أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - منير المجيد - مدينة الساتيلايت















المزيد.....

مدينة الساتيلايت


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6440 - 2019 / 12 / 17 - 13:44
المحور: السياحة والرحلات
    


صالة الإنتظار في مطار كوبنهاغن كانت مكتظة على نحو غير مألوف وعدد المسافرين فاق ما خبرته قبل ذلك. طائرة الخطوط الإماراتية العملاقة تنتظر في برد اسكندينافيا، رغم ذلك لم أتوقع أن تتسع لهذا الحشد الكبير من المسافرين. إلا أن توقعاتي لم تكن دقيقة، فحينما سُمح لنا بالدخول إلى مداخلها العديدة المقسمة على حروف أبجدية، بدت لي أكبر من قريتي الدانماركية.
طاقم الطائرة المؤلفة من صبايا آسيويات، بيضاوات، وسمراوات كنّ يشبهن عارضات الأزياء، وليس كمضيفات الخطوط الإسكندنافية، اللواتي تقدمن بالعمر، وكبرت مؤخراتهن إلى حدّ تلطم فيه وجوه المسافرين يميناً وشمالاً حينما يجتزن ممرات الطائرة الضيقة.
كابتن الطائرة قال متفاخراً من مكبرات الصوت أنهن يحملن ١٨ جنسية مختلفة، ويتكلمن ٢٣ لغة. لم ألحظ أية واحدة منهن تتكلم باللغة العربية.

في الواقع، هذه الطائرة الإماراتية ليست سوى النموذج المصغر لمدينة دبي. هذه المدينة التي جذبت الناس من مختلف دول العالم، فقاموا بتشييدها وتجميلها وتقليم أشجارها والقليل من المساحات الخضراء، لأن الأرض غالية جداً، وبناء ناطحة سحاب خيرٌ ألف مرة من حديقة، بينما تقلّص سكان المدينة الإماراتيين طرداً مع إزدياد عدد المقيمين (هكذا يسمى كل من وفد إلى البلاد)، الذين باتوا يشكلّون الشريحة الأكبر من السكان.
وهذه الشريحة لا تتمتع بحقوق المهاجرين، التي نعرفها في أوروبا، فهؤلاء وأولادهم وأولاد أولادهم لن يحصلوا على جنسية البلاد حتى لو أقاموا لعدة قرون، وهم لا يتمتعون بالرعاية الصحية المجانية، كما المواطنين، وقس على ذلك. أية مخالفة قانونية قد تنتهي بالطرد من البلاد.
إلا أن المقيمين هؤلاء يُقسمون إلى فئات عديدة، أقلها إمتيازاً هم طبقة الخدم والحشم وعمال البناء وسائقي سيارات الأجرة القادمين من بنغلادش، الباكستان واندونيسيا. الأفضل درجة هم القادمين من الفليبين، المختصين بالخدمات في الفنادق والمطاعم، ومن ثمة العرب وهؤلاء أيضاً لهم درجات، لعل الأوفر حظاً هم اللبنانيات.

السوريون، بشكل عام، وكما هم في بقية أرجاء المعمورة، أناس يكدحون ويعملون بإخلاص. هذا ما لحظته هناك، من خلال أصدقائي أو الذين تعرفت عليهم. أحد أصدقائي هو مثال واضح على ذلك، فقد بدأ من لا شئ، وبسبب شطارته وبداهته، التي أعرفها منذ أيام الدراسة في دمشق، أسس إمبراطورية إعلامية كبيرة.
أما الفئة الأكثر حظاً، فهم بالتأكيد الأمريكان والأوروبيين، حتى العاهرات منهم (من روسيا وأوروبا الشرقية على وجه الخصوص)، هن المرغوبات أكثر على حساب التركيات والأذربيجانيات والمغربيات، مثالاً وليس حصراً.
في سهرة عرمرمية مع بعض أصدقاء زمن الدراسة في مطعم سوري يتبع إحدى الفنادق الراقية، وما أكثرها، كان نصف الحضور من السيدات، مما أثار دهشتي، لأعرف بعدئذ أن هؤلاء السيدات لسن سوى عاهرات جئن، ليس للتمّتع بالمطبخ السوري المذهل، ولا بالغناء السوري ولا بالراقصة التي تشبهت بالسوريات (من أوروبا الشرقية على الأغلب)، بل لإقتناص زبائن في تلك الأمسية. كان وقت الكدح بالنسبة لهن.
أول مرة زرت فيها دبي كانت حين افتتاح برج خليفة، أعلى مبنى في العالم، الواقع قبالة أكبر بناء تسوق في العالم، على مسافة بضع كيلومترات من أكبر جزر إصطناعية في العالم، لتحقق هذه المدينة العجيبة الرقم القياسي العالمي تلو الآخر، بعيداً وخلافاً عن أرقام اللبنانيين في صنع أكبر صحن حمص في العالم، أو أطول سندويشة فلافل.

حينذاك كنت بصحبة صديق دانماركي، وأذكر أننا، بعد نصف ساعة، وبعد أن نظرنا حولنا إلى كل تلك الأبنية العالية التي تشبه أشجار عملاقة غريبة آتية من كوكب آخر، قلنا لبعضنا البعض: طيب، وماذا يعني؟
دبي، مدينة ساتالايت لا روح لها ولا توطأ مرتين.

قبل أسبوعين ناقضت نفسي فـ «وطأتها» مرة اخرى لسببين، الأول زيارة صديق مُقرّب صرف كل وقته للإحتفاء بي واستضافتي، ومن ثمة، لإتمام السبب الثاني، مرافقتي براً إلى مسقط، لألتقي ببعض من أفراد عائلتي لم تسمح المقتلة السورية لي بزيارتهم في دمشق وتواجدوا، بمحض الصدفة، هناك.
ابتعد مشهد دبي وتلاشى بسرعة حينما غادرنا الطرق المتشابكة كالأفاعي، وطغت الرمال الحمراء الموسومة بعجلات سيارات السياح وشبان المدينة المدللين على المشهد، وصار كل شئ فقيراً وبائساً. أين ذهبت كل تلك الأرقام العالمية القياسية، وماذا حلّ بهذا البلد؟ مظاهر الرفاهية استبدلت ببيوت مغبّرة واستراحات بدور مياه مقززة. فقط الطريق السريع هو الوحيد الذي يشي برفاهية ما.
واضح وضوح الشمس، أن خبراء الدول الصناعية لم يتح لهم ترتيب الشؤون خارج جدران دبي المكوّنة من ناطحات السحاب، وكأن السلطات لا تريد لأحد من الزوار التسلّل بعيداً عن المدينة لإكتشاف نقطة ضعف دول الشرق القاتلة: نقاط الحدود وإجراءاتها البليدة المتعبة، وقلة المعلومات واللوائح والإستعلامات المكتوبة. تصّور، أن تجتاز حدود بلد فتلجأ إلى سؤال مسافرين آخرين عن تفاصيل الإجراءات والتدابير لعدم وجود معلومات إرشادية وافية!
سرعان ما تغير المنظر الجغرافي حينما دخلنا الأراضي العمانية، فبرزت هضاب وجبال صخرية بركانية سمراء من لا شئ. في الحقيقة هي تشبه كواليس فيلم هوليودي من كواكب بعيدة في الأفلاك الغامضة. وعلى طرفي الطريق السريع الذي قُسّم في منتصفه بحواجز معدنية تكاتفت البيوت والمطاعم الصغيرة والحوانيت الأصغر التي سمّوها بالسوبر ماركت الفلاني تباهياً. إرتفع عن كل ذلك عدد هائل من مآذن الجوامع التي يبرع في بنائها العمانيون على نحو مميّز. لاحظنا أيضاً أنهم في عمان لا يأبهون لحواجز الطريق فيركضون عرضاً، قافزين على الحواجز كالغزلان التي تغيّر جانباً من الغابة بآخر. أثار هذا المنظر غير المألوف لدينا بعض الملاحظات الطريفة.
وصلنا إلى مسقط بعد حوالي خمس ساعات من قيادة العربة الرباعية الكبيرة بحجم صالون مريح.
ومسقط لا تشبه دبي أو أية مدينة اخرى. ببيوتها البيضاء الأنيقة الجميلة، وبالمساحة الكبيرة وشوارعها الفسيحة المليئة بالنباتات والأشجار والزهور والطيور بما في ذلك الحمام، والمحاطة من خارجها وداخلها بذات الجبال الصخرية السمراء، أشعرتني براحة لذيذة مُسكرة.

التدقيق على الحدود الإماراتية، في طريق العودة، كان أكثر إزعاجاً. فموظف الجمرك ذاك اليوم، بدا وكأنه أراد أن يتسلى بنا. لم يكتف بتمرير حوائجنا في الجهاز الضوئي، بل صار يفتح الحقيبة تلو الاخرى متفحصاً كل قطعة ثياب وكل جورب.
حينما وصلنا إلى دبي أخيراً، فكرت أن هذه الزيارة، عملياً، هي الثالثة. وأنا الذي عاهدت نفسي ألاّ أعيد الكرة بعد الزيارة الأولى.
إن قمت بزيارة رابعة، فإنها سوف تكون مخصصة للأصدقاء، وليس للمدينة. مرة واحدة دبي كافية بالنسبة لي، لأنني لن أتعود مطلقاً على كل هذه الأبهة البرّاقة.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صديقي فريدريك
- االضباع
- شام-الفصل السابع والعشرون والأخير
- شام-الفصل السادس والعشرون
- شام-الفصل الخامس والعشرون
- شام-الفصل الرابع والعشرون
- شام-الفصل الثالث والعشرون
- شام-الفصل الثاني والعشرون
- شام-الفصل الحادي والعشرون
- شام-الفصل العشرون
- شام-الفصل التاسع عشر
- شام-الفصل الثامن عشر
- شام-الفصل السادس عشر
- إنتخابات الدانمارك البرلمانية وشبح العنصرية المتزايد
- شام-الفصل الخامس عشر
- شام-الفصل الرابع عشر
- شام-الفصل الثالث عشر
- شام-الفصل الثاني عشر
- شام-الفصل الحادي عشر
- شام-الفصل العاشر


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - منير المجيد - مدينة الساتيلايت