أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - تفاصيلٌ بسيطة تُنقذنا.














المزيد.....

تفاصيلٌ بسيطة تُنقذنا.


زيدان الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6372 - 2019 / 10 / 7 - 23:18
المحور: الادب والفن
    


"التفاصيلُ الصغيرة: خيطٌ سَلس لصُنع عقد من الطّراز الفاخر."
- نَدئ عادل.

في عالمٍ يسفحُ في سُخامِ التفاصيل، "إِنني من أكثرِ النَّاس صعوبةً، لأنني ممّن يهتمّون بالأشياء البسيطة، وتسعدهم التفاصيل الصغيرة، ولا أحد يهتم لمثل هذة الأشياء" على حدِّ تعبير دوستويفسكي وهو يشيرُ بصوبِ تلك التفاصيل المسجُورة بالبساطةِ، والتي من شأنها استيقافك لتُسكركَ بلذّة المزاهر في حين أنَّ العالم مشغول بقرعِ طبولِ الحربِ والغضب.

الأحداثُ الكبيرة، ليست بالغالب هي ما يثري حياتنا اليومية، والتي نحنُ بحاجةٍ لها لإنقاذنا وانتشالنا مِن عُرامِ عجلةِ الحياة الرُّوتينية. في حين أن تلك الأحداث الصَّغيرة قادرة على إنقاذنا ونثرَ لطيف الثَّلج في طُرقنا الصادخة. وأنتَ في عالمٍ مُدقع بالمعاطبِ، وقد تغيبُ عن مُصافحتكَ الآمال الكُبرى المُضنية حياتك، وتُهلككَ في انتظارها، علاوةً على مسودّة المتاعب التي تغرقُ بها يوميًا. و ريثما أنتَ بحاجةٍ لتجاوز كُل شيء، هُنالك التفاصيل البسيطة، الصغيرة، الشاردةُ من أكفِّ الأُفق الصعيبة، بإنتظارك دائمًا لتلتفتَ لها؛ فهي وُجدتْ لتُغني فقركَ بحاجتها لو أنَّكَ أُولعتَ بمخفيّاتِ الأمورِ وبساطةِ التفاصيل.

لستَ في حاجةٍ لامتلاكِ سيَّارة بوغاتي لتجاوز كُل شيء هو مُرهقكَ، كما أنَّ امتلاكك ساعةً مِن سويس ميليتري لَن تجعلَ الوقت لمَّاعًا باذخًا، وتذكرةٌ إِلى رينيه الفرنسية لن تُقدّم لكَ حقلَ اعتذارٍ عن مأساتكَ في وطنك، كذلك تجوّلك في مُتحف ميرو في برشلونة لَن يغنيكَ عن بهو لوحاتِ كاسبر ديفيد فريدريش والمُمكن الغرق فيها من خلالِ شاشةِ جهازك. أنتَ أيضًا لستَ في حاجةٍ لحضورِ مسرحيات شكسبير في لندن لتستطعمَ عبقرية حبكتهِ الأدبية. لستَ بحاجةٍ للثراءِ والتَّرف لتُحقق المُتعة، ولا بحاجةٍ للخلودِ لتتذوّق الحياة. فأنتَ إنْ ظننتَ أنَّ أيًا من هذهِ الأمور بإمكانكَ التتخفّف بها مِن أوتادِ الشَّقاء عليكَ فكأنَّما تبتغي الصيد في عرينةِ الأسدِ.

"تُنقذنا الأحداث الصغيرة". لعلّها حياتي أضحتْ تسيرُ على هذا النحو مُنذ أنْ أودعتُني في لطائف التَّفاصيل، وأبسط الأمورِ ،و لَدْن الأحداث. فمنظرُ نافذة تتسلّلُ سهام الشمس مِن خلالها ببراعةٍ ساحرة، تذودُ أوهامي السَّحيقة الباكية. التحامُ الصَّباح بسحابةٍ تفضُّ لنا عقود الدّر، قادرةٌ بتقديم اعتذارٍ لي عن كُل سوء يرتعُ في العالم. منظرُ حبل غسيلٍ يُعانق بلل الملابس المنشورة، يُنجيني من كربِ البلوى، واقتفاء ظلال الأشجارِ لا يخليني مِن تجدّدِ النُّعمى. وهكذا فإنِّي أتجاوزُ كُل شيء، بمسكِ بسمة حبيبةٍ راضية، بِطِراز الحُسن في صوتِ فيروزٍ، بعمودِ إنارة يحرثُ ظلاميتي، بتأمّل وريقات النعناع في شايٍ أتنفّس طيبه، بمقطوعةٍ لِشوبرت، بعذوبةِ شوبان في فالس الوداع، ببُكاء تشايكوفسكي في بُحيرة البجعِ، بجنون موتسارت على عرشِ البيانو، بنصٍّ اكتشفهُ صُدفةً في كتابٍ منسيًا على الرَّفِ، بالغوصِ في "ضِياع" الأخوين رحباني، بارتصافي شارعًا أبادلُ فيه الغُرباء حديثًا عابرًا، بقصيدةٍ عرجاء أُتمم كتابتها لحسناءِ الملامح، برُؤيةِ أصابع طفلٍ تُقطِّر عالمًا من خربشاتِ البراءة، بلوحةٍ فنيّة اتخطَّى بها تكويني الطِّيني، بِنباتاتٍ منزلية تُورق في ارجاءِ المنزل، بمشتلٍ أتوقّف قُباله لأتنفّس اخضراره، بلمسةِ قُماشٍ في متجرٍ للتو اكتشفته، بفناجينِ القهوةِ المُختلفة، بكتابٍ اقتنيه للتو، بفكرةٍ رشيدة استنبتُها من استنتاجٍ حصيف، بلونِ زهرةٍ تُعانق عينيّ، برقّةِ النَّدى على خصرِ العُشبِ، بغرقٍ مُنقذٍ في زوايا الفنِّ، بخطيبِ الرَّعدِ وحِبال الأمطار المُرسلة من السماءِ، بثمرةٍ تُعلن وجودها، بلبلابٍ على أكتافِ المنازل، بليلةٍ كافوريّةِ النجوم رقدَ الدّهر عنها.
بكُل تلك التَّفاصيل الزاخرة باللُطف والتي تعجزُ اللُّغة ترجمتها، والتي لا يلتفتُ كثيرًا منّا ليمنحها فُرصةً لتُعندل أيامه، وتصفي باله، ويستدفعُ بها المرء نقمة أحواله، بإمكانكَ أن تتجاوزَ تعسّفات الحياة. ولعلّها هذهِ التَّفاصيل البسيطة المُختبئة في جديلةِ أيامنا هي ما أشارَ إليها ماركوس أوريليس بِحاجتنا لها من أجل أن نحيا حياةً ينقشها الرضا.



#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منطقُ -الله يهديك- .
- الكاتِب العَربي: جمال التَّعبير ومزبلة التَّفكير.
- الشعوب هي القاعدة المُؤسِّسة لِهرمِ الطُّغيان.
- قمّة مكّة ومسرحية لهو الحكومات العربية.
- الله لَيس عَربيًا .
- الإرهاب القمعي والمُعتقلات، وجهٌ صريح للأنظمة العربية.
- رمضان المُسلمين فانوسٌ بلا نور.
- اخجلوا مِن أنفسكم واعطونا الطّفولة.
- مُثقّف الفُقاعة.
- -الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .
- ضِفَّة الطُغاة و قمّة الرِّمم العربية.
- إلى مَتى سَنبقى نُحارب طواحين الهواء؟.
- لماذا لا تصدر كِتابًا؟.
- حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
- حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
- مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
- التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
- ضَحايا تجارب إلهية.
- كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة ال ...
- بُنٌ بِرائحة امرأة.


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - تفاصيلٌ بسيطة تُنقذنا.