مباحث في الاستخبارات (180) التوزيع الدوري

بشير الوندي

الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 26 - 17:12
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

مباحث في الاستخبارات (180)

التوزيع الدوري

بشير الوندي
------------
مدخل
------------
لاشك في ان المسؤوليات العامة ومشاغلها الكثيرة ينتج عنها الوقت الضيق بالتلازم مع عظم المسؤولية التي تتطلب الاطلاع المركز على اهم المستجدات والتوقعات والتحليلات بخلاصات كافية للإلمام بالمخاطر والتهيؤ لمواجهتها , ومن هنا يحتاج القادة الى خلاصات دورية تضعهم في الصورة مبكراً وتساعدهم في اتخاذ القرارات , وكنا قد ذكرنا في مبحث سابق (مبحث 18توزيع المعلومات) ان التوزيع على تسعة انواع من المعلومات الاستخبارية , وفصلنا منها اربعة انواع في مباحث منفصلة ( مبحث 170 التوزيع الرأسي , مبحث 172 التوزيع القضائي , مبحث 173 التوزيع المعالج او الميداني , مبحث 174التوزيع المرجعي) , وهانحن نتناول هنا نوعاً خامسا هاماً هو التوزيع الدوري والذي يشكل الكمية الاكبر من حجم المعلومات الموزعة بشكل عام.
-----------------------
التوزيع المحدود
-----------------------
ان التوزيع الدوري هو موجز مركّز لمجموعة تحليلات ومعلومات واستنتاجات تصدرها ادارة المجتمع الاستخباري لإطلاع القادة والآمرين - من اصحاب القرار- على الاولويات بشكل مستمر .
وتكون التقارير الدورية محدّثة وتتضمن آخر المواقف والتقارير الاستخبارية , فالتوزيع الدوري له تاثير فعلي على ادامة زخم الحكومة وابقاء التحشيد على التهديد وجعل صاحب القرار في الصورة دوماً مما يمكنه من ان يضع برنامجه اليومي حسب المنتج الاستخباري الصباحي , وينظم تقدير الموقف آخذا بنظر الاعتبار التقرير الاستخباري ضمن تقديره .
والتوزيع الدوري هو توزيع الزامي وضمن توقيتات محددة , وهو توزيع مهني ملزم لجهاز الاستخبارات , فهو التزام استخباري امام القادة وخلاصات استخباريه بمثابة رصد فني واعلامي وخبري يجمعه اطار تحليلي.
ومن هنا , فإن التوزيع الدوري هو عبارة عن اصدار سري مكتوم ومحدود التداول يصل لذوي الشأن للإطلاع على آخر المواقف ولا يوجد شي في الاستخبارات اسمه تعميم , فمنتجات الاستخبارات لا تعمم اطلاقاً , فأي إصدار او انتاح استخباري يجب ان يصنف ضمن : سري للغاية , سري , مكتوم , محدود , ولا يوجد توزيع لمنتج استخباري مفتوح وعلني , فالتوزيع لابد ان يكون محدد ومعروف , طبعا قد ينتج التقرير الدوري على مستويات : اول , ثاني , ثالث.
ويحدد التوزيع الدوري بقائمة للشخصيات التي تستلم نسخها منه , وتشمل القائمة على : القادة السياسيين , الرئاسات , الوزراء , القيادات العسكرية , القيادات الامنية , وزارة الخارجية , ويشتمل احياناً حتى اعضاء السلطة التشريعية والقضائية من ذوي المناصب العليا بحسب الحاجة والضرورة.
-------------------
اخطاء شائعة
-------------------
الجهاز الاستخباري جهاز شبيه بفلتر تصفية المياه , فهو فيه المدخلات من مختلف انواع المعلومات المبعثرة بكافة درجات موثوقيتها , وفيه المخرجات التي تشتمل على التحليل والاستنتاج والربط والتفكيك للمعلومات .
لذا وجب التوضيح من أن التوزيع الدوري لايعني المعلومات التي يتحصل عليها الجهاز الاستخباري , فتلك المعلومات فيها الغث وفيها السمين وغير منقاة ولم تخضع للتحليل , عدا عن انها تشتمل احياناً مواد سرية لايجوز اطلاع احد عليها من خارج الجهاز الاستخباري كأسماء العملاء والمصادر , ومن ثم فالمعلومات هي مايدخل للجهاز الاستخباري , اما التوزيع فهي مخرجات الجهاز .
كما ان هنالك خلط كبير تقع فيه الاجهزة الاستخبارية المتخلفة حيث تصدر توزيعاً دورياً يتضمن الحوادث التي وقعت واحصائيات بها وبأعدادها , وهو خطأ فاحش , فالاجهزة الاستخبارية المحترفة تشبه دوائر الانواء الجوية التي تنبءنا عما سيحصل وليس من مهمتها توصيف ماحصل , وكذلك الاجهزة الاستخبارية التي مهمتها تكتب عما لم يقع وعما تتوقع حدوثه وماسيترتب على الحوادث التي وقعت , اما مايقع من حوادث واحصاءآتها فهذه من واجبات الاجهزة الشرطوية والجنائية .
----------------------
محتوى التوزيع
----------------------
تشمل المعلومات الواردة في التوزيع او التقرير الدوري المحدود معلومات هامة في نواح مختلفة ابرزها : نشاط العدو , الاتجاهات العامة للتهديد والمخاطر , مقاييس الحرب النفسية , الاخفاقات , الفساد , اذرع الجريمة , التهريب , المخدرات , الارهاب , مكافحة التجسس , تأثير استخبارات العدو ودول الجوار .
كما يشتمل التقرير الدوري على : تقييم المجتمع , إستياء المواطن واتجاهات تفكيره, الاشاعات , النقد السياسي, مراقبة الرأي العام , مستوى رضا الشارع , تقييم المواطنين للاداء الحكومي وقرارات الدولة , الفجوات الاجتماعية , شبكات التواصل ,وفي بعض الاحيان حتى النكات.
ويصدر التوزيع الدوري بشكل : اسبوعي أو شهري أو فصلي , كما تصدر بعض اجهزة الاستخبارات ملخصاً يومياً للقائد العام , وفي الازمات تكون هنالك مواقف استخبارية متتالية في كل ساعة.
------------------------
مرجعية الاصدار
------------------------
تختلف جهة الاصدار الدوري من دولة لأخرى , فالبعض يصدرها من مستشارية الامن الوطني , وفي بلدان أخرى يتم اعدادها في ادارة المجتمع الاستخباري او من خلال رئاسة المؤسسة الاستخبارية , وفي الغالب , فإن التوزيع الدوري يرسل الى ادارة المجتمع الاستخباري من كل جهاز بحسب اختصاصه الاستخباري , ثم تقوم ادارة المجتمع بتوحيده .
ويتولى جهاز تحليل المعلومات انتاج المادة التي يتضمنها التوزيع الدوري عن طريق مجموعة من المحللين المخضرمين , وتختلف مواد ومضمون التوزيع الدوري من بلد الى اخر, وفقاً للتحديات المختلفة .
ولايقف التوزيع الدوري على السقوف العليا , فهو يتم في جميع المستويات , فهنالك توزيع دوري بمستوى استخبارات الفرقة العسكرية تنتج لقادة الفرقة , واستخبارات الشرطة لقادتها , وباقي اقسام الاستخبارات كلٌّ الى قياداته.
كما ان كل جهاز استخباري مطلوب منه ايضاً تقريراً دورياً من قبل جهتين : مرجعية الجهاز ادارياً كالداخلية والدفاع , وادارة المجتمع الاستخباري التي تعتبر مرجعية فنية .
------------
خلاصة
------------
ان سلطة القرار تحتاج الى المعلومات الموثقة لكي تقوم بتقدير الموقف بشكل صحيح وتتخذ قراراتها السليمة وتناور اعدائها ومنافسيها وتمتلك فرصة تقديم الافضل لشعبها , ولاتمتلك تلك السلطة ترف الوقت وترف الغرق في التفاصيل ’ ومن هنا يأتي التوزيع الدوري الاستخباري ليعطي مواجيز ملمّة بالاتجاهات والمخاطر والاستنتاجات ويكون في ذات الوقت جاهزاً للتفاصيل بحسب الحاجة , وبذلك يسهم الجهاز الاستخباري في اتاحة الفرصة لاصحاب القرار في الادراك الجمعي للمخاطر , عدا عن بعض التقارير التي يخص بها رأس السلطة لأهميتها وضرورة المحدودية القصوى لتداولها , والله الموفق.

#بشير_الوندي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل