أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الخامس والعشرون















المزيد.....

شام-الفصل الخامس والعشرون


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6306 - 2019 / 7 / 31 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


كانت ابنتي تنمو ويشتد جلدها أكثر وتتعلق بثدي أمّها كجرو، نهمة على مدار الساعة. وأنا كنت أتعلم شيئاً جديداً في حياتي، أن أكون أباً.

شعرت كم أنا مسؤول الآن، وقد حان الوقت لأنظر في مجال أبعد من سرّتي.

في بداية ذلك الصيف، وقبل نهاية العام الدراسي، ارتفعت درجات الحرارة في القامشلي، وتعرّضت الشقّة في الطابق الثاني إلى جهنم من خمس جهات.
يعقوب داوي، كان يُدير محلاً لبيع الأدوات الكهربائية، جاء يوماً يحمل مكيفاً هوائياً، تطلب أربع رجال لحمله إلى الشقّة، واقترح أن أستعيره في أيام القيظ هذه.

الجنة خبرتها في تلك الأيام، لولا إنقطاع الكهرباء اللعين. وحين كان صوت المكيف مسموعاً في الحي، كنت أستقبل بعض الجيران، منهم الذين لم أعرفهم من قبل.
كانوا يُحضرون سجاجيد يفرشونها في الصالون، ويستغرقون في النوم، لا يستيقظون إلا حينما يبللهم العرق بعد إنقطاع الكهرباء.

كنت أهتمّ بشوون العائلة، وقد أعجبني الأمر. فعلاوة على المكيف، لاحظت أن الصورة في تلفزيون «سيرونيك» لم تكن جيدة. تسلّقت على الهوائي فوق السطح، وغيّرت في اتجاهه عدة مرات دون فائدة، ولم تتحسن صورة المحقق كولومبو بالأبيض والأسود أبداً.

عبد الأحد اقترح أن أراجع طبيب عينية، حينما أكّد أن الصورة لا غبار عليها. والرجل كان محقاً، لأنني بعد أسبوعين كنت أضع نظّارة تزن مائة غرام على أرنبة إنفي، وظللت فترة حتى تعودت على مظهري الجديد.

وحين اقتربت إمتحانات نهاية السنة، جعلوني مراقباً، لا، رئيس قاعة بتسمية لاذعة، في إمتحانات الشهادة الثانوية في ثانوية عربستان.

قاعتي كانت مخصصة للطلاب الأحرار، الذين جاءوا بأعمار مختلفة، منهم عناصر مخابرات أدخلوا كُتباً معهم ووضعوها أمامهم مع مسدساتهم.
وحينما استشرت رئيس مركز الإمتحانات وأردت أن أضع حداً لهذه المخالفات، قال، بكل بساطة، أنني يجب أن أدعهم وشأنهم.

غادرت المكان ولم أعد إليه أبداً، رغم أنني كنت أعرف أن مديرية التربية في الحسكة ستقتطع مبلغاً من راتبي.

في الأمسيات، كنا نجلس على الشرفة الكبيرة الواسعة، بعد أن أنصب الناموسية، لتناول العشاء، أو أنضم للأصدقاء في نادي الموظفين الصيفي.

رجل محتقن ودائري الجسم، من معارف أحد الأصدقاء كان يجلس معنا أحيانا، ولم أستسغه منذ البداية. كان يتحدث بصوت مجلجل وينقر أو يمسك على يد الأقرب منه. لا أدري لماذا، إلا أني لا أثق بمن يمسك يد الآخرين ليصرف الإنتباه إليه.

بعد سهرته ورائحة نتانة العرق تسبقه، يصعد الى السرير الكبير المنتصب على السطح، يوقظ زوجته ويعاشرها.
أقسمَ أنها سرعان ما تغطّ في شخير يهزّ السرير بينما هو يتعرق فوقها. أخبرنا هذا مرّة وهو يهتز من الضحك.
قلت له «يجب أن تعرف، إن لم تمارس زوجتك الجنس معك كمومس محترفة، فأعلم أنها تكرهك».
فلتت من فمي وكأن شيطان يلقنني إياها.

صمت الجميع، ربما كانوا يستعيدون ما قلته. لم أعرف حجم الجرح الذي فتحته لدى هؤلاء الرجال، الذين يتكتمون عادة في التحدث في أمور حميمية خاصة بهذا القدر، لكنهم تحدثوا، في تلك الأمسية، عن تفاصيل حياتهم الزوجية، وأنا الذي كنت أحاول، بصفاقتي، إبعاد ذاك البدين عن سهرتنا.

أحياناً، كنت أرى القامشلي غريبة ومعادية. خاصة حينما كنت شاهداً على مشاجرات منزلية، تفتعلها زوجتي، لا أريد ان أقضي وقتي بها. إعتبرتها نذالة وانحطاطاً فترفعت عنه.

عدة مّرات وصلت إلى مرحلة أن والدها جاء لإصلاح الأمور، لكنه صار يهذي عن أمور مثل «عودي إلى البيت، وكلي من كتفي هذا، وإن لم يكفِ كلي من الثاني».
أية فظاعة هذه؟ هل أنا أصاهر آكلي لحم البشر؟ قلت ذلك بصوت هادئ لم يعرف والدها كيفية التعامل معه.
لكن الفكرة استثارتني واعتبرتها إهانة بحق زوجتي. تخيّلتها وهي تأكل كتف والدها والدم يسيل على وجهها ويصبغ المشهد بالأحمر، بينما عيناها تقدحان بلون أصفر متوهج كالشمس، ونَمَتْ أسنانها مثل الذئاب.

مثل هذه الحماقات تلهب الموقف وتشعله أكثر. أخمدت عزيمتي، وها أنا أدفع ديناً لخطايا لم يحاسبني أحد عليها. لقد هشمت قلوباً وتركت، بغباء، أخريات يهشّمن قلبي، وكنت أقول أنني أتمرّس بتجارب الحياة.
كنت أبلهاً، والآن أنا أجلس على خازوق.
رفضت دفن نفسي في الحياة، بالرغم من الخازوق ذاك، وحاولت جاهداً إيجاد بعض الحلول، فكنّا ننعم بفترات تُرفع فيها رايات السلام.
حينها كنا نزور بعض الأصدقاء، نتنزه في الأمسيات الرطبة، أو نلبي دعوة غداء تُحضّره حماتي، التي كانت مُعلّمة في المأكولات المردليّة الدسمة، وكان لها عينا ثعبان.

إقتراحات عباس في رحلة إلى سري كانيه كانت دائماً محل قبول وسعادة. نجلس في البيك أب الأبيض، ونترك النوافذ مفتوحة، ونتلقى هواء تنوّريّاً ساخناً، عابرين عامودا.

وحينما نصل أخيراً كانت رئاتنا تتطهّر بالجلوس في مطعم تحت الأشجار، وسيقاننا مشمّرة عارية في النهر الجاري، وسمك برونزي، يلمع بضوء الشمس، صغير يشبه المسامير يكركر أصابعنا وكواحلنا، ويتغذى على خلايا جلدنا الميتة، دون أن نعني بنوبة البرد التي سوف تدمّرنا بعدها لمدة أسبوع.

الأكراد، بمنطق كردي سليم، يُسمّون نزلة البرد «شوب» في الصيف، و «سرما» (برد) في الشتاء.

شعرت بالقلق من مظاهر لم تكن بحساب المنطق الكردي، ولا منطق بقية السكان في القامشلي، خاصة حين يتعلق الأمر بالتطرف الديني.
لذا لم أفهم الفائدة من بناء جامع كبير يطلُّ على السبع بحرات، في منطقة تخلو، تقريباً، من المسلمين. وفي نفس الوقت لاحظت أن السرطان كان يفتك بالناس اكثر من أي وقت مضى.

استمرت أزمة المواد التموينية، الغاز، الكهرباء وألف شيء آخر، كان الأمر، وكأن أحدهم صمّم وهندسَ هذا الوضع، ليجعل الناس تهتم بشراء الخبز والباذنجان، أكثر من قراءة كتاب.
وعدم قراءة الكتب هي عملية تفريغ الفرد من الفضول، تجعلنا مثل قطيع أغنام.

كان العام الدراسي الجديد قد بدأ، حين هزّت سيارة مفخّخة، في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٨١، شارع بغداد، الأثير لدي، في دمشق، ودمّر عدة مبانٍ وأودى بحياة أكثر من مائتي شخص. والذي قامت به جماعة الأخوان المسلمين، بعملية عُرفت بعملية الأزبكية.

في نفس الوقت، إستمر العراقيون والإيرانيون بقتل وتفجير بعضهم البعض في حرب شرسة وهمجية، غطّت حيزاً كبيراً من الأخبار، مباشرة بعد إستقبل وودّع.

على الصعيد البيتي، ونتيجة فترات سلام شملت العائلة، بدأت زوجتي بالتقيؤ مرّة اخرى.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شام-الفصل الرابع والعشرون
- شام-الفصل الثالث والعشرون
- شام-الفصل الثاني والعشرون
- شام-الفصل الحادي والعشرون
- شام-الفصل العشرون
- شام-الفصل التاسع عشر
- شام-الفصل الثامن عشر
- شام-الفصل السادس عشر
- إنتخابات الدانمارك البرلمانية وشبح العنصرية المتزايد
- شام-الفصل الخامس عشر
- شام-الفصل الرابع عشر
- شام-الفصل الثالث عشر
- شام-الفصل الثاني عشر
- شام-الفصل الحادي عشر
- شام-الفصل العاشر
- شام-الفصل التاسع
- شام-الفصل الثامن
- شام-الفصل السابع
- شام-الفصل السادس
- شام-الفصل الخامس


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - شام-الفصل الخامس والعشرون