أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هيثم حسين - الهاجس الشعريّ في نداء اللازورد















المزيد.....

الهاجس الشعريّ في نداء اللازورد


هيثم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 09:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في " نداء اللازورد " للقاصّة وجيهة عبد الرحمن سعيد

"إنّ القصّة القصيرة – كتعريف - هي بنية فنّيّة سرديّة تنقل لنا سلسلة محدّدة ومكثّفة من الأحداث والخبرات أوالمواقف وفق حبكة محكمة البناء وقفلة بها تنبني ، وهي موضوعة لتقرأ دفعة واحدة . كما يقول أندري جيد ".
تتألّف مجموعة نداء اللازورد للقاصّة وجيهة عبد الرحمن سعيد الصادرة عن دار الزمان من إحدى وعشرين قصّة ، تتراوح هذه القصص في الطول ، من حيث عدد الصفحات ، بين الصفحتين وبين عشر الصفحات ، تتوزّع على صفحات المجموعة المِائة والسبعة والثلاثين .. تحاول من خلالها التعبير عن همومها وهموم مجتمعها منطلقة من مواضيع حياتيّة قريبة إلى مواضيع شتّى، وتختلف عناوين تلكم القصص اختلافاً بيّناً وتتنوّع من جهة المداليل ، ومن تلك العناوين ما هو تقليديّ أكبر من المضمون أو ( أعرض إن جاز التعبير) كـ: ( الغروب من الشرق، هجرة البنفسج، ليلة أخيرة ..)، ومنها ما هو مبدَع و مناسب للمضمون ومتوافق مع ما ترمي إليه الكاتبة وما تحاول أن تخفيه بين السطور ، التي تظهر أكثر ما تخفي .. كـ ( المعرض ، نداء اللازورد )..والتشفير المعمول به والمعتمد من قبلها ، يلاحَظ بأنّها تضع بجانب المشفَّر شيفرته ومفاتيحه ، فيكون الاستدلال يسيراً وقد يكون هذا مبتغاها ، وقد لا يكون .. فإن كان كذلك فقد أفلحت ، وإن لم يكن، فعليها إعادة النظر في أنظمة التشفير عندها ...
يصطدم القارئ ، عند قراءة الإهداء بـ : ثمّة مقبرة .... الخ الإهداء ، بالمقبرة التي تحكم الكاتبة على ذاكرتها بالأشغال الشاقّة بإسكان تلك المقبرة النكرة فيها، وإبقاؤها على التنكير في " مقبرةٌ " كأنّه تهرّب من تحديدها وتعريفها ، تمهيداً للتخلُّص منها ، وكأنّي بها تستجلب لنفسها الأسى أو الصمت أو السكون الملازم للمقابر، أو ذلك الحزن الذي يلفّها، أو لربّما الأمان والاستقرار اللذان يسمانها تشبيهاً بوطنٍ مرتجىً لا يكون مقبرة .. كما يتكرّر لفظ المقبرة في أكثر من مكان،( قصّة المدينة المقبرة ص89 وفي مواضع أخرى كثيرة) وهذا يدلّ على أنّها قد أسكنت لغتها بمقابر عدّة بالإضافة إلى ذاكرتها التي ستظلّ مسكونة بها . حسب ما تقول هي . وكأنّها هنا تستنسخ أحلام مستغانمي ؛ ( التي قد تتحوّل إلى عقدة لكثير من الكاتبات ليصدر مصطلح العقدة المستغانميّة ) ، والتي تقول بأنّنا كي نشفى من حالة عشقيّة علينا أن نكتب ، وبعد الانتهاء من كتابتنا عمّن نكتب عنهم نكون قد اخترنا لهم سكناً جميلاً في كتاب يكون مقبرة لمن كنّا مسكونين بهم ..أي تكون كتبنا مقابر من كتبنا عنهم ، وكأنّنا بعد الكتابة عنهم نكون قد تخلّصنا منهم وأبلينا القرّاء بهم.. ولكنّ الكاتبة لا تريد أن تشفى من حالتها حتّى بعد أن تكتب ما تكتبه وتحوّل كتابها إلى مقبرة لأبطالها ، فإنّها تبقي نفسها مسكونة بالمقبرة على عكس ما يكون الكتاب؛ كتابها، مقبرة مجمّلة ..تحكم باستمراريّة المقبرة التي ستستمرّ على السكون في ذاكرتها ... ثمّ في السطر الثاني من الإهداء تقول : ( إليكم " أبي ... أمّي ... الخ ) هنا استخدمت القاصّة حرف الجرّ المتّصل بكاف الخطاب وميم الجمع ، ميم جمع المذكّر السالم ، بينما الإهداء يكون مخصوصاً بالمثنّى المختصر في ( أبي ... أمّي ) .. لذا كان عليها أن تقول : إليكما .. ثمّ ننتقل إلى السطر الثالث فتكتب : لكم مع عدّة نقاط ضمن قوسين متبوعة بتعريف للمتهرّب من تخصيصهم بأنّهم قناديل الليل . وفي السطر الرابع من الإهداء تقول : ولك يا طائر البرق ...؟ فنجد بأنّها تضع في نهاية جملتها إشارة استفهام،حيث لا يُحتاج إليها من الناحية اللغويّة ولا من الناحية الجماليّة ، لأنّ الاستفهام يضفي على الجملة ما ليس فيها ويخرجها عن مسارها وبعدها المحدود الواضح بـ : طائر البرق الذي قد يكون طائراً من خلق خيال الشاعرة . ( أقول وأحدّد الشاعرة ) . ولا أدري لماذا استخدمت الكاتبة في السطر الثاني حرف الجرّ "إلى"، ثمّ انتقلت في السطر الذي يليه والآخر إلى استخدام حرف الجرّ "اللام" ، مع أنّ الأصح لو أنّها أبقت على "إلى" . وفي الانتقال إلى السطر الأخير من الإهداء والذي تقول فيه : أهدي باكورة إنتاجي القصصي . وهنا يكون الإهداء مخصوصاً بطائر البرق وعائداً له .. لأنّها خصّصته بـ ( أهدي ) مع أنّ الأصحّ لو أنّها قالت : أهديكم .. ليكون والداها و المعرّفون بقناديل الليل مشمولين به أيضاً .. ولا أظنّها أرادت أن تقصيهم كما بدا ذلك من خلال ما هو مكتوب وبخاصّة هي التي قدّمتهم على طائر البرق الخرافيّ المضاف إلى العنقاء .. ( هل توقّفت كثيراً عند الإهداء ...؟! هو توقّف لا بدّ منه .)
وعند قراءة المجموعة نجدها تستهلّ بعض قصصها بأقوال لكتّابٍ كبار عالميّين، ومنهم أراغون، ناظم حكمت، شارلز ديكنز، ألفريد دي موسيه، الحلاّج، زرادشت، عبد الرحمن منيف .. رغم حسن انتقائها للمستشهدين بهم من الكتّاب ، ولكنّها كأنّها في اتّكائها تريد أن " تفيّز" قصصها – جواز مرورها إلى عالم الكتابة، وتباركها بتزيينها وتسبيقها بأقوالهم ... ، وكي لا يُتقوَّل بأنّها إنّما تستفيئ بفيء هذه الأسماء وتستظلّ بظلالها وتختفي خلفها ، و ذلك من خلال إدراجها أقوال في بداية بعض القصص أو في سياقها لا علاقة لها بمضمون تلك القصص، فنراها تقحم – أحياناً – بعض ما لا يحتاج إليه نصّها ..ومنها إقحامها قولاً للحلاّج وهو : >ص16 في قصّة أسوة بالبطاريق، حيث من المعروف أنّ الحلاّج كان من كبار الصوفيّة ومن الحلوليّين والاتّحاديّين مع الحبيب "الربّ" . وفي القصّة نفسها ، ولكن في بدايتها ، استشهدت بقول لشارلز ديكنز وهو : > . ولا يراد أن يقال :عساها تحمّلهم بعض ما قد يبدو من ضعفٍ في منطقة معيّنة، فيحول ، إذ ذاك ، ذاك الاسمُ الكبير بين القارئ وبين نقد الكاتبة التي سيحول عدم النقد بينها وبين أيّ تطوّر لابدّ أن تسعى إليه ..
ويلاحَظ أحياناً ويستَشفُّ من قراءة المجموعة بعض السطحية التي تبدو هنا وهناك ، وكأنّها تتحاشى الخوض والتعمّق في أعماق قصصها ، تراها تهتمّ بالقشور أكثر منه باللبّ والقلب .. فتستخدم تعابير مبتذلة في القصّة والنثر ( وقار الآلهة ، عويل ، صمت جنائزي، صمت القبور.... )، وكذلك يلاحَظ بأنّها أحياناً تورد للكلمة نفسها مترادفين في حين يكون أحدهما كافياً وافياً. (بدا محلقا ... طائرا ) ص 128.
كما أنّها تقف في معظم قصصها على العتبات دون أن تتجاوزها ،ودون أن تصوّر شخوصها ، حياتهم ، انفعالاتهم ... تلملم الكاتبة المشاهد ومن ثمّ تضعها في قالب نثريّ يحتار بين الشعريّ والقصصيّ ، فلا كان شعراً قصصيّاً ولا كان قصّة شعريّة .. بل قد نقول عنها شاعريّة في قصّها ، أو مهجوسة بالقصّة في شعرها ..وما يؤكّد ذلك إدراجها تحت عنوان ( قصص قصيرة جدّاً ) بضع خواطر نثريّة –شعريّة أبقتها على مسافة " بَيْنَ بَيْنَ " بين القصّة والشعر ... ويجب التوقّف عند مصطلح القصّة القصيرة جدّاً الذي لا يزال محور خلاف بين الراغبين عنها القائلين بأنّ اللاجئين إليها يحاولون الفرار من قصّة تحتاج إلى فنّيّات معيّنة لا يمتلكها الجميع ، و بين الراغبين فيها المنادين بضرورة تشجيعها باعتبار المصطلح مجرّد تسمية حديثة لفكرة كانت موجودة سابقاً في التراث على شكل الطرفة أو الخبر أو الطقطوقة القصصيّة.
ومن قصص المجموعة ما هو في مكان واضح مسمّى ( المحطّة ، نقابة المعلّمين ) ، ومنها ما هو غير مخصّص بمكان معيّن مسمّى أو زمان محدّد فتتركه عامّاً لكلّ مكان وزمان ، وقد تُجري الكاتبة بعض أحداثها في اللامكان ، في المقابر الذاكرة حيث المكان ضبابيّ وغارق في لا مكانه ولا زمانه ..
كما تحاول القاصّة التنويع في أسلوب القصّ من المتكلّم القاصّ المذكّر إلى القاصّة الأنثى، إلى استنطاق الجماد .. كما أنّها تعتمد التلغيز و الترميز في مواضع مختلفة .. وتبرز في مجموعتها التعابير الوجدانيّة المتعدّدة من استرجاع وتذكّرٍ وتأمُّلٍ وعرض خواطرها اعتماداً على الخيال الشاعريّ واللغة المتحايلة ..
ومن الشكليّات التي تمرّ بالقارئ ، عدم اهتمام الكاتبة بعلامات الترقيم أو تجاهلها في بعض الأحيان ، أو نصب المرفوع كقولها: وراح يملؤها بما تقع عليه عينيه .. . ص 124 . ( مع أنّ الصحيح عيناه ) .
ومن جميل كتابتها قصّة المعرض ( التي أغرقتها القاصّة كغيرها بالشعر ) والتي تصوّر فيها معاناة الفنّان الذي يضطرّ إلى عرض لوحاته في العربة ، ثمّ يستفسر منه الموظّف عمّا يفعله ، يجيبه بلامبالاة ودون أن يكون قد التفت إليه : لديّ معرض وأنا أقوم بعرض لوحاتي هل لديك مانع ..؟ ص 128.
وتظهر فيها الكيفيّة التي ينصّب الرجل غير المناسب في المكان المناسب ، تبدي من خلال فنّانها استياءها ممّا يعمّ من فوضى المناصب / المكاسب .
يبقى أن أقول، إنّ شاعريّتها وأنوثتها تطغى على حواريّاتها وقصصها، وهي نقطة تحسب لها وعليها ، لها إذا كانت الجرعة الشعريّة فيها مقنّنة ، وعليها عندما يخرج الشعر فيها على كلّ تقنّين و تحكّم ، فيكثر التوصيف الشعريّ ، ويسود تكثيف الصور التي تناسب المجموعة الشعريّة أكثر من المجموعة القصصيّة . وهي تحاول إحداث ما لم يحدث وهي تمتلك الجرأة للخروج عن القالب الجاهز الذي لم تقيّد به نفسها ..
بانتظار ما سينشر لها ، يراد منها أن تكون هي نفسها ..لأنّ لكلِّ امرئٍ تجربته الخاصّة به، وليس مطلوباً من الجميع أن يصبحوا واحداً أو صوراً مستنسخة عنه ، لأنّ جماليّة الأدب في تنوّعه .. والقاصّة قد انطلقت من بعض الذاتيّ المدرك و المقبوض عليه كتابيّاً إلى بعض العامّ الهارب الفالت من كلّ قبض .. أوافقها على عدم إمكانيّة الإلمام بكلّ شيء، فـ << حتّى الشمس لا تنير جميع الزوايا المظلمة >> .. يبقى ما سيأتي هو الأجمل لأنّ أجمل القصائد تلك التي لم نكتبها بعد . كما يقول ناظم حكمت .



#هيثم_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي عامل .. شهيدُ الفكر
- أُلْفةُ الأمكنة ، أمكنةُ الأُلاَّف
- لَعْنَةُ الجغرافيا وخيانتُها روائيّاً
- آمد والجرم الماضي المستمرّ
- الحوار المتمدِّن تجذير التمدُّن في الحوار
- أَرَبٌ عربيٌّ في الأدب الكرديِّ
- بعض التوضيحات حول مقالة :الأدب الكرديّ بعيون عربيّة
- حرائقنا ... نَيْرٌ ناريٌّ
- الحدائيّات العربانيّة
- ((قراءة في مذكَّرات الدكتور نبيه رشيدات (( أوراق ليست شخصيّة
- قرية - دارِى - رهين الظلمين
- وأيضاً نزار ...
- (( التركيد المُمَنْهج ))


المزيد.....




- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هيثم حسين - الهاجس الشعريّ في نداء اللازورد