أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام القروي - هل العرب يكرهون الديمقراطية أم هل هناك مشكلة مع أسلوب الادارة الأمريكية ؟















المزيد.....


هل العرب يكرهون الديمقراطية أم هل هناك مشكلة مع أسلوب الادارة الأمريكية ؟


هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)


الحوار المتمدن-العدد: 1569 - 2006 / 6 / 2 - 07:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نقد إدارة الأزمة : ماذا ستفعل ادارة ديمقراطية بعد الجمهوريين ؟

ثمة شبه اجماع عالمي على وجود أزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 على الأقل. ولقد تعاملت الادارة الأمريكية الحالية مع هذه الأزمة – ولعلها في المقام الأول أزمة ثقة – بأسلوب وعقلية خاصتين. ونحن لا نتحدث هنا عن أزمة بين واشنطن والحكومات العربية الحالية, فمع بعض الاستثناءات مثل سوريا والسودان , لا نعتقد أن حالة العلاقات بين الحكومات العربية والحكومة الأمريكية تحتاج الى أن نراجعها بالتحليل والنقد. المشكلة , كما نتصور, أعقد من ذلك. إنها بين المجتمعات العربية والولايات المتحدة, وعندما نقول "المجتمعات العربية" نقصد أولا , المنظمات الأهلية , والجامعات, والنخب . فهذه هي التي يرتكز عليها أي برنامج اصلاحي ينوي بناء ديمقراطية شفافة لا غبار عليها. وفي نظرنا أن مشكلة أمريكا الأساسية تتمثل في اقناع هذه الأطراف, لأن المستقبل يبنى بفضل التعاون الراشد معها, ولا يمكن فعل شيء حقيقي – أي دائم – دونها.
لقد تحدث الرئيس الاميركي جورج بوش مرات عديدة عن اعتقاده ان للولايات المتحدة مصلحة في الحرية السياسية في الدول الاسلامية، لان غياب الحرية يحرم الناس من القنوات السلمية للتعبير عن الاختلاف، وبالتالي فانهم ينساقون نحو البدائل العنيفة التي تعمل تحت الارض، كما انتقد الادارات الاميركية السابقة لمواقفها المتساهلة مع الانظمة العربية الدكتاتورية.
وبالرغم من ذلك, لا يزال العرب يرفضون رسالة الرئيس بوش, بحسب ما تظهره مختلف البحوث وعمليات سبر الآراء. فهل العرب لا يحبون الديمقراطية؟ لن نجيب عن هذا السؤال, ولكن هناك رأي يتعلق بأسلوب الادارة الأمريكية يستحق أن نتوقف عنده.

ظاهرة عالمية

انه رأي أحد المسؤولين المهمين في ادارة الرئيس كلينتون, وهو ساندي بيرجر , مستشاره للأمن القومي. فهو يقول ان المسألة لا تخص العرب دون سواهم. فنفس الظاهرة نجدها في انحاء اخرى من العالم . مثلا, واشنطن ملتزمة بالدفاع عن كوريا الجنوبية اذا اندلعت الحرب في شبه الجزيرة الكورية، غير ان اعدادا متزايدة من الكوريين الجنوبيين تنظر الى الولايات المتحدة باعتبارها خطرا اكبر على امنهم من كوريا الشمالية. ونفس الشيء يقال عن الحرب ضد الارهاب، وهي حرب مهمة للأمن الاوروبي بقدر اهميتها للأمن الأمريكي، ومع ذلك فانك تجد اعدادا اكبر من الاوروبيين يعتبرونها نتيجة للقوة الاميركية الانانية، ويضغطون على قادتهم من اجل رفضها.
ويرى بيرجر ان هذه المشاعر السلبية ناجمة، في جانب منها عن الاستياء الطبيعي من القوة الثقافية والاقتصادية والعسكرية الاميركية، وهو أمر لا يمكن التحكم به، وليس الأمريكيون بحاجة لتقديم اي اعتذار بشأنه، غير ان هذه المشاعر نتجت ايضا عن الطريقة التي تعمل بها ادارة بوش على تحقيق اهدافها. فأسلوب الادارة الاميركية المتعالي وفرديتها الفجة , حسب تعبيره, اغضبا حتى اكثر المرشحين لتبني القيم الاميركية واديا الى معارضة حتى من جانب اولئك المؤهلين بصورة اكبر للاستفادة من النجاحات الاميركية.
والنتيجة هي ان اميركا التي لم يسبق لها من قبل ان تمتعت بمثل هذا المستوى الحالي من القوة اليوم، تجد نفسها ابعد ما تكون عن الاقناع. وكما يقول " فأكثر مبادراتنا العالمية اهمية، من دعم الديمقراطية في الشرق الاوسط الى محاربة الارهاب، ستفشل على الاغلب، مالم نحدث تغييرا في اسلوبنا ـ او تغييرا في قيادتنا".
وفي رأي بيرجر أن معظم الديمقراطيين يتفقون مع الرئيس بوش على ان الحرب ضد الارهاب وانتشار اسلحة الدمار الشامل يجب ان تكون اولوية قصوى على المستوى العالمي، وان الحرب في افغانستان كانت ضرورية وعادلة وان حكومة صدام حسين كانت تمثل تهديدا توجب التعامل معه بطريقة او بأخرى. ويقول "مع الوقت، خطابيا على الاقل، استطاعت ادارة بوش ان تتبنى الهدف الديمقراطي القاضي بان الانتصار في الحرب على الارهاب يتطلب من الولايات المتحدة اكثر من مجرد تدمير شيء شرير. فيجب ايضا ان تبني شيئا جيدا وأن تدعم طموحات الشعوب الاخرى للعيش بحرية وسلام وقهر الفقر والمرض." ولكنه يخلص الى أن الطريقة التي مضت بها ادارة بوش تعمل على تحقيق هذه الاهداف كانت مدفوعة بمجموعة متطرفة من الافكار حول كيفية سلوك الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، فهناك استراتيجيون اساسيون داخل هذه الادارة يبدو انهم يعتقدون ان القوة الاميركية ـ تحديدا القوة العسكرية ـ في هذا العالم الذي تسود فيه الفوضى هي القوة الحقيقية الوحيدة للدفاع عن المصالح الاميركية، وان الولايات المتحدة مادامت تثير الخوف في قلوب الآخرين، فلا يهم ان كانت تحظى باعجابهم ام لا.
وهؤلاء انفسهم, برأي بيرجر " يؤمنون ان من الافضل تجنيد «تحالف ارادة» مؤقت لدعم تحركاتنا في الخارج لان التحالفات الدائمة تتطلب الكثير من المساومات على الحلول الوسط، كما يؤمنون ايضا بان الولايات المتحدة تمثل قوة حميدة بنوايا طيبة وبالتالي لا تحتاج للسعي وراء شرعية المصادقة من الآخرين، ويعتقدون ايضا بأن المؤسسات الدولية والقانون الدولي ليس اكثر من فخ نصبته الدول الأضعف من لفرض القيود علينا".

صدام حضارات داخل واشنطن

وهذه ليست بالافكار الجديدة ففي عهدي ادارتي الرئيسين ترومان وايزنهاور بذلت فئة متشددة من الجمهوريين في الكونغرس يقودهم زعيم الاغلبية في مجلس الشيوخ روبرت تافت، بذلت كل جهد ممكن حتى النهاية من اجل بناء نظام عالمي ما بعد الحرب، وهؤلاء عارضوا انشاء حلف الناتو مثلما عارضوا نشر القوات الاميركية في اوروبا لإيمانهم بأن الولايات المتحدة يجب ان تعتمد على الممارسة الانفرادية للقوة العسكرية لهزيمة المؤامرات السوفييتية .هؤلاء حاربوا ضد تأسيس البنك العالمي وصندوق النقد الدولي . وناصبوا الامم المتحدة العداء، كما قابلوا بالعداء «دعاة العالم الواحد» مثل اليانور روزفلت بسبب دعمهم للقانون الدولي. وجمهوريو تافت هؤلاء هيمنوا لفترة مؤقتة على الكونغرس الاميركي , غير ان رؤية هؤلاء الراديكالية للعالم لم تتمكن ابدا من ان تكون القوة المحركة لسياسة الفرع التنفيذي من السلطة ...ولكن يمكن أن نعتقد أن شيئا ما تغير بسيطرة "اليمين الجديد" على مواقع السلطة.
لهذا , يعتقد بيرجر ان «صدام الحضارات» الحقيقي يدور داخل واشنطن, ويضرب كمثال عن ذلك الخلافات العلنية التي شبت بين وزير الخارجية السابق كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهي ما أشار الى ان الصراع يدور حتى داخل ادارة بوش نفسها. وهو في الحقيقة ليس صراعا على قضايا متفرقة ـ فوائد الحرب على العراق، تكاليف معاهدة كيوتو او مستوى الانفاق على المساعدات الخارجية، على سبيل المثال ـ وانما هو يدور حول مفاهيم متناقضة كلية بشأن الدور الاميركي في العالم. انها على حد تعبير بيرجر " معركة تدور بين الليبراليين من دعاة العالمية في كلا الحزبين ممن يعتقدون ان قوتنا تكون اعظم عادة حين نعمل بالتنسيق مع الحلفاء دفاعا عن القيم والمصالح المشتركة, وبين اولئك الميالين للاعتقاد بأن الولايات المتحدة يجب ان تمضي منفردة ـ او ألا تمضي اصلا".
ولقد رأى المستشار السابق للأمن القومي أن "المتشددين" في ادارة بوش لم يترددوا ابدا في تعريف رؤيتهم والدفاع عنها علنا . لذلك, نصح زملاءه في الحزب الديمقراطي بأن يكونوا " واضحين بخصوص ما يؤمنون به وما سيفعلونه للدفاع عن امن ورخاء اميركا وقيمها الديمقراطية لاستعادة نفوذنا وموقفنا وقدرتنا على القيادة ويجب على الديمقراطيين صياغة سياسة خارجية لا تضع فحسب الاهداف الصحيحة وانما اعادة بناء قدرة اميركا على تحقيقها".

ديمقراطيون وجمهوريون : اتفاق واختلاف

ولقد نشر "معهد السياسة التقدمية" التابع للحزب الديمقراطي مؤخرا كتابا مهما هو عبارة عن مجموعة من المقالات والآراء والبحوث بأقلام خبراء المعهد, بإشراف من السيد ويل مارشال رئيس المعهد. والكتاب يحمل العنوان التالي: " بكل قوتنا, استراتيجية تقدمية من أجل هزم الجهادية و الدفاع عن الحرية " : With All Our Might: A Progressive Strategy for Defeating Jihadism and Defending Liberty-

ويمكن تلخيص الأفكار التي يعمل الآن "الحزب الديمقراطي" على نشرها كما يلي :
- دعم المسلمين الذين يعملون من أجل التحديث.
- إنشاء استراتيجية كبرى للشرق الأوسط.
- زرع بذور الديمقراطية الليبرالية.
- انعاش اقتصاديات البلدان الاسلامية.
- تحديد شكل خاص بميدان معركة العولمة.
- الوقاية من الارهاب النووي.
- عقد صفقة كبرى مع باكستان.
- انشاء مؤسسة دفاعية لما بعد 11 سبتمبر.
- تقريب الشقة بين الديمقراطيين والعسكر.
- عدم التخوف من أوروبا قوية.
- تجديد واصلاح الأمم المتحدة.
- وضع الاقتصاد على أجندا أوقات حربية.
- تأسيس اقتصاد ما بعد النفط.
- الاستفادة من الروح الوطنية لجيل 11 سبتمبر...


وكما نعلم , فإن كل ادارة اميركية اتت بعد الحرب العالمية الثانية، جمهورية كانت ام ديمقراطية، اعتقدت بان هناك امورا في هذا العالم تستحق خوض الحرب لاجلها : الانظمة او الافراد التي تمثل تهديدا وتستحق وصفها بالشر ويمكن ايقافها بالقوة. واليوم، لا يختلف الأمر. ويعتقد بيرجر أنه على الرغم من ضرورة محاولة تغيير الظروف السياسية والاقتصادية التي يتكاثر فيها الإرهاب، فلا بد من الاعتراف ايضاً " بأن مجرد معالجة الاسباب الجذرية لن يوقف الارهابيين الملتزمين بأهدافهم عن مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا، وان مثل هؤلاء يجب القضاء عليهم أو قتلهم".
وعلى النحو نفسه يرى أنه من الواجب رفض المغالطات المريحة، القائلة ان الاسواق الحرة ستفتح الباب حتماً أمام تطور مجتمعات حرة أو ان العولمة بحد ذاتها ستقود الجميع نحو السلام، ذلك ان الدول والقادة ليسوا أسرى قوى تاريخية مجردة، وإنما هم يعملون بالتوافق مع مصالحهم وطموحاتهم. وبالنسبة للمستقبل المنظور، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها يجب برأيه " أن يكونوا مستعدين لاستخدام القوة العسكرية والاقتصادية الفجة لوقف طموحات من يهددون مصالحنا". ومن الواضح للملاحظ الخارجي أنه لا يوجد خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين حول هاتين النقطتين الأساسيتين , حيث يؤكد صامويل بيرجر أن " الموقف القوي والحازم والاستعداد لتحديد شروط واضحة وفرض نتائج محددة هي بالتأكيد السبيل الصحيح للتعامل مع أعدائنا" . الا أنه يرى ان ما أخطأت به إدارة بوش على نحو سيء هو ممارستها لمبدأ «إما معنا أو ضدنا» مع الاصدقاء والأعداء على السواء. بعبارة أخرى يقول: "إن حلفاءنا الطبيعيين أسهل بكثير في اقناعهم بالحجج الأميركية القوية من اقناعهم عبر حجة القوة الأميركية. إن القادة المنتخبين ديمقراطياً ـ سواء في ألمانيا أو بريطانيا أو المكسيك أو كوريا الجنوبية ـ يجب أن يواصلوا حصولهم على دعم شعبي لمشروعاتهم المشتركة مع الولايات المتحدة. وحين نعمل لاقناعهم بأن الولايات المتحدة تعمل من اجل الصالح المشترك، فإننا نمكنهم من الوقوف معنا، لكن حين نجبرهم على خدمة غاياتنا، فإننا نجعل من الضروري سياسياً، بل ومن المفيد لهم ايضاً أن يقاومونا. لقد كان يصعب قبل عقد من الآن مجرد تخيل ان قادة ألمانيا أو كوريا الشمالية ـ وهما دولتان تدينان بوجودهما للدماء الأميركية ـ يمكن ان يفوزوا بانتخابات نتيجة اتخاذهم مواقف مناهضة لأميركا ".

وكمثال عن ذلك , يقول انه في الذهاب الى غزو العراق، اعتقدت ادارة بوش ان معظم حلفاء الولايات المتحدة سيلحقون بها إذا ما أوضحت تماماً انها ستمضي بدونهم. كما اعتقدت ايضاً ان أمريكا ليست بحاجة لشرعية الأمم المتحدة ومصادقتها ومشاركتها. غير ان هذه النظريات, كما يعتقد, لم تنجح في اختبار الواقع. وفشلت واشنطن في كسب تأييد حلفاء مقتدرين مثل فرنسا وألمانيا وتركيا, مما أدى الى زيادة كبيرة جداً في التكلفة البشرية والمالية والاستراتيجية للحرب وهدد جميع مشاريع اعادة البناء.
و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد . فهو يقول إن الادارة واصلت تبديد نفوذها عند حلفائها حتى بعد الحرب. فقد قيل الكثير حول تسرع البنتاغون في حرمان الشركات من دول مثل ألمانيا وفرنسا وكندا من عقود إعمار العراق في الوقت نفسه تماماً الذي كانت الولايات المتحدة تطلب فيه من هذه الدول اعفاء العراق من ديونه.
غير ان قلة من الناس انتبهت لقرار أكثر غرابة اتخذته الادارة بتعليق ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية لدول ساندت الحرب، وذلك " بسبب رفضها منح الاميركيين حصانة كاملة من امكانية ملاحقتهم امام محكمة الجنايات الدولية". وفي النهاية، يقول " عاملنا (أوروبا الجديدة) بالقدر نفسه من الازدراء الذي عاملنا به (أوروبا القديمة) ".

أما بالنسبة للأمم المتحدة، بعد بضعة أشهر من غزو العراق، فقد وجدت الإدارة ان زعيم الشيعة في العراق رفض حتى التحدث مع المسؤولين الأميركيين، وبدا أقل قبولاً بكثير للخطة المتعلقة باجراء انتخابات في العراق. وهكذا توسلت واشنطن للأمم المتحدة للتقدم بالنيابة عنها، "وهو اعتراف متأخر بأن أفعالنا يمكن أن تبدو أكثر شرعية حين يتبناها المجتمع الدولي".

ماذا سيفعل الديمقراطيون ؟

ويلاحظ السيد بيرجر أن أي ادارة ديمقراطية قادمة ستكون بحاجة لإعادة تأكيد استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية ـ وحدها إن كان ذلك ضرورياً ـ دفاعاً عن مصالحها الحيوية. غير ان أكثر مهامها إلحاحاً يجب ان تكون "استعادة النفوذ الأخلاقي والسياسي للولايات المتحدة في العالم، بحيث نستطيع حين نقرر أن نقوم بعمل أن نقنعهم بالانضمام إلينا. وتحقيق هذا الهدف سيتطلب صفقة استراتيجية جديدة مع حلفائنا، خصوصاً في أورووبا". ومن أجل هذه الغاية، يجب على واشنطن ان تبدأ ببيان سياسي بسيط , يتمثل في ما يلي :
" إن الولايات المتحدة ستعمل بالتنسيق مع الحلفاء في مواجهة التهديدات العالمية، باعتبار ذلك الملاذ الأول لنا وليس الأخير. وحين نطلب من حلفائنا الانضمام الينا في عمل عسكري، أو في مشروع إعمار دولة في اماكن مثل افغانستان أو العراق، يجب أن نكون مستعدين لمشاركتهم بالقرار، وليس فقط بالمخاطر.
ذلك ما فعلناه حين ذهبنا الى الحرب في البوسنة وكوسوفو وما فشلت الادارة الأميركية على نحو يفتقد للاحساس بالمسؤولية في فعله حين طبق حلف الناتو مادة الدفاع المشترك في نظامه من أجل مساعدة الولايات المتحدة في أفغانستان. كما ان الجانب الأميركي من هذه الصفقة يجب أن يتضمن ايضاً تركيزاً منضبطاً على أولوياتنا العالمية الحقيقية، والتي تبدأ بالحرب على الارهاب دون ان يشتت انتباهنا تلك المهاترات الايديولوجية التافهة حول قضايا مثل معاهدة كيوتو ومحكمة الجنايات الدولية ومعاهدة الاسلحة الجرثومية".
ويضيف مستشار الرئيس كلينتون قائلا في بيانه المقترح إن منهج الديمقراطيين لحل النزاعات مع اوروبا بشأن المعاهدات يجب أن يكون براغماتياً ويركز على تحسين الاتفاقيات المعيبة وليس تمزيقها. " فالقانون الدولي ليس شيئاً يفرض نفسه من تلقاء ذاته، وهو بحد ذاته لا يحل شيئاً. لكن حين يجري تضمين أهدافنا في معاهدات ملزمة، نستطيع أن نكتسب الدعم الدولي في فرضها حين يجري انتهاكها. وعلى النحو نفسه، فلا شيء يمكن ان يزعزع النفوذ الاميركي أكثر من المفهوم بأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها أقوى جداً من أن يجري تقييدها بأعراف نحن من نبشر العالم بها".
ويرى أنه كجزء من الصفقة الجديدة مع الحلفاء، يجب على الولايات المتحدة ان تعود للمشاركة فيما يعتبره باقي العالم عن حق حجر الزاوية لتحول سلمي دائم في الشرق الأوسط, أي : انهاء الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. " فما دام هذا الصراع مستمراً، سيواصل الحكام العرب استخدامه كذريعة لتجنب الاصلاح ولمقاومة التعاون العلني مع الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب".

وهو ينتقد رؤية الرئيس بوش القائلة "ان خط الجبهة الأمامي في الحرب على الارهاب هو في العراق، وان من الأفضل أن نقاتل أعداءنا في بغداد بدلاً من أن نقاتلهم في بالتيمور". ويرى أن هذه الصيغة مخطئة في أساسها, لأن "خط الجبهة اليوم هو في كل مكان نوجد فيه، خصوصاً تلك الأماكن التي لا يريد أهلها أن نكون فيها. وبسبب هذه الحقيقة، من الضروري لنا أن نحدد من نحن بطريقة تعزل أعداءنا ولا تعزلنا نحن. إن هذه الفكرة كانت شيئاً مفهوماً من جانب كل الادارات الأميركية خلال الحرب الباردة".

ويعترف أن الولايات المتحدة لم تكن محبوبة في العالم سابقا أيضا، أي في عهد كلينتون . ويعلق على ذلك بقوله : " لكننا استطعنا على الأقل أن نبني تحالفات دائمة تضرب جذورها في الاحساس الجوهري بالمصالح المشتركة ومبنية على الروابط بين الشعوب وليس بين الحكومات فقط. خلال تلك السنوات، كانت الولايات المتحدة تحظى بالاعجاب في أكثر أنحاء العالم أهمية لنا : الدول الواقعة خلف الستار الحديدي، ميدان المعركة الرئيسي للحرب الباردة. البولنديون والمجريون والروس العاديون كانوا يرون فينا الأنصار الحقيقيين لطموحاتهم الديمقراطية".
ويلاحظ – وهذا صحيح الى حد بعيد – أنه لم تكن هناك مشاعر عداء لأميركا في أوروبا الشرقية تستطيع الحكومات الشيوعية أن تستخدمها لتنفيس الضغط الأميركي من أجل التغيير أو يستطيع المتشددون استغلالها لكسب التأييد لأهدافهم. ويقول : " تخيلوا الوضع لو كانت هذه المشاعر موجودة , هل كانت الحرب الباردة ستنتهي مثلما انتهت عليه؟ هل كانت الامبراطورية السوفييتية ستنهار مثلما فعلت؟ ولو انهارت في هكذا وضع, فما الذي كان سيحل محلها؟"

ومن ذلك يخلص الى أن ان تحديد الأهداف الصحيحة ليس كافياً. فالولايات المتحدة برأيه تبقى بحاجة لقادة قادرين على ضمان ألا تكون الوسائل المستعملة هي التي تجهض الغايات . ويقول : " إننا بحاجة لواقعية تقدمية، بدون ذلك التشدد الايدولوجي الذي أبعد عنا حلفاءنا الطبيعيين في كل العالم. باختصار، نحتاج للجمع من جديد بين قواتنا ونفوذنا الاخلاقي. تلك الصيغة فقط هي التي ستضعف أعداءنا وتلهم حلفاءنا".
ويبقى السؤال الكبير مطروحا : هل سينجح الديمقراطيون في التأسيس لمشروع سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وايديولوجي شامل يقدر أن يقف على قدميه ويصمد في مواجهة مشروع المحافظين الجدد ؟ وبعيارة أخرى, هل سيستطيع الديمقراطيون وحلفاؤهم من الوسط واليسار استعادة أمريكا التي يبدو أن المحافظين بجميع تياراتهم وقواهم يسيطرون عليها؟



#هشام_القروي (هاشتاغ)       Hichem_Karoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقائع ساحة معهد العالم العربي بباريس
- مشاكل كويتية
- لغة القوة والتهديد لا تجدي
- كل التفاصيل عن برنامج ايران النووي
- مقالة بلا عنوان
- هل يمكن مقارنة التيار الاسلامي الجهادي بالحركة الشيوعية؟
- الشرق الأوسط حتى عام 2020
- امبريالية في عصر غير امبريالي
- هل تكون سوريا الهدف القادم ؟
- دستور بلا وفاق
- شافيز في نظر واشنطن
- انتهت -جنة الاسلاميين- في الغرب
- افريقيا والشرق الأوسط أسوأ الأمكنة للعيش في العالم
- روسيا تتبنى برنامج ايران النووي
- مأزق العراق والسياسة الأميركية
- بطاقة تقرير السرية 2005
- الاستبداد والليبرالية الاقتصادية
- التطرف الإسلامي
- ما تعنيه الورطة الأميركية في العراق
- الجامعيون العراقيون يدينون العنف


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام القروي - هل العرب يكرهون الديمقراطية أم هل هناك مشكلة مع أسلوب الادارة الأمريكية ؟