كورونا، حداثة ما بعد الحداثة

رمزي عودة

الحوار المتمدن-العدد: 6518 - 2020 / 3 / 19 - 20:51
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

صدمنا نحن انسان الحداثة بالانتشار الواسع لفيروس كورونا، وبدا لنا ان ما كانت تنذرنا به المدرسة الفرنسية في الفلسفة من مخاطر الحداثة بات أمرا واقعا، فالتكنولوجيا الحديثة وان استطاعت ان تزيد الانتاج وتحقق العولمة الا أنها ما زالت عاجزة عن مواجهة انتشار هذا الفيروس، ولربما تحققت الان فرضية ليوتار حول صيرورة التاريخ بأنها لا تؤول بالضرورة الى حتمية التقدم. فالحداثة وربما العولمة، وهي احدى ارهاصاتها، جعلت من هذا الفيروس التاجي تهديدا مباشرا للوجود البشري وربما اخطر من مشاكل الاغتراب والاشعاعات النووية التي وسمت تشاؤمية مدرسة فراكفورت حول مجتمعات الحداثة. وبعيدا عن جدلية العلاقة بين الحداثة والتطور التاريخي للبشرية، فانه من الواضح ان دفاع هابرماس حول مشروع الحداثة لم يعد كافيا لاقناعنا بأن الحداثة هي مشروع لم يكتمل بعد.

لم يكن في ذهن ماركس عندما تنبأ بانهيار الرأسمالية نتيجة لجشع الرأسماليين وتنافسهم في اطار دورات الحياة للنظام الاقتصادي الرأسمالي، أن انتشار الاوبئة الفتاكة يمكن ان يعطل صيرورة النظام الرأسمالي ويصيبه بخسائر اقتصادية فادحة كما نراها الان قد تؤدي الى انهياره. وفي السياق ذاته، فان قيم الحداثة وسماتها المختلفة مثل الذاتية والحرية والعدمية والعقلانية، لم تعد مناسبة وكافية لمواجهة وباء كورونا. بالمقابل، فاننا نرى الدول الرأسمالية تتدخل بقوة في مواجهة انتشار الوباء ماليا واقتصاديا وأمنيا بطريقة تتجاوز بكثير مفهوم الدولة الحارسة عند سميث وحتى أنها تتجاوز أيضا نظرية كينز في التدخل الى حد بعيد. وبالضرورة يبدو أننا الان قد تجاوزنا القيم التقليدية والحديثة للرأسمالية في نفس الوقت. وبتنا أكثر حاجة الى نظرية تفسر لنا حاجات الحداثة لمجتمعات ما بعد الحداثة.

ربما آن الاوان للفلسفة الحديثة ان تناقش اسئلة مختلفة في ظل ما بعد العولمة، وستدور هذه الاسئلة حول المسافة التي تتوسط وجودية سارتر وفوضوية الهبيين من جهة وبين سيطرة النظام التكنولوجي على حياة انسان الحداثة وعواطفة ومشاعره كما هو عند ماركوزة. وستظل هذه المسافة غامضة بغموض قدرة الاوبئة الحديثة على التطور وابتداع أشكال غريبة وقادرة على الفتك بعالم الحداثة تماما كما هو الحال عند فايروس كرونا.

#رمزي_عودة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات