|
حكم القانون في ظل الديمقراطية اللبرالية
قصي الصافي
الحوار المتمدن-العدد: 6504 - 2020 / 3 / 2 - 13:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يمكن لأحد أن ينكر ما حققته الديمقراطية اللبرالية من منجزات في مجال الحريات السياسية وسيادة القانون وحقوق الانسان، إلا أن ذلك لم يتحقق برغبه النخب السياسية الحاكمة أو كنتيجة لتنورها أو لتطور في وعيها الحقوقي كما هو شائع، بل هو حصيلة لصراع طويل تخللته ثورات و حراكات شعبيه قادتها أحزاب ونقابات ومنظمات الدفاع عن حقوق الأنسان، من حركة الحفارين واللفلرز في بريطانيا والثورة الفرنسية و كومونة باريس وثورات ١٨٤٨ م مروراً بالحركات المناهضة للحروب وصولاً الى حركة مناهضة العولمة وغيرها من الحراكات المعاصرة. الادعاء بأن الديمقراطية هي المنجز الحضاري للرأسمالية إنما هو استهانة بتضحيات ونضال الشعوب عبر التأريخ لانتزاع حقوقها، وقد كان الأغريق القدماء في أثينا يقولون: لا تحيا الديمقراطية ان لم يشعرالاوليغارك بالخوف. وربما يفسر هذا ما شهدته العقود الاربعه الماضية من تراجع للديمقراطية اللبرالية التي بدأت تتعثر بمتناقضاتها وتستهلك منجزاتها؛ وقد سلمت مفاتيح التحكم بآلياتها بيد الطبقات الاوليغاركيه فاحشة الثراء، والتي تمكنت من الهيمنة على صناعة القرار في الديمقراطيات العريقه والفتيه على حد سواء. تكمن اشكالية الديمقراطية اللبرالية بالاعتقاد أن الحريات السياسية وحقوق الانسان والمساواة أمام القانون يمكن تحقيقها بمعزل عن العامل الافتصادي والفوارق الطبقية، أي ان المواطن البسيط مثلاً يمتلك من حرية التعبير و الوصول الى المعلومه و نشرها، بقدر ما يتمتع به مردوخ ملك الاعلام في العالم، والذي يمتلك معظم وسائل الاعلام من قنوات فضائيه وجرائد، إضافة إلى نفوذه الواسع لدى جميع حكام البلدان في المعمورة، أو أن القانون يمكن أن يقف محايداً ومنصفاً للفصل بين فلاح صغير تضررت أرضه من مبيدات مونسانتو، وبين شركة مونسانتو التي تمتلك جيشاً من كبار المحامين وخبراء القانون، ناهيك عن نفوذها في اروقة المحاكم والسياسة. بالعودة الى عنوان المقال، ما يدعو الى التركيز على حكم القانون، كونه أحد المرتكزات الاساسية للديمقراطية ان لم يكن عمودها الفقري. ما هو شائع عن حكم القانون في ظل الديمقراطيات الغربية صورة مثالية متخيلة لا تخلو من مبالغة، مفادها أن القانون لا يفرط بشئ من عدالته بوجه النفوذ والثروة، فالجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن المكانه والنفوذ السياسي أو الاقتصادي. في الدول الديمقراطية تتحقق المساواة أمام القانون والعدالة الحقوقيه فقط في الفصل بين عامة الناس، بينما يبدي القضاء ليونة فائقة في الاحكام ضد فاحشي الثراء أفراداً أو شركات، ولا يقتصر ذلك على صياغة القوانين بل في تنفيذها أيضاً. ولم يكن مبالغاً من وصف القانون على انه مثل شبكة العنكبوت، تمزق خيوطها و تنفذ منها الحشرات الكبيرة بينما تعلق بخيوطها الحشرات الصغيرة، وقد عبر جورج أورويل عن ذلك بسخرية ( الجميع متساوون إلا ان هنالك من هو أكثر مساواة من الآخرين )، ويمكن لأي متتبع - دون جهد كبير- أن يجد ما لايحصى من الشواهد والأسانيد لاثبات ذلك، إلا ان الملفت للانتباه الى حد الصدمه والذهول أن ينعم مثلا رؤساء سلسلة مصارف (HSBC ) العالمية بحياتهم المترفة أحراراً خارج السجون، بعد أن أثبتت السلطات تورطهم في غسيل أموال عصابات المخدرات وأموال المنظما ت الارهابيه!. لم تعد فضيحة غسيل الاموال التي اتهمت بها تلك المصارف قابلة للتغطية بعد أن أثبتت التحقيقات الفدراليه واعترفت ادارة المصارف بأنها متورطة مع سبق المعرفة والاصرار ولأكثر من عقد بتهريب اموال عصابات المخدرات المكسيكية والكولومبية، اضافة الى أموال منظمات ارهابية مرتبطة بمصارف سعودية وبنغالية مشبوهة. وقد ذكر خبراء مكافحة المخدرات أن تهريب أموال عصابات المخدرات أصعب بكثير من تهريب المخدرات ذاتها، وقد مارست تلك العصابات أعمال عنف راح ضحيتها المئات من القتلى في المكسيك وكولومبيا، و ادخل في السجون الامريكيه عشرات الآلاف من الفقراء الامريكيين ممن عثر بحوزتهم على كمية ولو قليلة من المخدرات، كما أن عشرات الآلاف قد أدمنوا على تعاطيها، فهل استل القانون سيف الصرامة على تلك المصارف التي سهلت لعصابات المخدرات والارهاب عملها التدميري؟ كلا، بل تمت تسوية الأمر باتفاقية عام 2015 بين وزارة العدل الامريكيه ومسؤولي ادارة تلك المصارف بدفع غرامة تقدر بأرباح البنك لخمسة أسابيع فقط، ولم يدخل أياً من المسؤولين السجن حتى ليوم واحد، بل عوقبوا بتأخير ( وليس الغاء) استلام مكافآتهم لمدة خمس سنوات، وعدم استخدام طائراتهم الخاصة للأصطياف ببحر الكاريبي لمدة سنة، وهكذا تحققت سيادة القضاء العادل ولا أحد فوق القانون !!.
#قصي_الصافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشتركات بين انتفاضتي العراق و تشيلي
-
إنتفاضة تشرين... بداية النهاية
-
النظام الابوي كبنية تحتية لفكر اليمين والفاشية
-
ماذا لو أضرب قادة العراق عن العمل!
-
عصر رأسمالية الرقابة ج 2
-
قراءة في كتاب: عصر رأسمالية الرقابة
-
كرم سماحة الرأسمالي
-
نيتشة ...عودة الى البربرية الجزء الثاني
-
نيتشة ...عودة الى البربرية...... الجزء الاول
-
السكين والتوماهوك ونظرية بودريار
-
سي السيد وفلسفة اليمين المحافظ
-
غاندي قراءة مختلفه .. الجزء الثاني
-
غاندي. . قراءة مختلفة
-
من هم الرعاع حقاً ؟
-
العملية السياسية في غرفة الانعاش
-
سائرون. . .هل من آفاق للتغيير؟
-
موحدون تحت مظلة الخوف
-
هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟ الجزء الثالث
-
هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟ الجزء الثاني
-
هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟
المزيد.....
-
مطار خطير لدرجة أن 50 طيارا فقط مؤهلون للهبوط فيه.. إليك أين
...
-
انفجارات -البيجر-.. عميل CIA سابق يتحدث لـCNN عن تفاصيل استخ
...
-
-انفجارات البيجر-.. مدى خطورة إصابة سفير إيران وتعهد حزب الل
...
-
انفجار أجهزة -البيجر- لعناصر حزب الله.. هذا ما قالته إيران ع
...
-
-الهروب الكبير- تفاعل مواقع التواصل مع محاولة جماعية للهجرة
...
-
الولايات المتحدة تحرك جنودا وعتادا إلى جزيرة مهجورة في ألاسك
...
-
الفلسطينيون يدفعون نحو قرار أممي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسر
...
-
كيف أدى تغير المناخ إلى تطرّف الفيضانات عبر العالم؟
-
مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ من
...
-
العاهل الأردني يوافق على تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة جعفر
...
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|