أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمد جوشن - حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (3 )















المزيد.....

حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (3 )


خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)


الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 18 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


انى ارى ما لاترون ، واسمع ما لاتسمعون ، والله لو تسمعون ما اعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفراش ، ولخرجتم الى الصعدات تأجرون الى الله ، والله لوددت انى شجرة تعضد
محمد بن عبد الله

هكذا يبدا صلاح عبد الصبور هذا الفصل من كتابه ،ويقول يصفنى نقادى باننى حزين ، ويديننى بعضهم بحزنى ، طلبا لابعادى عن مدينة المستقبل السعيدة بدعوى اننى افسد احلامها وامانيها ، بما ابدوه ، من بذور الشك فى قدرتها على تجاوز واقعها المزدهر فى رأيهم الى مستقبل ازهر

وقد ينسى هذا الكاتب ان الفنانين والفئران هم اكثر الكائنات استشعار للخطر ، ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقى بنفسها فى البحر هربا من السفينة الغارقة ، اما الفنانون فانهم يظلون يقرعون الاجراس ، ويصرخون بملء الفم ، حتى ينقذوا السفينة ، او يغرقوا معا

الانسان يعرف ان لكل شيىء غاية ، لانه الحيوان الوحيد الذى يستطيع ان يربط بين المقدمات والنتائج وهو حين يعاين الموت يلح هذا السؤال عليه الحاحا ممضا ، فمما لاشك فيه ان الموت نفى للحياة ، والموت العام مثل موت الحضارات نفى عام للحياة ، وحين يدرك الانسان ان كل شيىء محكوم عليه بالموت ، وانه ينتظر الموت وان كان لايتوقعه كما يقول سارتر ، يدرك ان الوجود والعدم وجهان لكون واحد
ولكن فى رحلة الحياة الحافلة بالالم الوانا من الابداع فقد يتحقق فيها خلق للجمال والقيم ، وقد تتحقق فيها مسرات الحب والضحك والصحبة

ولكن هل هذا تبرير كاف للحياة ، ما غايتها اذن ؟ ان السؤال يلح حين يوهب الانسان نظرة تاريخية ، تضع فى حسبانها حياة التجربة البشرية باكملها

ان هناك ثلاثة طرق من الاجتهاد تحاول مساعدة الانسان لتجاوز ذاته كى يستطيع ان يعطى لحياته معنى هى الدين والفلسفة والفن

ان النبى والفيلسوف والفنان اذن اصوات شرعية ، وشرعيته تشمل كل الوان الحياة الانسانية بغية تنظيمها ، ومجال رؤيتهم هو الظاهرة الانسانية
ان معظم الفنانين حتى الملتزمين منهم كانت لرؤياهم هذا القدر من الاتساع والشمولية وهذا الحزن الغامر على الانسان وماضيه الطويل المخيب للامال


لنسمع برتولت بريخت يقول
حقا اننى اعيش فى زمن اسود
الكلمة الطيبة لاتجد من يسمعها
والجبهة الصافية تفضح الخيانة
والذى مازال يضحك
لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب
اى زمن هذا ؟

ويمضى صلاح عبد الصبور فيقول لست شاعر حزين ولكنى شاعر متالم
وذلك لان الكون لايعجبنى ، ولانى احمل بين جوانحى ، كما قال شيللى شهوة لاصلاح العالم

وقد اعترف شيللى انه استقى هذا التعبير الجميل من احد الفلاسفة الاسكتلنديين ، ولعل فى ذلك اشارة الى المعنى الذى اشرت اليه من الصلة بين الدين والشعر والفلسفة

وقد يحمل الفلاسفة والانبياء رؤية مرتبة للكون ، وقد يصطنعون منهجا مرتبا فى النظر الى خصائصه ، ولكن الشعراء يعرفون ان سبيلهم هو الانفعال والوجدان وان خطابهم يتجه الى القلوب

وكثيرا ما ادرك الانبياء والفلاسفة ذلك فاصطنعوا منهج الشعراء ، ففى اثار كل نبى عظيم او فيلسوف كبير قبس من الشعر
ولدى الفلاسفة نظرة كاشفة للحياة وينتابهم الشك احيانا فى امكان الاصلاح وها هو محمد الرسول يستند الى جدار لكى يشكو بثه الى الله ( اللهم اليك اشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا ارحم الراحمين ـ انت ربى المستضعفين ، وانت ربى ، الى من تكلنى الى بعيد يتجهمنى ، ام الى عدو ملكته امرى )
وهو الذى قال فى احد احاديثه الحزن رفيقى

اما يسوع فقد ادرك فى عشاءه الاخير ان ما حققه دون ما أمل فيه، وانه لابد ان يبذل ثمنا جليلا لكلماته ، فصحب ثلاثة من من اخلص اصفائه ، وصعد الى الجبل ، وابتدأ يحزن ويكتئب ، فقال لهم نفسى حزينة جدا حتى الموت ، وخر على وجهه وكان يصلى قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عنى هذه الكائس

ويحدثنا باسكال العظيم قائلا ان من بلغ الاربيعين ولم يكره البشر فكانه لم يعرفهم بعد
اما نيتشه فيقول ( ليس هناك فنان يستطيع ان يحتمل الواقع ، لان من طبيعة الفنان ان يضيق ذرعا بالعالم )
ويقول فان جوخ فى مذكراته ( اننى لازداد اقتناعا يوم بعد يوم ، انه من الخطأ ان نتخذ من العالم معيارا للحكم على قدرته ، فما هذا العالم سوى صورة تخطيطية او دراسة سريعة اخفقت فى تحقيق ما كان يريده )
اننا نتالم لاننا نحس بمسؤليتنا ، ونعرف ان هذا الكون هو قدرنا ، لقد كنت مرة اقراء بيت المعرى العظيم ربما للمرة المائة :
وهل يأبق الانسان من ملك ربه
ويخرج من ارض له وسماء

ان الانسان عبد لا لان الله امره بعبادته ، بل لان الحياة ذاتها عبودية واسر واين يستطيع الانسان ان يهرب ، ان الانسان كما قال بريخت محكوم عليه بالحياة والاختيار المصيرى هو قبول الحكم او رفضه

والوسيلة الوحيدة كما قال كامى هى الانتحار

الانتحار المادى ، او الانتحار الادبى ، حين يلقى الانسان المسؤلية عن كاهله وينطلق فى ارجاء الارض خفيفا مرحا ، لايحمل هما او يضنيه شاغل
اما القبول بالحياة فيعنى تحمل المسؤلية، ويعتذر الينا شيللى حين يقول ( ان من وهب القدرة على تهذيب سواه ، وادخال البهجة على نفوسهم ، فرض عليه ان يفعل ذلك ، مهما يصغر حظه من الموهبة ، فان خاب جهده فلتكفه الخيبة عقابا ، ولايشغلن احد بتكديس التراب على ذكراه ، لان المكدس سيكون شاهدا على رميمه المدفون)
لا اعرف فى تاريخ الشعر العربى شاعرا فرحا بالحياة كابى نواس ، ولكن هذا الفرح لايفرحنى ، بل انى احس به شاعر دفع به الى مأزق ، لقد قرا ودرس وتفلسف ، ولكنه وجد ان كل قراءاته وفلسفته لاتساوى شيئا فى مقياس العصر
وان جلفا من اهل النسب والثروة ليستطيع ان يدرك فى عصره ما لم يدركه استاذه واصل بن عطاء ، فتبدل واستهتر ، كما انه لم ينجو من شكه الميتافيزيقى الذى لايستطيع التعبير عنه ، فاثر الانتحار الاخلاقى ، وظن انه اصبح بمنجاة من الفكر ، ولكن ظنه خاب ، فان المسؤلية كالضغينة المختفيه فى النفس ، وبخاصة عند الفنانين ، فما تزال حتى تجد لها سبيلا الى الظهور

ان الفنان يولد فى الفن ، ويعيش فيه ، ويتنفس من خلاله ، وكل فنان لايحس بانتمائه الى التراث العالمى ، ولا يحاول ان يقف على احدى مرتفعاته فنان ضال ، وكل فنان لايعرف ابائه الفنيين الى تاسع جد لايستطيع ان يكون جزء من التراث الانسانى ، وهو فى الوقت ذاته لا يستطيه ان يحقق دوره كأنسان مسؤل فى هذا الكون

والان اعود الى السؤال الاول الذى سالته نفسى حين استأنفت الشعر بعد مدة الانقطاع الاولى :
ما جدوى الحياة؟
وللحديث بقية فى مقال قادم



#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)       Khalid_Goshan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (2 )
- موت سندريلا اخرى
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور
- متى يخرج الدين ؟
- ثورة يوليو خير وشر
- الدكتور زكى مبارك امير البيان
- يوميات عادية جدا 5
- معونة الشتاء
- وكأنه شخص أخر
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصره جون رولز (2) نظرية فى العدل ...
- الكتابة ذلك العذاب
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة جون رولز (1) نظرية فى العدل ...
- مغامراتى فى العراق 1
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة كارل بوير ب بقلم أنطوني كوين ...
- موت شجرة
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة كارل بوير أ بقلم أنطوني كوين ...
- الولع بالانثى ابدى
- ليو شتراوس وصحوة الفلسفة السياسية ب بقلم يوجين ف ملر
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة 4 أ ليو شتراوس وصحوة الفلسفة ...
- اعلام الفلسفة السياسية 3 ف أ هايك الحرية من اجل التقدم


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمد جوشن - حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (3 )