أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - إبراهيم أبوحماد المحامي - تضارب المصالح















المزيد.....



تضارب المصالح


إبراهيم أبوحماد المحامي

الحوار المتمدن-العدد: 6390 - 2019 / 10 / 25 - 09:43
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يعتبر تضارب المصالح وجه من أوجه الفساد , ونجد أن له حضور قانوني في النظام القضائي فيما يتعلق برد القضاة لعدم الحيدة , ولتعارض المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ولقد كشف الربيع العربي والعولمة الاقتصادية عن تزاوج الثروة والسلطة , ولذلك فإن الحد من تضارب المصالح يعزز من الديمقراطية وشرعية الدولة ،ويندرج مفعوم تضارب المصالح في اطار التدابير الوقائية للحد من الفساد ،باعتباره انعكاس للممارسة الجيدة للحكم ومؤشر على الالتزام القانوني بمكافحة الفساد ،حيث أن موضوع مكافحة الفساد يرتبط بعملية التنمية لما له من أثار اقتصادية واجتماعية في الدولة ويعتبر مصلحة عليا للحفاظ على شرعية النظام السياسي ،و وفقا لنتائج مدركات الفساد قد فشلنا وطنيا بالوصول الى درجة القبول بذلك ،علما بان المملكة تخضع لسبعة معايير دولية ،ويرتبط الحصول على المساعدات الدولية بمدى نجاعة المملكة في المؤشرات الدولية ،ولقد اظهر تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان لعام 2014غياب العدالة الاجرائية في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،ومما يجعل موضوع تضارب المصالح استراتيجية وطنية .
وتبرز أهمية هذا المقال في إطار فهم حقيقي لتضارب المصالح من أجل خلق وعي قانوني بالبناء القانوني لموضوع المقال , اذ ان التصور الثقافي السائد في يتمحور في علاقات النفوذ و المعرفة , والواسطة , والمحسوبية وعلاقات القربى والجوار والسكن والمنطقة , وعلاوة على الهوية الوطنية بدوي فلاح , مسلم مسيحي , فلسطيني أردني , وبما يقسم الهوية إلى هويات فرعية وبالنتيجة صراع داخل الهويات الفرعية ومع الهويات الخارجية , مما يجعل من هذا المقال يمثل صراع القيم والأخلاق الوظيفية من مفارقات متعددة هي المصلحة العامة والشخصية من الثقافة السائدة وثقافة انفاذ القانون ،وعلاوة على ذلك فإن الصراع يتمثل بين النخب السياسية والاجتماعية والقضائية والدينية ومستويات المشاركة السياسية والحراك السياسي والمجتمعي وبما لذلك من تأثير على مدى اتفاق المنظومة القانونية الاردنية مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد
إن مصطلح تضارب المصالح يعتبر إشكالية بحد ذاته من حيث المفهوم وتحديده وتحديد صوره , وهو يتوافق ويتقاطع ويتعارض مع مصطلحات أخرى مثل مبدأ التنافي للمصالح , وتماثل المصالح ، الفساد ،الحياد ،الشفافية ،الكشف المسبق للمعلومات والكسب غير المشروع وقواعد الافصاح , وإن موضوع تضارب المصالح العامة والشخصية قد يكون واضحا في علاقات الزواج والقرابة والمصالح التجارية , إلا أن تضارب المصالح يكون خفياً في علاقات أخرى مثل العشائرية الاقليمية و الجهوية والواسطة والمحسوبية والتحيز، والصراع الطبقي ولذا فان مفهوم تضارب المصالح يعني أعلاء الشأن الخاص على المصلحة العامة وذلك عبر المحسوبية بتقديم العلاقات الذاتية والاجتماعية والمصلحية على الاعتبارات الموضوعية .وبالتحيز وذلك بإسقاط الاعتبارات الموضوعية والميل لاعتبارات شخصية ذاتية وبالواسطة بتقديم أمر غير محق على الحق الأجدر بالرعاية بسبب النفوذ والمعرفة .

تضارب المصالح وفقا لاتفاقية مكافحة الفساد
وتجدر الاشارة بأن اتفاقيات مكافحة الفساد الصادرة عن مؤتمر الامم المتحدة لمكافحة الفساد يكمن جوهرها في تكوين إطار لمنظومة منع الجريمة والمخدرات ولذلك نجد ان هذه المؤتمرات وأغلب الدراسات تركز على الجانب الجنائي للفساد في الوظيفة العامة والصفقات وتضارب المصالح وغسيل الاموال والتجريم ، وتتعرض للجانب الاداري بما يتوافق والقانون الجنائي ،مما يجعل من الدراسات القانونية في الجانب الاداري والمدني بالمقارنة مع الجانب الجزائي منخفضة كما ونوعا ،على الرغم ان التشريع الاداري على هذا النحو يعتبر مصدر غير مباشر للتشريع الجنائي من حيث التفسير ،الا ان ذلك قد لا يتطابق مع المجتمعات التي تعاني من أزمة التطور التشريعي في القانون الاداري للتوافق مع معايير الحكم الرشيد أو الممارسة الجيدة ،اذ تتمثل هذه الازمة بعدم تضمين القيم القانونية للتشريع الاداري وندرة الاحكام القضائية حتى درجة انعدامها المتضمنة لهذه المبادئ ،وحيث أن التجريم الجنائي يقوم على الجزم واليقين القضائي وقرينة البراءة في الدعاوى الجزائية تختلف عن قرينة مشروعية القرارات الادارية فإن المنهج القانوني والفقهي والقضائي وإن تناول عيب الغاية أو الانحراف في استعمال السلطة أو إساءة استخدام السلطة التقديرية ، إلا أن قواعد الحكم الرشيد تضيف معايير جديدة لرقابة على الاعمال الادارية ولما كان التطبيق القضائي الاداري لهذه المعايير منخفض نسبيا فانه سينعكس ذلك على انخفاضه بمدى أوسع على القضاء الجنائي الذي يختلف منظوره القانوني من حيث الضرر بين جريمة الفساد والجرائم الاخرى اذ تعتبر جريمة الفساد جريمة ضرر عام ولا يوجد ضحية مباشرة تسهر على السعي الحثيث للمطالبة بالترضية القضائية واقتضاء الحق ولما كان الضرر العام في جريمة الفساد ،والمنفذ لها ذو نفوذ عام وقادر على اخفاء الأدلة وتمتاز الادلة بالسرية فإن إشكالية اثباتها تنطوي على جانب من التعقيد القانوني ويلزم لذلك جهاز فني متخصص بالكشف عنها يتمثل بجهاز مكافحة الفساد وهو يمثل جانب وقائي وعلاجي لمكافحة الفساد إلا أن هذا الجهاز يرتبط تعيينه برئيس الوزراء والذي قد يكون مشتبه به بقضايا فساد ومثال ذلك ملف الكازينو إذ تعدد المسؤولين المرتبطين بهذا الملف , أما فيما يتعلق بالقضاء الاداري فإن إقامة الدعوى تستلزم مصلحة شخصية مادية أو معنوية للطعن بالقرار الاداري وإن هذه المصلحة تثقل كاهل الطاعن بعبء الاثبات وتقديم الأدلة القانونية , ولذا فإن مراقبة القضاء الاداري لعيوب القرار من حيث الشكل والاجراء تكون أيسر من حيث الرقابة على تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة والممارسة الجيدة لصحة القرار , ومن الأمثلة على ذلك إصدار الحكومة الأردنية لمجموعة من التشريعات الأردنية الخاصة بالنزاهة والحكومة المنفتحة مثل نظام التعيينات القيادية وقانون حق الحصول على المعلومات , إلا أن مصير الدعاوى الادارية كانت رد الدعوى شكلاً لعدم توفر المصلحة وبالنتيجة فإن اشكالية تضمين هذه القيم الواجبة بالقانون ومدى توافقها مع المعايير الدولية؟ .
وإن الدولة تستند إلى وسائل متعددة بشرية ومالية وقانونية لتنفيذ أهدافها وغاياتها , وتعتبر القرارات الادارية هي امتياز ووسيلة قانونية لتحقيق المصلحة العامة وإن اتخاذ القرار الاداري هو عمل يومي متكرر وينطوي على جانب من الأهمية ويعبر عن الدولة القانونية ومدى خضوع الادارة لأحكام القانون , وإن توافر مصلحة شخصية لمصدر القرار هو أمر يعيب القرار ويعدم مشروعيته القانونية لأنه لا يكرس العدالة المجردة عن النزعات والميول الشخصية

ماهية تضارب المصالح
إن تضارب وتعارض المصالح ومبدأ التنافي والنزاهة والحياد تعتبر مترادفات لغوية لذات المعنى , وورد مفهوم تضارب المصالح في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كصورة من صور الفساد والذي يوجب على الدول تضمينه في تشريعاتها الوطنية وبشكل يحد من الفساد , فقد عملت الدول المختلفة على اصدار تشريعات مختلفة في تضارب المصالح إذ نهج المشرع العماني والمصري على اصدار قانون خاص بتضارب المصالح , وفي الدول الغربية مثل بريطانيا ورد تضارب المصالح في مدونة السلوك البرلماني , وفي المملكة الأردنية الهاشمية ورد تضارب المصالح في قوانين متعددة مثل قانون الكسب الغير مشروع ومدونة السلوك الوظيفي ومدونة السلوك القضائي وقانون اصول المحاكمات المدنية و قانون نقابة المحامين الاردنيين

مضمون تضارب المصالح
ان مضمون تضارب المصالح ورد بالمواد (7-12) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تاريخ 21نوفيمبر2003 والتي اوصت باتخاذ التدابر التشريعية والادارية وفقا للقوانين الداخلية لتعزيز الشفافية ومنع تضارب المصالح ولقد صادقت المملكة الاردنية الهاشمية على الاتفاقية بموجب قانون المصادقة المنشور في الجريدة الرسمية رقم 4669تاريخ 1/8/2004 .(1)
ولقد اعتبرت الاتفاقية بأن تضارب المصالح وكذلك الإحساس بذلك التضارب يضعف ثقة الجمهور في نزاهة الموظفين المدنيين و سائر الموظفين الرسميين وفي أمانتهم، ومن أجل زيادة تعزيز الشفافية في الإدارة العمومية، تُلزم المادة 8 الدول الأطراف بأن تسعى إلى وضع تدابير ونظم، عند الاقتضاء ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، بأن يفصحوا للسلطات المعنية عما يلي، كحد أدنى:
أ) أنشطتهم الخارجية
ب) العمل الوظيفي
ج) الاستثمارات
د) الموجودات
ه) الهبات أو المنافع الكبيرة
إذ أنها تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين ،ولا بدّ من أن تكون القواعد والإجراءات المعيارية الخاصة بالكشف والشفافية مصحوبة بجزاءات مناسبة، وتقضي المادة 8 بأن تنظر الدول الأطراف في أن تتخذ، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي تدابير تأديبية أو تدابير أخرى بشأن الموظفين العموميين الذين يخالفون مدونات القواعد أو المعايير الموضوعة وفقا لأحكام الاتفاقية
الفساد القضائي
ولقد أكدت الاتفاقية على المركز الرفيع لسلطة القضائية والنيابة العامة والتدابير المتعلقة بالجهاز القضائي و أجهزة النيابة العامة نظرا لأهمية استقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد، اذ تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأسا سية لنظمها القانونية ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي. ويجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز القضائي. يجوز استحداث وتطبيق تدابير ذات مفعول مماثل للتدابير المتخذة داخل جهاز النيابة العامة في الدول الأطراف التي لا يشكل فيها ذلك الجهاز جزءاً من الجهاز القضائي، ولكن يتمتع باستقلالية مماثلة لاستقلاليته.
ولقد تم تنظيم مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 22/6/2012لمناقشة موضوعية ،بشأن تضارب المصالح، والإبلاغ عن أعمال الفساد والتصريح بالممتلكات، وخاصة في سياق المواد من ٧ إلى ٩ من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تضارب المصالح والإبلاغ عن أعمال الفساد والتصريح بالممتلكات .
ولقد أكدت الاتفاقية على اتخاذ السياسات والتدابير التي اعتمدﺗﻬا الدول الأطراف فيما يتعلق بتضارب المصالح وتطبيق معايير مكتوبة فيما يتعلق بتضارب المصالح وتنفيذ معايير بشأن تضارب المصالح والتدابير التي اعتمدﺗﻬا الدول الأطراف فيما يتعلق بالتصريح بالممتلكات ومتطلبات التصريح بالممتلكات و رصد إعلانات التصريح بالممتلكات واستعراضها السياسات والتدابير التي اعتمدﺗﻬا الدول الأطراف لتيسير الإبلاغ عن أعمال الفساد و فرض الالتزامات القانونية بالإبلاغ عن أعمال الفساد حماية الأشخاص الذين يبلغون عن أعمال الفساد واستعراض آليات الإبلاغ والتدريب ومبادرات إذكاء الوعي لتيسير الإبلاغ عن أعمال الفساد ، وعلى وجه الخصوص كان الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا لأغراض منع تضارب المصالح واستبانته، سواءً في شكل برامج التعلم الإلكتروني المعتمدة في النمسا أو التقييمات المؤتمتة لإعلانات التصريح بالممتلكات في الأرجنتين
وإن تضارب المصالح وفقا لتعريف هيئة مكافحة الفساد فهو الوضع أو الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار الموظف أثناء ادائه لوظيفته بمصلحة شخصية مادية أو معنوية تهمه هو شخصيا، أوتهم أحد أقاربه، أو أصدقاءه المقربين، أو عندما يتأثر أداؤه لوظيفته باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة، أو بمعرفته بالمعلومات التي تتعلق بالقرار .

تمييز مفهوم تضارب المصالح عن المفاهيم الاخرى
وإن تضارب المصالح يتعارض مع مفهوم تمثيل المصالح , اذ أن مفهوم تمثيل المصالح يتعلق بوجود مصالح عامة ومهنية للمشاركة في اصدار القرار الاداري بحيث تلعب دورا هاما في الحياة الادارية للمجالس واللجان المتعددة التي تعمل على مستويات ادارية مختلفة وبذلك دخل مفهوم تمثيل المصالح في إطار السلوكيات الادارية والسياسية , إذ أنه يتعلق بمصلحة عامة وليس مصلحة شخصية التي تعتبر جوهر مفهوم تعارض المصالح , إذ أن تمثيل المصالح هو شرط لنجاح الدولة للتدخل في المجال الاقتصادي والاجتماعي وبما يساعد على عملية المشاركة في اتخاذ القرار الاداري وسهولة تنفيذه , ومن الأمثلة على ذلك اللجان الفنية والادارية ذات التمثيل المتعادل وكذلك اشراك النقابات في المجلس التنفيذية بما يحقق ديمقراطية الادارة وهذا هو المقصود بجماعات المصالح وإشراكها بالمجالس واللجان الادارية وليس فقط عقد جلسات استشارية معها .
وإن مفهوم تضارب المصالح قد يختلط بمفهوم الفساد الاداري إلا أن الأخير يستغرق الأول حيث أن الفساد الاداري هو عبارة عن مفهوم له أشكال وأنواع ومظاهر متعددة ومنها تضارب المصالح , ولذلك فإن مفهوم الفساد يشترك مع تضارب المصالح من حيث الأهداف والغايات حيث يتعلق بإهمال المصلحة العامة لتحقيق مصالح شخصية كما أن تعارض المصالح يشترك مع مفهوم الفساد في مظاهره السياسية والمالية والادارية والأخلاقية , ويشترك مع أنواع الفساد من حيث الحجم في الفساد الكبير والصغير وفقا لدرجة الموظف الوظيفية ومن حيث الانتشار فساد دولي ومحلي وكذلك من حيث جرائم الفساد الخاصة بالرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة ونهب المال العام والابتزاز ومن حيث الاسباب الاجتماعية كالأسباب التربوية والاقتصادية والسياسية وضعف صياغة القانون وغموضه الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على تنفيذ القانون , ويتشابه أيضا من حيث الآثار والنتائج المترتبة على الفساد وطرق علاجه , لذا فهناك صعوبة في التمييز بين الفساد وتضارب المصالح , إذ أن تضارب المصالح يعتبر من التدابير الوقائية لمنع الفساد فهو الجانب الوقائي لمكافحة الفساد , وبالنتيجة فإن التمييز بين تضارب المصالح كصورة من صور الفساد يتمثل بالنصوص القانونية التي تبين الصورة الحقيقية لتضارب المصالح إلا أن لتضارب المصالح صور خفية لم يتمكن القانون من التعرض إليها إلا عبر مفاهيم أخرى مثل التحيز والواسطة والمحسوبية إذ أن علاقات المعرفة والواسطة والاتصالات الهاتفية وفيتامين دال والنفوذ وتدخلات السياسيين والاقتصاديين وأصحاب النفوذ والمجاملات وعلاقات القرابة والعشيرة قد يصعب ترجمتها قانونياً , لذا تظهر الحاجة إلى إيجاد معيار موضوعي للحكم على صحة القرار الاداري بحيث أن مصدر القرار ما كان من الممكن أن يتخذ هذا القرار وفقا لسلطته التقديرية ما لم يكن محكوماً بهذه الاعتبارات وهل استخدم سلطته التقديرية بما يحقق العدالة والأحكام الموضوعية القانونية فإن حاد عن هذه الأحكام وجافى العدالة والمنطق فإن القرار يكون معيب بعيب الانحراف باستخدام السلطة مما يرتب عليه إلغاء القرار الاداري بأثر رجعي .
وإن مفهوم تضارب المصالح يتفق ومفهوم الشفافية , إذ أن تضارب المصالح كتدبير وقائي يستلزم الافصاح المسبق والكشف المسبق عن مصالح الموظف العمومي الذي يشغل مركز تنفيذي أو قضائي أو تشريعي سواء منتخب أو معين عن مصالحه الخاصة التي تجعل من القرارات الادارية عرضة للميل والانحياز عن مصالحه الشخصية عن مصالحه العامة , لذا تعتبر الشفافية هي الكشف عن المصالح الخاصة للعموم بحيث تعمل الادارة العامة ببيت من زجاج كل ما به مكشوف للعاملين والجمهور والشفافية تتنوع مظاهرها بحيث تكون شفافية إدارية وتشريعية وتوفر المعلومات لعامة الناس وبشكل واضح ويسير الفهم حول السياسات والأنظمة والتعليميات والقوانين والقرارات الادارية , فهي لا تقتصر على النشر فقط بل على الوضوح وسهولة الفهم والاستقرار والانسجام بما يتناسب مع روح العصر وتبسيط الاجراءات ونشر المعلومات والافصاح عنها وسهولة الوصول اليها بأن تكون متاحة للجميع وتوفر أكبر قدر من المعلومات مما يؤدي للكشف عن الحقائق وإتاحة الحوار مما يؤدي الى تحقيق المصلحة العامة . لذا فإن الربط بين الشفافية وتوفير المعلومات ينتهي إلى وجوب أن تتضمن الشفافية ما يلي :
1. الالتزام بتزويد المواطنين وأصحاب المصلحة بالبيانات والمعلومات والأنظمة والتشريعات .
2. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في الوصول والاطلاع والحصول على البيانات والمعلومات والأنظمة والتشريعات والوثائق الحكومية .
3. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في الوصول والاطلاع على اجتماعات ومداولات القطاعات الحكومية .
4. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في معرفة ما يدور في الأماكن والمرافق العامة .
5. وجود تسبيب القرارات الادارية ( توضيح سبب اتخاذها ) .
6. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في معرفة طرق وآليات المساءلة ومواعيد الطعن ( واجب النصيحة والارشاد والمساعدة )
7. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في الوصول ومعرفة عناصر الذمة المالية لكبار المسؤولين .
8. حق المواطنين وأصحاب المصلحة في المشاركة في إدارة الشؤون العامة رسم السياسات والأنظمة والتشريعات واتخاذ القرارات .
وإن من آثار تضارب المصالح : فقدان الثقة في النظم الحكومية والقرارات الادارية والاحباط الذي يؤثر على النسيج الاجتماعي وضعف الثقة في سيادة القانون ونزاهته مما يسبب في ثورات وانهيارات في الدول مثل الربيع العربي , وإن الفساد يزيد من الانفاق العام ويؤثر على قدرة السلطات بالتخطيط وترفع أسعار الخدمات العامة وتؤثر على نوعيتها ويعوق النمو الاقتصادي والتنمية .
وتتعاظم أهمية وفائدة الشفافية في مجال مكافحة الفساد الاداري نظرا لما تقدمه من مزايا للحد من الفساد الاداري حيث تؤدي إلى :
1. الحد من المعوقات الادارية .
2. المساعدة في اتخاذ القرار السليم .
3. المساعدة في اختيار القيادات .
4. مساعدة المواطنين في مراقبة الجهاز الاداري .
5. توفي قدر من الثقة بين الجهاز الاداري والمواطنين .
6. منع الفساد الاداري والمحسوبية 0
7. تعزيز كفاءة الاقتصاد .
8. تبسيط الاجراءات .
وتتجلى أهمية تعارض المصالح بالكشف عن الافصاح عن التضارب مما يجعل من مفهوم تعارض المصالح دون الافصاح عنها هو والعدم سواء , إذ أن الشفافية والافصاح يتفقان مع مبدأ حسن النية ويحققان العدالة والمصلحة العامة وإن التفرقة بين الشفافية والافصاح والادلاء بالمعلومات هي تفرقة واهية لأن هذه الألفاظ لها نفس الأصول والمضمون والمحتوى بحيث يصبح المواطن على إحاطة بالأمور الجوهرية للقرار الاداري , والقدرة على تكوين رأي مستنير , إذ أن المعلومات هي محل القرار الاداري وغايته وإن توفير هذه المعلومات يؤدي الى تحقيق الشفافية والافصاح , للذا فإن الافصاح هو من مستلزمات مبدأ تعارض المصالح , والذي يتضمن عرض المعلومات محل القرار , وإن عدم الافصاح لا يجوز استخدامه إلا عند توافر سلطة مقيدة ولاعتبارات تتعلق بأمور أمنية وجوهري و وتشكل خطر حقيقي وواقعي على الأمن والنظام العام وفي ظروف استثنائية أو وفقا لنص قانوني في حالتي القرار الاداري السلبي والضمني .
وإن من مستلزمات تعارض المصالح هو تبصير المواطن بآلية اتخاذ القرار، ليتمكن من اتخاذ الموقف الحقيقي وفقا لآراء مستنيرة محكمة ومثال ذلك هي حالة السرية وعدم النشر وبيان موقف سلطات الضبط الاقتصادي اذ ان التسامح الاداري مع شركات البورصات بالعمل بالسوق الاردني وتنازع الاختصاص بين سوق عمان المالي والبنك المركزي لترخيصها , وحالة السكوت التي هيمنت على الجهات الادارية مثل المحافظ والمتصرف قد مكنها من العمل في المجتمع والاعلام وأسواق المال بحيث هددت النظام الاقتصادي العام الاردني, وكذلك اجراءات الخصخصة لشركة البوتاس والفوسفات وقضية الكازينو وعطاءات أمانة عمان الكبرى ومشروع الباص السريع والتي شابها عيب مخالفة الدستور والقانون والأنظمة وتعارض المصالح وعدم الممارسة الجيدة لقواعد الحوكمة الرشيدة مما جعل من ذلك معيقات لسلامة القرار الاداري وتغيب قيم المحاسبة واظهر ضعف مؤسسات المجتمع المدني لصيانة المال العام اذ ان التشريعات لم تلتزم بقواعد الشفافية عند صياغة النص التشريعي مما لم يحقق توازن استاتيكي ديناميكي في اصدار والرقابة على القرار الاداري .
لقد نص المشرع الاردني على تضارب المصالح بالدستور والقوانين والانظمة الا ان ذلك تسبب في ازمة تشريعية بسبب غياب التنسيق بين الجهات الرقابية لإنفاذ القانون مثل هيئة مكافحة الفساد والنيابة العامة وديوان المظالم وديوان المحاسبة ومجلس النواب ويتعارض مع عمل الجهات الرقابية الحصانة الاجرائية المستمرة حتى بعد الانفكاك عن العمل وخاصة للوزراء وموظفي الجمارك مما شكل عائق امام محاسبة وزراء في قضية الكازينو وخصخصة البوتاس والفوسفات واتفاقية المطار اذ لم يتمكن القضاء الاداري والجزائي من الغاء القرارات الادارية بها او ملاحقة المشتبه بهم جزائيا.
تعارض المصالح في التشريع الاردني
و"تعارض المصالح" في التشريعات الأردنية سواء كان الحديث عن الدستور، أو القوانين، أو الأنظمة، أو التعليمات واللوائح.. لا يكاد يُذكر (المنصب) أو (الوظيفة العامة) في أي من التشريعات الأردنية إلا ويصاحبهما نص يعالج موضوع "تعارض المصالح" بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك من خلال إيراد الالتزامات والمحظورات التي تصاحب هذا المنصب أو هذه الوظيفة , ومن أشهر الأمثلة على النصوص التشريعية الأردنية التي تعالج موضوع تعارض المصالح المادة ( 44 ) من الدستور الأردني والتي تنص على: "لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أملاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني كما لا يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضواً في مجلس إدارة شركة ما ، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتباً من أية شركة". ولقد نصت المادة 75/2 من الدستور على ما يلي " يمتنع على كل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء مدة عضويته التعاقد مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستثناء ما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك ومن كان مساهماً في شركة اعضاؤها أكثر من عشرة أشخاص".
والمادة ( 76 ) والتي تنص " لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الاعيان أو النواب وبين الوظائف العامة ويقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الاموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الاعيان ومجلس النواب.
إلا أنه لم يتضمن القانون تفريغ لنائب اوالعين للعمل التشريعي وتنظيم قواعد اجرائية لمنع تضارب المصالح , كما أن مدونات السلوك الوظيفي أو مواثيق الشرف الوظيفية التي يوقعها الموظفون ويلتزمون بها تمثل ضمانة إضافية للحد من تعارض المصالح، حيث تضمنت المادة ( 9) من مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة في الاردن عدم استخدام الموظف وظيفته بصورة مباشرة او غير مباشرة للحصول على اية مكاسب مالية لمصلحة خاصة به أو لعائلته.
كما عالج قانون الشركات هذا الموضوع حيث اشارت المادة ( 148 ) انه لا يجوز أن يكون لرئيس مجلس الادارة او احد اعضائه او المدير العام او اي موظف يعمل في الشركة مصلحة مباشرة او غير مباشرة في العقود والمشاريع والارتباطات التي تعقد مع الشركة او لحسابها.

وعلى ضوء ذلك فإننا نوصي بما يلي :
1- بتكييف التشريعات الوطنية مع اتفاقية مكافحة الفساد فيما يتعلق بتضارب المصالح والكسب غير المشروع والافصاح عن المعلومات
2- تنظيم تشريعي موحد لتضارب المصالح وتفريغ النائب والعين للعمل التشريعي واخضاع جميع موظفي الدولة للكشف المسبق عن اموالهم المنقولة وغير المنقولة والهدايا والاكراميات
3- تنظيم التفويض التشريعي بقانون لفرض الرسوم بموجب الانظمة مثل الرسوم القضائية ورسوم التعدين ....وذلك لمنع تضارب المصالح بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
4- حيث أن الوظيفة شأن عام فإننا نوصي المشرع بمنح كل مواطن , ومؤسسة مجتمع مدني الحق في الطعن بالقرار الإيجابي والسلبي لتولي الوظيفة العامة .
5- أن طريقة التعيين واستبعاد الكفاءات تؤثر على التوجهات نحو العدالة وتولد شعورا بالاغتراب وتقتل روح المواطنة .
6- القيم الدستورية لم تترجم بشكل عملي عبر القوانين والقرارات القضائية .
5- أن يتم ترجمة قيم المساواة والعدالة والجدارة والكفاءة والشفافية والمحاسبة بالقوانين والمبادئ لقضائية الأردنية .
6- إخضاع كامل المنازعات الادارية المتعلقة بالوظيفة للرقابة القضائية , ومنها المسابقة الوظيفية لجميع المراحل
7- تعديل النظام القانوني للفئة العليا من حيث التعيين وأدواته والمسار الوظيفي وإنهاؤها واجراءات التحقيق والمحاكمة بما يتلاءم مع الوظيفة العامة والخدمة العامة باعتبارها فئة وظيفية هدفها الخدمة العامة , وغايتها المصلحة العامة .
8- تعديل نظام المسابقة لتعيين من حيث تشكيل لجنتي التعيين والفرز ليتم تمثيل السلطة التشريعية بها وإضافة امتحانات الذكاء والسيكولوجية والقدرات , ولا تكون حسب الحظوة والمحسوبية .



#إبراهيم_أبوحماد_المحامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستراتيجية القانونية لتغير المناخي
- التعيينات القيادية بين الثقافة ومطرقة القانون.
- المساعدة القانونية
- اقتصاد الكراهية الصهيوني.
- اقتصاد الحصار الصهيوني
- القبة الحديدية القانونية الصهيونية
- حرية الاجتماع في العالم الثالث
- الشركات العائلية استراتيجيات التعاون والصراع
- قراءة في النص القانوني العام- البرلمان أنموذجا-
- الأدب الصهيوني الامريكي -جوناثان سافران وزوجه نيكول كراوس أن ...
- أيها الليل
- الهوية
- يوميات محامي
- الأسرة في الكيان الصهيوني
- الاقتصاد الدستوري
- أنا
- أحاديث الحب
- آهات
- الفصل البرلماني في الأدب العربي - كمال ناصر نموذجا -
- الأخوة الاعداء


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - إبراهيم أبوحماد المحامي - تضارب المصالح