أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام يوسف - كيف كان لطفي السيد ملحدا














المزيد.....

كيف كان لطفي السيد ملحدا


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 12:04
المحور: كتابات ساخرة
    


أرجوك.. أخرجني من هذه العلبة!


من أبرز أفات الساحة الثقافية العربية ذلك المرض الذي أسماه أحد الأصدقاء استسهال "تعليب الآخرين"..وهو تعبير ساخر عن نزوع البعض إلى توصيف الآخرين وفقا لتصور مسبق؛ أو معلومات سماعية، فإذا به يستسهل وصف من يحدثه بأنه من أنصار نظرية المؤامرة، أو أنه علماني (دون أن يعرف بدقة المعنى الحقيقي للكلمة) أو يساري (هكذا على الإطلاق متجاهلا أن اليسار تعبير واسع يضم تحته العديد من المدارس المتباينة) أو وهابي (دون حتى أن يكون سبق له التعرف على كتاب واحد لأحد السلفيين) أو يميني (هكذا أيضا على الإطلاق بلا تمييز بين المدارس المختلفة للأفكار المحافظة أو اليمينية)..
المشكلة هنا أنك تكون قلت (أو كتبت) رأيا في قضية تفصيلية من قضايا الحياة اليومية؛ فتجد من يقابلك ليقول لك"بما أنك كذا ـ واضعا ما اختاره لك من المعلبات الجاهزة للتوصيفات المسبقة ـ فأنت تعتقد كيت وكيت".. معتبرا أن من حقه أن يكشف لك عما تعتقده دون أن تعلنه أنت بنفسك. ومن دون أن يناقش رأيك ويفند أدلتك في القضية الجزئية التي طرحتها (وربما لا يكون قرأ هذا الرأي أصلا اكتفاء بقراءة العنوان فيعتقد ببساطة أنه بما أنك تنتمي للتيار (أو الدين أوالمذهب أو العرق) الفلاني؛ فلاشك أنك ستقول (أو تنوي أن تقول، أو تقصد أن تقول، أو تحاول أن تتحايل على القول) كيت وكيت.. ويستفزك أن تجد البعض لا ينبري لمناقشة رأي طرحته وإنما يناقش "شخصك" بمعنى انتماءك الفكري أو العرقي أو الديني، سامحا لنفسه أن يضعك في العلبة التي اختارها بما يتلاءم مع هذا الانتماء الذي لا تعرف بناه على ماذا؟
ومن الواضح أن هذا "التعليب" يريح رأس صاحبه، فلا يتعب نفسه في قراءة ما أجهدت نفسك لتكتبه باحثا عن أدلة وشاحذا بيانات للتدليل على رأيك، ولا يجهد نفسه في تفنيد هذه الأدلة أو التدليل على خطأ منهجك في التحليل أو زيف ما تورده من بيانات؛لأن هذا يحتاج بذل الكثير من الجهد في القراءة المتعمقة التي تجهد الذهن وتحتاج تمضية وقت طويل في البحث. الأسهل هنا أن يريح صاحبنا رأسه ويباغتك فجأة: "بما أنك تنتمي إلى كذا فأنت تقصد كذا"!.. حينها ينتابك ذهول شديد وإحساس بالعجز وربما تقل ثقتك بنفسك لأنك لم تستطع توصيل فكرتك.. التي لم تكن تهدف إلى طرح أي نوع من الرؤى الفلسفية أو لأيديولوجية ـ رغم أن هذا ليس حراما ـ وإنما كنت تناقش قضية جزئية تحتمل الصواب أو الخطأ، وتنتظر ممن يعارضك أن يدلل على خطأ أسانيدك، دون أن يشغل باله بالتفتيش في ضميرك عما تعتقد. وغالبا ما ترتد إليك ثقتك في نفسك عندما تكتشف أن صاحبك لم يقرأ أصلا ما كتبت وإنما اكتفى بقراءة العنوان، وأقنع نفسه بما "تنوي" أن تقول تحت هذا العنوان باعتبارك تنتمي لهذا أو ذاك من التيارات التي كون عنها تصورات "نمطية" تكرسها القراءات السريعة للصحف ووسائل الإعلام التي قد تفتقر إلى العمق. والمذهل، أن هذا النوع من حوار "الطرشان" لم يكن يجري مثلا في النصف الأول من القرن الماضي عندما كانت فرص الاطلاع على الثقافات وأدوات المعرفة محدودة. فعندما نقرأ عن مجادلات كان من أطرفها العقاد أو طه حسين أو أحمد أمين أو أحمد لطفي السيد أومحمد حسين هيكل أو قاسم أمين..أو.. أو.. نجد أن الواحد منهم كان حريصا على قراءة ما يكتبه الآخر بتأن واهتمام حتى يتصيد له ما يريد من أخطاء، فربما وقعت عينه على خطأ منهجي مثلا، أو قياس غير صحيح، أو عدم دقة في التدليل، أو حتى خطأ لغويا.. دون أن يشغل نفسه بالبحث في "عقل" مخالفه عن مرجعيته الفلسفية، اللهم إلا عندما تكون المناظرة في الفلسفة. وكل من الطرفين يحاول التدليل على صحة "أيديولوجيته"ـ الأمر الذي أصبح ترفا الآن ـ.. للأسف بعد أكثر من قرن على بداية عصر النهضة في الثقافة العربية الحديثة، عادت لتنتشر بيننا أفكار بعض العامة الذين تكونت لديهم ثقافة سماعية : فيرددون أفكارا سمعوا عنها دون بحث أو إجهاد للنفس. وأتذكر هنا قصة ربما لا يعرفها شباب هذه الأيام ، عندما كان المفكر التنويري المصري أحمد لطفي السيد مرشحا للانتخابات النيابية في العشرينيات من القرن الماضي وكان واثقا من الفوز في دائرته التي احتكرت أسرته مقعدها في مجلس النواب فإذا بخصمه يبعث من يتسللون إلى الفلاحين البسطاء ليقولون لهم "كيف تنتخبون لطفي السيد وهو رجل ديمقراطي؟ ألا تعرفون أن الديمقراطي رجل ملحد ويشجع على مشاعية الجنس؟ فكلمة ديمقراطي تعني "إن مراتي تبقى مراتك ومراتك تبقى مراتي" وقد أثر السجع في كلمة "ديمقراطي" وكلمة "مراتي" ـ التي تعني زوجتي بالعامية المصرية ـ على أذهان البسطاء فصدقوا الفرية، وعندما جاء إليهم أحمد لطفي السيد يدعوهم لانتخابه سألوه سؤالا واحدا: "سمعنا أنك ديمقراطي؟ فهل هذا صحيح؟" فأجاب مزهوا "نعم".. وبالطبع كانت القاضية!، فخسر مقعده النيابي!
فيا قارئي العزيز.. أرجوك أخرجني من العلبة، ولتقل ما تشاء فيما أكتب من آراء واضحة ومحددة، ودعك مما في ضميري أو في عقلي.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هند الحناوي.. ومجتمع يفيق من إغفاءة
- اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 2-2
- اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 1 2
- الشهيد المسيحي الذي قتلناه
- الملف النووي ..اختبار جديد للقطبية الأحادية
- نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (2-2) العراق مجرد بداية
- .نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (1-2) العراق مجرد بداية
- (عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى (2-2
- عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى1-2
- مطلوب عملاء سوريين والأموال جاهزة...2_ 2 .. المجتمع المدني ك ...
- الضغوط على سوريا خطوة على طريق الشرق الأوسط الكبير.. مطلوب ع ...
- يهدد المنافسين ويؤدب الخارجين عن الطاعة ..البترول سلاح روسي ...
- التحديات الاقتصادية والضغوط الخارجية تضع شعاراتها على المحك. ...
- مسمار جديد في نعش نظام القطب الأوحد.. أمريكا اللاتينية تعيد ...
- إرهاصات نظام عالمي جديد.. خطر من الشرق يهدد الهيمنة الأمريكي ...
- صرعة المضاربة في البورصات العربية.. مخاطر وتداعيات
- مخططات الخام.. اتعظوا يا أولي الألباب
- يافقراء العالم اتحدوا ..أو موتوا
- العولمة المتوحشة ومأزق الدولة القومية
- من بوليفيا .. إلى أبوظبي.. درس من العيار الثقيل


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام يوسف - كيف كان لطفي السيد ملحدا