أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - وجوه















المزيد.....

وجوه


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6395 - 2019 / 10 / 31 - 21:40
المحور: الادب والفن
    


لم يرغب خلدون يوما ان يصير معلما ،فشهادته العلمية وزاده المعرفي كان أكبر من أن يضعه مع فئة ممن طوحت بهم الحياة ليلتقطوا أية مهنة يسترزقون منها ..
هو الانتماء السوسيو ثقافي ،يرميك حيث لا تريد ولا تتمنى ان تصير ؛
فشتان ما بين محظوظ ومغبون ..
ازداد ضجر خلدون وغبنه ،وقد وجد نفسه في طابور مع غيره، يترقب ورقة التعيين وأين ستطوح به في هذه الأرض بما رحبت ...غيره قد تصلهم الوظائف الى اسرة نومهم ..
قرية نائية من قرى الوطن المنسي وغير النافع ...هناك كان النصيب ...
المدرسة بعيدة قليلا عن تجمعات القرية السكنية، وهي عبارة عن ثلاث حجرات للتدريس ،وغرفتين صغيرتين كعنابر السجون ،سكنى للمعلمين ، بعيدة قليلا عن الحجرات الدراسية والتي كانت تصطف في اهمال، كأنها اصطبل خيول ،تستغل بيتا للتربية وتعليم آدميين كم حلم آباؤهم ان يتعلم أبناؤهم ويدخلون دائرة الرضى في وطنهم ..
من بين المعلمين كان واحد من أقدم من التحقوا بالمدرسة ، وحده كان يحتل سكنى متكاملة قريبة من عنابر المعلمين ،كان رجلا ملتحيا ،حليق الشارب ....كان يغير قمصانه الخليجية يوما بعد يوم رغم ان تلك القمصان ، ليست من اعراف الوطن ،ولا من زي العمل الذي تفرضه الوزارة على موظفيها العاملين بالاقسام ،فهو بين المعلمين وسكان القرية عامة ،
و في المسجد او يوم السوق الأسبوعي كأنه حاكم القوم وسيدهم ..
تبوأ بحكم أقدميته منصب الامامة إضافة الى مهنته ..
كان واسع الصدر ، قصير الانف ، ضيق العينين ،رأسه الكبيرة شحنها بمعرفة إسلامية انطلاقا من مذهب معين ، و في شرعه أن ليس ما بعد المذهب الذي يعتنقه ،وعنه يدافع بالوكالة غير الضلال والمنكر ،
صدره الواسع ضاق بالمنكرات اليومية ..يتأفف منها ويدعو الله
أن يهدي عباده ..فهو يردد في غدو ورواح لازمته اليومية :
انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ؛
يِؤمن ان التعليم ماعاد يلتحق به الا فاشل ، او من انسدت في وجهه أبواب الوظائف ، وهو سيد الفاشلين ، نال شهادته الثانوية بعد ان رسب ثلاث مرات ،وما انقده في الثالثة الا أستاذ حارس ، غض عنه الطرف وهو ينقل ،وسمح لتلميذ ان يمرر له بعض أجوبة الامتحان ، وقد من الله عليه بصديق خليجي تعرف عليه بالمدينة ، هداه ،بعد أن كان ضالا، ثم زوده بكتب ميتة ممن لازالوا يؤمنون بان الأرض مسطحة محمولة على قرني ثور ..
من يومها عزف عن كل شيء الا راتب الوظيفة ، يتسلمه بقلب مطمئن ووجه بشوش ، بلا خوف من الله ،ثم تعويضات الامامة وتوابعها من عطايا وذبائح ودعوات الافراح والاتراح التي تشهدها القرية ، وهي له وجه آخر يجعله في عيون أهلها إمام الوقت وسيد القوم ..ثم ما كان يجود به كرم الخليجي كلما حل ضيفا عليه، والذي ما كان يتبدى منه لأهل القرية ومعلميها وتلاميذها غير ما ينفخ البطن ، و ما يرتديه من قمصان خليجية تتباين ألوانا وأشكالا ، يُجَمّل بها وجهه امام المعلمين والتلاميذ؛
اما الرصيد البنكي الذي يشكو الثخمة فهو وجه من وجوه اسرار الدولة كما يتهامس المعلمون..
كانت نصائحه دوما عبارات يكررها بين المعلمين كما بين التلاميذ والمصلين :
ـ "الدولة تناست القرية ،بل حذفتها من خريطة الوطن حتى غادرها اغلب الشباب وصار النساء يرتزقن من كد أرحامهن "
ـ "احرسوا العنصر النسوي في قريتكم ودودوا عنه الرذائل"
"اني سرت ،فلا أشتم الا رائحة الحرام في كل جنبات القرية .."
هكذا كان يظل يومه موزعا بين التعليم والمسجد والدعوات وتوجيه اللوم ، لا يفتر ويتوقف الا حين يزوره صديقه الخليجي،
فلا التلاميذ يرون له اثرا ، ولا المعلمون يبادرون بصلاة ،فهو عن المسجد متأخر مشغول بضيفه ..
ذات ليلة مزق سكونها نباح الكلاب ،تناهى الى خلدون صوت كلبة عكرت صفو نومه .. كانت الكلاب تتبارى وتتصارع تحت نافذته من اجل كلبة امتنعت ان يمتطيها كلب ..
ضحك في سره : الأنثى دوما وأبدا وراء كل إعصار ..
بعيدا عن غرفة نوم خلدون ، في بيت جاره المعلم ،تناهى اليه ارتطام جسم آدمي ..أغلب الظن ان الضيف لم يعرف طريقه في الظلام فارتطم بالباب ..
لكن صوت عزف من آلة تسجيل خافتة وحركة رقص كانت تخترق تلافيف الليل.
اشعل خلدون شمعة عانى من الحفاظ على اشتعالها ،حيث ريح لقيطة تقاوم نور الشمعة الباكية فلا يستقر ..
تقدم الى باب الجار المعلم الامام ..اطل من وراء نافذة مكسورة الزجاج
استغفر وتراجع ..فرك عينيه بيده اليسرى ..ثم أعاد الاطلالة
كان الكل عاريا داخل غرفة شبه مظلمة ..رجلان وثلاث نسوة !!!...
لم يصدق ما رأت عيناه !!..
هنا عالم قائم بذاته ..للقرية نهدها التي تمتص منه فقرها وحرمانها من خيرات الوطن التي لا تصل اليها ،
وللمعلم نهده الخليجي حيث ماتت شرائع الدين تحت سياط المتعة الحرام،
بين اضطراب النفس واهتزاز العقل كان خلدون في حاجة الى التريث ..
هل هو صاح ام في حلم ؟ الامر في حاجة لاعادة تكييف ومحاولة اجترار
حتى يصدق ما رأى ..هذا الذي زلزل ذاته وقيمه..
مازالت آلة التسجيل ترسل رقصاتها الماجنات ..
يعاود الاطلالة عبر الزجاجة المكسورة ...
المعلم الامام منهزم منبطح على بطنه ،واحدى الاناث تركبه كفرس ،وقد شدت اليها راسه من شعره بكلتي يديها ،كأنها تريد أن تجز رقبته ،والحقير يخور كبقرة بعد الذبح ..
ضحكات تعلو، وقهقهات ترتفع ...
الخليجي وقد علا شخيره ،مرتمي على الأرض، يرسم الجهات الأربع بجسده ..
في الوسط على كرته الأرضية تنظم احدى الفتيات إيقاع دندناتها بالضرب على بطنه بقنينات خمرية ،أما البنت الثانية فقد جعلت رأسه بين رجليها وشرعت تتبول عليه ...
منظر مقرف لايعكس غير حقارة النفس البشرية ودناءة الانسان حين يتجرد مما كرمه الله به، فيحوله الى شيطان مارد يأتي مالم يأته ابليس في زمانه الأول...
اللحظة أدرك خلدون لماذا ران غضب الله على القرية، فصارت من قرى السخط الإلهي فجعلها نسيا منسيا ..!!!..بسرعة حرك رأسه نفيا .. أبدا هي فقط أزمة النفس حين يصطرخ التناقض بين ضلوعها ،تناقض صراع الطموح والاغراء وصراع المبادئ العليا ..هو التصادم النفسي بين قيم الاخلاق وشهوات النفس ...
أحس دمعات حارقة على خديه... و ارتعشت شفتاه نبسا ،بعد ان تواردت على خاطره كلمات :
"كاد المعلم ان يكون رسولا "
تمتم في حنق :" وهو اليوم شيطان مريد لعنه الله .."انهار أمام رغباته ،ولنفسه أطلق العنان ،مطحونا بمبادئ مثالية مجترة لم تحفر في النفس أثرا ،ومظاهر التباهي بصحبة لم يجن منها غير غضب الله .
تساءل : لماذا أنا هنا؟ واي الذنوب يعاقبني عليها ربي ؟
تملك نفسه قليلا ..وقد انتبه الى ان الشمعة في يده قد اطفأها الريح
كما أطفأ الله الايمان والتقوى من بعض الصدور ،وكما غابت إنسانية الانسان وهي قبل الدين والمذاهب والانتماء ..
عاد ادراجه الى غرفته ...جمع أوراقه واغراضه ،وفي عزم وصدق قرار، غادر القرية ..وهو يردد :
علي أن أختار ، وما خلقني الله الا حرا .. مازال العمر أمامي باقيا ..
أن أتسول بشهادة علمية خير من اضع على وجهي قناعا فأغرر بالناس واهتك اعراضهم .. ما أحقر بعض البشر ..كم يغيرون من أقنعة على وجوهم ...وكم من وجه لم نعرفه عنهم الى اليوم !!!..
تنهد بغصة وهمس لنفسه :
كم من بقعة طاهرة يأتيها قوم نجس فتصير سدوما وعمورية
طيلة الطريق وهو راكب عربة مجرورة بحمار الى المركز حيث وسائل النقل ،كان هذا السؤال يضرب راسه بمطارق :
اين الرقابة ؟ أين الوزارة ؟ اين الدولة ؟
اين الوطن ؟
وكيف غابت العيون عن دخيل هو في وطنه غضنفر متسلط حاكم بأمره
لايفارق جبة الدين وسلهام الرجولة،وفي وطن غيره حقير ضحكة تتبول عليه أنثى كما تتبول كلبة على حائط ؟
هو و جه من وجوه الانسان في زمن ماتت فيه إنسانية الانسان...



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليت أصواتكم صوتي
- في قلبي رجل آخر
- من فينا يرتق لنا معنى ؟
- ابواب الريح
- جفاف
- منتخب كذاب


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - وجوه