أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - عندما طلب أبو حفظي طبقًا ثانيًا ٱنهار عفيف















المزيد.....

عندما طلب أبو حفظي طبقًا ثانيًا ٱنهار عفيف


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6518 - 2020 / 3 / 19 - 17:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما طلب أبو حفظي طبَقًا ثانيًا ٱنهار عفيف
When Abū Ḥafẓī Asked forAnother Portion ˓Afīf Collapsed
ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها راضي بن الأمين صالح صدقة الصباحي [رتسون بن بنياميم تسدكه هصفري، ١٩٢٢١٩٩٠، أبرز مثقّف سامري في القرن العشرين، مُحيي الثقافة والأدب السامريين في العصر الحديث، خبير بقراءة التوراة، متمكّن من العبرية الحديثة، العربية، العبرية القديمة والآرامية السامرية. جامع تقاليدَ قديمة، مُرنّم، شمّاس، قاصّ بارع، كاتب أصدر حوالي ثلاثين كتابًا وهي مصدر لكُتّاب ونُسّاخ معاصرين، شاعر نظم قُرابة الثمانمائة قصيدة، تعلّم منه باحثون كُثُر عن التراث السامري؛ سمّاه المرحوم زئيڤ بن حاييم (١٩٠٧٢٠١٣)، أعظم باحثي الدراسات السامرية في عصرنا ”أستاذي ومرشدي“] بالعبرية على مسامع ابنه الأمين (بنياميم)، الذي نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٨١٢٤٩، ١ أيلول ٢٠١٧، ص. ٤٨٥١. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصُّدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين بيتًا في نابلس وحولون، قُرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّةً تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بِنْياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”يوم عسل ويوم بصل

”الحياة ليست عسلًا فحسب بل وبصلًا أيضا، يوم عسل ويوم بصل؛ ولكن بالنسبة لي لا عسل لي ولا بصل. لم أذُق طعم الأوّل منذ مدّة، وها قد نسيت طعم الثاني منذ أن منعني الأطبّاء من التمتّع بما لذّ وطاب في هذه الدنيا. هل ترى هذه العُلبة الصغيرة؟ إنّها مكوّنة من ثلاثة صناديقَ صغيرة؛ على الأوّل مكتوب: الصباح، أي وجبة الفطور؛ على الثاني، الأوسط مكتوب: الظُّهر أي وجبة الغَداء، وعلى الصندوق الثالث السفلي مكتوب مساء أي وجبة العَشاء. في وجبة الغداء أتناول حبّتين بنفسجيّتين وحبّتين خضراوين وواحدة برتقالية. وفي المساء التهم ثلاث حبّات بيضاء، واحدة بلون الكونياك، واحدة زهرية [هكذا في الأصل وسقط ذكر الحبّة الثالثة].

القول بأنّي أشعُر بالتمتّع هو كِذْب مَحْض. وقد علّمني والدي بأنّ أنجحَ كذب هي الحقيقة. وكيف وصلتُ إلى هذه الحالة؟ العلم عند الله. ها ٱنظر، أنا منزوٍ في بيتي قسرًا ريْثَما أنتعش كليًّا من السَّكتة القلبية الشديدة التي أصابتني؛ وعندي مُساعد بعون الله؛ جهاز صغير وثابت يُحصي نبضاتِ القلب ويُنظّمها. هذا القلب لم يخيّب أملي وأمل أقربائي القلقين.

ماذا أقول لك؟ إضافة إلى ذلك الجهاز، هناك في قلبي جزيل الشكر والامتنان لله تبارك وتعالى ولكلّ المهتمّين بسلامتي، الذين وقفوا بجانبي في أحلك ساعاتي، وكذلك توجد مرارة كثيرة لأنّ تلك الأيّام الحلوة التي كنتُ أتناول فيها كلّ ما لذّ وطاب في الحياة، بلا حساب ولّت دون رَجعة. ما العمل، لا يُمكن الحصول على كلّ شيء في الحياة. يجب الاستمرار في تقديم الشكر لله على كلّ يوم يمنحُنا إيّاه، سُبحان الله وتبارك اسمُه.

كِدت أنسى ما أردتُ أن أقُصَّه عليك. إزاءَ أيّام القلّة والجوع، عرفنا أيّامًا أكلنا وشبعنا وتمتّعنا بكلّ لحظة؛ حتّى أنّنا تبارينا، الواحد مع الآخر، من هو ذو أكبر شهية. وهذا يُعيدني إلى أيّام شبابي، عندما ترأّس الطائفةَ الكاهنُ الأكبر توفيق بن خضر (متسليح بن فنحاس) المعروف بكنيته ”أبو واصف“.

اهتمّ والدي الأمين (بنياميم) بتوفير كلّ شيء، كما أرسلني لتعلّم التقاليد السامرية على أفضل المعلّمين الكهنة. فرَص الاستجمام بالنسبة لي ولمجايليّ كانت جدّ محدودة، ولذلك سُررنا بكلّ مناسبة أُتيحت لنا لإطلاق العنان لما فينا من نشاط وحيوية بوفرة.

السِّباقُ أوّلًا

اهتممتُ بالمنافسة التي كانت تجري بين الآخرين حول مواضيعَ مختلفة، مثل الثقافة والتجارة وقدرة الإقناع وجمع المال، من تلك التي كانت تدور بيني وبين رفاقي. إحدى تلك المنافسات الأكثر تسليةً، جرت بين أصحاب الشهية في الطائفة السامرية، والموضوع لا يتعلّق بالأطعمة، فتناول الطعام الجيّد كان من الكماليات، لم يتوفّر لكلّ شخص، ولذلك عندما أُقيمت مسابقة كهذه تجمّع الكثيرون للمشاهدة بتوْق كيف يلتهم البعض كمياتٍ من الطعام لا يمكن لهم شراؤها. عن واحد من هذه الرهانات تدور قصّتي التالية.

فتح الكاهن واصف (آشر) ابن أبي واصف حانوتًا صغيرًا لما لذّ وطاب، كعك ومكسّرات؛ نصف نظرة كانت تلتقط (تحوّق) كلّ ما في الحانوت الصغير. وفي المقابل، كانت قُبالة الحانوت ساحة كبيرة اعتاد الشيوخ والشباب الجلوس هناك والتحدّث عن كلّ ما هبّ ودبّ. ومن بين الحضور تواجد عادة الكاهن الأكبر أبو واصف، وهذا ما جذب الكثيرين ليكونوا بمعيّته؛ والرابح من كلّ أولائك كان الكاهن واصف. كلّ واحد من الحاضرين اشترى شيئًا ما لإرضاء والد الكاهن واصف، ألا وهو الكاهن الأكبر بلحمه وعظمه.

كان من ضمن المجتمعين بعض الجدعان (الأبضايات) المعروفين في الطائفة؛ أذكر منهم من أجل القصّة الشيخ فتح الله بن حبيب صدقة المعروف بكنيته ”أبو حفظي“ وعفيف بن فياض (زبولن) الدنفي الذي رُزق بابن بكر اسمه جميل إلّا أنّ الناس استمرّت تناديه عفيف. عرف أبو حفظي واشتهر بسعة معرفته؛ حفظ سِفري التكوين والخروج عن ظهر قلب؛ أجاد ترتيل أشعار كثيرة وحفظ غيبًا أقسامًا كبيرة من جميع صلوات العام. وكم أحبّ ٱلاستماع لترتيل الأشعار. وللصلاة كان يصل دومًا مع أو قبلَ الكاهن المرنّم الذي يبدأ بالصلاة.

ومن جهة أُخرى، ٱمتاز عفيف ألطيف الدنفي بمناقبَ أُخرى؛ عُرف بصرامته، وكثيرون من الطائفة احترموه. وتحلّى الاثنان بصفة مشتركة، حبّهما للأكل لا سيّما لما لذّ وطاب وبكميّة كبيرة. كان أبناء الطائفة على دراية بهذا وتابعوا موضوع شهيتهما. والغريب في الأمر، أنّه بالرغم من شهيّتهما الشديدة للطعام لم ينعكس ذلك على بنيتهما؛ القامة متوسّطة، لا بالسمينة ولا بالنحيفة، مُتعة لتراها العيون.

ذات يوم، التقى الاثنان بالصدفة في دكّان الكاهن واصف؛ وفي الخِزانة الزجاجية الصغيرة رتّب الكاهن واصف صفوفًا لافتة للنظر فتُسيل اللعاب من معجّنات يدي رفقة زوجته المخلصة؛ ابتداء من الكعكات الصغيرة الخفيفة وانتهاء بالثقيلة الكبيرة. إحدى الكعكات الكبيرة كانت مجدولة من العسل، بذور المشمش الحلو والفستق الحلبي وخليط من السكّر والطحين، الكل لصق بالكعكة وجفّفها. اعتبرت تلك الكعكة الصنف الحقيقي ممّا لذّ وطاب، وكانت أثمن كعكات رفقة وأكبرها. شكلها كان مثل القمر في آخر الشهر كالقوس. وكان أبي يُعطيني غير مرّة مصروف جيبة لأشتريها.

كان ثمنها ”باهظًا“، قرشًا ونصف القرش، مبلغ كافٍ لإشباع بطن الشخص ليوم واحد. وأذكر أنّني لم أتمكّن من أكلها فتقاسم بقيتَها رِفاقي بفرح وحبور.

المسابقة - التنافس

”حقًّا. إنّها كعكة محترمة“ - قال عفيف لأبي حفظي؛ ”وإن سألتني فإنّي قادر علـى التهام اثنتين دفعة واحدة“. ”ما رأيُك بأنّي قادر على أكل كلّ الكعكات الثماني الموجودة هنا في الخِزانة؟“ - سأل أبو حفظي بابتسامة فيها تحدٍّ. لم يصدّق عفيف ما سمعتُه أُذناه؛ كميّة كهذه لا يستطيع حتّى فخري عبد الهادي العملاق التهامَها. تلك المحادثة بين الاثنين استدعت كلّ الطائفة إلى الباحة لمعرفة ماذا سيكون.

”إذا استطعتَ فِعلَ ذلك فإنّي أتعهّد بدفع ثمن كلّ الكعكات، اثني عشر قرشًا، وإلّا فعليك أن تدفع لي هذا المبلغ ومبلغًا مماثلًا رسوم الرهان“ - قال عفيف بصوت جهوري لأبي حفظي.

”موافق“ - أجاب أبو حفظي ضاحكا. ظننتُ أنّه يسخر، يمزح؛ فالعِملاق لا يقدر على تناول ثماني كعكات ضخمة كهذه فكم بالحري رجل عادي سيشبَع من نصف كعكة فقط.

التهم أبو حفظي الكعكةَ تلوَ الأُخرى كساحر، اختفت جميعُها في فمه. وبعد الثامنة مدّ أبو حفظي يدَه لعلّ هناك تاسعة. إمّحتِ الابتسامة من على سِحنة عفيف، ”تحطّم، انهار“.

”إدفع لابني ما يستحقّه“ - قال له أبو واصف.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكمة التجارة وأجرُها
- عيّنة من عبرية الجيش الإسرائيلي العامّيّة
- ذكريات دوّنها الكاهن الأكب يعقوب بن عزّي عن جدّه ورحلة والده ...
- تتمّة تاريخ أبي الفتح السامري
- إلى متى هذا ااستخفاف بلغتنا القومية
- قصص أبي جلل - خضوع وأجرُه بجانبه
- قصة أبي جلال - الخاتم
- مقتط
- طرائف مختارة
- الله لا ينسى الطيّبين
- أبو فارس طرد الروح الشرّيرة
- تعويذة امرأة حائض
- منتدى المحرقة الدولي يجب أن يُلغي اشتراكَ حكومة إسرائيل بسبب ...
- سرّ ثراء فرج (مرحيب) صدقة
- چدعون چيتاي ١٩٤٠٢٠١ ...
- جولة في الإپونيمات (ج) الجزء الخامس والأخير
- جولة في الإپونيمات القسم الرابع (ث)
- جولج في الإپونيمات (ت)
- جولة في الإپونيمات (ب)
- جولة في الإپونيمات (أ)


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - عندما طلب أبو حفظي طبقًا ثانيًا ٱنهار عفيف