أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - الدولة المدنية بالعراق.. نجاح إسلامي وفشل علماني















المزيد.....

الدولة المدنية بالعراق.. نجاح إسلامي وفشل علماني


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 02:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنتقال قوى الإسلام السياسي الى معسكر المطالبين بالدولة المدنية بالعراق، بعد رفع شعار (خبز- حريّة- دولة مدنية) من قبل أنصار وجماهير التيار المدني المطالبين بالإصلاح، هو بالحقيقة تعبيرعن فشل القوى الدينية والعلمانية على حد سواء في إيجاد تفسير لشكل الدولة التي يريدونها. فالإسلاميون الحالمون بمبدأ الحاكمية لله كمبدأ إسلامي ودولة وليّ الفقيه أسوة بالحكم في إيران، فشلوا في تقديم نموذجا مقبولا للحكم منذ أن هيمنوا على مقدّرات البلد بعد الإحتلال الأمريكي لليوم. وفشلهم هذا ولعدم توفر المناخ السياسي لإعلان ما يحلمون به أي "الدولة الإسلامية" وفسادهم الذي نخر الدولة والمجتمع، جعلهم أن يكونوا الى جانب شعار الدولة المدنية كخيار تكتيكي وليس ستراتيجي. أما القوى العلمانية على إختلاف توجهاتها وآيديولوجياتها، فأنها تراجعت عن علمانيتها لصالح المدنية لخوفها من المؤسسات الدينية التي تستطيع أن تحرّك جمهور واسع من أتباعها الأميين والمتخلفين ضدها، تحت يافطة الكفر. هذا السيناريو لا يقتصر على العراق فقط، بل نراه في بلدان عربية أخرى عديدة ومنها مصر على سبيل المثال. فبعد احداث الربيع العربي، تراجع العلمانيون فيها لصالح الدولة المدنية وتقدم الإسلاميون نحوها بنفس الوقت، حتى أنّ حزبا سلفيا كحزب النور أصبح من دعاة الدولة المدنية، بل ذهب الأمر هناك بعيدا ليقول الرئيس المصري المعزول والراحل محمد مرسي من أنّ "مشروع الدولة الإسلاميّة الذي تطالب به الجماعة - الأخوان المسلمون - لا يختلف عن مفهوم الدولة المدنية بخلفية عقدية دينية"! ولو راجعنا مفهومي المدنية والعلمانية وفق تعريفيهما، لأكتشفنا نجاح الإسلاميين في خطوتهم هذه وفشل مدوي للعلمانيين، لماذا؟

يميل الإسلاميّون الى نموذج الدولة المدنية كحل آني لعدم وجود تعريف محدد لها، علاوة على عدم وجود مثل هذا المصطلح في العلوم والمفاهيم الأجتماعية والسياسية الحديثة، والتي إن وجدت فأنها تتحدث عن مجتمع مدني وليس دولة مدنية وهذا ما يمنحهم حرّية تفسيرها وفق مفاهيمهم الدينية الفضفاضة والقابلة للتأويل، علاوة على هامش واسع للحركة في لوحة سياسيّة معقدّة كما وضع العراق. فالدولة المدنية تضع الدين في صلب دستورها، كأن تقول أن الدين الرسمي هو الإسلام وهو مصدر أساس للتشريع (أو مصدر من مصادر التشريع)، وأن لا يجوز سن قوانين تتعارض وأحكام الإسلام "الدستور العراقي المادة 2 أولا ، أ" . كما ويطالب الإسلاميون بين الحين والآخر ومن خلال حقّهم كونهم منتخبون "ديموقراطيّا" بتعديل قانون الأحوال الشخصية، وهذا الحق يمنحهم إياه شكل الدولة التي يريد العلمانيون التراجع عنها لصالح الدولة المدنية. فالإسلاميّون وهم يحاججون العلمانييون المنكفئون من العلمانية للمدنية في تراجع واضح وخطير، يعتبرون تجربتهم وفق ما أشرنا إليه قبل قليل هي تجربة مدنية، كون العدالة والمساواة واللتان تعتبران من أركان بناء مجتمع مدني، هي بالأساس مفاهيم إسلاميّة بشّر بها الإسلام منذ قرون طويلة. أمّا باقي مفاهيم ما تسمّى بالدولة المدنية كحرية المعتقد والتعبير عن الرأي على سبيل المثال، فأنّ القوى الإسلامية وهي تخوض تجربة "الدولة المدنية" تقمعها بشكل صارخ، وتستطيع في أية لحظة تكفير من يقف بوجهها إن عبّر عن رأيه تجاه قضية إجتماعية معيّنة ولا نقول دينية أو سياسية.

أنّ إنخراط رجال الدين ومؤسساتهم بالحياة السياسيّة بالبلد، عن طريق فتاواهم وما يطلقون عليه نصائحهم للطبقة السياسية الحاكمة والتي فشلت لليوم في بناء دولة ومجتمع متماسك، هو من أكبر الأخطار التي تواجه شعبنا ووطننا. وللخلاص من هذا الخطر المحدق والذي ينذر بتمزيق الدولة والمجتمع، على القوى العلمانية أن تفكّر جديّا بتغيير خطابها السياسي وشعاراتها. فشعار "الدولة المدنية" التي تنادي به هذه القوى، وعن طريق الديموقراطية التي لا تعرف القوى الإسلاميّة منها الا صناديق الإقتراع، لأنّها ونتيجة قلّة أو غياب الوعي عند نسبة كبيرة جدا من أبناء شعبنا تستطيع إضافة الى عوامل أخرى حسمها دائما لصالحها، فأنّها أي القوى العلمانية تفسح المجال - ومن خلال مفهوم ما تسمّى بالدولة المدنية - واسعا لها في بناء دولة دينية.

يحاول رجال الدين ربط العَلمانية كمفهوم وفلسفة للحكم، بسعي الشعوب الأوربية للتحرر من سطوة الكنيسة وفظاعاتها في القرون الوسطى، ومن أنّها مفاهيم غربية لا يمكن الإستفادة منها في بلداننا الإسلامية. متناسين من أنّ العلمانية جاءت لفصل الدين، أي دين عن الدولة. وقد عرّف معجم روبير العَلمانية بأنها "مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". ومن خلال التعريف هذا لا نجد مكانا لما تسمّى بالدولة المدنية، بل هناك مثلما ذكرنا سابقا مجتمع مدني. ومن خلال نفس التعريف وفي حالة الدولة العلمانيّة التي نريدها بالعراق، فأنّ الدولة لا تمارس أية سلطة دينيّة، وفي الوقت نفسه ليس من حقّ المؤسسات والمرجعيات الدينية ممارسة السياسة.

أقرب تعريف إسلامي للعَلمانية في الشرق هو تعريف الشيخ والمجدد الديني محمّد عبده، وهو يحاول إنقاذ الدين من وحل السياسة وإعادة الإحترام له حينما قال "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين". وهو مخالف تماما لرأي الخميني الذي يقول "سیاست ما عین دیانت ما و دیانت ما عین سیاست ماست"، أي أنّ " سياستنا هي ديننا وديننا هو سياستنا بالضبط". ومن خلال الرجلين نستطيع التعرّف على أمر هام للغاية وهو: حرص الشيخ عبده على الإسلام من الأنزواء نتيجة تدخله في السياسة وفشله، ما سيكون له أثر كبير في النكوص عن الدين وهذا ما يسميه رجال الدين بالعراق إلحادا دون أن يفتّشوا عن الأسباب التي تدعو الناس للإلحاد ودورهم فيه، ومغامرة الخميني بتلويث الإسلام بوحل السياسة وهذا ما نلاحظه من الإنتقادات الواسعة ليس لرجال الدين والاحزاب الإسلامية فقط، بل وللدين نفسه بعد أن جرّده الإسلاميون من دفاعاته نتيجة فسادهم وجرائمهم. علما أن الإلحاد بالعراق وإن كان موجودا فأنّه رد فعل على تدخل الدين بالشأن السياسي وفشله، وليس نتيجة زيادة الوعي بين الناس هناك.

ليس أمامنا الا طريق واحد لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن مزّقه الإسلاميون، وجماهير خدّرتها العمائم وأخلاق شوّهها الإسلام السياسي، الّا ببناء دولة علمانيّة لا دولة "مدنيّة". دولة تضع المقدّس كله في بيوت الله موفّرة له الإحترام الكامل وحريّة ممارسته، وتعتمد على القوانين الوضعيّة فقط في تسيير الدولة والمجتمع. دولة لا مكان فيها للفقه والتشريع وتقسيم المجتمع على أسس طائفية. دولة علمانيّة لا تكتفي بفصل الدين عن الدولة، بل تسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين وتمنعهم من التدخل في الشؤون غير الدينية كلها. دولة تراقب إنتشار الكراهية من خلال خطب الجمعة وتقننها ، بل وتعمل على منعها إن شكّلت خطرا على السلم المجتمعي، كأن تتهم أحزابا ومنظمات معينة بنشر الإلحاد. دولة تمنع رجال الدين من التعرض للمرأة وقمعها وإلغاء دورها بالمجتمع.

أنّ ما يجري في العراق اليوم هو نجاح للمشروع الإسلامي عن طريق تبنيه مشروع ما يسمّى بالدولة المدنية، وبتراجع العلمانيون عن مشروع علمانية الدولة لصالح مدنيتها، فأن مشروع أسلمة الدولة والمجتمع مسألة وقت ليس الّا. فهل سيعي العلمانيون هذا الأمر، ويتسلحوا بالجرأة لمواجهة المشروع الظلامي الإسلامي ذي اليافطة المدنية .. ؟



#زكي_رضا (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سائرون .. لا آمال ولا تحدّيات
- قانون حمزة الشمّري 1.9 وتصويت الصدريين عليه
- زمن حمزة الشمّري
- نوري المالكي بين مادلين طبر وعازفة كمان
- رسالة الى السيد مسعود البارزاني
- عقدة الرابع عشر من تموز عند -المثقفين- والإسلاميين الشيعة
- الشهيد ستار خضير في ذكرى إستشهاده الخمسين
- إلى أين يقود المتخلفون العراق ..؟
- سيرك البرلمان العراقي بين الإصلاح والگوامة
- إنتحار الإمام عليّ
- وطن حر وشعب سعيد .. شعار شيوعي
- السم الزعاف بين الخميني وخامنئي
- هيفاء الأمين وبارومتر التخلف بالعراق
- الخارجيّة العراقية تكيل بمكيالين
- 9 نيسان إنهيار بلد وإذلال شعب
- السيد السيستاني .. هل يشاركني وكلائكم فقري؟ زكي رضا
- -قرّة- عيونكم سائرون .. رايتكم بيضة سائرون!!
- الكورد الفيليون في حوار قناة دجلة الفضائية حول مشروع قانون ا ...
- زعماء الشيعة والجغرافيا والخيانة
- رواندا نحو الفضاء .. والعراق نحو الهاوية


المزيد.....




- مايا دياب -تُشعل أظافرها- في إحدى أكثر إطلالاتها غرابة
- بعد تحذير ترامب.. سكان طهران يفرون شمالا مع دخول الصراع يومه ...
- مسؤول عسكري إسرائيلي يكشف سبب تراجع عدد الصواريخ التي تطلقها ...
- أثناء توجهه إلى الملجأ.. نفتالي بينيت لـCNN عن إيران: هناك ص ...
- إيران تعلن عن خطة -البدلاء العشرة- لضمان استمرارية القيادة ف ...
- ما هي أسوأ السيناريوهات المحتملة في الصراع بين إيران وإسرائي ...
- هل يصبّ سقوط النظام الإيراني في مصلحة الأنظمة العربية؟
- بريطانيا تدرج 10 أشخاص و20 سفينة وإدارة بوزارة الدفاع الروسي ...
- الحرس الثوري الإيراني يكشف عن مسيرة انتحارية جديدة (فيديو)
- -فاتح-.. أحدث صاروخ إيراني فرط صوتي يدخل على خط الحرب مع إسر ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - الدولة المدنية بالعراق.. نجاح إسلامي وفشل علماني