أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - سيمفونية بيوت الفقراء















المزيد.....


سيمفونية بيوت الفقراء


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 15:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تـُـعتبرمشلكة توفيرمساكن للغالبية العظمى من الشعب، خاصة فى دول آسيا وأفريقا وأمريكا اللاتينية..إلخ، من المشاكل التى حيـّـرتْ رؤساء تلك الدول..وهى المشكلة التى عانى منها شعبنا المصرى.
وكان من حـُـسن حظ شعبنا، أنْ يكون لدينا ابن مصرالمعمارى المُـبدع حسن فتحى (مارس1900- نوفمبر1989) الذى نال شهرة عالمية..وجوائزدولية بسبب دوره الرائد (فى إبداع مساكن للفقراء) تتوفرفيها الشروط الصحية والجمالية، وبتكلفة بسيطة، حيث أنّ بناء البيوت يتم بمواد من البيئة الطبيعية..وطبـّـق ذلك فى بعض قرى مصربإستخدام الطين المصرى أو(طوب اللبن) وشرح ذلك فى كتابه الشهير(عمارة الفقراء) والذى نـُـشرفى البداية عام1969 بعنوان (قصة قريتيْن) فى طبعات محدودة، طبعتها وزارة الثقافة المصرية..وفى عام1973نشرته جامعة شيكاغو..وفى عام1989 طبعته ونشرته الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
000
وُلد حسن فتحى فى وسط أسرة من أثرياء مدينة الإسكندرية..وانتقل مع أسرته عندما كان عمره ثمانية عشرعامًـا، للإقامة فى حلوان– جنوب القاهرة– وعاش طوال حياته فى منزل بحى (درب اللبانة) التابع لمنطقة القلعة بالقاهرة.
وحسن فتحى تخرّج من (مدرسة المهندسخانة) أى (كلية الهندسة فيما بعد) بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة– حاليـًـا) وقامتْ شهرته على طرازه المعمارى الفريد، الذى استمدّ مصادره من العمارة الريفية بالنوبة..والمبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصوربالقاهرة القديمة، فى العصريْن المملوكى والعثمانى..وتعد قرية القرنة التى بناها فتحى إنجازًا حضاريـًـا، لتعيش فيها 3200 أسرة.وهذه القرية تــُـعتبر من معالم البناء الشعبى، الذى أسسه فتحى بما عـُـرف بعمارة الفقراء.
ونظرًا لأهمية حسن فتحى وتصميماته المعمارية المتميزة، فإنّ موقع (جوجل) قرّرالاحتفال بهذا المهندس المصرى العالمى..وكان ذلك فى يوم 22 مارس 2017 بمانسبة مرور117 سنة على ذكرى مولده..وقال موقع جوجل إنّ حسن فتحى كان شديد الاهتمام ببناء المجتمعات الإنسانية، أكثرمن اهتمامه بتشييد المبانى، أوأنّ المبنى يجب أنْ يكون بهدف تعميق المغزى الإنسانى..وأنه كان رائدا فى تقديم النماذج الإنسانية، التى تحترم تقاليد البيئة لكل مجتمع، مع مراعاة جميع جوانب الحياة.
000
وعن تاريخ أسرة حسن فتحى، فقد كان له ثلاثة أشقاء: الأكبر(محمد) الذى درس بمدرسة الحقوق (كلية الحقوق فيما بعد) ثم عمل بالسلك القضائى، لكن غلبتْ عليه (موهبته الفنية) فترك من أجلها العمل بالقضاء..وشقيقه الثانى (على) تخرّج من كلية الهندسة..وعمل بالتعليم الجامعى، حتى أصبح عميد كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية..والشقيق الثالث (عبدالحميد) الذى تخصص فى أعمال التجارة..وكان يحب مساعدة الفقراء.
000
وقد تأثرحسن فتحى بالريف المصرى، منذ أنْ كان صبيـًـا، وأخذه والده ووالدته لزيارة بعض القرى المصرية..وفى هذه الزيارة تمنى أنْ يكون (مهندسًـا زراعيـًـا) ونظرًا لأنه رسب فى الامتحان التمهيدى..وتبين (جهله) بشئون الزراعة، لذلك قـدّم أوراقه إلى (مدرسة الفنون التطبيقية) وبعد تخرجه من تلك المدرسة عمل مهندسًـا بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية (المجالس المحلية فيما بعد) وكان أول عمل له فى (مدرسة طلخا الابتدائية) بريف مصر..ومن هنا ظهراهتمامه بالعمارة الريفية..وتم تكليفه بتصميم (دارالمسنين) بمحافظة المنيا (جنوب مصر) ومن الأمورالمهمة الموقف الشجاع والجريىء الذى اتخذه حسن فتحى، حيث أنّ رئيسه أمره بأنْ يكون تصميم المبنى (دارالمسنين) كلاسيكيـًـا، فلم يقبل واعترض على كلام رئيسه..ولما رئيسه (صمّـم على رأيه) قدّم فتحى استقالته..وكان ذلك فى عام 1930.
عاد حسن فتحى إلى القاهرة..وقابل ناظرمدرسة الفنون الجميلة (فرنسى الجنسية) فقبله للعمل معه..كأول عضومصرى فى هيئة التدريس بمدرسة الفنون الجميلة (كلية الفنون الجمياة فيما بعد) وفى عام1946 تـمّ تكليفه ليتولى تصميم قرية القرنة بالأقصر..وفى عام1949تم تعيينه (رئيس إدارة المبانى بوزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم فيما بعد) وشغل المنصب من عام1949- 1952..وفى أثناء هذه الفترة شغل منصب (خبيرلدى منظمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين) ثم عاد للعمل بمدرسة الفنون الجميلة من عام1953- 1957.
غادرفتحى مصرعام1959للعمل لدى (مؤسسة دوكسياريس) للتصميم والإنشاء بأثينا باليونان لمدة عامين..كما ترأس فى الفترة من 1963- 1965 مشروعـًـا تجريبيـًـا لإسكان الشباب، تابع لوزارة البحث العلمى..وفى عام1966شغل منصب (خبيربمنظمة الأمم المتحدة) فى مشروعات التنمية بالسعودية..وشغل– كذلك– منصب (خبيربمعهد أدلاى أستفسون) بجامعة شيكاغوبين عامىْ 1975- 1977.
ومن بين المعلومات المتعلقة بحياة فتحى الشخصية أنه تزوّج من السيدة (عزيزة حسنين) شقيقة الرحالة والمستكشف المصرى/ العالمى، أحمد حسنين باشا. ولكنه ظلّ طوال حياته شديد التعلق بوالدته..ويشعربالمتعة وهويسترجع معها ذكريات طفولته .
000

ونظرًا لأنّ النص الأصلى لكتاب (عمارة الفقراء) كتبه فتحى باللغة الإنجليزية (وتــُـرجم لعدة لغات أجنبية) لذلك ترجم الكتاب إلى اللغة العربية د.مصطفى فهمى ترجمة سلسة وشيقة..وطبعته مؤسسة أخباراليوم، ضمن سلسلة (كتاب اليوم) العدد رقم6- إبريل1991.
ومن الأمورالملفتة للنظرأنّ موضوع بناء مساكن للفقراء، بتكاليف بسيطة، كان يشغل فكرفتحى..وهو لايزال تلميذًا فى مدرسة السيدة زينب (قبل مرحلة الثانوية.. أوشهادة الثقافة كما كانت تــُـسمى قبل يوليو1952) حيث طرح أستاذ اللغة العربية على التلاميذ هذا السؤال: ماذا تفعل لوكان معك مليون جنيه؟ وماذا تتمنى؟ اكتب موضوعـًـا حول هذا السؤال. فكتب التلميذ فتحى عن أمليْن يتمنى تحقيقهما. الأول: أنْ يشترى يختــًـا، أويكون لديه أوركسترا سيمفونى ((وأدعوأصدقائى فى رحلة حول العالم، نستمتع فيها بمؤلفات الموسيقار(باخ) أو(شوبان) أو(برامز) أما عن الأمل الثانى فكتب: ((أبنى قرية للفلاحين يعيشون فيها الحياة التى أحبها لهم))
هكذا كان فتحى منذ صباه، جمع فن الموسيقى وفن المعمار..وضفــّـرهما فى جديلة واحدة..وكان أدق وصف هوما صاغه د.حسين فوزى، حيث كتب: إننى أرى فى إبداع حسن فتحى الشبه بين فن الموسيقى وفن العمارة..وعندما يرى الإنسان أعمال فتحى بالقرنة الجديدة، يشعربأنّ العمارة الأصيلة ((ضربٌ من الموسيقى.. وفتحى (موسيقارمُـمارس قبل أنْ يكون معماريـًـا..وعشق الموسيقى منذ سن مبكرة..ولذلك لم أندهش عندما يجيىء تعبيره المعمارى نوعـًـا من الموسيقى، بمعنى أنّ انفعاله ودراساته وأبحاثه العميقة، لايــُـشبهها أى شيىء فى عالم الفنون، سوى فن الموسيقى، فى قالبها السيمفونى)) (د.حسين فوزى فى كتابه: فى براح الفكر- المجلس الأعلى للثقافة– عام2001- من ص92- 94)
000
لقد تعمّـدتُ الإشارة إلى ولع فتحى بفن الموسيقى منذ صغره..وكيف أنّ هذا الولع بالموسيقى انعكس على تصميماته الهندسية..وهويبنى مساكن الفقراء وبصفة خاصة (بيوت الفلاحين) ولذلك كتب فى مقدمة كتابه: عمارة الفقراء ((...ولما كانت مقترحاتى تتعلق أساسًـا بالفلاح، فإنّ كتابى مُـهدى إليه)) وكتب تحت عنوان فرعى (لحن الاستهلال– الحلم والواقع) إنّ أمنية حياتى- منذ شبابى- أنْ أبنى قرية للفلاحين..وهذه الأمنية لها جذورعميقة، ترتد إلى طفولتى، لقد أحسستُ دائمًـا بحب عميق للريف، بالرغم من أننى لم أرالريف إلاّمن نوافذ القطار، عند سفرى من القاهرة إلى الإسكندرية، لقضاء إجازة الصيف..وذكرأنه بسبب ظروف عمل والده ((وحتى سن السابعة والعشرين من عمرى، لم أضع قط قدمى على أى أرض ريفية. أما أمى فقد قضتْ جزءًا من طفولتها فى الريف..وكانت تحتفظ له بأمتع الذكريات..وكانت تتوق- حتى آخريوم فى حياتها- للعودة إلى الريف..وكانت تقص علينا حكايات بديعة ((عن الخراف الوديعة التى تتبعها فى سيرها)) وعن حيوانات وطيورالمزرعة..وكيف كانت تــُـنشىء الصداقات مع هذه الكائنات الأليفة والمفيدة للإنسان..وبذلك انطبع فى ذهنى ((صورة للريف كأنه الجنة..ولكنها جنة مليئة بالذباب..وجداولها موبوءة بالبلهارسيا والدوسنتاريا))
وذكرأنه بعد حصوله على شهادة الثانوية، تقـدّم بطلب لدخول (مدرسة الزراعة) ونظرًا لعدم خبرته بشئون الفلاحة، رسب فى الامتحان الذى يسبق الموافقة- وفق ما كان متبعـًـا فى ذاك الوقت..وكان من بين الأسئلة: لوكان لديك حقل قطن..وأردتَ أنْ تزرع فيه أرزًا، فماذا ستفعل؟ وهكذا كانت باقى الأسئلة..ولما فشل فى الإجابة ولم تــُـقبل أوارقه، ذهب إلى (مدرسة الفنون التطبيقية)
ونظرًا لاهتمامه بمشكلات الفقراء (على مستوى العالم) فإنه كان يحرص على متابعة الاحصائيات العالمية..وذكرأنه من بين تلك الاحصائيات أنّ ثلث سكان العالم (من الفلاحين) محكوم عليهم بالموت ((بسبب سوء مساكنهم))
وعن تجربته المصرية كتب بعنوان فرعى (طوب اللبن: الأمل الوحيد لإعادة بناء الريف) ذكرفيه أنه لوضع شاذ أنّ أى فلاح مصرى، لايمتلك منزلا لنفسه، بينما مُـلاك الأراضى من أصحاب المائة فدان فأكثر((لايتحملون دفع ثمن البيت للفلاح. ولكن هذا الفلاح الصبور- ابن الحضارة المصرية- تغلــّـب على مشكلته وبنى لنفسه منزلامن الطين، أومن (طوب اللبن) الذى يحصل عليه من التربة المصرية ويجففه فى الشمس.
وذكرأنه عندما تأمل هذا الواقع، انفتح أمامه باب الأمل، حيث وجد الإجابة على حل المشكلة وهى: كيفية التغلب على بناء البيوت لملايين الفلاحين، وفى هذا الشأن كتب ((وهكذا أخذتُ أصمم بيوتــًـا ريفية من طوب اللبن..وأنتجتُ عددًا من التصميمات..وأقمتُ فى سنة1937 معرضًـا فى المنصورة..وبعد ذلك معرضًـا آخرفى القاهرة، حيث ألقيتُ محاضرة عن تصورى للبيت الريفى))
وذكرأنه طالما لدينا الطين المصرى، فلماذا لانفعل كما فعل جدودنا المصريون القدماء؟ إنّ مصرالقديمة لم تكن تستورد حديد الصلب..وأشارإلى أنه قرأ فى كتب علم المصريات أنّ المصريين القدماء كانوا يبنون الأقبية ((دون شدة خشبية)) ففكرفى أنْ يحاول تنفيذ نفس الشيىء..وفى هذا الوقت كانت الجمعية الملكية الزراعية، قد طلبتْ منه بعض التصميمات للجمعية، فشرح للبنائين كيفية بناء الأقبية بدون شدة خشبية..وبعد أنْ أنهى العمال عملهم ((سرعان ما انهارتْ الأقبية)) فتساءل..ولكن كيف نجح جدودنا المصريون فى بناء أقبية بدون سدة خشبية؟ ولماذا فشلنا نحن الأحفاد؟ ولكنه تذكــّـرأنّ الشعب النوبى لايزال يبنى الأقبية بدون استخدام أية دعامات..وذلك فى تسقيف بيوتهم ومساجدهم..واستنتج من ذلك أنه نظرًا للعلاقة الوثيقة بين مصروالنوبة (ثقاقيـًـا وحضاريـًـا) فمعنى ذلك أنّ القدماء لم يدفنوا أسرارهم– كما يشاع عنهم– والمطلوب هوالبحث عن الجذور.
وذكرأنه وهوفى طريقه إلى النوبة فى شهرفبراير1941، كان انطباعه الأول عن المعمارفى النوبة..وأدرك أنه أمام الأثرالحى الباقى لمعمارالتراث المصرى. وعندما تقابل مع كبارالسن من النوبيين، أكــّــدوا له: وجود بنائين يعيشون فى أسوان..ويبنون البيوت بالطوب اللبن..وفى اليوم التالى من زيارته، صحبه البعض لرؤية الجبانة الفاطمية فى أسوان..وهى مجموعة من الأضرحة (مُـتقنة الصنع) ترجع إلى القرن العاشرالميلادى..وبــُـنيتْ بالكامل بالطوب اللبن، حيث الأقبية والقباب وشكلها البديع..وكانت نتيجة هذه الزيارة- كما قال فى كتابه- أنه حصل على المزيد من المعلومات التى تؤكد ما رسخ فى ذهنه حول أنّ الموارد والأساليب التراثية للفلاح المصرى ((هى أكثرمن لائقة لأنْ يستخدمها المهندسون المعماريون المحدثون)) وأضاف: إنّ ((حل مشكلة الإسكان فى مصر، يكمن فى تاريخ مصر))
وذكرأنّ تلك الرحلة المعمارية..ومشاهدة الأقبية المبنية بالطوب اللبن، قد أبهجته وبصفة خاصة عندما شاهد وتفحــّـص (صوامع تخزين قمح الرامسيوم) حيث رأى المخازن الطويلة المدببة..وعمرها3400سنة..وهذا دليل على أنّ طوب اللبن ((مادة تتحمل تحملا جيدًا)) وبعد ذلك سافرمن أسوان إلى (تونا الجبل) بالمنيا حيث وجد المزيد من الأقبية الحديثة نسبيـًـا (حوالى200 سنة) وذكرأنه رأى قبة مصرية قديمة فى (مقبرة الوزيرسينب) داخل جبانة بالجيزة، مبنية بالطوب اللبن فى عهد الأسرة الثانية عشرة..وهوما يدل على أنّ هذا البناء كان ((تكنيكــًـا مألوفــًـا لدى جدودنا المصريين القدماء))
وكان من رأيه أنّ من بين مشكلات بناء البيوت للفلاحين، بل ومشكلة المعمار- بصفة عامة- تكمن فى عقلية المهندسين المعماريين فى العصرالحديث..وفى عقلية رؤساء الحكومات.
وعن المهندس المعمارى، فإنه ((يزدرى الفلاح المصرى)) وبالتالى لايتفاعل معه ولايتفهم أسلوب حياته..وأنّ عددًا قليلا من المهندسين المعماريين هم الذين يستطيعون تناول مشكلة سكن الفلاح ((تناولافنيـًـا)) ومن خلال التراث المصرى. وإذا كان الرجل الغنى يستطيع تحمل أجرة المهندس المعمارى، فإنّ الفقيرلايستطيع ذلك..وعندما تـُـقرّرالحكومة أنْ تبنى بيتــًـا للفلاح، فإنّ حالته تكون أسوأ من حالة الرجل الغنى، الذى يستبد به المهندس المعمارى ويستغله، ذلك أنّ مهندسى الحكومة المعماريين، يتجاهلون الفلاحين ويسخرون منهم، بينما يقول مسئولوالحكومة: كيف نــُـرسل مهندسينا ليناقشوا مليون عائلة من الفلاحين؟
وبعد أنْ ذكرمجهودات الحكومة فى بناء البيوت للفلاحين كتب: كانت النتيجة شيىء شنيع..ولا إنسانى..مليون عائلة ((تتكدس فى زنازين)) والمهندس المعمارى الذى يأخذ على عاتقه هذه المذبحة بالجملة، سوف يشعربالنقمة لوطــُـلب منه تصميم مائة بيت للفلاحين..أوعندما يـُـطلب منه بناء مليون بيت، فماذا سيفعل؟ كل ما يفعله أنه يشعربالنكد..وذكرأنّ المهندس المعمارى له وضعه الفريد (لوأراد) لإحياء إيمان الفلاح بحضارته (حضارة الفلاح وحضارة المهندس) وإذا قام المهندس بهذا الدور، فإنّ الفلاحين سينظرون إلى تراثهم بالفخروالإعزاز..كما أنّ الحـِـرفى فى القرية سيتشجـّـع ويستخدم ويـُـنمى الأشكال التراثية المحلية (ص54، 71)
وفى موضع آخرذكرأنّ المهندس المعمارى، يضع التصميمات للإنسان الغنى وفق إمكانياته..وهويلجأ إلى المواد الحديثة مثل الاسمنت..وذكرأنه ((بكل أسف)) فإنّ كل هيئات التخطيط تعتمد اعتمادًا كاملا على مهندسيها المعماريين، بالنسبة للمشورة التقنية بشأن البناء..وهكذا فإنّ تلك الهيئات، تتخذ الأفكارالمُـسبقة للمعماريين عن الفلاح..ويصيرفى عقولهم تصورهم لما ينبغى أنْ يكون بيت الفلاح، أى يتم البناء بالاسمنت، بالاتفاق مع شركات البناء التجارية..والتى تسعى للربح.. والمقاول المحترف مثل المهندس المحترف، لايهما أى شيىء إلاّ النقود (ص162، 163)
وذكرأنه ثمة اتجاه (تعس) عند الكثيرين من المعماريين والمهندسين، حينما يتناولون مسألة الإسكان منخفض التكاليف، بأنْ يـُـدخلوا تعقيدات مكلفة، ليس لها لزوم بالمرة..ويـُـصرون على استخدام الاسمنت والطوب الأحمر، بينما الطوب اللبن المجفف فى الشمس، فيه الكفاية تمامًـا للبناء..ويمكن صناعته فى مصانع بسيطة ومتواضعة..وبتكلفة مادية قليلة..ولكن المهندس المعمارى سيطرعليه الفكر (سابق التجهيز) وهوأنّ الاسمنت والطوب الأحمرأكثرقوة ومتانة..ويعتبرأنّ تمسك الفلاح بالطوب اللبن دليل على (تخلف الفلاح) ولذلك- كما اقترح فتحى- يجب على مهندسنا المعماريين أنْ ((يحجوا إلى الأماكن التى يتمثل فيها التراث المصرى العظيم لأسلوب البناء، مثل النماذج الموجودة فى الجيزة، وطيبة، وهرموبوليس، والواحات..ويجب– كذلك- أنْ يزوروا الأماكن التى مازال التراث يعيش فيها، مثل أسوان ويفحصوا أضرحة الأولياء الكثيرة..وهناك سيتعرّفون على رؤية أسلوب البناء بمواد الفلاحين..وهى أبنية- رغم بساطتها- فقد توفرت فيها قيم الجمال والمتعة الفنية..والراحة النفسية)) (ص187، 196)
وذكرأنّ شركة السكرأنشأتْ البيوت لموظفيها بالخرسانة الاسمنتية فى (كوم أمبو) فلم يتحمل الموظفون درجة الحرارة..وكانت النتيجة أنهم فضـّـلوا أنْ يعيشوا فى بيوت من الطين..كما يعيش الفلاحون (ص75) وفى الصفحات التالية لصفحة75 شرح الفرق بين استخدام الخرسانه الاسمنتية، وبين الطوب اللبن..وبعد أنْ انتهى من قرية القرنة خطط بعدها لقرية أخرى..وحرص على أنْ تطل المنازل على حدائق للخضروات والفاكهة..وتوفيرأماكن صحية للماشية..وأضاف أنّ تلك التجربة أكــّـدت له: أننا نستطيع أنْ نتعلم من الفلاحين..خاصة طريقتهم فى تخزين المحاصيل (سريعة التلف) كما نستفيد منهم طريقة طهى الطعام بتكلفة بيسطة (بعد تطويرها) كذلك نتعلم منهم طريقة حفظ الطعام (بدون استخدام الثلاجة) بواسطة قدورالفخاركما كان يفعل جدودنا المصريون القدماء (ص134، 135)
وكتب د.ميلاد حنا أنا كمهندس انشاءات أعترف بانّ جدودنا المصريين درسوا مواد البناء المتاحة لهم..واكتشفوا أنّ الطمى يتشقق بعد تجفيفه..وبناءً على ذلك ابتكروا فكرة مزج مادة تتحمل الضغط..وهى الطين مع مادة تتحمل الشد..وهى التبن..وهذا هوالأساس النظرى الذى ترتكزعليه فكرة الخرسانة المسلحة (الأعمدة السبعة للشخصية المصرية- دارالهلال- عام1990- ص69)
وأشارفتحى فى أكثرمن موضع فى كتابه إلى تقصيرالحكومات المتعاقبة (قبل وبعد يوليو1952) عن تقديم الدعم المادى، لتعميم مشروع (بيوت الفقراء) بعد نجاح تجربته فى (قرية القرنة) والتى أفرد لها عدة صفحات فى كتابه.. وذكرأنه فى معظم الدول التى تواجه مشكلات كبيرة، لإعادة بناء الريف، فإنّ السلطات تسعى لحل المشكلات مع تقديم الدعم اللازم (ص85، 155)
كما تعرّض فتحى لمشكلة غاية فى الأهمية..وهى (خطورة انقراض أصحاب الحرف التراثية) فذكرأنه تحدث مع أحد الحرفيين الذين يصنعون النوافذ (من الزجاج المُـلون المُـعشق بالجص) وهذا الأسطى اعترف بأنّ عدد الأسطوات قليل جدًا وأنه لم يتذكرسوى اسم واحد فقط..وقال إنّ ابنه رفض تعلم الحرفة..وفضـّـل أنْ يعمل فى ورشة ميكانيكا للسيارات (ص53) ونفس الشيىء ما تعرّضتْ له صناعة النسيج، بالرغم من أنها من الصناعات العريقة فى الحضارة المصرية (ص97وما بعدها) كما أشارإلى إمكانية انتاج (بلاط القيشانى) من مواد طبيعية من البيئة المصرية..وكذلك صناعة (فخارمصقول) وذكرأنّ هذه الصناعة ستــُـشجع فن التجميل..وأنها كانت منتشرة فى رشيد ودمياط..وكانت تقوم بدورتجميل أسفل الجدران..وذكرأنّ المصريين القدماء كانوا يصنعون السيراميك بإتقان كامل، ففى مقبرة (زوسر) من الأسرة الثالثة، فإنّ جدران المقبرة مغطاة ببلاط القيشانى الأزرق (ص136، 137) واختتم حديثه عن أهمية دورالدولة فى (حماية الحرف التراثية) بضرورة ((دعم الحرفيين..وهذا الدعم سيـُـضفى عليهم الشعوربأهميتهم..وتفوقهم ويزدادون حماسًـا نحوتطويرأنفسهم..وبالتالى تطويرالحرفة (ص166)
وفى أكثرمن صفحة من صفحات كتابه، ذكرما قرأه فى كتب (علم المصريات) عن دورالحضارة المصرية فى مجال فن المعمار، فكتب أنه يجب الاستفادة من فنون جدودنا المصريين القدماء، الذين نفذوا إلى (روح هذه الأرض) وعرفوا خصائصها التى وصلتْ إلينا عبرآلاف السنين، حيث أنهم فى رسوماتهم، بتلك الخطوط البسيطة التى رُسمتْ على جدران المقابر، فإنهم كانوا ينقلون جوهر الطبيعة بأكثرمما تنقله أروع تأثيرات اللون والضوء والظل، فى أعمال أشهر الفنانين الأوروبيين..وبناءً على ذلك فكــّـرأنْ يضع فوق تصميماته رسم النباتات والحيوانات المعبرة عن البيئة المصرية..وذلك كما فى الرسومات المصرية القديمة..ولعلّ أشهرمثال هوصورة البقرة (حتحور) التى كانت حامية جبانة القرنة (ص72، 73)
وذكرأنه درس فى المدرسة الخديوية الثانوية..ويتذكرمعمارها الفريد والبديع، وحدائقها الرائعة..وكانت المدرسة أحد قصورالباشوات..وكان فى المدخل لوحة حائطية منقولة من مقبرة (رخمير) من الأسرة الثامنة عشرة.. وكانت تــُـعطى إيحاءً ساحرًا..وفوقها الشموع على شكل كعكة عيد الميلاد (ص125، 126) وعن علاقة المعماربأحوال الطقس، ذكرأنّ المهندس المعمارى عليه أنْ يراعى تلك العلاقة، أثناء تصميمه لأى مبنى..وذكرفتحى ذلك وهويشرح أسلوب تصميم مقبرة (توت– عنخ- آمون) حيث التهوية..ومراعاة أنّ الريح السائدة ((هى شمالية/ شمالية غربية، وهى باردة نسبيا)) (ص76)
وذكرأنّ المهندس المعمارى المعاصرليس لديه العذر، حيث من المفترض أنْ يكون على دراية بتصميم بيوت القاهرة القديمة وشوارعها الجميلة..وعندما يـُـصمم قرية فعليه أنْ يبذل أقصى عناية فنية، لوأراد أنْ يخلق فنــًـا، يتوفرفيه الجمال والتمدن والتحضر، ليقترب من الجمال الذى خلقه المعماريون المصريون القدماء.
وحسن فتحى لأنّ معشوقته هى الإنسانية، لذلك فإنه بجانب عشقه لفن الموسيقى، ومزجه بفن المعمار، فإنه كان من المولعين (بعلم الأنثروبولوجيا) وهوالعلم الذى اهتـمّ علماؤه بدراسة الحضارات الإنسانية القديمة..ومن هذا المنطلق أوصى فتحى المهندسين المعماريين بدراسة هذا العلم، ليعرفوا كيف تطوّرت الإنسانية، من العصرالحجرى، مرورًا بالعصرالبرونزى، حتى عصرالبخاروالكهرباء (ص135)
وفى باب الملاحق وصف تفصيلى لكل مراحل بناء بيوت الفقراء بالطوب اللبن (من ص262- 315)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة عن الملك فاروق بين الموضوعية والأيديولوجية
- أمين هويدى يفتح حافظة ذاكرته
- ابن خلدون و(خُدام) الحُكام)
- جرائم الأحزاب الدينية
- لماذا يصمت المغاربة على الاحتلال الإسبانى؟
- أسماء المواطنين والاعتزاز القومى
- مسلسل إهداركرامة شعبنا المصرى
- آفة أنظمة الاستبداد الشمولية
- الكهنوت الدينى والعداء للقومية
- صحوة شيوخ التجديد وتجاهل كتب التراث
- الانتحار بين أحادية التوصيف وتعدد الدوافع
- أحرارالعالم يحتفلون بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان
- لماذا يتمسك الأصوليون بتخاريفهم؟
- الاحتلال الفرنسى والعربى والإيرانى للبنان
- المسكوت عنه عربيا عن جرائم الخلافة الإسلامية
- جائزة ابن رشد للأصولى الغنوشى وأكذوبة التنوير
- مأزق الشعب اللبنانى مع الحزب الإيرانى
- أعداء طه حسين والهدف من تشويهه
- لغز تجاور استغلال الشعوب والديمقراطية
- رد الغعل العربى على انحيازأمريكا لإسرائيل


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - سيمفونية بيوت الفقراء