" لغوركي حتى سمعتُني في صوتها، و صافحت ُ "أم سعد" مع كنفاني بيدٍ مبتورة، قرأت ُ نشيد الذهول في أعين الأُمهات و ولّيت ُ صلاتي لعشتار على مدار السَّاعة، لكن وبعد كُل هذا أخطأني ربيع البُحتري وارتدَاني خريف فرلين وغُربة الأمطار في حناجرِ الصحاري، وكيف أحتفل ُ بالخطيئة؟


الواحد والعشرون من آذار "عيد النوروز و عيد الأُم" عيدان في يومٍ واحدٍ يحملان دلالة تكاد تكون واحدة لولا فارق النتيجة، فالأوّل ربيعًا تلوحُ منه مباهج الرّحيق، يذيل أذيال الحرير، ويعير الأرض أثواب الشَّباب... أمّا الثاني فربيعًا يفرش الأرض بقواريرٍ موبوئة تتكاثر في ضربٍ من نُكتةٍ كونية تتّشح ُ بالمراثي.
وماذا أنجبتْ الأُمهات؟ ليس أكثر من الموت وحده. نفختِني ذرَّةً ضائعة في فراغ الكون يا أُمِّي، وأبليتِني بقلق الوجود ومسئولية الحُرية و أغلال الجهل والضّياع، أخلفتِني على الصليب جائعًا، مذعورًا من عطشي الصغير وحياة الكبريت هذه؛ فكم سنة من الوجود على هذا الكوكب أحاربُ فيه منذ البداية وحتى النهاية بعد نفاذ الذَّخيرة؟ كم سنة وهم يسرقون جلدي؟ كم سنة أحرث ُ الهواء؟ كم سنة وأنا أظن ُّ زورًا أنّي محظوظًا بالحياة؟ كم سنة وأنا "وحدي أدافع ُ عن هواءٍ ليس لي، وحدي أراود ُ نفسي الثَّكلى فتأبى أن تُساعدني على نفسي، و وحدي كنت ُ وحدي عندما قاومت ُ وحدة الروح الأخيرة"؟ كم سنة وأنا أدفع ُ ثمن غوايتكِ مع الآخر من أجل متعةٍ عابرة مشروطة؟ كم سنة وأنا ضحيّة مصائد الطبيعة لكِ لتوقعيني في جُبّ المُعاناة؟
والآن وبعد كل هذا تريدين و يريدون مني الاحتفال والتهنئة لأنّهم يحتفلون! كلّا، كلّا، وعلَّ أقصى صنيعتي هي الاعتذار الوحيد لكِ الذي أشادَ به محمود درويش، لكنهّ اعتذار عن تقبيلكِ اليوم، عن النظر لعينيكِ الحانيتين المليئتين بفاكهة خطيئة الوجود الشهيّة؛ فإبن أمّه يُفضّل أن يسقط دائمًا بكل حقده على أن يبرّر لكِ دفعكِ له في هذا السقوط بامتنانٍ مُضجر، وابن أمّه هو اليوم من يقول لكِ في غضب ِ اللائمين:
"كان من الفضيلة ألّا أكون يا أُمي".



#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيو كورونا أنتَ لا تخيفني.
- ظاهرة -الزوج المُتفلّت- من مسئولية الحياة الأسرية والزوجية.
- تفاصيلٌ بسيطة تُنقذنا.
- منطقُ -الله يهديك- .
- الكاتِب العَربي: جمال التَّعبير ومزبلة التَّفكير.
- الشعوب هي القاعدة المُؤسِّسة لِهرمِ الطُّغيان.
- قمّة مكّة ومسرحية لهو الحكومات العربية.
- الله لَيس عَربيًا .
- الإرهاب القمعي والمُعتقلات، وجهٌ صريح للأنظمة العربية.
- رمضان المُسلمين فانوسٌ بلا نور.
- اخجلوا مِن أنفسكم واعطونا الطّفولة.
- مُثقّف الفُقاعة.
- -الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .
- ضِفَّة الطُغاة و قمّة الرِّمم العربية.
- إلى مَتى سَنبقى نُحارب طواحين الهواء؟.
- لماذا لا تصدر كِتابًا؟.
- حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
- حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
- مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
- التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.


المزيد.....




- من بنغلاديش إلى فلسطين.. جائزة الآغا خان للعمارة تحتفي بمشار ...
- ملتقى الشارقة للراوي يقتفي أثر -الرحالة- في يوبيله الفضي
- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...
- ميغان تشوريتز فنانة جنوب أفريقية عاشت الأبارتايد ونبذت الصهي ...
- السنوار في الأدب العالمي.. -الشوك والقرنفل- من زنازين الاحتل ...
- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - رسالةٌ إلى الخطيئة المنزّهة.