أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم العراقي - رامبو في مهب الريح















المزيد.....

رامبو في مهب الريح


رحيم العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


شاعر التصقت بموهبته الفذة لعنة الفنان. والفنان المبدع عمليا سيما العبقري هو المحكوم بعدم الاسترخاء. ويمكن ترجمة الاسترخاء في الحياة بصور عديدة، منها الاستسلام لسهولة الحياة، الاسترخاء في البنيان، والاستقرار على ما خطه أو انتهجه الآخرون من أعراف وقوانين لا تخدم في المحصلة سوى مصالح فئة محدودة من المجتمع. وربما من سلم عقله للآخرين ليفكروا عنه ويخططوا له مسار حياته.
ورامبو الشاعر الذي ارتبطت به صفة المتشرد، ولد في شارلفيل في فرنسا في 20 أكتوبر عام 1854، وكان الابن الثاني لقبطان المشاة فريديريك رامبو وزوجته فيتالي غويف.
كانت طفولة رامبو منذ بدايتها وحتى نهايتها، مشحونة بالتوتر، سيما بعد هجر الوالد لعائلته عام 1860 واختفائه من حياة أبنائه، ليبقى آرثر في إطار عالم والدته الأرستقراطي المتشدد والمتزمت وهو نقيض عالم والده المحاط بالثقافة والأدب والمتمثل في مكتبة المنزل الزاخرة بشتى أصناف الكتب.
في طفولته كان قارئا نهما، وتلميذا متفوقا ولامعا، حصد الكثير من جوائز التقدير. كان الأساتذة يقدرونه إلا أنهم كانوا يلحظون بين الحين والآخر شيئا ما في نظرته ينم عن الاغتراب.
وفي السادسة عشرة من عمره بدأ يكتب قصائد باللاتينية، وحينما أدرك أستاذه جورج إيزامبارد موهبته المتميزة أتاح له فرصة مطالعة جميع الكتب المتوفرة في مكتبته الخاصة كما شجع إلهامه الشعري.
نشأت صداقة بين التلميذ والمدرس، وبدأ رامبو التأليف وإعادة كتابة قصائده وإرسالها إلى الشاعر الشاب بول ديمني الذي تعرف إليه عن طريق أستاذه.
وفي عام 1870 نشرت مجلة «لو ريفيو بور توس» أول قصيدة له كتبها عام 1869 بعنوان «أيتام صندوق عيد الميلاد». وللأسف ساهم اندلاع الحرب الأهلية في تعقيد حياة هذا الفتى ذي الطاقة الكامنة التي تفوق مقدرته على لجمها. فنتيجة للحرب توقفت الكتب والمجلات والصحف من الوصول إلى مدينته شارلفيل، مما جعل آرثر يشعر بالاختناق والمعاناة ولطالما انتقد تلك المدينة في رسائله.
كان هذا الحصار الفكري بمثابة شرارة اندلاع طاقته الكامنة وثورته الداخلية، ولم يتردد في الانقياد لرغبته الجامحة في الهرب عدة مرات ليعود بعد أن يكون الجوع والفقر قد استنزفاه. ولم تتمكن ثورة الشعب في باريس في 18 مارس التي كان معها بجوارح قلبه من استقطاب تلك الطاقة.
وفي خضم الثورة بات آرثر فتى فوضويا عنيفا حيت ترك الدراسة بعد شعوره بالملل من الروتين الأكاديمي. وبدأ حياته كمتشرد وسلم قيادة نفسه للريح. كان يترجم عن قلقه وثورته الداخلية بمختلف أساليب الرفض، مثل شرب الكحول وانتقاد سلوكيات الناس من حوله والسخرية من نمط حياتهم الزائف، ومن ظلمهم للفقراء بصورة وقحة وفجة.
وقد شرح في رسالتين لصديقيه المدرس والشاعر الشاب، تلك الفوضى التي هيمنت على جميع حواسه ويقول، «لقد باتت القصيدة بمثابة وسيط لذاك الهيجان المتسع الذي يبرر فوضى جميع الحواس».
كان رامبو يتأرجح بين الانجذاب إلى المطلق وبين الميل إلى اليأس، هرب من المنزل المرة تلو الأخرى. في الأولى اتجه إلى بلجيكا لقربها من حدود مدينته، وبعد مضي بضعة أيام عاود الهرب إلى باريس حيث تم القبض عليه وسجنه بسبب تحايله على القانون من خلال استخدامه لبطاقة ترام غير صالحة.
وبعد إطلاق سراحه، توجه مباشرة إلى دواي. كان يجوب الشوارع والمقاهي مع صديقه ارنست ديلهاي. وتناولت قصائده في تلك المرحلة الأحداث والمشاهد اليومية التي كان يصادفها والتي كانت تستفزه.
وفي نهاية صيف عام 1871، كتب إلى الناشر الباريسي فيرلين الذي أعجب بقصائده. وتحت تأثير سحر موهبته دعاه الناشر إلى باريس وكتب له، «تعال أيها العزيز ذو الروح العظيمة، فأنت مدعو ونحن في انتظارك».
ولم يكن رامبو ينتظر ما يزيد عن ذلك ليسرع حاملا معه متاعه الوحيد وهو قصيدته الشهيرة «القارب الثمل» التي كتبها قبل زمن قصير. أقام رامبو مع عائلة زوجة فاليري الحامل. إلا أن تصرفاته البعيدة كل البعد عن سلوك المجتمع الراقي أدت إلى انزعاج العائلة. وانتهى به الأمر في الإقامة لدى بعض أصدقاء مضيفه.
ويبدأ فصل جديد من رحلة ضياعه وتمرده على ناموس الحياة. ونتيجة للعلاقة الملتبسة بينه وبين فاليري يغادر الإثنان إلى لندن عام 1872 ويستقرا فيها. وهناك عاد فاليري إلى إدمانه على الكحول وبدأ الاثنان يتجولان بلا هدف. وبعد أقل من سنة تحولت صداقتهما إلى صدام وجدال لتنتهي بدراما. تمثل ذلك حينما أخبر رامبو صديقه الثمل بقراره في الرحيل بمفرده مما دفع فاليري إلى إطلاق رصاصة من مسدسه باتجاه رامبو التي أصابت كتفه. وهنا انتهى به الأمر بالسجن لمدة عامين.
كتب رامبو بعدها قصيدة «فصل في الجحيم» التي وصف فيها تجربته تلك وأبعادها. ويذكر بأنها كانت قصيدة الشاعر قبل الأخيرة إذ لم يكتب بعدها سوى النثر، أما قصيدته الأخيرة هي «الإشراقات» وتتميز بغموضها المستعصي.
وبعد حين بدأ التفكير بتوجه جديد في الحياة في إطار العمل على تكوين ثروة والتمكن من العيش كما يريد هو لا الغير. وبفضل توصية من صديق، حصل على عمل في وكالة استيراد وتصدير وكان حينها في السادسة والعشرين من عمره. ولم يستمر رامبو في عمل واحد إذ كان دائم التنقل، واستقر أخيرا في أثيوبيا وتاجر بتهريب السلاح وتعاون مع تجار الرق في إحدى المراحل.
كانت الرسائل التي كتبها لعائلته وأصدقائه حينما تتاح له الفرصة، تصف الكآبة التي هيمنت عليه وذلك من خلال وصفه للصعوبات المالية التي واجهته إلى جانب صدامه بشأن أسلوب المراسلات التي كان يعترض على نمطها ويسعى إلى تقديم تصور جديد لها.
وحينما تمكن رامبو أخيرا من جمع ثروة لا بأس بها لتحقيق حلمه في العيش كما يريد سيما بعدما وصل إلى مرحلة من السكينة وهدوء السريرة، لم يحقق له القدر هذه الأمنية إذ اعتلت صحته وعانى من آلام شديدة في ركبته. تلك الآلام دفعته للعودة إلى فرنسا في 9 مايو 1891، حيث تبين وجود ورم في الركبة تطلب بتر الساق. وبعد معاناة مع المرض امتدت لستة أشهر توفي هذا الشاعر العظيم في إحدى مستشفيات مارسيليا في 10 نوفمبر من ذات العام.



#رحيم_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديكارت
- شاتوبريان
- كونفوشيوس
- بيت في الوزيرية
- كيف تحولت الأرض الى كوكب...؟
- اليوتوبيا الملموسة لأرنست بلوخ
- الفضائيات العربية
- ما بعد الرعب
- كافكا والفتيات
- قبل أن أنسى ..قحطان العطار ..الجزء الثاني والأخير
- أيديولوجيا اليمين المتطرف
- 72نجمة في سماء المحبة
- الصراع الهندي الباكستاني الذي لاينتهي
- شارل ديغول
- تقليد ياباني
- مملكة الاخلاق
- حول العولمة
- نظرات جديدة للتاريخ الأميركي في عصر العولمة
- النساء الايرانيات بين الاسلام والدولة والاسرة
- العولمة، الحركات الاجتماعية، والأمميات الجديدة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم العراقي - رامبو في مهب الريح