بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6431 - 2019 / 12 / 7 - 12:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات ( 186)
التوزيع الخاص والمقطعي والمحلي
بشير الوندي
------------
مدخل
------------
في مبحث سابق , تناولنا بنحو الاجمال التوزيع الاستخباري وذكرنا انه بتسعة محاور (انظر مبحث ١٨ التوزيع الاستخباري) , وذكرنا فيه ان التوزيع الاستخباري على تسعة محاور او انواع , ثم تطرقنا في مباحث تالية بشيء من التفصيل الى سبعة انواع انظر : (مبحث ١٧٠ التوزيع الرأسي , مبحث ١٧٢ التوزيع القضائي , مبحث ١٧٣ التوزيع المعالج , مبحث ١٧٤ التوزيع المرجعي , مبحث ١٨٠ التوزيع الدوري , مبحث ١٨١ التوزيع التبادلي , مبحث ١٨٢ التوزيع الاعلامي). ونتناول هنا في هذا المبحث النوع الثامن ويشمل التوزيع الخاص الذي يتضمن الخاص والمقطعي والمحلي لتداخلهما , وهذا النوع من التوزيع يقع تحت يافطة التعاون ومصلحة الدولة العليا رغم ان بعض معطياته ليست من واجبات الاجهزة الاستخبارية .
----------------------
دقة دون تعميم
----------------------
ان كل جهاز استخباري محترف , يكلف عادة بنوع او نوعين من الواجبات بشكل واضح دون تداخل , وفي بعض الدول الصغيرة تكون واجبات الجهاز اكثر من ذلك , ولكن كلما زادت الواجبات تداخلت الاعمال , والحقيقة ان اكثر من ثلاث واجبات ستجعل الجهاز الاستخباري شرطوياً او مكافحاً ويفقد الوصف الاستخباري الصحيح .
ان مخارج المعلومات في الاستخبارات دقيقة جداً ويجب ان تعرّف بشكل واضح ودقيق وبلا غبار, ويجب ان تعرف الاستخبارات لمن ترفع معلوماتها وتحدد بدقة الجهات المعنية بالتوزيع , فمن شبه المستحيل ان تدرج الاستخبارات المعلومات ضمن تعميم او توزيع للجميع لان هذا يخالف مبدا السرية والكتمان , فلا عمومية بالتوزيع حتى لو كانت هنالك اكثر من جهة معنية بالمعلومات , فان الاستخبارات تخبر كل جهة بشكل منفصل عن الاخرى , فالطريقة الجماعية لاتناسب العمل الاستخباري فهي تعتمد الحالة الفردية في التوزبع , وتعمل على حصر الموضوع الى ابعد حدود ممكنه ومراقبة هذه الفواصل بشكل واضح.
------------------------
توزيع غير ممنهج
------------------------
تمتاز كافة انواع التوزيع التي تطرقنا اليها في المباحث السابقة , بأنها انواع تأخذ صفة الديمومة والاستمرارية والدورية ولا تكاد تنقطع , بل ان البعض شبه مستمر يومياً واسبوعياً وشهرياً , او كل ساعة ودقيقة لاسيما في الطواريء , كما ان تلك المحاور تعمل في كل الظروف سواء في الحرب اوالسلم , وفي الاستقرار والانفلات , اما التوزيع الذي نتحدث عنه هنا في هذه الفقرة , فهو توزيع خاص , قد يكون لمرة واحدة او باوقات متقطعة وبجهات توزيع غير ثابتة , وقد يكون توزيع جنائي خاص او مقطعي او محلي , كما سنبين.
------------------
شبكة الصياد
------------------
يشبه عمل اذرع الاجهزة الاستخبارية عمل شباك شركات الصيد الكبرى , فشركات الصيد تدرس البحار وتحدد التواجد الكثيف لكل نوع , وتقوم بتحديد وجهتها لتصطاد انواع بعينها من الاسماك , الا ان شباك الصيد لايمكن ان تختار ماتصطاده , فتحمل مع الصيد المبرمج انواع اخرى من السمك ربما ليست بحسبانها , وبالتأكيد سوف لن ترميها في البحر وانما تجد من يهتمون بتلك الانواع كي يبيعونها لهم .
والامر شبيه الى حد كبير في الاجهزة الاستخبارية , فالمصدر الخارجي للاستخبارات يكتب كل شي يحصل عليه , ومن غير الممكن ان يتغاضى عن معلومات غير تلك المكلف بجمعها , فقد تقع في طريقه اخبار عن موضوع مالي او خطر داهم في مجال الثروة الحيوانية او مشكلة زراعية او اقتصادية او اي تهديد يضر بالبلد , فحالما تصل المعلومات الى الاستخبارات تنظمها وترسلها الى المعنيين لاسباب عدة , في مقدمتها التعاون والتكامل الامني للبلاد , ولتخلي مسؤوليتها كي تلتفت لمهامها الرئيسية , ولأنها تتوقع ذات الشيء من كافة الجهات المعنية فيما لو وردت اليها معلومات من اختصاص الاستخبارات (انظر مبحث ١٨ توزيع المعلومات ).
فكثيراً ما ترد الى الاستخبارات معلومات منوعة لاتكون على مقاسات أوامرها الى اذرعها ومجساتها , ولا تدخل في اختصاصها , وهو امر منطقي ووارد , فالمخبر او المصدر او الانصات يلتقط كل شيء ولايهمل اي مما يصل اليه من معلومات فيقوم برفعها الى الاجهزة الاستخبارية التي لاتلومه لتدخله فيما لم تكلفه به , بل بالعكس فهي تبوب تلك المعلومات ثم تقوم بإرسالها الى الجهات المعنية بها في توزيع خاص ليس له توقيتات او تزامن معلوم , وهذا هو لب مانعنيه في هذا المبحث , ويقسم التوزيع هنا الى ثلاثة محاور:
1- التوزيع السري الخاص والمحدود:
في كثير من الاحيان تتحصل الاجهزة الاستخبارية على نوعية من المعلومات تخص جهات اخرى في الدولة , فتقوم الاستخبارات بتبويب تلك المعلومات وارسالها الى الجهات المعنية بها , ومثال ذلك , ان مصدراً في جيش العدو مكلف من قبل استخباراتنا بنقل معلومات عسكرية دوماً بلا انقطاع , لكن معلومة عرضية وقعت امامه تخص معلومة عن الزراعة او الصناعة , او صفقه تجارية فيها شبهة فساد او اي شيء ليس من اختصاص استخباراتنا لكنه يخص البلاد , فحينها تعمد استخباراتنا الى فرز المعلومة ومن ثم ارسالها الى المعنيين بها , فترسلها الى وزارة الزراعة او الى الصناعة او الصحة فيكون توزيعاً مختصاً بجهة ما فيسمى هنا بالتوزيع الخاص , وحتى لو وردت معلومة عن أمن احد الشخصيات او معلومات خاصة عن وزير او برلماني او شخصية عامة , فانها ترسل المعلومة مرجعياً الى امن الشخصيات , ولكنها ترسل المعلومة سرياً الى الشخصية المعنية ضمن توزيع سري خاص .
ويعد التسريب المسيطر عليه من ضمن التوزيع الخاص ويدخل في خانه التوزيع السري , ومثاله تسريب معلومات لمصدر مزدوج او ارسال معلومات تخص احد ابناء المسؤولين الى والده , او اعداد ملف عن فساد شخصية سياسية وارسال نسخة له , حيث تقوم بعض اجهزة الاستخبارات بالايقاع بقيادات البلد وتسجل لهم افلام وتبعثها لهم للابتزاز او الاسكات او الاغتيال السياسي اي طردهم من المشهد السياسي كاملاً.
2- التوزيع المحلي المناطقي :
ان الاجهزة الاستخبارية هي في الغالب اجهزة فدرالية تعمل على المستوى الوطني ولا تخضع في جميع الديمقراطيات الى الحكم المحلي , لذا فإن اي تقرير او اخبار الى حكومة محلية يندرج ضمن توصيف التوزيع الخاص او المحلي , فقد تكتشف الاستخبارات الخارجية خللاً في موضوع تابع لحكومة محلية او محافظة في بلادنا , فحينها تنظم المعلومات بتقرير وترسله للمعنيين في تلك الحكومة المحلية , فهنا لاتكون المعلومات اختصاصية كي توزع مرجعياً وانما تكون خاصة بجهة ما في منطقة ما , فيعتبر التوزيع هنا توزيعاً مناطقياً او محلياً , فتدخل ضمن اختصاص هذا النوع من التوزيع , حيث تكون المعلومات خاصه او مناطقيه او مقطعيه او محليه.
3- التوزيع المؤقت (المقطعي) : تمر البلدان في اوضاع غير طبيعي احياناً كالتظاهرات الضخمة او الانقلابات او التحضير لمناسبات معينة كزيارة الاربعين في العراق , او التحضير لحدث مميز كتنظيم مسابقات رياضية دولية كالاولمبياد او عمليات عسكرية محدودة لمطاردة تنظيم ارهابي (مثاله عمليات ملاحقة وتطهير لجبال حمرين ) , او الانتخابات او زيارة وفود عالية المستوى لمؤتمر قمة , فلكل هذه الاحداث تعمل اجهزة الاستخبارات عيناً للنظام خارج واجباتها , فرغم ان كل ما ذكرناه من احوال طارئة هي احوال مؤقتة ومحكومة بزمن , وبرغم ان بعضها لاعلاقة له باعمال الاستخبارات , الا انه يتم في الغالب تشكيل غرفة عمليات مؤقتة لتتولى الامر ومكونة من عدة جهات مرجعية بما فيها الاستخبارات , فحينها يتم توزيع المعلومات حول المناسبة بشكل استثنائي مؤقت يسمى بالتوزيع المؤقت او المقطعي , وهو توزيع ينتهي بنهاية المناسبة او الحدث .
نستنتج من ذلك ان التوزيع الخاص او المحلي او المقطعي , هو توزيع متعدد الموارد والاهداف , سواء لدرء خطر او حماية شخصية او الاخبار عن معلومات ليست من واجب الاستخبارات او للمعالجات المحلية او للتسريب المقصود او لمكافحة الفساد بصمت او للتهديد السياسي , وان المحاور الثلاثة , كما رأينا , لاتعتمد على التوزيع المرعي المعتاد للمعلومات ولا على الاستمرارية في التوزيع كما انها في مجملها توزيعات استثنائية في توقيتات استثنائية , ونشير هنا الى ان الاجهزة الاستخبارية لاتتعامل بفوقية مع الجهات الخاصة او المناطقية التي ترسل اليها المعلومات وانما تتواصل وتقدم الخدمات اللازمة بما ينفع الصالح العام , فلو اخبرت الاستخبارات وزارة الزراعة عن ورود معلومات من احد مصادرها في تركيا مثلا ان علفاً مسرطناً للدجاج سيتم تصديره للعراق وان التحليل الاستخباري يرى ان ذلك قد يصب في مساع لإفشال قرار الحكومة بمنع استيراد البيض , فمن الطبيعي ان تطلب الوزارة عن طريق رئاسة الحكومة من الاستخبارات بمحاولة تقصي معلومات اكثر حول المعلومة التي وردتها عرضاً ضمن مهمة لاعلاقة لها بالعلف , وهنا ينتج التوزيع الخاص مهمة جديدة رسمية تكون من ضمن واجبات الاستخبارات .
---------------------------------------------
الاستخبارات الخارجية والتوزيع الخاص
---------------------------------------------
ان هذا النوع من التوزيع يأتي في الغالب من الاذرع الخاصة بالاستخبارات الخارجية , فالمهام الاستخبارية الخارجية هي العمود الفقري لنوع المعلومات الخاصة بما يخطط له ضد البلاد , ومن ثم فانها تكون ثرية بمختلف المعلومات التي تقع ضمن اختصاصاتها وواجباتها او لاتقع مما يجعلها المصدر الرئيسي للتوزيع الخاص والمناطقي وحتى المقطعي .
وكذلك الأمر بالنسبة للسفارات والقنصليات وملحقياتها التي تتلقف اية معلومة تخص جهة داخل البلد ولاتتغاضى عنها , فلو حصل وتعاقدت شركات وهمية اجنبية مع وزارات عراقية واكتشفت السفارة عبر متابعة الصحافة في البلد المعني بانها شركات مفلسة , فحينها لابد من ان تتولى باخبار مرجعيتها (وزارة الخارجية) لتتولى تنبيه الوزارة المعنية بالصفقة.
------------
خلاصة
------------
ان هذا المبحث يتناول تغطية وتعامل الاجهزة الاستخبارية لكافة المعلومات الخارجة عن اختصاصها واهتماماتها , فهو بمثابة متنفس للاخبارات الاخرى سواء بواجبات مؤقتة او معلومات تخص جهات محددة في الدولة او تخص مناطق دون غيرها كالحكومات المحلية او ان تكون ضمن انحرافات الاجهزة الاستخبارية بملاحقة الخصوم السياسيين لرأس النظام وابتزازهم وتهديدهم , الا ان الاساس هنا ان التوزيع الخاص والمقطعي والمحلي هي توزيعات تخدم الصالح العام وتشير الى ان الاجهزة الاستخبارية لاتهمل اية معلومة , فكل مايردها سيجد طريقه الى الجهات المعنية او الى ملفات العمليات الاستخبارية , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
